ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة إلى النهائي بعد تجاوز المنتخب السعودي في نصف النهاية    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    حماس تدعو الوسطاء لإيجاد حل لمقاتليها العالقين في رفح وتؤكد أنهم "لن يستسلموا لإسرائيل"    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاغورت,أيت تمليل : قرية عزلتها الطبيعة وأهملتها الدولة
نشر في أزيلال أون لاين يوم 14 - 05 - 2008

تاغورت بأزيلال قرية عزلتها الطبيعة وأهملتها الدولة.
يدفنون مرضاهم أحياء ويعتبرون غياب الطريق سبب مآسيهم
خرج ما تبقى من سكان قبيلة تاغورت جماعة أيت تمليل بأزيلال التي تقع على خط الحدود مع منطقة ورزازات عن صمتهم وشمروا عن سواعدهم بعد أن تجاهلتهم الدولة لشق الطريق التي ظلت تعزلهم على العالم الخارجي والتي اعتبروها سبب مآسيهم التي تزداد تأزما إبان موسم الثلوج، حيث تدخل القرية نظام الحياة البطيئة مماثلة لتلك التي يعيشها صنف الزواحف، يأتي ذلك بعدما ملو من انتظار الجهات المسؤولة كي تتحرك للتخفيف عنهم ولو جزء من قساوة الظروف الطبيعية التي عادة ما تعيشها قبائل عديدة داخل تخوم الأطلس، وقرر السكان في عملية فريدة من نوعها من هزم صلابة الصخور البركانية التي تطفو على سطح الأطلس الكبير، لكن رغم الحماس و أمام قلة المؤونة وغياب التحفيز والمساندة، جعلت سكان القرية يعيشون فترات عصيبة وهم على وسك الصراخ وقد يتحول الحماس إلى إحباط يدفع ما تبقى من الساكنة إلى هجرها بحثا عن ظروف العيش الكريم .
فمجالسة من تبقى من سكان القرية بعين المكان تكشف عن أسرار لا يمكن رؤيتها سوى في الأفلام الخيالية، لكنها واقع يكشف عدد من الألغاز من المغرب العميق بقدر ما هو جميل وممتع بالنسبة للزائرين فهو قاص على سكان المنطقة، و لم يتسنى لأي مسؤول زيارتهم والاطلاع على أحوالهم، معتبرين أن \\\"الأحداث المغربية \\\" هي أول من يزوهم إلى جانب بعض السواح الذين يفضلون استكشاف الأطلس ومقدم القبيلة الذي يسكن هو الآخر في القرية المجاورة ويعاني ما يعانون.
الطريق إلى تاغورت كمن يطارد السراب
شاقة هي الطريق التي تؤدي إلى المنطقة التي تضرب رقما قياسيا في الفقر قد تكون خارج التصنيف الذي أصدرته المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها الأخير، و للوصول إلى تاغورت أو الخروج منها لابد من قضاء يوما بالكامل ذهابا ومثله إيابا والطريق الوحيدة التي توصل إلى المنطقة هي الرابطة بين مدينة دمنات و ورزازات والتي تبقى أقرب إلى هذه الأخيرة، على أن تكون على موعد مع سيارات النقل المزدوج التي استبدلت الشاحنات قبل منتصف النهار، وإلا فإنك قد تضطر إلى الانتظار حتى اليوم الموالي، وهي الطريق المعبدة التي تعتبر الأقرب للربط بين وسط المغرب وجنوبه تم تهيئتها خلال السنوات الأخيرة، لكن مع قلة الصيانة أصبحت متآكلة وضيقة من عدة نقط تتقطع أحيانا لتصبح على شكل مسلك ضيق بسبب تساقط الأحجار والثلوج ثم فيضانات الأودية، ومع ذلك الممر الأرحم والوحيد إلى قبيلة تاغورت قبل الدخول في المسالك الغير المعبدة التي تتخذ شكلا حلزونيا على حافة الجبل تطول أكثر فأكثر كلما تقدمت في السير، يحكي أحد سكان تاغورت أن عدة قبائل تجندت بداية سنة 2000 لشقها في إطار عملية التضامن، حتى يمكنهم التسوق من مركز إيفولو الذي جاء في منتصف الطريق كل اثنين لبيع منتجاتهم وشراء ما يحتاجونه من مؤونة، لكن قد يتسبب الحصار الذي تضربه عليهم الثلوج شتاء وارتفاع منسوب مياه وادي تساوت بسبب العواصف صيفا في عزل عدد من القرى من الوصول إليه، أحيانا تمتد هذه الحالة لشهور حتى تنضب مدخراتهم، ولربط ضفتي الوادي تم إنشاء قنطرة لم تمر عليها أقل من سنة حتى تشققت أعمدتها و لا يتعدى عرضها المتر لم تعد تصلح لأي شيء حتى الدواب أصبحت تخشاها، أخبرنا بعض المواطنين أنها صرفت عليها ميزانية مهمة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي لم تستفد من ميزانيتها هذه القرى الأحوج إليها .
فبعد الوصول إلى أيت تمليل النقطة الأكثر حضارة بالنسبة لتلك القبائل والتي لازالت غير مرتبطة بالكهرباء وغير مغطاة بشبكة الهاتف النقال في الوقت الذي تمتلك فيه سيارة من النوع الرفيع، وعلى بعد أكثر من 10 كلمترات انعراجا على اليسار وبالضبط عند القنطرة التي وضعت على وادي تساوت، آنذاك يبدأ فصل جديد من السير نحو المجهول خصوصا إذا لم تتمكن من إيجاد وسيلة نقل قادرة على السير في المسلك الضيق الذي سبق أن فتحه سكان القبائل المجاورة قصد إيجاد ممر للسوق الأسبوعي عبارة عن فضاء صغير لترويج المنتوجات التي يتم جلبها إما من ورزازات أو دمنات، وتبقى الوسيلة المتبعة لقطع العشرات من الكيلمترات بعد مغادرة سوق إيفولو هي إما مشيا على الأقدام أو فوق الدواب وهي طرق النقل المفضلة داخل المناطق الجبلية، والوصول إلا تاسلنت بعد قطع الوادي تبدأ المرحلة الأخيرة من تسلق الجبال على طول حافة الجبل وهي عبارة عن شريط يطول أيضا كلما تقدمت في السير وكأنك تطارد السراب، وهي المسافة التي يحاول سكان قبيلة تاغورت فتها في وجه المرور، وكان السكان أنه في الأول يزاحمون الوادي في مجراه، قبل أن يرسموا داك المسلك بأقدامهم حتى لا تصيبهم لعنة هذا الأخير.
عزلتهم الطبيعة وأهملتهم الدولة .
داخل بيت دافئ صمم من الصخر المحلي متراص بالتراب بطريقة هندسية تميز المنطقة، رغم أن البرد القارص الذي يخيم على المنطقة و الذي يستمر حتى حلول الصيف حيث لا تزال الثلوج تغطي القمم المحيطة بالمكان، جلس حداوى و زملاءه من سكان القبيلة يقلبون موازعهم و يتقاسمون كأس الشاي المنعنع ساهم كل واحد منهم بقسط في إعداده على ضوء خافت ينبعث من قنينة غاز وضعت في ركن من البيت، يستحضرون الماضي ويتكلمون بلغة الحاضر، ويرسمون المستقبل، وهو نموذج من الاجتماعات التي غالبا ما دأبوا على عقدها بطريقة عفوية لا رئيس فيها ولا مرؤوس قراراتها تبقى منحوتة في الذاكرة و تعميم تفاصيلها يبقى مقتصرا على الحكاية الشفهية لمن حضر الاجتماع، لكنها ملزمة للجميع تتحكم فيها الأعراف، كثرتها دفعت سكان القبيلة إلى التشكيل داخل جمعية أطلق عليها اسم \\\" جمعية التنمية البشرية والأعمال الاجتماعية لتاغورت\\\"، استعرض الو زكيني أحد سكان القبيلة سيلا من المشاكل التي يعيشونها بسبب العزلة التي فرضتها عليهم الطبيعة والإهمال الذي لحقهم من طرف الدولة، وقال \\\" ماعرفنا واش حنا من هاد البلاد ولا لا\\\"لم يسبق أن زارهم أي مسؤول على الأقل للاستماع إليهم، ماعدا مقدم القبيلة الذي يسكن في القرية المجاورة ويعيش هو الآخر نفس المحنة، أما زيارة المرشحين لهم فتبقى مقتصرة فقط الحملة الانتخابية التي تسبق كل استحقاقت، أحيانا يرسلون فقط من ينوب عنهم حاملين وعودا سرعان ما تدوب بين تضاريس الجبل، ومع ذلك هم لا يترددون في تأدية الواجب الوطني، و كل من يستطع السير عليه قطع أكثر من عشرة كيلمترات على الأقدام أو فوق الدواب إلى مركز إبفولو للإدلاء بصوته، وأضاف أن سكان المنطقة يمنحون ثقتهم بسهولة ذلك ما جعلهم لا يقدمون أية شكوى أو احتجاج على الأوضاع التي يعيشونها، واقتصروا على الشكايات الشفهية التي تقدم للسلطات المحلية والمنتخبين بجماعة أيت مليل التي قد لا تتجاوز محيط الجماعة.
يرجع محمد الحداوي الذي يدنو سنة من الخمسين أن أسباب المآسي التي تعيشها القبيلة ترجع بالأساس إلى غياب مسلك يصلهم بالعالم الخارجي حيث تحاصر القبيلة لمدة تقارب الثلاثة أشهر بواسطة الثلوج يجمع خلالها السكان ما يحتاجونه من مؤن وحطب التدفئة الذي قالوا عنه أنه بدأ ينضب في الفترة الأخيرة تقطع النساء يوميا المسافات الطويلة لجلبها فوق ظهورهن، وتعرف أشعار المواد ارتفاعا كبيرا مقارنة مع باقي مناطق المغرب بسبب الزيادة التي تفرضها ظروف النقل، يمكن في بعض الأحيان أن يصل المنتوج إلى الضعف خاصة للمواد الأولية التي تسهلك بكثرة في المنطقة من زيت ودقيق وغاز و التي أنهكت القدرة الشرائية للعديد من العائلات التي تعيش تحت عتبة الفقر، وكأن نظام المقاصة يستثني هذه المناطق من المغرب التي تبقى الأكثر تضررا من ارتفاع الأشعار، فكلما تدخلت الدولة لتقليص الشعر فإن صداه لا يصل المنطقة بقدر ما تصل الزيادة في الأشعار بسرعة فائقة.
يتكلم بين الفينة والأخرى ودون أن يقاطع حديث الآخرين الأخ الأصغر للحداوي وبصوت هادئ ممزوج بالحجل أن عدد سكان المنطقة تقلص بشكل ملفت للنظر إلى النصف، ولم يبقى بالمكان إلا من لا حول ولا قوة لهم خاصة في ظل غياب أنشطة مدرة للدخل، وتبقى مقتصرة على منتوجات اللوز والكركاع وتربية المواشي كالماعز والأغنام، و العدد الكبير من السكان يعيشون على ما يجود به عليهم أبناءهم الذين انتشروا في عدة مدن من المغرب لتوفير لقمة العيش لدويهم بعد كل زيارة، يضيف عبد الله الذي كان يعمل في البناء بمدينة مراكش قبل أن أصيب بكسر في كتفه بسبب أشغال تفتيت الحجارة لشق الطريق قبل شهر تقريبا جعلته يمتهن الحراسة الليلية، أنه يتفادى حمل الهدايا أو الأشياء الثقيلة لعائلته بسبب صعوبة المسالك التي تقطع الأنفاس، وأن الناس غادروا المكان بعدما يئسوا وخافوا على أبنائهم أن يعيشوا نفس المحنة التي عاشوها .
تنقطع الدراسة خلال عدة فترات من السنة داخل القسم منعزل و الوحيد الذي يبدو بناءه بالطريقة العصرية و الذي يجمع خمسة مستويات في نفس الوقت، ويفوق عدد الممدرسين به الستين وكما جاء على لسان عدد منهم أن الدراسة لا تتعدى في الغالب ثلاثة أشهر في السنة بسبب الغيابات المتكررة للمعلم الذي يشكو من قسوة الظروف ثم بعد المسافة وغياب مسلك يوصل إلى مكان التدريس مما جعل مستوياتهم جد ضعيفة و العديد منهم أصبح يفضل الدراسة بالمسجد الذي يتجاوز عدد مرتاديه أولائك المسجلين بالمدرسة، وعن الجانب الصحي فأغلب المرضى يبقون طريحي الفراش حتى الموت أو الشفاء، ويدفنون أحياء في الفراش قبل الرحيل إلى دار البقاء، ويحاول المواطنون أحيانا حمل المريض الذي لا يقدر على ركوب الدواب فوق نعوس صنعوها من الأفرشة ممسوكة من الأطراف بأعمدة يسيرون به لعدة كيلومترات قبل الوصول إلى الطريق علهم يجدون وسيلة نقل، و لا يلجؤوا إلى هذه الحالة كل مرة كونها أحيانا قد تشكل خطرا حتى على المريض أو في حالة البدانة ، واستحضروا هنا ما تعرضت له الفتاة فاطمة بنت محماد العرجي (24 سنة) التي لم يمر على زواجها سوى سنة، وعندما وصلت إلى المخاض لميلادها الأول كان صعبا، فتم نقلها بالطريقة التقليدية فقدت جنينها في الطريق قبل أن تنقل إلى مدينة مراكش وفارقت بعد ذلك الحياة ، أما خالتها تلكماس(36 سنة) فهي الأخرى بقيت تنتفخ خلال الشهر الأخير من الحمل وحاول السكان استقدام طبيب إليها لإسعافها، لكن عند استحالة الأمر بقيت طريحة الفراش حتى توفيت هي وجنينها.
أما عملية استقدام الماء من المنطقة التي تعتبر خزان مائي يغذي عدة أودية، فلم يحاول سكان القبيلة التركيز على هذا الموضوع لكون فتح مسلك يعتبر بالنسبة لهم أولى الأولويات، رغم أنهم يقطعون مسافة طويلة لجلبه تتكلف بالعملية الفتيات والنساء، و حاولوا مؤخرا الاستعانة بأنابيب بلاستيكية عادية لا تعمر كثيرا حتى يتم استبدالها بأخرى.
يقاومون اليأس وهم على وشك الصراخ.
بعد ما تجمع سكان قبيلة تاغورت إبان عيد الأضحى حيث كانت الفرصة لعودة كل أبنائها الذين يعملون خارج الدوار،و نظموا دوريا في كرة القدم فئتي الكبار و الصغار، خصصت منح تشجيعية لكل فئة من تموين أبناء القبيلة ، كانت المناسبة التي تولدت عنها إمكانية فتح المسلك الذي عزلهم عن باقي القرى المجاورة وخاصة منطقة تاسلنت أقرب النقط إليهم، وضربوا موعدا عند أحد السكان بعد أن يئسوا من أن تتقدم جهة ما للقيام بهذه العملية.
سار حسن الذين كان أكثر المبادرين لأخذ الكلام يشاطره أصحابه كلما بدأ بالحديث عن نقطة من النقط وقال أنه سبق للقائد السابق أن جمع منهم بطائق 12 شخصا منهم واستمع لشكاياتهم دون أي شيء يذكر، وكانت محاولات عديدة لإشعار المسؤولين بجماعة أيت تمليل، لهذا لما طرحت الفكرة لقيت استجابة من الكل وخلقت حماسا ذاخل كل الأوساط العمرية، و كان الإجماع على حضور اجتماع موسع عند عائلة الحداوي حضره أكثر من 80 شخصا من كافة الفئات العمرية وتجند كل الشباب للدخول إلى ورش العمل، وتم الاكتتاب بين العائلات على أساس الالتزام بدفع 750 درهم لكل شخص علما أنه قد تصل قيمة المنحة التي فرضت على بعض العائلات إلى 10 آلاف درهم غلما أن ذلك يبقى مرتبطا بعدد الذكور داخل كل عائلة الذي هو جد كبيرة، و حسب حسن أيضا فإن معدل عدد الأفراد داخل العائلة الواحدة يصل إلى عشرة ذكور، كما اتسم الأداء بالمرونة إذ يتم تقسيمها على ثلاثة أشطر حتى تتماشى مع حاجيات الورش ثم عدم إثقال كاهل المكتتبين، وكان ذلك التزام للكل رغم الفقر وقلة الدخل الذين يعيشه السكان علما أن هناك من لجأ إلى الاقتراض، كما تم الاتصال حتى بالذين غادروا القرية من أبناءها إلى مناطق أخرى لطلب الدعم.
على مستوى العنصر البشري تجند سكان القرية شبابا وكهولا كل من جانبه للعمل و بدءوا أول المطاف بعد اليوم الثالث من عيد الأضحى تاريخ بداية الورش ب 68 متطوعا لكن سرعان ما تقلص العدد ليس من جراء العجز أو الفشل، ولكن للذهاب خارج المنطقة حتى يتمكنوا من جمع المؤونة للمتورشين ولعائلاتهم وتسديد قروض المبالغ التي التزموا بها، وعملوا في إطار منسق دون أن يكلفوا أنفسهم الدخول في متاهات تفاديا لأي ارتباك قد يحد من عزيمتهم، وبالنسبة للوسائل اللوجستيكية فقد جلب كل منهم ما بحوزته من معاول وفؤوس ...، بدؤوا في الأول بتسوية الجهات الرطبة تجاوزوا نصف المسافة خلال الثلاثة أشهر الأولى بمعدل عشرة أمتار في اليوم ، لكن مع تقدم الأشغال و صلابة الصخور التي واجهتهم تقلصت المدة أحيانا من مترين إلى ثلاثة في الأسبوع، ويعملون يوميا وباستمرار ما عدا عند الضرورة في حالة هطول المطر مثلا، و من طلوع الشمس حتى ما بعد غروبها يعودون بعدها منهكين لا يجدون وقتا للاستحمام أو قضاء بعض الأغراض، ويتوزعون إلى فرق هناك من يشتغل داخل الورش وآخرون يهتمون بجلب الماء وتوفير الغداء، وقد اضطروا في الأخير للاستعانة بجهاز من نوع\\\"كومبريسون\\\" لتفتيت الأحجار يعمل بالبنزين رغم كلفته المرتفعة، الشيء الذي جعلهم على وسك الصراخ رغم الصبر والمقاومة التي يتحلون بها، لكن صخور الجبل البركانية كلت سواعدهم,
و حتى لا يصابوا بالإحباط بدءوا يدقون ناقوس الخطر ملتمسين من الجهات الوصية التدخل خاصة أن ما يطلبونه هو جد بسيط ، وما يعملونه كبير كان من اللازم أن تتكفل به مؤسسة من اختصاصها ذلك، وتبقى مطالب قبيلة تاغورت هي فك العزلة التي يرى فيها السكان مفتاحا لسر كل المآسي والويلات التي يعيشونها وتبقى أحلام ومصير الأبناء مرتبط بما قد يتحقق على أيدي إخوانهم وآبائهم، وتبقى أحلام عبد الله الحداوي أن يجد يوما سيارة توصله حتى قبيلة تاغورت
.
إبراهيم دهباني-- ملفات تادلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.