مهنيو محطات الوقود يقاطعون اجتماع وزارة الانتقال الطاقي تعبيرا عن رفضهم لمشروع "الوسم" ويدعون إلى حوار "جدي"    إصابة نحو 50 إسرائيلياً في هجوم بطائرة بمسيّرة يمنيّة على إيلات    إطلاق اتفاقية متعددة الأطراف بالرباط لمكافحة المنشطات في المجال الرياضي    جلالة الملك يعطي انطلاقة مشاريع سككية مهيكلة ذات وقع كبير على التنقل داخل الحاضرة الكبرى للدار البيضاء    بابوا غينيا الجديدة تجدد تأكيد دعمها لمغربية الصحراء، ولسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، وللمخطط المغربي للحكم الذاتي    بالأمم المتحدة، المغرب يعلن استضافة الرباط لأول مؤتمر حول ضحايا الإرهاب في إفريقيا    المغرب يخطط لاستقطاب مليون سائح سنوياً من خلال " السياحة الخضراء"    قيوح يحشد لتمكين المغرب من مقعد دائم بمجلس المنظمة العالمية للطيران    زامبيا تجدد تأكيد دعمها لسيادة المغرب على صحرائه    طنجة.. أزمة الصرف الصحي ومياه الأمطار تُهدد منطقة "أوف شور بلازا" ودعوات عاجلة لوالي الجهة للتدخل        إسبانيا ترسل سفينة لإنقاذ رعاياها بعد استهداف "أسطول الصمود" قبالة اليونان والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي يدينان الهجمات    شريط فيديو يستنفر أمن مراكش ويقود لتوقيف شخصين متورطين في حيازة أسلحة بيضاء    جيش إسبانيا يساعد أسطول الصمود            شيشاوة.. مصرع 5 أشخاص 4 منهم من أسرة واحدة اختناقا داخل "مطمورة" للصرف الصحي    الحسيمة تتصدر المدن الأغلى وطنيا في أسعار الاستهلاك    سوريا تكشف عن سجن سري جديد تحت الأرض في ريف حمص    مونديال أقل من 20 سنة.. وهبي: جئنا بطموحات كبيرة ونسعى للجاهزية الكاملة لمواجهة إسبانيا    عمر عزيمان يتوج بالجائزة الدولية "ذاكرة من أجل الديمقراطية والسلم"    "لامورا..الحب في زمن الحرب" للمخرج الراحل محمد اسماعيل يدخل سباق القاعات السينمائية    وفد اقتصادي أمريكي يزور ميناء طنجة المتوسط لتعزيز التعاون مع المغرب    مدرب جيرونا يشيد بأداء أوناحي بعد تألقه أمام بلباو    "الشمعة" تدافع عن تصويت الجالية    TV5MONDE تحتفي بالفرنكوفونية المغربية في سهرة ثقافية خاصة    مهرجان "عيطة بلادي" يكشف تفاصيل نسخته الأولى في الدار البيضاء    الصراع مستمر بين المغرب وإسبانيا على استضافة نهائي مونديال 2030    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تطلق قسما إخباريا حول الذكاء الاصطناعي ضمن منصتها الرقمية    بزشكيان: إيران لا تريد أسلحة نووية    سناء العلوي… من تكريم وزان إلى لجنة تحكيم سلا    قراءة في مسرحية «عيشه ومش عيشه»: «الوجود الإنساني لا يفهم إلا في ضوء تناقضاته»    المغرب يجدد بنيويورك تأكيد دعمه لحل الدولتين بشأن القضية الفلسطينية    تقرير: "آلية تعديل الكربون الأوروبية" ستؤثر على صادرات المغرب وتدفع نحو تسريع إزالة الكربون من الاقتصاد الوطني    أخنوش: دينامية الدعم الثابت لمغربية الصحراء تفرض إنهاء هذا النزاع المفتعل    6 روايات عن العائلة إلى المرحلة النهائية من جائزة "بوكر"    مؤسسة الدوحة للأفلام تسلط الضوء على الأصوات الفلسطينية في مهرجان الدوحة السينمائي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    توقيف حركة السير بعدد من المحاور الرئيسية يوم 28 شتنبر الجاري بالدار البيضاء    سباق الفضاء الثاني .. الولايات المتحدة تتقدم نحو القمر    استئنافية طنجة تدين "البيدوفيل الألماني" وشريكه المغربي ب12 سنة سجنا نافذة    منظمة الصحة العالمية: لا علاقة مؤكدة بين الباراسيتامول والتوحد            نزيف الطرق متواصل.. 33 قتيلا و3058 جريحا في أسبوع واحد    دراسة: تلوث الهواء قد يضر ببصر الأطفال    سفيرة المغرب في فرنسا سميرة سيطايل بالكوفية الفلسطينية وفي بيت سفيرة فلسطين في باريس.. بعد اعتراف الرئيس الفرنسي بدولة فلسطين            الدفاع الجديدي يعلن رسميا استقبال الرجاء بملعب الزمامرة    دراسة: غثيان الحمل الشديد يرفع خطر الإصابة بأمراض نفسية            المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة (دراسة)    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية: درامية التاريخ المورسكي في مسرحية «سيدة المتوسط» لمحمد زيطان
نشر في بيان اليوم يوم 25 - 12 - 2011

صدر للكاتب المغربي محمد زيطان عمل مسرحي جديد موسوم ب «سيدة المتوسط» عن منشورات ومضة ضمن سلسلة المكتبة المسرحية. ويعد هذا العمل الحلقة الثالثة في ثلاثيته المسرحية المكونة من «حدائق لوركا» و»غجر منتصف الليل». ونص «السيدة الحرة تفاعل خلاق بين الدراما والتاريخ. ذلك أن محمد زيطان سليل أسخيلوس يذكرنا بولع شكسبير بالتاريخ، الذي ترجمه في لحظات مبكرة عبر أعمال مسرحية من قبيل: «هنري السادس» و»ريتشارد الثالث» و»الملك جون». وفي كلمة الأستاذ عبد العزيز الزروالي الموسومة ب: «نحو إعادة الإعتبار للإنتاج المسرحي اعتبر أن الحركة المسرحية بالمغرب بلورت» في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ثقافة فاعلة في مجتمعها، مستنبتة لقيم الخير والحق والجمال، ومصوغة للجدل المتفاعل بين الخطابات الرمزية والخطابات الواقعية. و»سيدة المتوسط» تترجم هذا الوعي التاريخي وسعي محمد زيطان إلى كتابة ما لم يقل عبر تخييل سردي يتخذ من البناء الفني والجمالي أساسا لخلق دلالات جديدة، انطلاقا من القدرة على إعادة الخلق، ونسج علاقات حميمية بين السيدة الحرة والقوى الفاعلة في المسرحية ليحدد المصائر المختلفة على نحو درامي مزوداً بخبرته المعرفية..».
إن صوت السيدة الحرة التي لن تظهر إلا في المشهد الثاني في هذا العمل المسرحي لا يكتسب مشروعيته انطلاقا من التأريخ المعهود لمسار هذه المرأة، وإنما في الحركية، والحيوية التي تتمتع بها في عالمها الجديد الذي نسجه محمد زيطان عبر سياق الملاءمة ذلك أن مسرحية» سيدة المتوسط بوصفها دالا تشكل عبر سياقات مخصوصة يستقي مدلوله لدى محمد زيطان انطلاقا من تقاطعاته التاريخية والجمالية، وعلاقاته السوسيولوجية انسجاما مع رؤية لوسيان غولدمان لبنية العمل الأدبي. لأن محمد زيطان ليس مؤرخا يعيد سرد الأحداث، ولكنه مبدع يعيد تأويل الأحداث عبر التخييل السردي مستثمرا العلاقة القوية بين المسرح والتاريخ، ومقترحا نصه المسرحي بوصفه نصا خصبا بسماته الفنية والجمالية، فضلا عن درامية المحكي، وبالتالي فحقيقة حياة السيدة الحرة لدى محمد زيطان لا يمكن فهمها إلا على ضوء فصول هذه المسرحية التي يمكن وصفها بعملية تأويلية للتاريخ يحضر فيها الإنساني أكثر من الجرح الدامي لسقوط غرناطة والأندلس. ولاشك أن هذا التأويل خلق متعة مضاعفة في هذا العمل المسرحي الذي حافظ على خصوبة الدلالة التاريخية، وحافظ أكثر على درامية سيرة السيدة الحرة التي وسمها محمد زيطان بسيدة المتوسط التي هي ابنة أمير شفشاون علي بن موسى بن راشد بن علي بن سعيد ابن عبد الوهاب بن علال بن عبد السلام بن مشيش (917ه - 1511م)، فهي شريفة النسب علمية إدريسية حسنية، وقد ولدت السيدة الحرة بشفشاون حوالي سنة (900ه - 1493م) بمدينة شفشاون، وتربت ونشأت في بيت جهاد، فقد كان والدها الأمير علي بن موسى بن راشد، مختط مدينة شفشاون، وقائدها، وتلقت تعليمها على يد أشهر العلماء والفقهاء بهذه المدينة، مما لا شك فيه أن هذه التربية ساهمت في جعل السيدة الحرة تحصل على ثقافة واسعة انعكست على تصرفاتها وقراراتها فيما بعد.
أما الأستاذ عبد القادر العافية فيرى أن أبوي السيدة الحرة اهتديا إلى هذا الاسم تيمنا بملكة غرناطة الذائعة الصيت، وأيضا لأن وثيقة عقد زواج السيدة الحرة بالسلطان أحمد الوطاسي، أتبثت بما لا مجال للشك أن اسم الأميرة الراشدية هو «الحرة» لا عائشة. وانتهت حياتها بشفشاون حيث كانت في رعاية أخيها الأمير محمد، وأنها دفنت برياض الزاوية الريسونية بهذه المدينة وما يزال قبرها معروفا وحاملا لاسمها إلى اليوم. وهذا العمل المسرحي الذي يعيد نسج سيرة هذه المرأة ارتباطا بالمشترك التاريخي، ونقصد بذلك ذاكرة الأندلس وفضاءات شفشاون هو ما دفع بمحمد زيطان لإعادة تأويل هذه السيرة بقوتها التاريخية عبر انفتاح العملية الإبداعية على الممكن الدلالي، انطلاقا من قدرته على العودة إلى تاريخ مدينة شفشاون، وإلى أحلك فترات الموريسكيين في الأندلس، متوقفا عند الدور الكبير الذي لعبته (السيدة الحرة) بحكمتها وغيرتها وإقدامها، إلى جانب بعض رجال البحر- كخير الدين بارباروسا - ورجال من العدوتين وموكادور، فيما عرف بحركة الجهاد البحري في التخفيف من مأساة أهالي الأندلس وفي رد أطماع الإيبيريين عموما وتهافتهم على مرافئ المغرب الأقصى.
وتبعا لهذا السياق تمكن محمد زيطان في نصه المسرحي الجديد من كتابة المحتمل انطلاقا من مرجعياته التاريخية، وتوظيفه لقواعد البناء المسرحي القريب أكثر من الملحمي، ليجعل من المتخيل التاريخي محايثا لهذه السيرة على نحو يتداخل فيه الأسطوري بالجمالي، عبر لوحات درامية آخادة تنتهي بدخول السيدة الحرة إلى غرناطة على رأس جيش عرمرم. وهي نهاية وضعها محمد زيطان انطلاقا من قدرته على تأويل التاريخ، وفتح نوافذ لإعادة نسج سيرة امرأة تحتل مكانة مرموقة في الذاكرة الثقافية لشمال المغرب.
وقد كتب محمد زيطان نصه المسرحي في زمن ينعت بزمن الصورة، حيث الهيمنة الكلية لمحمولات الثقافة الإلكترونية، واختفاء شبه تام لحفدة شكسبير، وصامويل بكيت. لكن صاحب «حدائق لوركا» ظل وفيا للمسرح كتابة وانشغالا أكاديميا. ولعل هذا العمل هو ثمرة تفكير وبحث طويل من أجل إنتاج نص يزاوج بين البعد التثقيفي التاريخي، وبين المتعة الفرجوية والجمالية لنص لا يتوانى في فصوله الدرامية في التعبير عن قضايا وإشكالات مرتبطة بالجرح العربي الإسلامي بعد سقوط غرناطة، وبما لم يقل بصدد تاريخ المورسكيين بعد أكثر من أربعمائة عام. والسيدة الحرة المنتمية إلى هذه الفئة التي استقرت بشمال إفريقيا بعد الخروج المدوي من غرناطة، والتي يقدر الباحثون عدد السكان الذين طردوا من إسبانيا منذ 1609 إلى غاية 1614 بما يناهز أربعمائة ألف مورسكي طرد من ديارهم في إسبانيا. قادرة حسب نص محمد زيطان على إعادة هؤلاء إلى ديارهم، وإعادة النبش في سيرتهم والإحساس من جديد بجرحهم الغائر. لكن هذا الثقل التاريخي، والجرح الكبير يزيد من صعوبة التعامل مع شخصية مثل السيدة الحرة، وصاحب «أقواس الغواية» انطلاقا من وعيه التاريخي بسيرة هذه المرأة، وانطلاقا من خبرته الجمالية، استطاع أن ينسج هذه الخيوط ليشيد عالما يعج بحركية، وتفاعلات بين الشخوص.
في هذا المقام النصي/الدرامي تصبح السيدة الحرة منبعا للقيم الوجودية التي نفتقدها في عصرنا ومرآة تعكس مبادئ سامية ونبيلة (الحرية - التضامن - التسامح...) إنها تتخذ صورة «البطل المخلص» المطلوب الأسطوري في كل عصر. لقد أضفى زيطان على السيدة الحرة هالة من السحر التاريخي/الدرامي وجللها بمسحة جمالية أخاذة. فهي في النص شاعرة وفارسة وحكيمة وفاتنة. تسكن فكر المتلقي وتأخذ بألبابه فيتساءل لماذا لم تفرد كتب التاريخ ما يليق بهذه السيدة/الرمز من صفحات؟ لماذا تم تجاهلها؟ كل ما نعثر عليه في ذكرها وارد في بعض المراجع البرتغالية أو الإسبانية، مع ندرة ما كتبه المغاربة حول هذه الشخصية. ولعل هذه العودة لكتابة الممكن والمحتمل في هذه السيرة هو احتفاء خاص بالتاريخ المورسكي، وإنصات لجرح السقوط. وكأن محمد زيطان آثر أن يأخذ مفاتيح البيت الأندلسي الذي يحتفظ به غالب الشفشاونيين المنحدريين من الأندلس ليعيد فتح الضفة المتاخمة لبيتهم الجديد، ويعيد الاعتبار لهذه المرأة عبر الركح، وعبر هذا العمل الأدبي الجمالي.
إنه احتفاء بالمرأة وبعطائها. وهو من ثمة عمل تكريمي للسيدة الحرة. ولا يتوخى محمد زيطان بهذا العمل تكرار الأحداث التاريخية المرتبطة بسيرة السيدة الحرة، ولكنه يراهن على فتح أوراش جديدة لإعادة قراءة التاريخ بالتخلص من النزعة التقريرية، والتزود بالرؤية الجمالية ليرى المؤول ما لا يراه غيره.
* شاعر وباحث في جماليات التعبير الأدبي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.