بوريطة تلاقى نظيره الموريتاني وهدرو على الوضع فغزة وقضايا الساحل ونزاع الصحرا    المغرب يكسب 15 مرتبة في التصنيف العالمي لوضعية الممارسة الصحافية    الحقوقي عبد العزيز النويضي في ذمة الله    الملك محمد السادس يهنئ رئيس بولندا    ملاحظة الانتخابات امتداد طبيعي للرصد المنتظم لحقوق الإنسان    واش السلطة منعات اجتماع مجموعة العمل المغربية للتضامن مع الشعب القبايلي؟..الفرياضي ل"كود": اللا وها علاش تأجل للسيمانا جايا بحضور قيادي فحكومة القبايل وحنا مجتمع مدني حر وكنعبرو على رأينا وفق الدستور    مستويات غير مسبوقة.. معدل بطالة الشباب يصل إلى "35.9%    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا    إسبانيا تستقبل أزيد من 16 مليون سائح خلال الربع الأول من العام 2024، ما يعد رقما قياسيا    احتجاجات الجامعات المريكانية.. أكثر من 2100 لي تعتاقلو وجامعة بنسلفانيا كطلب دعم كثر من البوليس    باكستان تطلق أول قمر اصطناعي لاستكشاف سطح القمر    حكومة فرنسا تفرق داعمي غزة بالقوة    كوت ديفوار تكتشف أكبر منجم للذهب    العصبة دارت وقت لمؤجل بركان وتطوان فالبطولة وبرمجت ربع نهائي كاس العرش    بدعم من هولندا.. برامج رياضية غادي تبدا فلحبسات لإعادة إدماج النزلاء بعد الإفراج عليهم    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة والضرب والجرح وإحداث خسائر مادية بسيارة    أغراف ندونيت إيخصات أغاراس.. تنظيم بحال مونديال 2030 خاصو المعقول والجدية اللي دوا عليها سيدنا    عاجل: النيابة العامة في تطوان تتابع مستشار وزير العدل السابق في حالة اعتقال وتودعه السجن إثر فضيحة "الوظيفة مقابل المال"    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    اليوم العالمي لموسيقى الجاز… طنجة تتألق بحفل تاريخي عالمي    13 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" (النشرة الأسبوعية)    منتخب إفريقي يفرض على الجزائر خوض تصفيات مونديال 2026 بالمغرب    العجز التجاري للمغرب ينكمش 14.6% إلى 61.9 مليار درهم    بعدما أوهموهم بفرص عمل.. احتجاز شباب مغاربة في تايلاند ومطالب بتدخل عاجل لإنقاذهم    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    الوزير آيت الطالب يعطي انطلاقة خدمات 14 مركزا للرعاية الصحية الأولية بجهة فاس مكناس (صور)    بنموسى: إصلاح المنظومة التربوية الوطنية ورش استراتيجي يتطلب انخراط جميع الفاعلين    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    المضيق تحتضن الدورة الثالثة لترياثلون تامودا باي بمشاركة مختلف الجنسيات    بعد إلغاء موريتانيا الزيادة في رسومها الجمركية.. أسعار الخضر والفواكه مرشحة للارتفاع    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    بركة يعلن عن خارطة طريق للبنيات التحتية استعدادًا لكأس العالم 2030    جدول مواعيد مباريات المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    مراسلون بلا حدود عن 2024.. ضغوط سياسية على الاعلام والشرق الأوسط "الأخطر"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    مجلة "الصقيلة" في عددها الرابع والعشرين تحاور القاص والإعلامي عبد العالي بركات وتستحضر الشاعر الراحل محمد الجيدي    المكتب المركزي للأبحاث القضائية يعلن تفكيك خلية إرهابية من 5 عناصر    الكعبي يسجل "هاتريك" ويقود أولمبياكوس للفوز أمام أستون فيلا في دوري المؤتمر الأوروبي    شمس الضحى أطاع الله الفني والإنساني في مسارها التشكيلي    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    الدوري الأوربي: ليفركوزن يعود بالفوز من ميدان روما وتعادل مرسيليا واتالانتا    بلاغ هام من وزارة الداخلية بخصوص الشباب المدعوين للخدمة العسكرية    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دمنات : التقسيم الجهوي الجديد بين الديمقراطية والكلبتوقراطية


I. ملاحظات العامة حول مشروع التقسيم الجديد
اقتنع المغرب بأهمية الجهوية كآلية لتدعيم التنمية المحلية لتمكين المواطنين من تنظيم وتدبير شؤونهم المحلية والجهوية في إطار استقلال ذاتي إداري وتدبيري ،وقد رفعت مؤخرا اللجنة الإستشارية الجهوية تقريرها إلى جلالة الملك .
فإلى أي حد احترم مشروع التقسيم الجهوي الجديد الخصوصية السياسية والاجتماعية أو العرقية واللغوية المحلية بعيدا عن الهواجس الأمنية المحضة والإعتبارات الأخرى التي تحكمت في تدبير مختلف التقسيمات السابقة ؟
وهل سيتم تفعيل هذه الجهوية على أرض الواقع أم أنها ستبقى مجرد نصوص مكتوبة ؟ وهل سيتم فعلا تمكين ممثلي السكان من اختصاصات واضحة دون وصاية من وراء الستار ؟ وهل سيتم توفير الإمكانات المادية والبشرية للتدبير المحلي الفعلي للمناطق المحتاجة ؟ هل وضعت آليات لوصع حد للوبيات و مافيات نهب المال العام ؟ أم سيتم الالتفاف على كل ذلك بواسطة طرق الوصاية جديدية غير تلك المعروفة ؟؟
إن تقرير اللجنة الاستشارية حافل بإنشاء فضفاض مترجم عن الفرنسية ، مفتقر إلى المعطيات و البيانات والأرقام الدقيقة التي اعتمدت لإعداده/ التقسيم مما يدل على انه يحمل في طياته بوادر فشله ، في رأيي كمواطن عايش مجموعة من التقسيمات الترابية باءت جلها بالفشل أو على الأقل لم تعطي الأكل الذي كان متنظرا منها .
وأرى أن من بوادر فشل هذا المشروع:
1-اسقاطه بالمظلة :
كان من الواجب فتح نقاش موسع حول مشروع وطني من هذا الحجم مع مختلف المكونات الحقيقية للمجتمع المغربي وإشراكها اشراكا فعليا ،و واستمزاج اراء المواطنين والاستماع الى أرائهم و طموحاتهم ، على أن توكل هذه المهمة إلى أكاديميين وتقنيين ومختصين مسلحين بمعطيات إحصائيات ديمغرافبة حقيقية ومؤشرات التنمية ونوع الحاجيات...إلخ. يوضحون للناس بلغة مبسطة و ميسرة كيف سيتم توزيع للموارد المالية بين الجهات وما هي المعاير التي ستعتمد لمعالجة الإختلالات...وما هي الخيارات الأخرى المتاحة أمامهم .....ويقنعوا الناس بجدوى وأهمية المشروع وللناس بعد ذلك ان يرفضوا أو يقبلوا . ولكن واقع الحال مع الأسف الشديد هو أنه قد تم تحجيم دور المواطنين والمواطنات وتم إقصاؤهم من قرارات ترهن حاضرهم ومستقبلهم ،ولا يتم التفكير فيهم إلا أثناء مطالبتهم بالتوجه إلى صناديق الإقتراع ليقولوا نعم لمخططات وقررات تكون في غالب الأحيان في غير مصلحتهم . إن الاحزاب التي تمت الاستشارة معها لا تمثل إلا نفسها لانها تخلت عن دورها في تأطير المواطنين و لا تفكر إلا في المكاسب الإنتخابية من استوزار وغيره و رأيها لايلزمها إلا هي لأنها لا تمثل رأي الشعب .
إن الجهوية لا يمكن أن تتحول إلى دعامة للتنمية الترابية إلا من خلال تحويل الممارسة السياسية إلى حوار ديمقراطي دائم مع المواطنين وإشراكهم في تحديد وإنجاز الاختيارات التي تهم مستقبلهم الجماعي، ومن تم تحقيق التفاهم الكلي حول الأهداف المسطرة، وكذا تعبئتهم من أجل تنفيذها.
وإن قراءة أولية للتقسيم الجهوي الجديد تبين بأنه بقدر ما يخدم مصالح وأهداف جهات معينة فهو بعيد كل البعد عن تطلعات بعد المناطق كمنطقة دمنات على سبيل المثال ( منطقة دمنات التي كانت و ما تزال الضحية وكبش الفداء في جميع التقسيمات الترابية التي عرفتها المملكة) وهو ما سنحاول أن نبينه في المبحث الثاني من هذا المقال .
2- التقسيم إثني ( أمازيغي – عربي)
بإطلالة سريعة على خريطة مشروع التقسيم الجهوي الجديد يتضح أنه اعتمد تقسيما إثنيا واضحا فجهات درعة- تافيلالت / سوس- ماسة/كلميم وادنون/ الشرق والريف/ بني ملال- اخنيفرة كلها جهات ذات أغلبية أمازيغية في حين أن الجهات الأخرى فاسمكناس/الرباط –سلا- القنيطرة / العيون- الساقية/ الداخلة – واد الذهب كلها ذات أغلبية عربية .
3- المعايير 3 المعتمدة في التقسيم .
يلاحظ أن التقسيم اعتمد 3 معايير فقط لا غير:
أ – معيار المساحة .
.ب- معيار عدد السكان .
ج- معيار المسافة بين مكونات الجهة وعاصمتها .
مع العلم أن هناك خروج عن هذه القاعدة و استثناءات فرضتها الكثافة السكانية في بعض الجهات والمحاور. كما يلاحظ أن التقسيم الجديد طمس - عن قصد أو عن غير قصد الله أعلم - الاسماء التاريخية للجهات ومناطق المغرب . ويبدو لي من خلال المعايير المعتمدة أن التقسيم انطلق من تحديد عاصمة الجهة ثم بعد ذلك شرع في البحث عن مكوناته الهامشية .
4- عدم التكافؤ بين الجهات( مغرب نافع ومغرب غير نافع)
هذا التقسيم في رأيي يكرس مبدا ( مغرب نافع ومغرب غير نافع مغرب /المكدود ومغرب محظوظ ) جهات تتوفر على كل شيء: مطارات-موانيء- سدود- طرق سيارة – مناطق صناعية... ، وجهات لا زال الناس في بعض مناطقها يقضون نهارهم في البحث عن الماء الصالح للشرب وتموت حواملهم على ظهور الدواب قبل أن تصلن إلى المستوصفات التي هي عبارة عن جدران متهالكة .مناطق تعيش في النعيم ومناطق يموت سكانها من البرد والجوع .
إن التقطيع الجهوي الجديد، في اعتقادي، لن ينجح في تصحيح الإختلالات الكبيرة التي قسمت البلاد إلى "مغرب نافع" و"مغرب غير نافع". رغم أن المغرب غني بموارده الطبيعية والبشرية، وبواجهتين بحريتين تمتدان على آلاف الكيلومترات وبتنوع ثقافاته، فلا أظن أن التقسيم الجديد سخلق محاور اقتصادية قوية تنسينا الميز في الحقوق الاقتصادية والخدماتية الذي أحدثه تركيز مختلف الأنشطة في محور الجديدة- طنجة ، وستبقى في رايي الشروخ والتفاوتات والإختلالات الإجتماعية قائمة كما في التقسيمات السابقة .
5- التقسيم الجهوي الجديد بين الديمقراطية والكلبتوقراطية
الكلبتوقراطية والديمقراطية نقيضان لا يجتمعان. فبينما تعرف الديمقراطية بأنها حكم الشعب، تعرف الكلبتوقراطية (Cleptocratie) الكلِبتوقراطية بأنها نظام حكم اللصوص. واللفظ مركب من مقطعين يونانيين؛ اولهما "كلبتو" clepto بمعنى لص، وثانيهما "قراط" (cratie) بمعنى حُكم.
دون الخوض في التفاصيل التي أتى بها المشروع في شأن اختصاصت مجلس الجهة ، أريد أن أتساءل عن الضمانات والإجراءات العملية التي يقترحها التقسيم الجهوي الجديد للقطع مع ما عرفه تدبير الشأن العام من طرف الكلبتوقراطيين الذين راكموا الثروات الشخصية مستغلين السلطات الممنوحة لهم على حساب مصالح الشعب ، وجميع المنتخبين وكبار المسئولين في الدولة –مع احترامي للقلة القليلة جدا جدا من الشرفاء- لصوص ، يستبيحون المال العام، ويدعون أنهم ديمقراطيون وفي الحقيقة فهم في قرارة أنفسهم كلبتوقراط لايؤمنون إلا بمصالحهم الشخصية ومصالح أتباعهم وسماسرتهم وأسرهم والمقربين منهم .أما الشعب فلا اعتبار لديه عندهم ،ولكن إن وضعت آليات حقيقية لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة ووضعت مساطير صارمة لمراقبة صرف المال العام ومحاسبة ومعاقبة اللصوص وسماسرة الإنتخابات الذين تحولت كثير من الاحزاب على أيديهم إلى أوكار وإلى ما يشبه مغارة على بابا والاربعين حرامي ، آنذاك سيحس المنتخب بأنه مراقب ومحاسب وستيقن بأن الديمقراطية الحقيقية تعني أن مهمته هي خدمة الشعب ( وليس خدمته بالمعنى الآخر) .
ورآى المواطن بأم عينه أن الثروة وخيرات بلاده لا تقتسم بين نخب وجماعات بعينها، وإنما تقتسم ثروات البلاد بصورة عادلة بين جميع المواطنين، ويصله سهمه المستحق في الثروة الوطنية. ويشعر بالممارسة والمعايشة اليومية بأن لا فرق بينه كمحكوم و الحاكم الذي بيده القرار سواء كان سلطة تنفيذية أو تشريعية . وأنه هو الذي يعينهم و يحاسبهم و يقيلهم عن طريق صناديق الإقتراع و من خلال المشاركة القوية في اختيار من يمثله في مختلف المؤسسات المنتخبة ، هذا هو المعنى الحقيقي للديمقراطية. أما إذا أوكل الأمر من جديد إلى هذه النخبة الحالية/ الفاسدة حتى النخاع فلن يجني المواطن غير خيبات الأمال من إهدار للمال العام وضياع فرص الشغل وتأخر التنمية..... إلى أجل غير مسمى . وسيستمر عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية وستزيد الهوة اتساعا بين شريحة عريضة من المواطنين وتلك الكائنات الانتخابية .
لقد فقد المواطنون الثقة في الأحزاب التي مات جلها وبعضها يحتضر ،و أصبح العمل السياسي موضع شك و ريبة، لأنه زاغ عن أهدافه ومراميه لأنه اصبح وسيلة للمتلصصين والوصوليين والمتسلقين والمنافقين والكذابين والسماسرة واللصوص والمدنسين .الذين نسوا السبل الانتخابية المشروعة لكثرة اعتمادهم بمناسبة كل استحقاق انتخابي على وسائل وطرق ملتوية وغير شرعية للفوز بمقعد انتخابي ؛ وما تعرفه العمليات الانتخابية من مظاهر الفساد و من فرض أشخاص بعينهم حال دون تجديد النخب ودون تخليق العمل السياسي ، كما أن تزكية الأحزاب لمرشحيها للانتخابات التشريعية أو المحلية لا يخضع لاعتبارات الكفاءة والجدارة ؛ بل لمنطق النفوذ والمال/ مول الشكارة ولو كان تاجر مخدرات او كراب وتحولت هموم جل الأحزاب من الدفاع عن حقوق المواطنين وتنمية مناطقهم وتوفير الشغل إلى أهداف ذاتية محضة تتمثل في الحصول على أكبر عدد من المقاعد في الجماعات والبرلمان بغرفتيه للأستوزار والإنقضاض على الميزانيات والمشاريع الضخمة لزيادة أرصدتهم وتنمية مشاريعهم الخاصة والعائلية داخل الوطن وخارجه .
I. دمنات والتقسيم الجهوي الجديد
1- لماذا دمنات ؟
ليس تعصبا ولا عنصرية و لاتخلفا كما يتهمنا البعض ، بل لأن دمنات شاء من شاء وأبى من ابى كانت عبر التاريخ مركزا حضاريا عرف التمدن حتى قبل أن تخرج بعض التجمعات السكنية للوجود والتي أضحت اليوم حواضر وحتى قبل أن ترى بعض الجماعات النور بواسطة الولادات القيصرية التي اشرف عليها المرحوم ادريس البصري وزبانيته ، هذا علما بأن كثيرا من المؤرخين يرجعون بناء دمنات إلى ما قبل الإ سلام ) دون أن ننسى أن من حق كل واحد أن يغني على ليلاه وأنا ليلاي هي للا دمنات والسلام )
أي ملاحظ عادي ، سيلاحظ أنه كلما ابتعدنا صعودا من مركز الجهة الحالية والمستقبلية ، كلما اتسعت الفوارق في جميع المجالات فبين بني ملال ودمنات تتضح بجلاء الاختلالات العميقة على جميع الأصعدة . إن دمنات - بحكم أن أهل دمنات أدرى بشعابها - تعيش تناقضا كبيرا بين امكانياتها الطببعية والبشرية وبين مستوى عيش وتنمية ساكنتها. ويؤكد الواقع المعيش أن منطقة دمنات مصنفة ضمن المناطق الأشد فقرا و تعاني من تفاقم معدلات البطالة، والأمية، ومن ضعف مستوى الدخل الفردي. وإذا وجدت إحصائيات تقول غير ذلك فكذب وبهتان .
ونظرا لأنها منطقة فقيرة فإنها تحتاج إلى دعم من أية جهة تنتمي إليها. وارى شخصيا إن إنتماءها إلى جهة بني ملال –اخنيفرة الجهة رقم 5 هو بمثابة إعلان وفاتها و موتا نهائيا بعد أن ماتت سريريا ، لأن المعايير المعتمدة لإلصاق دمنات بجهة بني ملال – اخنيفرة لم تُحترم –في رايي- معيار الفعالية أو التراكم أو التجانس أو الوظيفية وغيرها من المعايير، وأن الأمر تتحكم فيه معايير أخرى لا علاقة لها بالتنمية،. وإذا قدر الله وتمت المصادقة على هذا التقسيم غير العادل ، فإن عددا كبيرا من الجماعات التي ليست لها لا موارد و لا ثروات و لا بنية تحتية ( بعض جماعات إقليم ازيلال و على رأسها طبعا دمنات) لن تستفد مما يفترض أن تستفيد منه في مجال الخدمات الصحية والتربوية والاقتصادية والإجتماعية وغيرها، وستزيد عزلتها و معاناتها لانها ستبقى دائما عالة على الدولة وستبقى تعتمد في تنميتها بالأساس على تضامن بين الجهات الذي أقره التقسيم الجديد والذي هو عبارة عن نسبة مائوية حدد ت في 10 في المائة تساهم بها الجهات الغنية لتنمية الجهات الأقل نموا (راجع تقرير اللجنة الإستشارية الجهوية ). وستعيش دمنات بالذات نفس المسلسل التراجيدي الذي عاشته في سبعينيات القرن الماضي عندما تم اقتلاع جدورها من مجالها الطبيعي والتاريخي الذي هو مراكش وتم إلحاقها قسرا بعمالة إقليم قلعة السراغنة الفتي الذي لم يكن وقتها سوى عبارة عن مجموعة من مقاهي مبثوثة على حافة الطريق لتقديم (القطبان والبيض المسلوق وكؤوس الشاي) للمسافرين العابرين في كل الإتجاهات . وعندما اصبجت عمالة تركز الإهتمام عليها -وهذا أمر طبيعي- وابتلعت جميع الإعتمادات والميزانيات لتوفير البنية التحتية اللائقة بها كمركز إداري إقليمي وارتقت بعد ذلك إلى ما هي عليه الآن من مضاهاة باقي مدن وأقاليم المملكة ، ولم تستفد دمنات خلال وجودها في نفوذ تراب اقليم قلعة السراغنة شيئا يذكر .
وتشاء الإستراتيجية الأمنية والإثنية والانتخابية للدولة تقسيما جديدا للمملكة، تم على إثره إحداث إقليم ازيلال ومرة أخرى تقتلع دمنات الأمازيغية من إقليم عروبي ليؤثث بها مشهد الإقليم الجديد المحدث المفتقر لكل شيء، فباستثناء ثكنة عسكرية خلفها الاستعمار الفرنسي هناك والتي تم تحويلها إلى مقر للعمالة فإن الإقليم الفتي في حاجة إلى وقت كبير و إلى ميزانيات ضخمة لتوفير مختلف المرافق والمؤسسات الإدارية الضرورية لتدور دواليب الإدارة الإقليمية الجديدة ، وأصبح ازيلال اليوم على ما هو عليه وإن كان لا يضاهي كثيرا من العمالات المحدثة فإنه أحسن حالا من وضعه بالأمس ، واستراح سكانه من مشاق السفر شرقا وغربا لقضاء مختلف مآربهم الإدارية والصحية . في حين لم تتغير أحوال الدمناتيين الذين بذل أن يتوجهوا شمالا إلى القلعة أصبحوا يشدون الرحال شرقا إلى ازيلال مع اختلاف- آنذاك - في ندرة وسائل النقل وفي وعورة الطريق وفي ظروف الإقامة و التغذية. قد تحسنت الأمور كثيرا في جميع المجالات منذ ذلك التاريخ.( آخر عهدي بأزيلال كان سنة 1984) وما أحفظه عنها طيبة سكانها وذماتة أخلاقهم وتواضعهم .)
ما أريد أن يفهمه القاري الكريم هنا ، هو أن دمنات كانت ضحية هذه الإحداثات لأن جميع المشاريع التنموية يتم تركيزها في الإقليم الفتي ويتم غض الطرف نهائيا عن المراكز الحضرية والجماعات الأخرى الملحقة به .وهذا ما سيقع مرة أخرى لدمنات مع وجودها في جهة بها عمالات فتية وجماعات محدثثة تحتاج إلى الكثير مما سيفوت الفرصة على دمنات وغير دمنات في نصيبها من التنمية والإزدهار وستزداد تهميشا على التهميش الذي تعيشه أصلا. تصوروا أن دمنات بها مستشفى صغير /بمواصفات مستوصف خلفه الإستعمار الفرنسي اللهم إن هذا لمنكر.هذا على سبيل المثال لا الحصر .
لذلك فإنني أعتبر أن إقحام دمنات في محور بني ملال- اخنيفرة -ميدلت هو بكل صراحة اجتثاث لدمنات من أصولها التاريخية والجغرافية والسياسية التي تربطها بمراكش وبأحوازها وديرها التي تشترك معها في كثير من الأعراف و التقاليد .و لا يمكن بأي وجه من الأوجه أن نفصل دمنات عن مجالها الجغرافي وعن باقي التجمعات السكنية الشبيهة بها والرابضة على سفوح جبال الأطلس الكبير التي تحيط بمراكش والتي كانت عبر التاريخ غير البعيد ممرات ومحطات وأسواق تجارية لها وزنها ومكانتها والتي تلاقحت ثقاقتها وتشابهت وانصهرت في بعضها البعض إلى حد بعيد .
ولا أعتقد أن أهل دمنات الذين اكتووا بنار التقسيمات المجحفة والظالمة السابقة سيستسيغون أو سيقتنعون بتحليلات الخبراء الذين استعملوا مقصا شبيها بمقص الاستعمار الذي مزق أطراف الدولة المغربية ليسهل عليه التحكم في سكانها وفي مواردها ومزقت خريطتها شر ممزق وتركت سكانها -إلى يومنا هذا- يتنازعون حول الحدود و حول المياه وحول الحق في استغلال الثروات .
أنا لست مختصا ولا أكاديميا لذلك فإنني لا أفهم الكثير من الكلام العام والفضفاض والتقني والمصطلحات الغامضة الذي حبل به تقرير اللجنة الإستشارية للجهوية هذا إذا كان هذا التقرير موجه لي أصلا وأنا المعني به أما إذا كان الغرض منه تلميع الصورة في الخارج لنيل رضى القارة العجوز والعم صام فهذا شأن آخر. ما أفهمه هو كلام واضح يقنعني كأيها الناس وأقصد بالناس هنا سكان دمنات بالخصوص بان هذا التقطيع سيحسن من دخلهم الفردي وسيوفر مناصب شغل لمعطليهم ومقاعد دراسية لأبنائهم وبناتهم وأسرة طبية لمرضاهم وحواملهم ومرافق إدارية قريبة جدا جدا من سكناهم و بنية تحتية تحترم كرامتهم وأن يكون هذا الإقناع معززا بالأرقام وبنوعية المشاريع وعددها والرزنامة الزمنية للشروع والإنتهاء منها هذا هو المطلوب والمأمول ما نريده وليس متنيات تبتديء ب: سوف.... ويمكن..... ونظن ....و باقي الوعود الكاذبة التي تحيل على مستقبل غامض ومظلم .
لقد صبرنا -نحن الدمناتيين -كثيرا حتى - دبرنا الصبر– منذ الاستقلال وجيلنا يعيش على حلم شق الطريق الرابط بين مراكش وورززات عبر دمنات لأنه في اعتقادنا هو الحل السحري الوحيد لكل مآسينا وأوجاعنا ومحننا ، ومذاك فتحت طرقات وممرات وبات ذلك الحلم محنطا في ذاكرتنا وحتى إن تحقق اليوم ( وذلك من سابع المستحيلات) فلا فائدة ترجى منها لاعتبارات كثيرة ليست موضوع حديثنا اليوم .
و إن التقسيم الجديد لن يزيد دمنات إلا عزلة وهشاشة وفقرا وتهميشا ، لانه منذ استقلال المغرب لم تتمكن دمنات إلى يومنا هذا من لعب دور الحاضرة الذي كانت تقوم به في الماضي ، اقتصاديا وثقافيا وسياسيا كحلقة وصل بين الجنوب والشرق وكمحطة وممر تجاري مهم . وباتت تفتقر اليوم بسبب سوء السياسة التدبيرية الممنهجة إلى كل ما هو ضروري من (مستشفى ، دار الثقافة ، دور الشباب -ملاعب رياضية ، معاهد مختلف التخصصات – مجمع للصناعة التقليدية – إدارت عمومية في المستوى: مؤسسات تعليمية – منطقة صناعية – مرافق سياحية – محاكم- مراكز إعادة التربية إلى غير ذلك من البنى التحتية التي تساهم في التنمية المستدامة وفي رفاهية المواطنين .
2- ما هو موقف النخبة من كل هذا ؟؟
ما هو موقف برلمانيي دمنات ومنتخبيها من مشروع التقسيم هذا ؟ فهل يا ترى اجتمعوا لتدارسه وتوحيد الراي في شأنه ؟ وإذا فعلوا – ولن يفعلوا- ما هي الخلاصات التي خرجوا بها من مداولاتهم ؟ وما هو رأي النخبة السياسية الدمناتية في التقسيم الجهوي الجديد بصفة عامة ؟ وبإلحاق دمنات بالجهة 5 بصفة خاصة ؟
أليس دور النخبة السياسي هو التأثير في الفعل العمومي نظرا لموقعها الذي يؤهلها إلى التأثبر في العمل السياسي ، ومن المفروض أن المنتخب فاعل أساسي ناضج وكفؤ وقادر على اسماع صوته الذي هو صوت القاعدة التي انتبته ليمثلها ويدافع عن حقوقها .هذا في عالم المثل ، أما الواقع فإن وضعية منتخبينا للأسف الشديد تتسم بضعف التأطير السياسي والحزبي والتكوين المعرفي وهذه أحدى العوائق الاساسية التي ترهن تقدم هذه البلاد ، منتخبونا للأسف الشديد يتقنون فن التلون والدسائس و-عضة من الفكرون ولا يفلت – ومن بعدي الطوفان ، وأن لم يكونوا كلهم كذلك ف- حوتة وحدة كتخنز الشواري- وان أولاد عبد الواحد كاع واحد (هذا مثل شعبي ولا علاقة للأمر بعبد الواحد الاٍراضي/ عفوا الراضي ) .
أريد أن أعتذر لأنني قلت أعلاه بأن المنتخبين ممثلي دمنات في مختلف المجالس الجماعية والغرف الفلاحية والصناعية والبرلمان لن يجتمعوا ، لا يا أسيادي سيجتعون ، وقد بدؤوا فعلا في عقد القاءات ، ولكن ككائنات وطفيليات انتخابية ليضعوا الخطط والبرامج والتفكير من الآن في توفير العدة المالية اللازمة لشراء الذمم و لاستغلال فقر وأمية جهل الناس بذل توعيتهم بحقوقهم وإرشادهم والدفاع عنهم، وبذل التفكير في تنمية منطقتهم فإنهم لا يفكرون إلا في تنمية أرصدتهم ومشاريعهم الخاصة . وأظن أن فضيحة الانتخابات الأخيرة والتي عرفت الاستعمال الفاحش للمال الحرام لا زالت ماثلة أمامكم. وكأحزاب فإنها تتجند منذ الإعلان عن التقسيم والتعديلات الدستورية إلى وضع (البرامج الحزبية) للظفر بأكبر عدد من المقاعد بالجهات بكل الوسائل على حساب النزاهة والالتزام والاستقامة الأخلاقية. هذا علما بأن وزارة الداخلية قد قسمت الكعكة بينهم وكل حزب معروف منذ الآن الجهة التي سيفوز فيها .ولا استبعد أن يكون هذا التقسيم مبنيا على نفوذ كل حزب في كل جهة من الجهات.
وبصفة عامة فأنا شخصيا لا أرجو ( ولو أنني لست متشائما بطبعي ) أي خير من التقسيم الجهوي الجديد سواء احتفظ بدمنات هنا أو هناك بسبب فساد الطبقة السياسية التي تشحد سكاكينها منذ الآن للتقاسم الكعكة ، تلك الطبقة السياسية أو لنقل الكائنات الإنتخابية التي شاركت في تبذيرالشأن العام وفي نهب المال العام والتي أبانت خلال مختلف الإستحقاقات الإنتخابية عن انتهازية وفساد. هؤلاء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار (وسيكون من الإجحاف أن نقول كل النخبة لأن فيها ناس شرفاء) أولائك الذين انقلبت الآية عندهم من مجال للعمل في سبيل خدمة الصالح العام إلى مجال للإتجار والإغتناء السريع. إن كل من يتوق إلى الإلتحاق بالأغنياء ومن امتلاك الاٍراضي والمشاريع والنفوذ والقرب من مراكز القرار يمتهن سياسة الإنتخابات فتحولت بذلك من ممارسة نبيلة يمارسها خيرة أبناء الشعوب إلى ممارسة مافيوزية لمن يريد نهب المال العام. مما جعل المواطنين الشرفاء يهاجرون السياسة وأهلها. و تركوا الساحة للمنتفعين والإنتهازيين المستعدين لبيع كل شئ ...كل شئ مقابل الوصول إلى أهدافهم الذنيئة . ورأيتم بأم عينكم كيف تحول بعضهم من لاشيء إلى زعماء !!! و أصحاب مشاريع و عقارات ، ورأيتم كيف يبدلون جلودهم وكيف يتلونون بالألوان السياسية التي تستجيب لتطلعاتهم ورأيتم كيف تحولوا من مناضلين وتقدميين مدعين الدفاع عن حقوق الناس إلى مرتشين وسماسرة ووسطاء يتاجرون في حقوق الناس مناصرين للظلم والجور وهضم الحقوق .
خاتمة
إن فصل دمنات عن مراكش كان هو بمثابة التفريق بين أم ووليدها ألم تكن تدعى دمنات في بعض الكتابات التاريخية ب: "مراكش الصغرى" (راجع كتب التاريخ ) لذا أرى انه يجب التفكير في إنشاء عمالة بدمنات وإلحاقها بجهة مراكش أسفي ، لان التقسيم الحالي كما التقسيمات السابقة لم ترتكز على معايير موضوعية بقدر ما ارتكزت عن الهواجس الأمنية الإثنية.
وإن دفاعي عن إلحاق دمنات بجهتها الأصلية التاريخية/ مراكش راجع لاقتناعي بأنها ستتنمى في جميع المجالات وستلعب الدور الإقتصادي والسياحي المنوط بها ، مما سيرفع إلى أبعد حد ممكن من مستوى استغلال إمكانياتها المحلية البشرية والطبيعية، والاقتصادية وتسخيرها لتنمية هذه المنطقة برمتها. وستمكن الدمناتيين ( دمنات والمنطقة ) من التمتع بنفس الامتيازات الاقتصادية والخدماتية التي يتمتع باقي المواطنين في باقي مناطق المملكة .
ملحوظة :
سيسعدني كما سيسعد البوابة أن أقرا أراءكم وتعليقاتكم في الموضوع بعيدا -طبعا -عن الألفاظ غير اللائقة والإتهامات المجانية بالتعصب والتخلف . فلا تقرؤوا وترحلوا أتركوا بصمتكم .
مولاي نصر الله البوعيشي الدمناتي
عيون الساقية الحمراء
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.