الحكومة تصادق على مشروع قانون يتعلق بنظام الضمان الاجتماعي    بايتاس يؤكد على "الإرادة السياسية القوية" للحكومة لمعالجة مختلف الملفات المطروحة مع النقابات    بايتاس… الأسرة المغربية في صلب مختلف السياسات العمومية    مطار الناظور يحقق رقما قياسيا جديدا خلال الربع الأول من 2024    المغرب يستنكر بشدة اقتحام باحات المسجد الأقصى من طرف مستوطنين    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    وزارة الفلاحة تتوّج أجود منتجي زيوت الزيتون البكر    وضع اتحاد كرة القدم الإسباني تحت الوصاية    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي : إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    عدد زبناء مجموعة (اتصالات المغرب) تجاوز 77 مليون زبون عند متم مارس 2024    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    تشافي لن يرحل عن برشلونة قبل نهاية 2025    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    الجماعات الترابية تحقق 7,9 مليار درهم من الضرائب    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    مدريد جاهزة لفتح المعابر الجمركية بانتظار موافقة المغرب    الرباط.. ندوة علمية تناقش النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة (صور)    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    رسميا.. الجزائر تنسحب من منافسات بطولة اليد العربية    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واقع اليسار الفلسطيني وأزمة صحيفة «الرسالة» وأصحابها
نشر في بيان اليوم يوم 29 - 10 - 2012

لم تعد تشكل مفاجأة أن تهتم وسائل الإعلام، الفلسطينية منها بشكل خاص، باليسار الفلسطيني وبدوره في الحالة السياسية. ونعتقد أن هذا ناتج عن أمرين رئيسيين: أولهما الدور المميز الذي يلعبه اليسار في الوضع الفلسطيني، خاصة في ظل الانقسام القائم، واستفحال الأزمة السياسية في الضفة كما في القطاع. ثانيهما التقدم الذي يحرزه اليسار على الصعيد الجماهيري، يعبر عن ذلك في تحركاته وأنشطته، حيث الالتفاف الشعبي واضح ولا يحتاج لتفسير. من بين «الاهتمامات» باليسار، ذلك الملف الذي أطلقته صحفية الرسالة (غزة) التابعة لحركة حماس في 6/9/2012، حاولت من خلاله أن تلملم أقلاما من هنا وهناك، بدا واضحا أن معظمها لم يستطع أن يرى الأمور إلا من الخارج، ولم يستطع أن ينفذ إلى الداخل، لقراءة الوضع في تحركاته. وإنه، أيضا، اعتمد على المشاعر المسبقة في الرؤية والتحليل، وهذا مقتل كل باحث وصحفي، يترك لمشاعره أن تتحكم بقلمه بدلا من أن يذهب في البحث الموضوعي وصولا إلى النتائج الملموسة حتى لو كانت لا ترضي مشاعره. كما بدا واضحا أن بعضها حكمته خلفية فكرية، تقوم على العداء لليسار، بشكل مبدئي لا يبرره واقع الحال، ولا الضرورات الوطنية، ولا خصوصية الحالة الفلسطينية.
وقبل أن ندخل في تفاصيل الأمور وتناول القضايا محور النقاش، لا بد من الإشارة إلى مسألة شديدة الأهمية، تغيب عن بال الكثيرين ألا وهي المقارنة على الدوام بين قوة اليسار وإمكاناته وبين قوة كل من فتح وحماس. ويتناسى هؤلاء أن المقارنة الصحيحة والعادلة، لا تجوز بين قوى معارضة، تعتمد في يومها السياسي على ذراعها، وعلى جماهيرها، ومؤيديها، وبين حركتين تديران سلطة واحدة في رام الله، والأخرى في غزة، توفر لكل منهما، هذه السلطة، عناصر قوة ونفوذ، وقدرة على السيطرة، وأدوات وآليات، لا تتوفر لقوى اليسار. علما أن قوى اليسار لم تطمح يوما تحت سقف أوسلو أن تكون سلطة، وهذا على الأقل ما أعلنته صراحة الجبهة الديمقراطية منذ ولادة هذا الاتفاق، ولم تعتمد سياسة الانقلابات العسكرية الدموية، ضد أوسلو، والسلطة الفلسطينية لتلعب دور البديل، ولو بالقوة. لذلك نعتقد أن على من يريد أن يقيم اليسار أو أن يزن قوته وقدرته الجماهيرية، وأن يقيم دوره وفعاليته السياسة وأن يسائله عن هذا الدور، أن يأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وإلا اعتبرت المعاينة مختلة وفاقدة للتوازن، لا تستند إلى الواقع، بل تطلق العنان، كما قلنا للمشاعر والموقف المسبقة، وهذا أمر لا يفيد الحالة الفلسطينية، وينتقص من دور أصحاب ملف «الرسالة».
ما هو اليسار؟
حتى لا يبقى اليسار مجرد لغز، من المفيد أن نقدم ما نعتبره تعريفا مبسطا وواقعيا لليسار الفلسطيني، انطلاقا من واقع الجبهة الديمقراطية ودورها في الحالة الفلسطينية.
أن تكون يسارا أو يساريا معناه أن تكون حريصا على صون البرنامج الوطني الفلسطيني، كما أقرته المؤسسة الفلسطينية، واعترفت به الدوائر العربية والإقليمية والدولية، وكما تبنته المؤسسات والاتحادات والنقابات والتيارات السياسية والاجتماعية الفلسطينية في مناطق وجود الشعب الفلسطيني كافة. (داخل مناطق 48، في الضفة، في القدس، في القطاع، في الشتات ودول الاغتراب والمهاجر)، وأن تناضل ضد المس بهذا البرنامج، أو التنازل عنه، أو المزايدة عليه، باعتباره البرنامج الوطني الذي وحد الشعب الفلسطيني، من خلال توحيد حقوقه الوطنية والقومية، ويرفض اليسار في هذا المجال، الموقف القائل بأن «الضرورات تبيح المحظورات» لأن هذا الموقف، قد يفتح الباب على مصراعيه لنسف البرنامج الوطني، إما للرضوخ لاتفاق ينال من حقوق الشعب الفلسطيني، وإما للركض وراء أوهام «الإمارة» أو غيرها من التشكيلات السياسية. علما أن ما من معيار واضح ومحدد وله سقف وقاعدة، يمكن من رسم وتعريف هذه «الضرورات»، وما دامت هذه الضرورات تبيح المحظورات، فمعنى ذلك أننا بتنا بلا برنامج إجماع وطني، وبتنا أمام حالة تعطي لنفسها، الحق الانفرادي في البت بمصير الشعب وحقوقه ومصيره.
أن تكون يسارا أو يساريا، معناه أن تصون الموقع التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها حاضنة المشروع الوطني، وأن تناضل على الدوام دفاعا عن هذا الموقع التمثيلي، باعتباره عنوانا وإطارا لوحدة الشعب الفلسطيني ووحدة كيانيته، والسد المنيع لمنع القوى العربية أو الإقليمية من العبث بهذه الكيانية تحت أي شعار كان، قطريا أو قومجيا أو إسلاميا. ويسجل التاريخ والواقع الفلسطيني، للجبهة الديمقراطية الفصيل اليساري بامتياز، والفصيل الوطني بامتياز أيضا، أنها حملت لواء «م.ت.ف.»، في سنوات عجاف، حين رمى هذا اللواء من ذهب إلى العواصم العربية يدخل معها في إطار للعمل المشترك، ومن ذهب إلى عواصم أخرى لبناء هياكل بديلة، للمنظمة، وإذا كان البعض يتهم الجبهة الديمقراطية بأنها في دفاعها عن المنظمة، ملكية أكثر من الملك، فإن الحقيقة تقول إن الجبهة في هذا الميدان ليست ملكية، بل هي الملك نفسه. هذه من الثوابت التي رفضت الجبهة المساومة عليها، رغم كل الإغراءات المالية وغير المالية التي قدمت لها، ورغم الإنذارات وعمليات التخريب التي تعرضت لها. لكن الجبهة صمدت، بفعل صلابة قاعدتها الجماهيرية، وبفعل التفاف الحالة الشعبية حولها وحول «م.ت.ف.».
أن تكون يسارا أو يساريا، معناه أن تصون وحدة الشعب الفلسطيني، وقواه السياسية في مواجهة الاحتلال والاستيطان، في خوض معركة التحرير والاستقلال والسيادة. الخلافات والتعددية السياسية، أمر طبيعي في صفوف كل شعوب الأرض، ومنها الشعب الفلسطيني، لكن الخلاف السياسي شيء وتحويل الخلاف السياسي إلى سبب للاحتراب الدموي، واستعمال العنف وسيلة للحسم، شيء آخر. هنا ترفض الجبهة القول بأن «فتنة صغرى قد تعفي من فتنة كبرى». فهذا القول تشريع واضح وصريح للعنف والاقتتال وتدمير الوحدة الداخلية لشعب فلسطين. والذين ذهبوا إلى انقلاب 14/6/2007، رفعوا هذه المقولة «الفتنة الصغرى والفتنة الكبرى»، وأعطوا لأنفسهم الحق في رسم حدود «الفتنة» التي أدخلوا فيها الحالة الفلسطينية، والتي مازلنا حتى الآن نعاني نتائجها وتداعياتها، وآثارها المدمرة على الشعب وقضيته الوطنية. الجبهة الديمقراطية تتمسك بالحوار الوطني سبيلا وحيدا لحل الخلافات السياسية، والوصول إلى التوافقات التي يفترض أن تكون ملزمة لكل من وقع عليها، كما هو حال وثيقة الوفاق الوطني (2006)، وإعلان القاهرة (2005)، ووثيقة المصالحة (2011).
أن تكون يسارا أو يساريا، معناه أن تتمسك بمبدإ العدالة الاجتماعية بين فئات الشعب وشرائحه المختلفة، وأن تدافع عن مصالح الفقراء والعمال والفلاحين، وأصحاب الدخل المحدود، وحقوق المرأة، ومصالح الشباب، وكل الفئات المهمشة، وأن تدفع باتجاه نظام اقتصادي يحد من جشع كبار التجار والأغنياء، ويفكك المافيات، ويكافح الفساد، ويضع حدا له، ويرسم أسسا للمساءلة والمكاشفة ومحاسبة المسؤولين تحت شعار «من أين لك هذا؟»، برامج اليسار، وبشكل خاص الجبهة الديمقراطية ناطقة بهذا كله، وتحركات ونضالات قواعدها، ومنظماتها ومؤسساتها، وممثليها في الاتحادات والنقابات، ومواقف ودعوات، وتحركات ممثليها في اللجنة التنفيذية، والحكومة الفلسطينية، والمجلس التشريعي، دليل على ذلك. ولمن خانته الذاكرة، نعيد ونؤكد كيف بادر الرفيق قيس عبد الكريم (أبو ليلى) عضو المجلس التشريعي، وفور دخوله قاعة المجلس، لتقديم مشروع قرار بتخفيض مرتبات وتعويضات أعضاء المجلس، وكيف تصدت له الكتلة البرلمانية الأكبر آنذاك (كتلة حماس) بدعوى أن المرتب وسيلة ليتفرغ أعضاء المجلس لمهامهم وليؤمن لهم مستوى من الحياة، تمكنهم من الالتفات لمصالح الناس. وقد أعاد التأكيد على اقتراحه هذا في إحدى مقابلاته التلفزيونية الأخيرة، بينما كان الشارع يعج بالمتظاهرين ضد السياسات الاقتصادية لحكومة فياض. العدالة الاجتماعية، ومبدأ «من أين لك هذا؟» من شأنهما أن يلزما حكومة هنية على سبيل المثال، للبحث في الأسباب والعوامل، والمصادر، التي فتحت الباب لولادة المئات من أصحاب الملايين في قطاع غزة تحت الحصار، في وقت ترتفع فيه البطالة بين المواطنين ويتحول القطاع برمته باعتراف المنظمات الدولية إلى أزمة إنسانية، تحتاج لحلول بعيدة المدى.
الأرزاق لا تأتي من السماء كما يأتي المطر، الأرزاق مسألة اقتصادية، أولا وأخيرا، وهناك اقتصاد يؤمن العدالة الاجتماعية، واقتصاد يقوم على الفساد ونهب المال العام، والاحتكار، والتهريب، وسرقة لقمة العيش من جيوب الفقراء والمتاجرة بمآسيهم.
التمويل.. وما أدراك ما التمويل؟
تتهم الجبهة الديمقراطية أنها تتواطأ مع السلطة الفلسطينية ورئيسها، ومع الفريق المفاوض، حرصا منها على عدم انقطاع حصتها المالية من فتح، ونعتقد أن تهمة التواطؤ هذه لا يصدقها لا رئيس السلطة، ولا رئيس الحكومة سلام فياض، ولا الفريق المفاوض، ولا حتى الفريق الفتحاوي الذي يدير مع حماس مباحثات إنهاء الانقسام. ومواقف الجبهة في هذا المجال لا تحتاج لمن يدافع عنها. ما يحتاج لتوضيح هنا، (رغم أن الذين وجهوا للجبهة هذه التهمة يعرفون الحقيقة لكنهم يتلاعبون بها، ظنا منهم أنهم بذلك يتذاكون على القراء وعلى الرأي العام)، هي مسألة «التمويل»، وحصة الجبهة.
حصة الجبهة تنالها من الصندوق القومي لمنظمة التحرير، وبقرار من المجلس الوطني الفلسطيني والمؤسسات المعنية، وهي مخصصة لتوفير احتياجات كتائب المقاومة الوطنية، الذراع العسكري، وهو الصندوق الذي يقدم مساعدات مالية لفتح نفسها، ولباقي الفصائل، وإن كانت الحصص هنا لا تقوم على مبدأ «العدالة النضالية». وكثيرا ما حرمت الجبهة من حصتها هذه، بقرار تعسفي، عقابا لها على مواقفها السياسية، فالكل يدرك، وفي مقدمتهم العاملون في «الرسالة» و«الكتبة» لديهم أن الجبهة حين تتخذ قرارا سياسيا، لا تضع في اعتبارها مسألة المال، وحصتها في «م.ت.ف.»، فالجبهة تعتمد على ذاتها في إدارة شؤونها أولا وقبل كل شيء لأنها تريد لقرارها السياسي أن يكون متحررا من كل الضغوط المالية. وكم كنا نتمنى لو أن «الرسالة» فتحت باب «التمويل» على مصراعيه لتقول لنا، أين ذهبت الأموال التي جمعتها حماس، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، باسم الشعب الفلسطيني، وليس باسم حماس، وتحت شعار «فك الحصار عن القطاع والحكومة»، هل ذهبت حقا إلى وزارة المال، أم ذهبت إلى صناديق أخرى؟؟ ولمن خانته الذاكرة، فإن في ملفات القضاء الفلسطيني، قضية قيادات في حماس وفي حكومتها، وأعضاء في كتلتها البرلمانية، تسلموا في الخارج مبالغ من المال، باسم السلطة والحكومة، وعادوا بها إلى غزة، ولم يحولوها، حتى الآن إلى وزارة المال. ولا نذيع سرا حين نتحدث عن ملايين الدولارات التي صبت في صندوق حماس من عواصم عربية ودولية، ما يدفعنا للسؤال: إذا كانت بضعة آلاف من الدولارات كافية للضغط على المواقف السياسية للجبهة الديمقراطية، فماذا يمكن، إذن، أن تفعل الملايين في مواقف حماس، خاصة وأنه، على قاعدة هذه الملايين قامت الامتيازات والمكاسب الفردية؟؟
في السياسة
يقول بعض كتاب الملف في الرسالة إن الجبهة الديمقراطية تضع قدما في المعارضة وقدما في السلطة. وهذا توصيف بسيط وساذج، وخارجي، وسطحي لسياسة الجبهة وأدائها. إن سياسة الجبهة تنطلق من الدعوة لإستراتيجية سياسية بديلة، ليس لسياسة السلطة في رام الله فحسب، بل وكذلك لسياسة حركة حماس في القطاع. فكثير من أوجه الشبه بين السياستين، وأهم وجه من هذه الأوجه أن الطرفين كلا من موقعه، وبأسلوبه، يغلب متطلبات السلطة والحكم، على غيرها من المتطلبات السياسية الأخرى، ويزن البدائل بميزان الامتيازات التي تقدمها له السلطة.
للجبهة ممثل في الحكومة، لكنه يمثل سياسة الجبهة داخل وزارته وداخل الحكومة ولا يمثل سياسة الحكومة داخل الجبهة. ونعتقد أن من تابع تصريحات ومواقف وزيرة الشؤون الاجتماعية في حكومة فياض، بإدارة الوزيرة ماجدة المصري، وتابع أداء وزارتها، في الضفة كما في القطاع، يلمس جيدا الدور المميز الذي تلعبه هذه الوزارة، في أداء حكومة فياض.
وللجبهة ممثل في اللجنة التنفيذية، ومواقفه السياسية العلنية والموزعة على النطاق الإعلامي الواسع، ناطقة بما فيها، وكذلك تنطق بوضوح تصريحات ومواقف ممثل الجبهة في المجلس التشريعي الرفيق قيس عبد الكريم (أبو ليلى).
ونعتقد أن اتهام الجبهة بأنها تضع قدما في المعارضة وقدما أخرى في السلطة يفقد أثره حين يأتيها من طرف سياسي بات جل همه أن يديم إقامته في السلطة ولو على حساب المصلحة الوطنية العليا.
الانقسام والمسؤولية عنه
لا يفيد كثيرا اتهام الجبهة بأنها لا تتخذ المواقف الصائبة من مسألة الانقسام. فهذا الاتهام لن يغطي على مسؤولية حماس التي قامت بالانقلاب يوم 14/6/2007، وأحدثت هذا الانقسام في الحالة الفلسطينية. وهي مسؤولية رئيسية مهما حاولت أن تتبرأ منها وأن توزع المسؤوليات على الآخرين، بذريعة أننا جميعا مسؤولون عن البحث عن المخارج لأزمة الانقسام.
الجبهة أدت دورها، السياسي والدبلوماسي والجماهيري، ضد الانقسام، وكانت أول من قدم مبادرة لإنهائه، بعد أيام قليلة على وقوعه. كما تحملت مسؤولياتها في الحوار الوطني في القاهرة لتطبيق الورقة المصرية. ولكن على أصحاب الاتهامات أن يتذكروا جيدا أن ما يتم الاتفاق عليه جماعيا، سرعان ما يتم نسفه ووضع اتفاقات بديلة عنه، حين يلتقي الطرفان «فتح وحماس». وأن ما يتم الاتفاق عليه حتى بين الإثنين، لا يتم الالتزام به منهما بالذات. مثال على ذلك اتفاق الدوحة بين الرئيس عباس ومشعل، ثم بروتوكول القاهرة لتطبيق اتفاق الدوحة، بين أبو مرزوق وعزام. ترى من عطل تطبيق ما تم الاتفاق عليه بينهما؟ ومن المسؤول عن عرقلة الوصول إلى الحل؟ هل الأطراف الممسكة بالسلطة وبالقرارات هنا وهناك، أم الأطراف المعارضة التي لا صلاحية سلطوية لها؟. نعتقد أن مستوى الوعي لدى أبناء الشعب الفلسطيني لم تعد تنفع معه سياسة ذر الرماد في العيون، لا عبر «الرسالة» ولا عبر أي وسيلة أخرى.
أخيرا وليس آخرا، كنا نتمنى على «الرسالة» أن تفتح ملفات بعيدا عن المناكفات والألاعيب الصبيانية. لماذا لا تفتح ملف الفساد في القطاع. وملف البطالة والفقر المتزايد، ومظاهر الثراء المتزايد هو الآخر. وملف الكهرباء و«الأسرار» التي تقف خلف انقطاع التيار. وملف المساعدات التي تفد إلى القطاع، من أصدقاء الشعب الفلسطيني، وكيف توزع وعلى من وفي أية مستودعات تخزن، وكيف بقدرة قادر، تظهر في اليوم التالي في مخازن مدينة العريش؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.