عبد النباوي: التصدي لجرائم الفساد محك حقيقي لفعالية العدالة الجنائية    التكلفة الإجمالية للنظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية بلغت ما يفوق 17 مليار درهم (برادة)    حكيمي والمليوي ضمن القائمة النهائية ل"أفضل لاعب في إفريقيا"    260 سنة سجنا في حق 33 متهما بأحداث العنف التي رافقت احتجاجات "جيل زِد" بسوس ماسة    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    جودة العسل المغربي تجذب اهتمام الفاعلين الاقتصاديين في معرض "أديف"    الراحل مطاع بين المسرح والميكروفون والكاميرا .. مبدع مغربي لا يتكرر    الأسعار ترتفع بنسبة 0,4% في شتنبر    أكاديمية محمد السادس مبادرة رائدة لجلالة الملك أسهمت في تطوير كرة القدم المغربية وبروز المواهب الشابة (قناة مكسيكية)    مونديال كرة القدم للسيدات لأقل من 17 سنة (المغرب 2025 ) المنتخب الأمريكي يفوز على نظيره الصيني ( 5-2)    شريفة مسكاوي تحمل العلم الوطني في المرحلة الخامسة من "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء"    الصين تختبر أسرع قطار فائق السرعة في العالم ب 453 كيلومتر في الساعة    الدار البيضاء.. مصرع شخصين وإصابة اثنين آخرين بجروح في انهيار منزل بالمدينة القديمة (سلطات محلية)    بكين تستضيف جلسة خاصة لتخليد ذكرى عودة تايوان إلى الوطن الأم    انعقاد مجلس الحكومة غدا الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    محكمة العدل الدولية تصدر حكمها الأربعاء بشأن التزامات إسرائيل تجاه المساعدات إلى غزة    أبطال أوروبا.. باريس وإنتر وأرسنال يواصلون الانتصارات وبرشلونة يستعيد الثقة بسداسية    هزيمة ثانية للمنتخب المغربي ضد نظيره الإيطالي في مونديال الفتيات    عطل فني في طائرة ليفربول يورط "الريدز" وسلوت: العطل ليس عذرا قبل مواجهة فرانكفورت    واتفورد يطلق مسابقة للفوز بقميص موقع من النجم المغربي عثمان معما    الإمارات: طبعنا العلاقات مع إسرائيل لتغيير طريقة التفكير في المنطقة    متحف اللوفر في باريس يعيد فتح أبوابه أمام الجمهور ثلاثة أيام بعد تعرضه لعملية سطو    التخريب يستنفر أمن مرس السلطان    طقس حار في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    كيوسك الأربعاء | المنتجات المغربية تدخل 24 سوقا إفريقيا بدون رسوم    وزير الصحة يرد على جدل ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات الطبية    باراغواي تجدد التأكيد على دعمها "الراسخ" لسيادة المغرب على صحرائه    انطلاق المنظومة الجديدة للدعم المباشر للمقاولات الصغرى والمتوسطة في 2026    لجنة مشتركة بين المغرب وإسبانيا والبرتغال لتعزيز أثر تظاهرة مونديال 2030    مواجهات مع مطالبين بطرد اللاجئين من إيرلندا    سانشيز يطالب الاتحاد الإوروبي بإلغاء التوقيت الصيفي نهائيا    مجلة ليكسوس تدخل تصنيفات معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي"    اصطدام حافلتين يسلب حياة العشرات في أوغندا    انهيار منزل يقتل شخصين بالبيضاء    الرباط تحتضن ندوة وطنية لإطلاق مشروع "معا من أجل عدالة حمائية للأطفال والنساء المحتجزات مع أطفالهن"    فنانون من 12 دولة يثرون الدورة 14 لمهرجان العرائش الدولي    كتاب فرنسي جديد: المهدي بن بركة قُتل غرقاً في حوض الاستحمام بإشراف الدليمي وبتنسيق مع "الموساد"    إسرائيل تتعرف على "جثتي رهينتين"    تخفيضات الميزانية تهدد جهود الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بالعالم    الممثل عبد القادر مطاع يودع الدنيا عن 85 سنة    رحيل قامة فنية مغربية: عبد القادر مطاع في ذمة الله    المغرب: عجز ميزانية متوقع في حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2026 (تقرير)    إدريس لشكر… قائد التجديد وواضع أسس المستقبل الاتحادي    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    بين الأعلام والمطالب.. الجيل الذي انتصر في الملعب واتُّهم في الشارع    رابطة ترفض "إقصاء الفيلم الأمازيغي"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    "لارام" تدشن خطا مباشرا بين الدار البيضاء وميونيخ    كنزة الغالي.. سفيرة بروح وطنية عالية تجسد الوجه المشرق للمغرب في الشيلي    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطاب المقدماتي في القصة القصيرة جدا
نشر في بيان اليوم يوم 25 - 12 - 2022

حظيت القصة القصيرة جدا بحظ وافر من الخطاب المقدماتي؛ وهو خطاب تقريضي يغلب عليه المدح والثناء في الأغلب العام، ويلتفت بين الفينة والأخرى إلى توظيف مصطلحات ومفاهيم مستمدة من مناهج نقدية معاصرة، ونظرية الأدب، وعلم النص، وجمالية التلقي، وبلاغة الحكي، ونظرية التجنيس، وعلم الاجتماع، والنقد الموضوعاتي.
وقد وقفت عند عدد من المقدمات، أبدعها كتاب مغاربة ومشارقة في فترات زمنية متقاربة، ما بين 2011 و2014، واللافت للانتباه أن أغلب هؤلاء الكتاب انساقوا مع الميثاق الأجناسي المثبت على أغلفة الأضمومات القصصية، وهو القصة القصيرة جدا، ونستحضر في هذا السياق النقاش الدائر حول هذا المصطلح (قصة قصيرة جدا)، (انظر كتاب الدكتورة سعاد مسكين: القصة القصيرة جدا في المغرب -تصورات ومقاربات، دار التنوخي، ط 2011).
وقد انبرى كتاب الخطاب المقدماتي للدفاع عن هذا الجنس متسلحين بمرجعيات نقدية وثقافية لم يصرحوا بها، واكتفوا بالتلميح والإشارة، لأن هاجس التقريض أو المدح كان ديدنهم ومبتغاهم أولا وأخيرا.
يستحضر الدكتور مسلك ميمون علم الدلالة وتنوع القراءات في خطابه المقدماتي ل"تلك الحياة" وهي قصص قصيرة جدا لشريف عابدين، صدرت عن دار التنوخي ط2012. ويعتقد اعتقادا جازما أن معالم القصة القصيرة جدا تتحدد في هذه المجموعة (في هذه المجموعة…تتحدد معالم القصة القصيرة جدا بشكل فني، ونسق تقني، يراعي مكونات جهاز الحكي، وأواليات هذا الفن، عملا على نسج إبداع متماسك، يحقق التعدد الدلالي، وتراكم المعنى، وفسح المجال لتنوع القراءات واختلافها…"تلك الحياة"…تنبض بالحياة لقاص طبيب تارة ينكأ بمشرطه الجرح، وتارة يعالجه ويضمده.. وفي جميع الأحوال كان المبدع الطبيب، والقاص الأريب…) (ص:7و8).
وقد قدم الدكتور جميل حمداوي للمجموعة القصصية القصيرة جدا "لا وجود لقبلة يتيمة" للقاص نور الدين كرماط، الصادرة عن مطابع الرباط نت، الطبعة الأولى 2013. وانطلق من اعتبار القصة القصيرة جدا جنسا أدبيا ليخلص الى أن كاتب هذه الأضمومة يعد من المبدعين المتميزين في هذا الجنس الأدبي. كما ركز على المؤلف وظروف التأليف ودواعيه، وتحدث عن التشخيص الذاتي والتشخيص الواقعي، والتشخيص الميتا سردي، وتقنيات التشخيص وجمالياته، مستخلصا الدلالات النصية في علاقتها بالمجتمع.
صدر للقاصة وفاء العمري "العشق المشروع: شذرات أدبية" عن دار الوطن، الطبعة الأولى سنة 2012، وقد قدم لها الناقد والشاعر العراقي المقيم بأستراليا يحيى السماوي، اذ اعتبر أن هذه الأضمومة أنموذجا رفيعا للومضة الأدبية المستوفية لضوابطها الفنية والبنيوية، وجاءت نصوصها مستوفية لثوابت قصيدة النثر على صعيد الإيجاز والإيقاع الداخلي، ولم يفوت الفرصة ليشير الى ان المجموعة لم تغفل ثوابت القص الذي يعالج المفارقات الحياتية، وهي مكتنزة بالدلالات والإيحاءات المفضية إلى تعدد القراءة (ص 6). وألمح إلى أنه يوظف المنهج البنيوي بتوظيفه لبعض مصطلحاته. من قبيل (الضوابط الفنية والبنيوية، المداليل، اللازمنية، الإيقاع الداخلي. . . . )، ثم إن هاجس التجنيس ظل حاضرا في هذا التقديم، حيث يقترح مصطلح الومضة الأدبية انسجاما مع العنوان الفرعي الذي اقترحته القاصة وفاء العمري "شذرات أدبية".
صدر للقاص العراقي عامر هشام الصفار مجموعة قصصية بعنوان حفلة تنكرية (دار أقلام للنشر، كارديف، ويلز المملكة المتحدة، 2012)، وقد أثبت القاص العراقي فرج ياسين على ظهر غلافها مايلي: (أخي الدكتور عامر هشام لا أستطيع كتمان إعجابي بقراءاتك المستقصية لقصصي. أنا والله أقرأ كتاباتك بمحبة توازي محبتك لي دمت بتألق دائم). ويقول الحبيب ارزيق في الموضع نفسه: (لقطات أدبية بليغة.. خفيفة لطيفة وذات دلالات فائقة.)
هذه الانطباعات الصادرة عن كتاب معروفين ومشهورين لها دلالة خاصة في سياق الكتابة، لأنها تتفاعل مع العوالم التخييلية للسارد، وتنخرط تلقائيا في شؤون القصة وشجونها، وتتحرك في ثنايا النص بطريقة بنائية.
وتلح القاصة اليمنية انتصار السري في سياق تقديمها للمجموعة القصصية القصيرة جدا "مغيب شمسي" للقاصة المغربية فاطمة الشيري، الصادرة عن مطبعة طوب بريس2014، على ضرورة التقاط كاتب القصة القصيرة جدا للفكرة الجيدة واختزالها وتكثيف السرد وتصاعد الأحداث حتى تصل إلى نهاية قوية تصدم القارئ وتكون غير متوقعة منها، حاملة لمفارقة تدهش القارئ وأن لا تكون مباشرة بل عميقة في المعنى." (ص12).
ونقرأ على ظهر غلاف الأضمومة القصصية (قطف الأحلام) للقاص إسماعيل البويحياوي، الصادرة عن دار التنوخي للطباعة والنشر بمشرع بلقصيري2010، تقديما لمحمد صابر عبيد وهو باحث وناقد عراقي، يقول فيه: "تندرج القصص القصيرة جدا الواقعة تحت سلطة عنوان (قطف الأحلام) للمبدع اسماعيل البويحياوي في إطار التجارب المهمة التي تشتغل على إنجاز نماذج متقدمة، تتيح فرصة عميقة وواسعة لتمظهر هذا النوع السردي تمظهرا بنائيا كاشفا ومثمرا يتحول فيه من عتبة النوع الى فضاء الجنس السردي المستقل."
وتعد المجموعة القصصية القصيرة جدا "أسراب من سراب" للقاصة حنان قروع، الصادرة عن مطابع الرباط نت الطبعة الاولى سنة 2014 من المجاميع القصصية التي حظيت بالتقديم من قبل الدكتور نور الدين أعراب الطريسي الذي وشحها بعنوان دال "بلاغة المحكي"، واستعرض أهمية المنظور البنيوي التكويني في دراسة القصة القصيرة جدا، من منطلق أن الكتابة الابداعية الأدبية ظاهرة إنسانية، واعتبر القصة القصيرة جدا "مجالا لغويا إنسانيا يقوم على التأسيس والتجاور المستمرين، ضمن جدل الإبداع والتأصيل، الادب والوجود، المجتمع والكتابة، التاريخ والانسان. . . "(ص5).
وقد انخرط الناقد محمد رمصيص في الخطاب المقدماتي وخص المجموعة القصصية التي صدرت للقاص حميد ركاطة، عن دار الوطن، الطبعة الأولى سنة 2013 بمقدمة تحيل القارئ بشكل غير معلن عنه إلى المرجعية النقدية التي استعان بها في توضيح دلالات السخرية في هذه المجموعة. وهي مرجعية تجد سندها في المنهج الاجتماعي الذي يستثمر السياق لإنتاج المعنى، والتقاء خطاب السخرية بجوهر القص الذي يسخر في العمق من الاستطراد. كما يستند على جمالية التلقي في الاحتفاء بالفراغ والبياض في استدراج القارئ لإتمام القص لا الاكتفاء باستقباله. (ص19).
وتندرج مقدمة الدكتور نور الدين الفيلالي للمجموعة القصصية القصيرة جدا "تجاعيد الزمن" للقاصة آمنة برواضي، الصادرة عن مطابع الرباط نت2013 ضمن الخطاب المقدماتي الذي يمتح من النقد التيماتيكي الذي يربط التيمات بما هو اجتماعي.
وفي "الأسماء تتشابه" للقاص محمد بودشيش؛ هذه الأضمومة القصيرة جدا، والتي صدرت عن مكتبة الطالب بوجدة، الطبعة الأولى سنة 2013، احتفى الناقد امحمد امحور بنصوص هذه الأضمومة القصصية الململة لجراح الذات المبدعة التي انخرطت في شؤون المجتمع وشجونه، وقد تخلت عن سلطة الحكي لتمنحها لصوت المجتمع على لسان شخصيات واقعية . ثم إن السارد قد استوعب بشكل ضمني البنية الذهنية للمجتمع، ومن خلالها يدين الثقافة السائدة التي تكرس الانتهازية والوصولية، وتشرك الفئات التي تعاني من هذه المظاهر في لعبة السرد، وهذا ما يضفي على العمل القصصي برمته طابع التشويق والإثارة. (ص7).
أما الناقد امحمد امحور فقد ركز في تقديمه ل"حدثني الأخرس بن صمام" للقاص جمال الدين الخضيري، الصادرة عن مطابع الرباط نت 2013، على القارئ المؤهل لتأويل المقاطع السردية، والذي راكم سجلا موسوعيا حول نمط القصة القصيرة جدا، لأن السارد في هذه المقامات قد أجاد رسم ملامح الشخصيات، والفضاءات، وأخضع المساحات السردية لمنطق السرد، واعتنى بصياغة الجملة المحكية بغض النظر عن الصيغ التي يمكن أن تأخذها هذه الجملة. وأشار الى أن هذه الأضمومة تحفل بشعرية اللغة التراثية، وتنضح بدلالات عميقي ورصينة، ذلك ان الذات الساردة تترك للقارئ المبادرة التأويلية لخلخلة المعنى الثابت.
إننا أمام خطاب مقدماتي تقريضي في مجمله، يكتفي بالتلميح إلى مرجعيات نقدية لها صلة بالأزمنة الحديثة والمعاصرة، ويعلي من قيمة القص القصير والوامض في الألفية الثالثة. ومقصدية هذا الخطاب تتجلى أساسا في الاحتفاء بالذات المبدعة المهووسة بالقص القصير الذي يفتح شهية القارئ لمساءلة عوالم سردية بفضاءاتها وحواراتها وتهجيناتها اللغوية، بهدف استشراف آفاق رحبة في السرد المعتق المعانق للأخيلة المفترضة التي تدين الواقع الجريح عبر فعل السرد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.