ميناء طنجة المتوسط يطلق مشروع توسعة بقيمة 5 مليارات درهم    بريطانيا وكندا وأستراليا تعترف رسميا بدولة فلسطينية    الرجاء ينهي ارتباطه بالشابي وفادلو على بعد خطوة من قيادة الفريق    البحرية الملكية تعترض قاربا للهجرة السرية على متنه 12 مهاجرا قبالة العرائش    مصرع شابين في حادثة سير مميتة بإقليم شفشاون    المغرب يترقب وصول دفعة قياسية من الأبقار المستوردة الموجهة للذبح    الطوب ينوه بزخم لقاء السمارة.. ويؤكد: نشكل قوة وطنية وفية لتاريخ المغرب ومضحية لمستقبل وحدته    رسميا .. لندن تعترف بدولة فلسطين    أداء مطارات أوروبية يتحسن عقب هجوم سيبراني    خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي يجسد الرؤية الملكية الاستراتيجية من أجل إفريقيا أكثر اندماجا (أمينة بنخضرة)            الناظور.. اعتقال شرطي اسباني وبحوزته 30 كيلوغرامًا من الحشيش        دور الفرانكفونية تجدد الثقة بالكراوي    نادي ليفربول لكرة القدم النسوية ينعى مات بيرد    الأصالة والمعاصرة بين دعوة النزاهة وتثبيت الصورة السياسية    بنخضرة: خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي يجسد رؤية الملك للاندماج الإفريقي    "الجمعية" تستنكر قرار منع وقفة احتجاجية أمام مستشفى طاطا    المغرب يعتمد فيزا إلكترونية مؤقتة على دول كالجزائر والغابون والسنغال وتونس لحضور كأس إفريقيا    رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم 'جياني إنفانتينو' يزور الملعب الكبير لطنجة    إسرائيل تعيد إغلاق معبر الملك حسين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    عضو في حكومة القبائل يكتب عن فضيحة فرار الجنرال الجزائري ناصر الجن    أخنوش: أتفهم أن هناك من يريد استثمار وجود هذه الحكومة لحل جميع المشاكل بشكل آني ومستعجل وسنحاول ذلك قدر المستطاع    اختبار صعب لبركان أمام كارا الطوغولي وسهل نسبيا للجيش الملكي ضد بانجول الغامبي    حملة استباقية لتنقية شبكات التطهير السائل استعداداً لموسم الأمطار    المضيق-الفنيدق تطلق ورشات مواكبة لحاملي المشاريع الشباب في إطار برنامج 2025 للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية    نشرة إنذارية.. زخات رعدية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة اليوم الأحد بالمغرب    المنتخب المغربي ل"الفوتسال" يهزم الشيلي 5-3    عملية بئر لحلو.. إنزال عسكري مغربي مباغت يربك "البوليساريو" ويفضح تورطها مع شبكات التهريب    "اقطيب الخيزران" تدشن موسمها الفني بمسرح المنصور بالرباط    استخدام الهواتف الذكية يهدد الأطفال بالإدمان    فريق يتدخل لإنقاذ شجرة معمرة في السعودية    نقابة: لن نقبل بالتفريط في مصالح البلاد وحقوق العمال بشركة سامير    بطولة إنكلترا: ليفربول يحافظ على بدايته المثالية ويونايتد يعبر تشلسي    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية ينهي المرحلة الثانية بانتصار ثمين ويحافظ على صدارة الترتيب        اضطرابات في مطارات أوروبية بسبب خلل إلكتروني أصاب أنظمة تسجيل الركاب    بورتريه: أندري أزولاي.. عرّاب التطبيع الصامت        الشرادي يتغنى بالصحراء المغربية في قلب موريتانيا    "الغد كان هنا" منجية شقرون تقيم معرضا شاعريا بين الذاكرة والضوء    المقاطعة الثقافية لإسرائيل تتسع مستلهمة حركة مناهضة الفصل العنصري    الانبعاثات الكربونية في أوربا تبلغ أعلى مستوى منذ 23 عاما (كوبرنيكوس)        "على غير العادة".. بريطانيا تفتح المجال لتجنيد جواسيس حول العالم بشكل علني    وزير خارجية الصين: المغرب كان سبّاقاً لمدّ الجسور معنا.. وبكين مستعدة لشراكة أوسع وأعمق    دراسة.. النحافة المفرطة أخطر على الصحة من السمنة    انفصال مفاجئ لابنة نجاة عتابو بعد 24 ساعة من الزواج    الرسالة الملكية في المولد النبوي    تقنية جديدة تحول خلايا الدم إلى علاج للسكتات الدماغية        تسجيل 480 حالة إصابة محلية بحمى "شيكونغونيا" في فرنسا    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة.. الوعي.. والصراع
نشر في بيان اليوم يوم 28 - 07 - 2013


في الخطاب الدرامي لمسرحية «الروضة المنسية »
استعارة المنسي
تدور أحداث المسرحية داخل روضة منسية، في زمن منسي، ومكان منسي عنوانه الرئيس القهر والبؤس.
يضعنا العرض المسرحي منذ البداية أمام إشكالية مركزية من خلال سؤال مركزي: من سيتكلف بمهمة القيادة؟ هل الرجل أم المرأة؟ أم هما معا؟ أم جيل جديد يتمثل في فئة الشباب؟
من صراع القيادة أو الزعامة إلى صراع المصالح، يواجهنا إشكال آخر يتمثل في محاولة اقتناء الروضة المنسية بكاملها قصد تحويلها إلى عمارات ومقاهي ثم إعادة بيعها لسكانها الأصليين بالتقسيط مدى الحياة.
من هنا نفهم عمق هذا الخطاب الذي يجسد معاناة فئات شعبية عريضة أمام جشع بورجوازية عربية هجينة همها هو البحث عن مصالحها الضيقة بشتى الوسائل والطرق.
البعد الفرجوي للروضة المنسية، إذن، تجسيد لواقع عربي منسي تغيب فيه تقاليد وأعراف الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتطبعه الانتهازيات الماكرة. استعارة صفة المنسي وإسقاطها على الواقع الفني تجعلنا نتساءل مع سياق العرض المسرحي: هل نحن أمام واقع الأحياء أم واقع الأموات؟ هل عالمنا العربي أضحى منسيا في ظل عالم يتسابق نحو الديمقراطيات ؟
أسئلة كثيرة تطرحها هذه الفرجة المسرحية الموسومة ب «الروضة المنسية» من خلال خطاب يزاوج بين السياسي والاجتماعي وفق مقاربة فنية اعتمدت على جمالية التعبير.
اللغة في خطاب الروضة المنسية
بتركيز شديد، نحن أمام لغة إيقاعية تعتمد على بلاغة الزجل. وهذا شيء طبيعي باعتبار المؤلف شاعرا غنائيا وزجالا. لذلك تجلعنا لغة العرض نقتنع، منذ الوهلة الأولى، أننا إزاء كتابة جديدة تزاوج بين الشكل الدرامي والشكل الساخر المتسم بالكوميديا السوداء. وهي بهذا المعنى تنحو بنا نحو شكل مغاير يرفض بالقطع دابر الكتابة التقليدية.
تورطنا اللغة إذن في قضايا اليومي المشحونة بالعواطف والانفعالات المنبنية على الاستعارات الجمالية، والترميز الدلالي المكثف وفق إيقاع انسيابي متواتر تجعل المتلقي يعيش فرجة بعيدة عن الإحساس بالرتابة والملل.
ونظرا لعدم اتساع المجال هنا ندرج مثالا على هذه الجمالية الممتعة لكتابة الروضة المنسية:
سَجّْلْ يَا تَارِيخْ ..
سَجّْلْ بِْحْرُوفَكْ دَابَا ..
صُوتْ الْحَقّْ نْطَقْ ..
وَسْطْ وْحُوشْ الْغَابَة ..
صُوتْ الْمَظْلُومْ أقْوَى
مَنْ صُوتْ الدَّبَّابَة ..
الزمن المنسي
في زمن عربي عاق، جسّده العرض المسرحي، يدعونا منذ البداية إلى التفكير من خلال الإعلان عن مرحلة سفر مفاجئ.
يسافر بنا العرض إذن في مقصورة إيقاع يتميز بالرتابة والسكون تحسبه زمن القبور والموتى. لكنه زمن حي ومتحرك، زمن يرفض الموت والنسيان، ويعلن التمرد والاحتجاج ضد الصمت وأشكال الظلم.
لا يأخذ الزمن هنا معناه إلا بارتباطه مع المكان الذي يعتبر وعاء فيزيقيا يمكن من خلاله استشراف الزمن في جدليته مع وحدة الفضاء.
المكان المنسي
هو مكان مستفز وملتبس تتجلى فيه مظاهر الغموض بشكل قصدي، وبالتالي فهو مكان متعدد المستويات يدعو المتلقي إلى التفكير في فك رموزه ومغالقه.
وهو ماجسده الإخراج المسرحي كاختيار فني بنجاح كبير، حيث أضفى عليه شحنة من العتمة الفنية المقصودة ليتحول إلى فضاء للصراع والمؤامرة. مما يجعلنا نواجه متوالية من الأسئلة المستفزة: أين يقودنا هذا العرض؟ ما هو هذا المكان؟ من يكون هذا الزمن؟ وإلى أين نحن مسافرون؟
الشخصيات
لا يتسع المجال هنا إلى تفكيك مفصل لملامح جميع شخصيات المسرحية، وتحليل عوالمها الخفية والجلية. لذا سنعمد تقريب طبيعتها حسب المطلوب.
- سعيدة الكانيطة: رمز لامرأة حولها اقتصاد الليل إلى متعة عابرة، وبضاعة معلبة محكومة بحسابات العرض والطلب داخل سياسة الاحتكار والتسويق.
- سحت الليل: شخصية ماكرة وانتهازية لا تنشط إلا في الظلام، تعكس سلوك بورجوازية منحطة وهجينة اغتنت في ظروف معينة، حيث أصبحت تمتلك سلطة المال والنفوذ بطرق غير مشروعة.
- با ميلود: نموذج للجهاز القمعي وامتداد للسلطة التقليدية التي تكرس الهيمنة والمحافظة على «النظام والاستقرار» داخل فضاء «الروضة المنسية».
- ربيع: رمز لجيل الفيس بوك، يمثل بؤرة الوعي داخل مساحة الخطاب، فهو جزء من شباب مرحلة منسية محملة بعناصر الصراع بين ساكنة الروضة المقهورة وخصومها.
- صوت الحق: علامة رمزية محنطة ومعلقة، لكنها تبقى طيلة العرض المسرحي شاهدة ومحملة بخلفيات تعكس البعد الفلسفي والأخلاقي للخطاب المسرحي، حيث تنتفض في النهاية كفكرة تتجسد في باقي الشخصيات باعتبارها قوة مادية ضد أشكال الصمت والتواطؤ.
الصراع في خطاب الروضة المنسية
يفجر خطاب الروضة المنسية صراعا مزدوجا حول إشكالية القيادة بين الرجل والمرأة وبينهما وبين جيل جديد. وهذا الصراع لا يمكن فهمه إلا على ضوء قراءة التأويل التي تحيلنا بدورها إلى الواقع السياسي العربي الراهن.
من هذا المنطلق تتناسل الأحداث بين شعب الروضة ورموزها التقليدية التي تسعى إلى الحفاظ على مصالحها الضيقة. ويتميز الصراع هنا بكونه أفقيا وعموديا، يحتدم ويتقاطع أحيانا وفق صراع التناقض وجدلية الوعي.
كتابة الوعي في خطاب الروضة المنسية
إذا كان الخطاب في بنائه العام قد اعتمد على بلاغة الالتباس لصياغة علامته اللغوية على مستوى العنوان، فإن هذا الأخير غالبا ما نجده خادعا ومضللا في كثير من الأحيان، وبالتالي يضعنا أمام جملة من الدلالات تتأرجح بين الصريح والضمني.
يضعنا هذا المحور أمام سؤال مركزي سننطلق منه لمقاربة الخطاب ومحاولة الكشف عن المسكوت عنه بداخله، فهل نحن إذن أمام كتابة تغيير أم كتابة تكريس بلغة الناقد عبد الرحمن بنزيدان؟
إن ما دفع بنا إلى طرح هذا السؤال هو المفارقة التي يضعنا فيها السياق ككل، فالفضاء المسرحي الذي تجرى فيه الأحداث يبدو للوهلة الأولى أننا إزاء مقبرة تضم شخوصا ميتة وزمنا ميتا، ومكانا ميتا، لكننا نفاجأ أمام مقبرة تعج بالحياة والصراع.
من خلال هذا السياق نستنتج أننا أمام مشكلة قيادات وزعامات فاشلة هي التي صنعت واقع الروضة المنسية، وحولت كائناتها إلى مجرد أشياء وأداوت، لكن منطق التاريخ من خلال السياق العام للخطاب المسرحي ينتهي بنا نحو حتمية التغيير الذي أزعج رموز الروضة المنسية، مما جعلها تسعى جاهدة لإحباط كل محاولة تنخرط في هذا الاتجاه.
لكن إرادة شعب الروضة المنسي أقوى من «جرافة» الهدم والابتلاع، حيث انتفض في وجه «سحت الليل» وتابعه «باميلود».
أخيرا تبقى مسرحية «الروضة المنسية» عملا متميزا على مستوى الكتابة الدرامية الجادة برؤية إخراجية متميزة ساهمت في ملء بياضات النص من خلال توظيف سينوغرافيا أثثت جمالية الفضاء، وجعلته ينضح بالحركة والحياة.
فرجة مسرحية جديرة بالمشاهدة لجدتها وجديتها، لما تؤشر عليه من انخراط في عمق الراهن عبر مجاورته لقضايا ذات الصلة بالواقع المغربي والعربي على حد سواء.
* باحث مسرحي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.