فيضانات إسبانيا.. وزارة الخارجية تعلن استعدادها لتقديم المساعدة للمغاربة بالمناطق المتضررة        مجلس الحكومة يطلع على اتفاقية دولية لتسليم المجرمين بين المغرب وهولندا    مطار تطوان الدولي يستقبل أكثر من 260 ألف مسافر خلال 9 أشهر    مراكش 'إير شو 2024': التوقيع على عدة اتفاقيات شراكة في قطاع صناعة الطيران    الإيرادات السياحية.. تقدم المغرب 10 مراتب في التصنيف العالمي    انخفاض جديد مرتقب في أسعار الغازوال بالمغرب    انييستا: مونديال 2030 يتوفر على "جميع المقومات لتحقيق نجاح كبير"    جماهير اتحاد طنجة تتوجه بنداء لوالي الجهة لإنهاء حرمانها من حضور المباريات    إسبانيا تحصي خسائرها من الفيضانات والسيول.. والأرصاد تحذر ساكنة المناطق المتضررة    إسبانيا تحت وطأة الكارثة.. الفيضانات الأسوأ منذ نصف قرن    نشر أخبار كاذبة والتبليغ عن جريمة غير واقعية يجر شخصاً للاعتقال    المغرب يتابع أوضاع مواطنيه في إسبانيا ويسجل حالة وفاة واحدة    7 نوفمبر بالمسرح البلدي بتونس "كلنا نغني" موعد العودة إلى الزمن الجميل    بدء مناقشة مشروع قانون الإضراب في مجلس النواب في أجواء مشحونة        ائتلاف مكون من 20 هيئة حقوقية مغربية يطالب ب "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن فؤاد عبد المومني        المنتخب المغربي للفوتسال يواجه فرنسا وديا يوم 5 نونبر القادم    ماكرون: موقف فرنسا من قضية الصحراء المغربية بصدد تحريك مواقف بلدان أوروبية أخرى    ملف طلبة الطب.. بايتاس يؤكد عدم وجود مستجدات والحل بيد الوسيط    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يُكرم الراحلة نعيمة المشرقي، والممثل الأمريكي شون بين، والمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ    المحكمة تقرر تأجيل محاكمة "الستريمر" إلياس المالكي    الكاتب المغربي عبد الله الطايع يفوز بجائزة "ديسمبر" الأدبية    مريم كرودي توثق رحلتها في ورشات الشعر بكتاب "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة"    يهم الصحافيين.. ملفات ساخنة على طاولة لجنة بطاقة الصحافة المهنية    الشرطة الألمانية تطلق عملية بحث مكثفة عن رجل فرّ من شرطة برلين    حماس ترفض فكرة وقف مؤقت لإطلاق النار وتؤيد اتفاقا دائما    اعتقال إسرائيليين بتهمة التجسس لإيران    موسم أصيلة يحتفي بمحمد الأشعري، سيرة قلم لأديب بأوجه متعددة    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    موقع "نارسا" يتعرض للاختراق قبل المؤتمر العالمي الوزاري للسلامة الطرقية بمراكش    اعتقال ومتابعة صناع محتوى بتهمة "التجاهر بما ينافي الحياء"    مولودية وجدة ينتظر رفع المنع وتأهيل لاعبيه المنتدبين بعد من تسوية ملفاته النزاعية    طقس الخميس.. امطار ضعيفة بالريف الغرب وغرب الواجهة المتوسطية    لبنان.. ميقاتي يتوقع إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل في غضون أيام    الطاقة الخضراء: توقيع اتفاقية شراكة بين جامعة شعيب الدكالي وفاعلين من الصين    توقيف شخص بسلا يشتبه تورطه في جريمة قتل    مصرع شاب في حادثة سير بتازة    مانشستر سيتي وتشيلسي يودعان كأس الرابطة الإنجليزية    منفذو الهجوم الإسرائيلي على إيران يتحدثون للمرة الأولى    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    إسرائيل تدعو لإقالة خبيرة أممية اتهمتها بشن حملة "إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين    القروض والأصول الاحتياطية ترفعان نسبة نمو الكتلة النقدية بالمغرب إلى 6,7% الشهر المنصرم    وزير: الإنتاج المتوقع للتمور يقدر ب 103 آلاف طن في الموسم الفلاحي 2024-2025    الخنوس يهز شباك مانشستر يونايتد    متحف قطر الوطني يعرض "الأزياء النسائية المنحوتة" للمغربي بنشلال    الحدادي يسجل في كأس ملك إسبانيا    التحكيم يحرم آسفي من ضربة جزاء    الممثل المصري مصطفى فهمي يغادر دنيا الناس    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    إطلاق حملة وطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحرير التجارة... رؤية فقهية من القرن التاسع عشر
نشر في التجديد يوم 19 - 05 - 2005

نقدم في هذه الحلقة نصا يتعلق باستشارة من السلطان المولى الحسن الأول للعلماء في شأن تحرير التجارة مع الدول الأجنبية في شأن طلب بعض نواب الأجناس أي ممثلي بعض الدول الأجنبية بطنجة تجديد شروط التجارة بقصد تسريح الأشياء الممنوعة الوسق، كالحبوب مطلقا والأنعام والبهائم ونحو ذلك. ونقصان صاكة الاعشار (الضرائب الجمركية).وفي هذا النص سواء في استفتاء مولاي الحسن الأول للعلماء أو في الفتوى التي حررها الناصري صاحب الاستقصاء، نقف عند عدة ملاحظات:
حرص السلاطين آنذاك على استشارة العلماء، وسعيهم إلى التسديد والتقريب كما جاء على لسان السلطان مولاي الحسن الأول حتى لا يتسبب للمسلمين في غلاء أو يوافق لهم على ضرر.
أن السلطان مولاي الحسن يؤكد بعد تلك الاستشارة لمن يعتد به ومن يشار إليه بالخير والفضل والدين والعقل والذكاء والدهاء، موثوقا بديانته وأمانته فلم يشيروا فيه بخير أنهم واتفقوا على أن لا مصلحة في تسريح ذلك أهلا بل يؤدي إلى فقده بالكلية". وسبب ذلك ما سيترتب عنه من نقص الصاكة وضعف المدخول الذي به تقويم الجيش ومصالح العسكر
لكن السلطان مولاي الحسن يؤكد أن نواب الأجناس الراغبين في تسريح الصاكة أي تحرير التجارة قد اجتهدوا في بيان منافعها على البلاد على مقتضى ما ظهر لهم وردوه بما يطول شرحه يقول السلطان ولا يفي به قرطاس. فما كان منه إلا أن استشار العلماء عملا بقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح من أجل أن يقوم بتحرير جزئي متدرج على وجه التجريب أو كما جاء في رسالة السلطان: "فاقتضى نظرنا الشريف أن ظهر لكم درءا لتلك المفاسد المقدم على جلب المصالح أن يساعدوا على تسريح أشياء، بقصد الاختبار من تلك الأمور ممنوعة الوسق، كالقمح والشعير، وذكر أن البقر والغنم والمعز والحمير ثلاث سنتين فقط، على شرط الاختبار في المنفعة التي ذكروها في تسريحه، الكل بأعشاره المعلومة في مثله. على أن يكون تسريح ذلك في وقت غلته مع وجود الخصب مدة من ثلاثة أشهر، وبعد مضيها يثقف ولا يسمع لكلام من أحد في تسريحه..." هو كلام يذكرنا ببعض التفاصيل الواردة في اتفاقيات الشراكة والتبادل الحر المعاصرة ومنها تلك التي عقدها الغرب مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ولما قرئ هذا الكتاب على خاصة الناس وعامتهم كما يقول الناصري أجابوه كلهم بأن الرأي ما رآه السلطان "إلا ما كان من بعض العامة الأغمار الذين لم يجربوا الأمور، ولا اهتدوا إلى النظر في العواقب فإنهم قالوا: ما نعطيهم إلا السيف لكن لم يلتفت إليهم".
ويجد القارئ في فتوى الناصري صورة لتفاعل الفقه الاسلامي مع النوازل خاصة في عصر الانحطاط والشعور بالاستضعاف أمام الغرب القوي بتكنولوجيته الحربية، وكيف لم يستخدم العقل الفقهي آليات النظر الفقهي وقواعده، من جهة الفقه والحكم الشرعي، وجهة الرأي والسياسة اللذين ينبغي أن يجريا على ضابط الفقه كما يقول الناصري وجهة الفهم عن الله والنظر في تصرفاته في الوجود (فقه الواقع أو فقه السنن بالتعبير المعاصر)، حيث يستعرض الناصري من هذه الجهة الأخيرة إلى ما آل إليه وضع المغرب من ضعف وتفكك حتى وصل الأمر بالناصري إلى أوصاف قاسية واتخدت مواقف رافضة لذلك التحرير وقالت: "لا نعطيهم إلا السيف وانتقاد شديد للمواقف الشعبوية التي برزت أنذاك إذ يقول في نقد دعاة الحرب والمواجهة مع الغرب: "ولاشك أن هذه حالة العامة الاغمار الذين لم تضرسهم الحروب، ولا حنكتهم التجارب، تجدهم إذا ظهرت مخايل فتنة تأسل الله العافية استشرفوا إليها وتمنوا خوضها. وربما تألى بعضهم، وقال والله لئن حضرتها لأفعلن ولأفعلن. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تتمنوا لقاء العدو" وإذ يقول في وصف حال المغرب: "فهذا القطر المغربي تدارك الله رمقه
على ما ترى من غاية الضعف وقلة الاستعداد. فلا تنبغي لأهله المسارعة إلى الحرب مع العدو الكفار مع ما هو عليه من غاية الشوكة والقوة. وقد تقرر في علم الحكمة أن المعاندة والمدافعة إنما تحصل بين المتضادين والمتماثلين ولا تحصل بين المتخالفين. وحالنا اليوم مع العدو ليس من باب التضاد ولا من باب التماثل وإنما هو من باب التخالف فافهم".
ويقول "وأهل المغرب اليوم إلا القليلون منسلخون من هذا كله (يقصد البصيرة في الدين والألفة وجودة الرأي والتمرس بالحروب ومكايد المشركين) فقد توالت عليهم الأجيال في السلم والهدنة وبعد عهد سلفهم بالحرب وشدائدها ومعاناة الأعداء ومكايدها. إنما همهم مأكولهم ومشروبهم وملبوسهم كما لا يخفى حتى لم يبق بينهم من هذه الحيثية فرق بينهم وبين نسائهم، وليس الخبر كالعيان".
وبعد هذه المقدمة التي رأينا أنها ضرورية على طولها نترك القارئ مع النص:
وفي هذه السنة (1302/1885) اشتد حرص أجناس الفرنج على تنقيص صاكة الأعشار وطلبوا من السلطان أيده الله أن يحط عنهم من صاكة السلع الموسوقة التي كانت مسرحة من قبل وأن يسرح لهم ما كان مثقفا قبل ذلك. وأبدأوا في ذلك وأعادوا، وقاموا فيه وقعدوا.
فلما رأى السلطان أيده الله شدة حرصهم وتكالبهم كتب كتابا إلى الرعية يستشيرهم فيه ويقول بعد الافتتاح:
أما بعد، فقد كان طلب منا بعض نواب الأجناس بطنجة على وجه الخير والمحبة. فيما سلف من أعوام. تجديد شروط التجارة. بقصد تسريح الأشياء الممنوعة الوسق. كالحبوب مطلقا والانعام والبهائم ونحو ذلك، ونقصان صاكة الخارج، ذاكرين أن تسريح ذلك فيه النفع لبيت المال وللرعية، وهذه مدة من خمسة أعوام. ونحن ندافع. ونسدد ونقارب بما يقتضيه الوقت والحال. عملا بقول سيد الوجود، صلى الله عليه وسلم، في وقائع وقضايا: "سددوا وقاربوا" لابقاء ما كان على ما كان، إذ لا أقل من ذلك، سيما في هذا الزمان الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: "يأتي على الناس زمان يمر فيه الحي على قبر الميت فيقول: "ليتني مكانك" وحاشى لله أن نتسبب للمسلمين في غلاء. أو نوافق لهم على ضرر وكفى بالله شهيدا. وكيف والله سبحانه قد استرعانا عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته" والآن قد اشتد حرصهم على ذلك، وتمالأوا فيه على كلمة واحدة وصمموا عليه.
ولما أفضى الحال إلى ما أفضى إليه. مما لا ينبغي ولم يمكن إلا الإعلان بذلك والمشاورة فيه مع من يعد به. استشرنا فيه جميع من يشار إليه بالخير والفضل والدين والعقل والذكاء والدهاء. موثوقا بديانته وأمانته. فلم يشيروا فيه بخير، واتفقوا على أن لا مصلحة في تسريح ذلك أصلا. وبينوا ما يترتب على الكل من المفاسد.
ففصل الحيوان أول ما يترتب على تسريحه من الضرر، غلاؤه على ضعفاء الرعية، بل يؤدي إلى فقده بالكلية، من هذه الإيالة، وأشياء أخر لا يفي بها التعبير هنا.
وفصل النقص من الصاكة يترتب عليه ضعف المدخول الذي منه يقوم المخزن والجيش والعسكر. ومصالح الرعية. وأعظمها تضعيف الرعية بالقبض منهم. كتضعيف المكوس وضرب الخراج عليها، تقوية لبيت المال والجيوش.
وما أبداه بعض نواب الأجناس الراغبون في تسريح ذلك من المصالح المالية العائدة على رعيتنا السعيدة على مقتضى ما ظهر لهم. ردوه بما يطول شرحه، ولا يفي به قرطاس.
ولما رأينا الأمر استحال إلى أسوأ حال أو كاد. تداركنا هذا الخرق بالرفء وجنحنا إلى السلم، امتثالا لقوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) (سورة الأنفال آية 61) وارتكبنا أخف الضررين. فاقتضي نظرنا الشريف أن ظهر لكم درءا لتلك المفاسد المقدم على جلب المصالح أن يساعدوا على تسريح أشياء بقصد الاختبار. من تلك الأمور الممنوعة الوسق. كالقمح والشعير. وذكران البقر والغنم والمعز والحمير. ثلاث سنين فقط. على شرط الاختبار في المنفعة التي ذكروها في تسريحه. الكل بأعشاره المعلومة في مثله. على أن يكون تسريح ذلك في وقت غلته. مع وجود الخصب مدة من ثلاثة أشهر. وبعد مضيها يثقف. ولا يسمع كلام من أحد في تسريحه، ولا يقبل منه عذر فيه. وفي العام المقبل إذا كان صالحا يسرح ثلاثة أشهر بقصد الاختبار أيضا. وإذا كان ناقصا لا يقع اختبار بتسريحه المدة المحدودة. ويبقى مثقفا، على أن ذلك ليس بشرط وإنما هو على سبيل الاختبار حتى يظهر.
ولتعلموا أنكم لن تزالوا في سعة. فإن ظهر لكم ذلك، فالأمر يبقى بحاله، وإن ظهر لكم ما هو أسد وأحوط في الدفاع عن المسلمين فاعلمونا به، إذ ما أنا إلا واحد من المسلمين.
وأعلمناكم بما كان امتثالا لقوله تعالى: (وشاورهم في الأمر) (سورة آل عمران آية 159) وإلا (فما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) (سورة الجمعة آية 11) والسلام.
في سابع رجب الفرد الحرام عام ثلاثة وثلاثمائة وألف (7 رجب 1303/11 أبريل 1886).
انتهى كتاب السلطان أعزه الله.
ولما قرئ هذا الكتاب على خاصة الناس وعامتهم، أجابوا كلهم بأن الرأي ما رآه السلطان وفقه الله إلا ما كان من بعض العامة الاغمار الذين لم يجربوا الأمور، ولا اهتدوا إلى النظر في العواقب، فإنهم قالوا: ما نعطيهم إلا السيف، لكن لم يلتفت إليهم.
وقد كتبت في هذه المسألة جوابا مطولا رأيت اثباته هنا خشية ضياعه ونصه:
اعلموا حفظكم الله أن النظر في هذه النازلة يكون من وجوه:
أحدها من جهة الفقه والحكم الشرعي.
ثانيها من جهة الرأي والسياسة، وهذا لا بد أن يجري على ضابط الفقه أيضا.
ثالثها من جهة الفهم عن الله تعالى، والنظر في تصرفاته سبحانه في هذا الوجود بعين الاعتبار.
فأما الوجه الأول فاعلم أن الفقهاء رضوان الله عليهم قد نصوا على أنه لا يجوز بيع آلة الحرب من السلاح والكراع والسروج والترسة ونحو ذلك من الكفار الحربيين، لما يخشى من تقويهم بذلك علي المسلمين هذه علة المنع وهي تفيد أمرين:
أحدهما أن كل ما هو في معنى السلاح، مما يفيدهم تقوية، حكمه حكم السلاح في المنع، وهو منصوص عليه فلا نحتاج إلى التطويل بجلبه.
ثانيهما أن ما لا يتقوون به يجوز بيعه منهم كيف ما كان، وعدم التقوي يكون بأحد وجهين:
إما بكون ذلك المبيع ليس من شأنه التقوي به في الحرب، كبعض المأكولات والملبوسات وغير ذلك مما مسرح لهم اليوم وقبله بزمان.
وإما بكونه من شأنه أن يتوقى به فيها. ولكنه عديم الفائدة بالنسبة إلى حالهم اليوم، لما تقرر من أنهم صاروا من القوة والاستعداد والتفنن في أنواع الآلات الحربية إلى حيث صارت آلاتنا عندهم هي والحطب سواء. والدليل علي ذلك أنهم يبيعوننا أنواعا من الآلات الحربية نقضي العجب من جودتها واتقانها، ومع ذلك فينقل لنا عنهم أنهم لا يبيعوننا منها إلا ما انعدمت فائدته عندهم، لكونهم ترقوا عنها إلى ما هو أجود منها، واستنبطوا ماهو أتقن وأنفع إلا فيما قل.
وعلى هذا فتنبغي اليوم الفتوى بجواز بيع سلاحنا منهم. فضلا عن غيره لجزمنا بأن ذلك لا يفيدهم في معنى التقوي شيئا. وإن كانت هناك فائدة. هذا إذا لم نتوقع ضررا منهم، عند امتناعنا من البيع. فأما إذا كنا نتوقعه منهم، كما هو حالنا اليوم. فيرتقي الحكم عن الجواز إلى ما فوقه، وللضرورة أحكام تخصها.
فإن قلت: فقد أقدمت بهذا الكلام على ما لم يقدم عليه أحد قبلك في استجازتك بيع السلاح من الحربين، قلت: إنما ذكرت السلاح توطئة، لما الكلام فيه. حتى يؤخذ حكمه بالأحرى، ثم إني ما أقدمت عليه إلا بالقاعدة الفقهية، لا مجازفة كما أقدم من قبلي على إجازة بناء الكنائس بأرض المسلمين لأجل الضرورة الداعية إلى ذلك. فقد أفتى علماء الأندلس في القرن الخامس بالإذن للنصارى في أحداث الكنائس بأرض العنوة وبما اختطه المسلمون من الأمصار. مع أن الموجود في كتب السلف هو المنع، وما ذلك إلا لأن الأحكام المترتبة على الأعراف تختلف باختلاف تلك الأعراف.
قال القرافي في كتاب الاحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام في السؤال التاسع والثلاثين ما نصه: "إن قلت: ما الصحيح في هذه الأحكام الواقعة في مذهب مالك والشافعي وغيرهما المرتبة على العادة والعرف اللذين كانا حاصلين حالة جزم العلماء بهذه الأحكام؟ فهل إذا تغيرت تلك العوائد وصارت تدل على غير ما كانت تدل عليه أولا. فهل تبطل هذه الفتاوى المسطورة في الكتب ونفتي بما تقتضيه هذه العوائد المتجددة أو يقال نحن مقلدون وما لنا إحداث شرع لعدم أهليتنا للاجتهاد فنفتي بما في الكتب المنقولة عن المجتهدين؟
فالجواب إن إجراء هذه الأحكام التي مدركها العوائد، مع تغير تلك العوائد، خلاف الاجماع وجهالة في الدين. بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد بتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة. وليس ذلك تجديدا للاجتهاد من المقلد حتى تشترط فيه أهلية الاجتهاد، بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء، وأجمعوا عليها، فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد".
ونحوه له في كتاب الفروق ونقله عنه الأئمة واعتمدوه، فبان من هذا أنه لا معنى للافتاء اليوم بمنع بيع شيء من الكفار أيا كان إلا المصحف والمسلم وما في معناهما لأنهم بلغوا اليوم من القوة إلى الحد الذي لم يكن لأحد في ظن ولا حساب إلا أن يريد الله كفايتنا إياهم بأمر من عنده. فهو سبحانه ولى ذلك والقادر عليه، وذلك ظننا به تعالى.
فإن قلت: هنا مضرة أخرى تمنع من بيع ما طلبوه وهي التضييق على المسلمين في معايشهم ومرافقهم لأنهم إذا أكبوا على شراء هذه الأشياء فلابد أن تغلوا وترتفع أثمانها. وفي ذلك من الأضرار بالمسلمين ما لا يخفى. ولذا أفتى الأئمة بمنع الحكرة في كل ما للناس به حاجة من طعام وادام وعروض. فإن كان في الحال سعة. ولم يضر الاحتكار بالناس جاز في الطعام وغيره. قلت: والناس اليوم والحمد لله في سعة. وأما حصول التضييق عليهم في معايشهم ومرافقهم بسبب تسريح وسق هذه الأشياء للنصارى فمشكوك فيه. قد يحصل، وقد لا يحصل، والشك مطروح في نظر الشرع، بخلاف المضرة المتوقعة منهم عند المنع والمحاربة، فمقطوع بها نظرا للقرائن القوية والعادة.
فإن قلت: بل الغالب حصول التضييق، لا أنه مشكوك فقط، قلت: ليس بغالب، فقد رأيناهم منذ أزمان، وهم مكبون على وسق أشياء كثيرة مثل القطاني وغيرها، ومع ذلك لم يحصل فيها والحمد لله الرخاء، بل الحق أن هذا من علم الغيب. لا ينبغي لأحد أن يحكم عليه بغلبة ولا قلة. لأن الحكم في ذلك بالتخمين من باب التخرص على الله تعالى في غيبه وهو حرام.
على أن النصارى إذا اشتروا منا شيئا من ذلك فإنما يشترونه بالثمن الذي له بال. ويعشرونه بالصاكة التي لها بال. فتحصل الأرباح للرعية وللسلطان، وهذه منفعة مقطوع بها، وأما الغلاء فمشكوك كما قلنا.
والحاصل أن الأبحاث والتفريعات في هذا الموضوع كثيرة وفي هذه النبذة كفاية لما استبصر والله الموفق.
وأما الوجه الثاني وهو النظر من جهة الرأي والسياسة، ولابد فيه من الفقه أيضا، إذ كل سياسة لا تستضيء بنور الشرع فهي ضلال، فنقول: لا يخفي أن النصارى اليوم على غاية من القوة والاستعداد والمسلمون لم الله شعثهم، وجبر كسرهم، على غاية من الضعف والاختلال. وإذا كان كذلك، فكيف يسوغ في الرأي والسياسة بل وفي الشرع أيضا. أن ينابذ الضعيف القوي أو يحارب الأعزل الشاكي السلاح؟ وكيف يستجاز في الطبع أن يصارع المقعد القائم على رجليه؟ أو يعقل في النظر أن تناطح الشاة الجماء الشاة القرناء، كما قال الشاعر:
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه
وقد حيل بين العير والنزوان
فالمحاربة على هذا الوجه مما لم تقل به سياسة، ولا وردت به شريعة، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خير الخلق عند ربه وأكرمهم لديه، قد صالح المشركين يوم الحديبية صلحا. قال فيه بعض كبار الصحابة رضوان الله عليهم، نحن المسلمون فكيف نعطي الدنية في ديننا. ورد أبا جندل، رضي الله عنه، إلى المشركين وهو يرسف في قيوده، ويصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين كيف أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ والقصة مشهورة لا حاجة إلى التطويل بها.
وقد عزم رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب أن يعطي عينبة بن حصن والحرث بن عوف. وهما قائدا غطفان ثلث تمر المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه حتى رده عن ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة. رضي الله عنهما، حين أحسوا من أنفسهم بمقاومة العدو، وأين نحن منهم دينا ويقينا وبصيرة وثباتا في الحرب، وقد أفتى الفقهاء، رضوان الله عليهم، لأجل هذا الوارد عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بجواز عقد الهدنة مع الكفار على إعطاء المال، انظر المختصر وغيره.
فإذا كان اعطاء المال مجانا جائزة عند الضرورة فكيف لا يجوز اعطاء بعض المتمولات بأثمانها التي لها بال؟ وأيضا فهؤلاء الأجناس إنما دعونا في ظاهر الأمر إلى السلم لا إلى الحرب. وغاية مطلوبهم في هذه النازلة الاستكثار من ضروب المتاجرة التي ينشأ عنها في الغالب كثرة الممازجة بيننا وبينهم.
ولعمري إن في اختلاطهم بنا وممازجتهم لنا لمضرة وأي مضرة، وما يعقلها إلا العالمون، ولكنها تستصغر بالنسبة إلى مضرة المحاربة، وليس من الرأي والسياسة أن يدعوك خصمك إلى السلم. فتدعوه إلى الحرب ما وجدت إلى السلم سبيلا. وهذا هو الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، فإنه قال لأصحابه لما اغتاظوا من ذلك الصلح وقال بعضهم والله ما هذا بفتح: "لقد صددنا عن البيت وصد هدينا. بل هو أعظم الفتوح قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم، ويسألوكم القضية ويرغبون إليكم من الأمان" إلى آخر ما قاله، صلى الله عليه وسلم وإلى هذا ونحوه الاشارة بقوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) (سورة الأنفال/آية 61) وذكر تعالى ذلك عقب قوله: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" (سورة الأنفال/ آية 60) إشارة إلى أن الصلح يجوز، ولو كان بالمسلمين قوة واستعداد، كما نبه عليه بعض المفسرين، فكيف ولا قوة ولا استعداد إلا أن يتداركنا الله بلطف من عنده.
واختلف المفسرون هل الآية منسوخة أم لا، والصحيح كما في الكشاف وغيره أن الأمر موقوف على ما يرى فيه الامام مصلحة للاسلام وأهله من حرب أوسلم، وليس بحتم أن يقاتلوا أبدا أو يجابوا إلى الهدنة أبدا.
وهذا مذهبنا ومذهب غيرنا، ولذلك جازت عندنا الهدنة وإن على مال. كما مر فدلت الآية الكريمة على أن السلم أولى من الحرب. وهذا هو المعلوم المسلم شرعا وطبعا. أما الشرع فهذه الآية وقصة الحديبية وقوله تعالى: (والصلح خير) (سورة النساء/آية 128) وقوله: (والفتنة أشد من القتل) (سورة البقرة/آية 191) وهاتان الآيتان وإن نزلتا في شيء خاص، لكن يجوز الاستشهاد بهما فيما نحن فيه وفي غيره إذ هما من الكلام الجامع الجاري مجرى المثل والحكمة، وعن علي رضي الله عنه: "ما دعوت إلى المبارزة قط وما دعاني أحد إليها إلا أجبته" فقيل له في ذلك فقال: "الداعي إلى الحرب باغ والباغي مصروع".
وأما الطبع فلا يحتاج إلى شاهد لأن كل عاقل يعلم أن السلم خير من الحرب: "وقد قال شريك لمعاوية رضي الله عنهما في مقاولة جرب بينهما: "إنك ابن حرب والسلم خير من الحرب" وقال الحسين بن نمير السكوني لابن الزبير رضي الله عنه يوم مات يزيد: اذهب معي إلى الشام لأدعو الناس إلى بيعتك فلا يتخلف عنك أحد. فقال ابن الزبير: أما دون أن أقتل بكل واحد من أهل الحجاز عشرة من أهل الشام فلا، وجعل ابن الزبير يجهر بذلك فقال له الحصين: أكلمك سرا وتكلمني جهرا، وأدعوك إلى السلم والخلافة وتدعوني إلى الحرب والمناجزة، كذب من زعم أنك داعية العرب. فقد عاب عليه ذلك، من جهة الرأي كما ترى، وأنشد صاحب الكشاف وغيره لدى قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) قول العباس بن مرداس رضي الله عنه:
السلم تأخذ منها ما رضيت به
والحرب يكفيك من أنفاسها جرع
وفي كتاب الفتن من صحيح البخاري ما نصه: "كان السلف يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن":
الحرب أول ما تكون فتية
تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها
ولت عجوزا غير ذات خليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت
مكروهة للشم والتقبيل
قال القسطلاني: المراد أنهم يتمثلون بهذه الأبيات ليستحضروا ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة. فإنهم يتذكرون بانشادها ذلك فيصدهم عن الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهرة أمرها أولا.
ولاشك أن هذه حالة العامة الاغمار الذين لم تضرسهم الحروب، ولا حنكتهم التجارب. تجدهم إذا ظهرت مخايل فتنة نسال الله العافية استشرفوا إليها. وتمنوا خوضها. وربما تألى بعضهم وقال: والله لئن حضرتها لافعلن وأفعلن، وقد قال الصلاة والسلام: "لا تتمنوا لقاء العدو" وحال هذا الغمر المتألى هو الذي أفصح عنه المتنبي.
فهذا القطر المغربي تدارك الله رمقه على ما ترى من غاية الضعف وقلة الاستعداد. فلا ينبغي لأهله المسارعة إلى الحرب مع العدو الكافر مع ما هو عليه من غاية الشوكة والقوة، وقد تقرر في علم الحكمة أن المعاندة والمدافعة إنما تحصل بين المتضادين والمتماثلين، ولا تحصل بين المتخالفين. وحالنا اليوم مع العدو ليس من باب التضاد ولا من باب التماثل. وإنما هو من باب التخالف، فافهم!
بل لو فرضنا أن أهل المغرب اليوم مماثلون للعدو في القوة والاستعداد، لما كان ينبغي لهم ذلك، لأنه ليست العدة وحدها كافية في الحرب، ولا كثرة الرجال والمقاتلة وحدها، بالذي يغني فيها شيئا، بل لابد مع ذلك من اجتماع الكلمة وكون الناس فيها على قلب رجل واحد، ولابد مع ذلك من ضابط يجمعهم، وقانون يسوسهم، حتى تكون الجماعة كالبدن الواحد، يقوم جميعا، ويقعد جميعا.
وهذا معنى ما صح في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: "المومن للمومن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا"، فإن لم يكن ضابط وقانون. فلابد من نفاذ البصيرة في الدين، وقوة اليقين، والألفة فيما بين المسلمين والغيرة على الوطن والحريم، وجودة الرأي والتمرس بالحروب ومكايد المشركين، وأهل المغرب اليوم إلا القليل منسلخون من هذا كله أو جله فقد توالت عليهم الأجيال في السلم والهدنة وبعد عهد أسلافهم فضلا عنهم بالحرب وشدائدها، ومعاناة الأعداء ومكايدها. حتى لم يبق من هذه الحيثية فرق بينهم وبين نسائهم وليس الخبر كالعيان.
فكيف يحسن في الرأي المسارعة إلى عقد الحرب مع أجناس الفرنج. وما مثلنا ومثلهم إلا كمثل طائرين: أحدهما ذو جناحين يطير بهما حيث شاء. والآخر مقصوصهما واقع على الأرض لا يستطيع طيرانا ولا يهتدي إليه سبيلا. فهل ترى لهذا المقصوص الجناحين الذي هو لحم على وضم أن يحارب ذلك الذي يطير حيث شاء؟ وهل يكون في ذلك إن كان إلا هلاك هذا وسلامة ذاك. بل وغنيمته. فإن ذاك ينقر، هذا متى وجد فيه فرصة للنقر ويبعد عنه ويطير إذا لم يجدها. وهكذا يستمر حاله معه حتى يثبته أو يملكه بالكلية. وليس في طوق هذا إلا أن يدفعه عن نفسه في بعض الأحيان. إذ تأتى له ذلك، ولكن إلى متى؟ فهكذا حالنا مع عدونا، فإنه بقراصينه الحربية ذو أجنحة كثيرة، فهو علينا بالخيار يهجم علينا في ثغورنا إذا شاء. ويبعد عنا فلا ندركه متى شاء، وقصارانا معه الدفع عن أنفسنا إذا اتفقت كلمتنا. ولم تشغلنا غوغاء الأعراب من خلفنا. وهيهات فقد جرب مرارا فصح. والمؤمن لا يلدغ من حجر مرتين، كما قال عليه السلام، والكلام في هذا الفصل أيضا طويل. وفيما أشرنا إليه كفاية...
فإن قلت: أراك قد صيرت الجهاد الذي حث عليه الشرع ووعد عليه بالثواب العظيم محض فتنة، وقد زهدت الناس فيه، وقطعت آمالهم منه بهذا الكلام، قلت: أعلمت يا أخي ماهو الجهاد الذي حث عليه الشرع. ووعد عليه بالثواب العظيم؟
اعلم أن الجهاد المذكور هو قتال أهل الشرك والطغيان على إعلاء كلمة الرحمان. لينساقوا بذلك إلى الدخول في دين الله طوعا أو كرها. ولتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى، مع نفاذ البصيرة، وخلوص النية، والغيرة على دين الله، وكل ذلك بشرط القوة المكافئة أو القريبة منها. ومهما اختل ركن أو شرط مما ذكرنا، كان إلى الفتنة أقرب منه إلى الجهاد. بل نقول إن الجهاد الشرعي قد تعذر منذ أحقاب. فكيف تطلبه اليوم؟
فإن كنت تسارع إلى الحرب لتدركه، جهلا منك بحقيقة الأمر، فاعلم أنك إنما تسارع إلى إيقاد نار الفتنة، وإيجاد العدو السبيل عليك وإمكانه من ثغرتك. وتسليطه على السبي لحريمك. ومالك ودمك، نسأل الله العافية، اللهم إلا أن تكون ممن اختارهم الله وأهلهم لذلك، وكتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه، كما نسمع اليوم عن أمة الحبشة والنوبة الذين يقاتلون عساكر النجليز على تخوم صعيد مصر وغيرها. فقد تواتر النقل، وصح الخبر أن دولة النجليز قد بارت حيلها مع هؤلاء القوم، وأنها وجهت إليهم العساكر من الديار المصرية بكل قوة وشوكة مرة بعد أخرى، فمحقوهم محقا مع أنهم لا يقاتلونهم في الغالب إلا بالحراب على عادة السودان في ذلك والنصر بيد الله.
وأما الوجه الثالث، وهو الفهم عن الله تعالى، والنظر في تصرفاته سبحانه في هذا الوجود بعين الاعتبار. فهذا حق الكلام فيه أن يكون من أرباب البصائر المتنورة، والقلوب المطهرة، لا من أمثالنا الذين أصبحوا على أنفسهم مسرفين، وفي أودية الشهوات منهمكين تداركنا الله بلطفه.
المصدر: كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، أحمد بن خالد الناصري ج ,8 من ص 199 إلى 206 منشورات وزارة الثقافة والاتصال 2001 بتصرف في الهوامش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.