خمس جهات بالمملكة تستحوذ على مجموع السكان النشيطين    عمر حجيرة.. زيارة البعثة الاقتصادية المغربية لمصر رسالة واضحة على رغبة المملكة في تطوير الشراكة والتعاون بين البلدين    العلاقات الاقتصادية الصينية العربية تتجاوز 400 مليار دولار: تعاون استراتيجي يمتد إلى مجالات المستقبل    توقيف شخص ظهر في فيديو يهدد مرتادي الملاعب الرياضية بالدار البيضاء    الرباط.. استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج 1446ه/2025م    مسؤولة حكومية تقر بمنح زميل لها من "الأحرار" مليار و 100 مليون سنتيم لتربية الرخويات    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    آلاف يتظاهرون في مكناس والدار البيضاء دعما لغزة ورفضا لتهجير الفلسطينيين    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    بورصة البيضاء تبدأ التداول بانخفاض    وزارة التربية الوطنية تشرع في تكوين أكثر من 500 مفتش للتعليم الابتدائي لإنجاح وتوسيع تجربة مدارس الريادة    النفط ينخفض بأكثر من دولارين للبرميل مع اتجاه أوبك+ لزيادة الإنتاج    باريس.. الوجه الآخر    غنيمة حزبية في هيئة دعم عمومي    الرابطة المغربية لمهنيي تعليم السياقة تطالب بإحداث رخصة خاصة للسيارات الأوتوماتيكية    محمد وهبي: نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية    عودة تير شتيغن إلى برشلونة تسعد الألمان    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    المتصرفون التربويون يلوحون بالإضراب والجامعة الوطنية تتهم الوزارة ب"اللامبالاة"    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رحلة كروية تنتهي بمأساة في ميراللفت: مصرع شخص وإصابة آخرين في انقلاب سيارة قرب شاطئ الشيخ    التقنيون يواصلون الإضراب الشهري احتجاجا على تجاهل حكومة أخنوش    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    الرباط.. افتتاح أشغال ندوة حول موضوع "البرلمان المغربي وقضية الصحراء المغربية: من أجل دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال"    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    العثور على جثث 13 عاملا بعد اختطافهم من منجم ذهب في بيرو    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    إسرائيل توافق على توزيع المساعدات    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد بأذربيجان    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشكيلية العراقية زينة مصطفى سليم: شخوص مغايرة تمحي شظايا الألم
نشر في بيان اليوم يوم 10 - 07 - 2020

يروم المقال التالي مقاربة جانب من التصويرية الصباغية المائزة عند الفنانة التشكيلية العراقية المغتربة بكندا زينة مصطفى سليم المظفر التي تعتز بمولدها في البصرة منارة العلم والعلماء وبترعرعها في بغداد الصامدة وسط العراق على ضفاف نهر دجلة، قبل أن تجد نفسها فجأة تعيش غربة قسرية بسبب ظروف بلدها وما يشهده من محن وتناحر وانهيارات..، غربة بمثابةحرب مقيتة جرَّدتها من طفولتهاومن أهلها وأصدقائها، كما تقول.
هذه "الحرب" جعلتها تقاوم وحيدة وهي لا تملك من الأسلحة سوى فنها الذي تنتصر به على كل العقبات والمآسي، إلى جانب نصائح أبيها وبعض الذكريات المتلاشية المحفوظة في الذاكرة وألبومات الصور وكنانيش المدوَّنات اليومية، وهي بالتأكيد حرب ملعونة أجبرت على العراقيين (وغيرهم) وفرضت عليهم واقعاً جديداً بعد أن غرَّبتهم ورمت بكثير منهم بعيداً عن وطنهم الأم ليستوطن الألم والوجع قلوبهم وأفئدتهم.
في ظل هذه الظروف الصعبة، وبمنحى تعبيري رمزي، تبدع الفنانة زينة لوحات صباغية عميقة المعنى والمبنى، تتمحورها وجوه ذكورية شاردةتمحي شظايا الألم وتقاوم جروح الوطن وأخطاء التاريخ،إلى جانب أخرى نسوية بملامح آشورية، مطروزة بخطوط مكثفة قائمة على القتامة والأحادية اللونية إلى جانب اختيارات طيفية أخرىتتصل بقضايا إنسانية مصيرية همَّشها الخوف والفزع..
تجربتها عموماً، تتناظر تشكيليّاً (بمعنى ما) مع ما يُعرف ب"التعبيرية الاجتماعية" في التصويرPeinture، والتي أرسى دعائمها الفنان الألماني ماكس بيكمان M. Beckmann الذي طرده أدولف هيتلر من بلاده بسبب ثيماتهالسياسية الساخرة التي كانت تثير سخطه وقلقه، إضافة إلى أعمال الفنانين أوتو ديكس وجورج غروش برسومهما التشاؤمية التي كانت تنبذ الحرب بطرق احتجاجية شديدة لدرجة وصفت ب"الموضوعية الجديدة" كامتداد ل"جماعة القنطرة" Die Brückeالتي دعت إلى تعزيز التصوير بمضامين تتلاءم مع النوازع الإنسانية والمتأثرة كثيراً بفن الرسام الإسكندنافي إدوارد مانشE. Munch منذ تأسيسها سنة 1905 في درسدن بألمانيا كبديل عن الواقعية الانطباعية الفرنسية. غير أن تجربة الفنانة زينة تظل بارزة تتفرَّد بأسلوبها وطابعها الخاص في المعالجة والتعبير، لتبقىلوحاتها تمثل بذلك "تأشيرات مرور" نحو عوالم ميثولوجية مفتوحة على الإيحاء والترميز..
في أعمالها الفنية الرَّاهنة يمتزج اللون بقطرات الوجع، وتمسي الشخوص كائنات أسطورية تتبادل حواديث يومية تكاد لا تنتهي، بل تحكي تحت مصابيح مضيئة فصولاً طويلة من محن أوطاننا العربية المأزومة والممزقة..ولتقف بذلك صارخة ضِدَّ ما تتعرَّض له هويتنا من محو وطمس ممنهج..
وبقدر ما هي كائنات، هي كذلك صور وإسقاطات رمزية للذات في حدود تأثر الفنانة وانفعالها تجاه ما جرى ويجري من حولنا من ممارسات موجعة وأفعال وحشية دمَّرت الإنسان والإنسانية معاً، بل ولتعلن موقفها الجمالي النبيل من هذا الألم الذي جعلت منهم سنداً داعماً ومحفزاً على الخَلق والابتكار، أليس "الألم هو مفتاح الإبداع وطريق العبقرية"، كما يقول وليام جيمس؟
هكذا، وبجهد إبداعي متواصل، رسمت الفنانة زينة شخوصها الرمزية بوجوه مشحوبة وبأعين جاحظة وأخرى مغمضة منفكة أحياناً عن مواضعها الأصليةوالطبيعية لتصير لها وظائف أخرى غير الإبصار المباشر، بحيث تتحوَّل من أداة للرؤية إلى موضوع للمشاهدة، إلى جانب أنوف طويلة وأيادٍ بأصابع متشابكةتحمل كؤوساً أو وروداً ورؤوس ملتصقة غير مألوفة تحتشد فيها خطوط الرسم بأسلوب التظليل والترميد والتهشير Hachures، فضلاً عن رسمها لنسوة ملوَّنات تعكس في سماتهن وسحناتهن حالات شعورية متعدِّدة تحملها الوجوه المصاغة بأسلوب فني تطغى تعبيريته على تجريديته، وقد بَدَت جوانب من هذا الاشتغال جلية ضمن تجربتها التي قدَّمتها قبل سنوات في مونتريال (معرض "سيدات الفصول"، 2011)، قبل أن تتلوها تجارب فنية أخرى مماثلة جلها ظهر ضمن معارض جماعية بمدينة أوتاوا حيث تعيش وتشتغل.
فما الذي تنطق به هذه الشخوص الصامتة التي تكاد تخرج من اللوحة؟ لا شك أنها تريد أن تقول لنا شيئاً مهماً..أو تنبِّهنا إلى أمر في غاية الخطورة يتعلق بمصيرنا ووجودنا المهدَّد باستمرار!!
إنها شخوص قوية وضمائر حيةتتحرَّك لإثبات قدرة البسطاء على قهر المخاوف المفتعلة ومقاومة الواقع بخلق واقع آخر بديل، وكأنها تتواطأ مع الفلاسفة في ضرورة التغيير (أو التأويل) وفهم الفوضى السياسية التي تنخر عالما المعاصر..لعلها بذلك تعلمنا معنى الحياة ومعنى أن نكون..
الرَّاجح أن هذه الشخوص الأثيرة والموسومة بمسحة ميتافيزيقية تظلُّ تحيا وتعيش على إيقاع متاهات العزلة والغربةكتجربة ليست سهلة وضعت الفنانة زينة على المحك ومنحتها مناعة وصلابة إبداعية إضافية للدفاع عن جذورها والتعبير عن قلقها اليومي بمفرداتأيقونيةجديدة تتمدَّد داخل تصويرية تعبيريةمؤسسة على الفكر ومفعمة بسرديات بصرية كثيرة تتباين من لوحة لأخرى، لكنها تظل مع ذلك وفية لأبعادها الجمالية التي تنتقد أعطاب التدبير التراجيدي للوجود الإنساني الحديث والمعاصر. من داخل هذه الغربة، خرجت الفنانة زينة منتصرة لقناعاتها ومبادئها كفنانة وكإنسانة أولاً، مستفيدة من هذا الدرس العسير، انسجاماً مع كلام الروائي الليبي ابراهيم الكوني: "ليس من إنسان عظيم دون امتحان عظيم، وليس من إنسان عظيم دون ألم عظيم".
هي هكذا الفنانة المبدعة زينة مصطفى سليم المظفر بفنها الراكض والمتقد وبإنسانيتها الواسعة ورؤيتها الجمالية الاستشرافية التي تتخطى الآفاق الصغيرة والضيقة،وكل أملها أن يتحقق حلمنا المشترك بغد أجمل وأفضل!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.