السكوري: الحكومة تؤكد ضرورة أجرأة اتفاق "30 أبريل" قبل عيد الشغل    استعدادا لعيد الأضحى .. وزير الفلاحة يعقد اجتماعا مع مهنيي اللحوم الحمراء    المغرب وبلجيكا يدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    طقس الثلاثاء.. استمرار الحرارة مع هبوب رياح قوية بهذه المناطق    انتقادات لاذعة تطال فيصل عزيزي بسبب "الملابس الداخلية"    شاعلة وسط الاستقلال.. مور رسالة سيدنا للطالبي العلمي: تحدي كبير فالمقترحات لي غايقدمو لمناصب مجلس النواب والأعيان وصحاب الشكارة مزاحمين مع الكفاءات والأبناء ديال النافدين باغين حقهم من الوزيعة    أكبر توأم ملتصق ف العالم مات.. تزادو وراسهم لاصق وحيرو كاع العلماء والأطباء    بعدما علنات القطيعة مع اللغة الفرنسية.. مالي غادي تقري ولادها اللغات المحلية وغادي تخدم الذكاء الاصطناعي    لامارين روايال عتقات 53 حراگ من دول أفريقيا جنوب الصحرا شمال طانطان    المغرب التطواني يصدر بلاغا ناريا بشأن اللاعب الجزائري بنشريفة    توقيف موظف شرطة متلبسا بحيازة 151 غراما من مخدر الكوكايين ومجموعة من علب اللصاق المستعمل في التخدير    احذر من تناول هذه الأطعمة بغير وقتها!    الملك يقيم مأدبة غداء على شرف الوزير الأول البلجيكي والوفد المرافق له    فتح بحث قضائي في حق شرطي ضبط متلبسا بحيازة 151 غراما من الكوكايين    "أسود الفوتسال" يستعرضون قوتهم أمام زامبيا وينهون مجموعات "الكان" في الصدارة    الملك يهنئ الطالبي العلمي بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا ل"النواب"    مندوبية التخطيط تطلق عملية تحديث البحث الوطني للتشغيل    ماذا قال حكيمي قبل مواجهة البارصا؟    صندوق محمد السادس للاستثمار يستعد لإطلاق طلب إبداء الاهتمام لانتقاء شركات التدبير لتمويل الشركات الناشئة    المغرب التطواني يدين "التصريحات المستفزة" للاعب من اتحاد طنجة    الرصاص يلعلع بمراكش    الثابت والمتغير في القضية الفلسطينية    إسرائيل ترتكب مجازر جديدة بحق النازحين بغزة.. والعثور على مقبرة جماعية بمجمع الشفاء    فلقاء دام 35 دقيقة.. ها شنو دار بين گوتيريش ودي ميستورا حول نزاع الصحرا    ذهاء لشكر فتوزيع مناصب مجلس النواب: كيفاش لعب مع الحركة الشعبية فرئاسة العدل والتشريع وتخلا على المنصب وداز ضرب حليفو البي بي اس باش حيدلو نيابة رئيس البرلمان    كرة القدم .. وفاة اللاعب الدولي المغربي السابق منصف الحداوي    اتفاقية شراكة لتعزيز الحماية الفكرية للتراث الثقافي المغربي    بدء محاكمة ترامب التاريخية.. إليكم السبب..    جدول أعمال مجلس الحكومة الخميس المقبل    المغرب يعزز الإجراءات القانونية لحماية التراث الثقافي والصناعات الوطنية    نسبة ملء سدود حوض سبو 51,15 في المائة    لفهم ما جرى ويجري 1 لماذا اختارت إيران الهجوم عوض سيناريوهات أخرى ؟    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الاتحاد الإفريقي لكرة القدم يغير طاقم تحكيم لقاء نهضة بركان واتحاد العاصمة    بلجيكا تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي "أساسا جيدا" لحل مقبول من جميع الأطراف    على متن طائرة لارام.. احتفال خطير بذكرى زواج يخرق قوانين السلامة    الجمارك تعلن عن تحصيل أزيد من 20 مليار درهم في ثلاثة أشهر    سعر النفط يتراجع في الأسواق الآسيوية    "غوغل" تتيح أدوات لتعديل الصور بالذكاء الاصطناعي    عمل ثنائي يجمع لمجرد وعمور في مصر    تكريم الممثلة الإيفوارية ناكي سي سافاني بمهرجان خريبكة    السينما المغربية بمهرجان "نظرات افريقية للسينما الإفريقيةوالكريول" بمونتريال الكندية.    برنامج مهرجان مراكش العالمي للشعر    بايرن ميونخ طامعين فزين الدين زيدان: دواو معه وباغيين يرجعوه للتدريب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    دوزي يصدر جديده الفني "الباشا" بفيديو كليب استثنائي    ماكرون يبرر مشاركة إسرائيل واستبعاد روسيا في أولمبياد باريس    العلوم قد تكون في خدمة ما هو غير معلن    دراسة: ممارسة التمارين الرياضية في المساء تقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 61 بالمائة    سامسونغ تزيح آبل عن قمة مبيعات الهواتف الذكية في العالم    فرنسا تعزز الأمن أمام دور العبادة والمدارس اليهودية    العالم الفرنسي الكندي سادلان ربح جائزة "أوسكار العلوم" على أبحاثو ف محاربة السرطان    هذه طرق بسيطة للاستيقاظ مبكرا وبدء اليوم بنشاط    الأمثال العامية بتطوان... (572)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    هل قبل الله عملنا في رمضان؟ موضوع خطبة الجمعة للاستاذ إلياس علي التسولي بالناظور    مدونة الأسرة.. الإرث بين دعوات "الحفاظ على شرع الله" و"إعادة النظر في تفاصيل التعصيب"    "الأسرة ومراعاة حقوق الطفل الروحية عند الزواج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد جائحة كوفيد-19.. حرب باردة في الأفق بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية
نشر في شعب بريس يوم 20 - 05 - 2020

في سنة 1974 الزعيم " ديان زبينغ" آنذاك نائب رئيس الحكومة الصينية، أعلن ومن منصة الأمم المتحدة بنيويورك، أن "الصين ليست بقوة عظمى وأنها لا تطمح لذلك"، الصراع الأمريكي الصيني ليس وليد الرئاسة الحالية، له جذور تاريخية لفهمها وإستيعابها ضروري الرجوع لمرحلة الأربعينات من القرن الماضي، من خلال التوقف عند وثائق لجنة "ديكسي" الأمريكية وقراءتها بشكل جيد، هذه اللجنة التي كان يترأسها سنة 1944 الكولونيل "دافيد برايت"، لاحظت عند زيارتها للصين أن القوة المدعمة آنذاك "لماو سيتونغ" كانت تتمتع بسلوك أخلاقي وبإنضباط محكم بالمقارنة مع المناطق التي كانت تسيطر عليها القوات الوطنية، وبالتالي من الضروري حسب خلاصة هذه اللجنة أن تقترب الولايات المتحدة الأمريكية من شرائح هذه القوات وقادتها. خمس سنوات بعد هذا التقرير وصل "ماو سيتونغ" إلى الحكم، إختارت بكين معسكر الشرق بقيادة الإتحاد السوفياتي.
في سنة 1953 كل أعضاء لجنة "ديكسي" تعرضوا للمضايقات وألصقت بهم تهم تبني الفكر الشيوعي من طرف لجنة أخرى ترأسها آنذاك السيناتور "ماكارتي". خلافات ستطفو على السطح بين القيادة الصينية وموسكو، هذه الأخيرة شرعت في تنفيذ مناورات عسكرية على الحدود بين البلدين وبالضبط بواد "أوسري"، مما دفع "ماو سيتونغ" إلى الشك في نوايا الإتحاد السوفياتي من إحتمال تفكيرها في هجوم عسكري على الصين، هذا التخوف دفع القيادة في بكين إلى الدخول في إتصالات سرية مع واشنطن مهدت لزيارتين قام بهما "هنري كسنجر" لبكين فاتحا المجال لزيارة الرئيس "نيكسون" للصين في يناير 1972. العلاقات تطورت بعد وصول "كارتر" للحكم ثم وفاة القائد الصيني "ماو سيتونغ" وبروز "ديان زيبينغ" كقائد جديد على الساحة الصينية، هذا الأخير أحدث تحولا جدريا في المقاربة السياسية للحزب الشيوعي الصيني جاعلا من التطور الإقتصادي للبلاد إحدى أهم أهدافه الكبرى، قام بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية في أواخر السبعينات، حاول فهم النسيج الإقتصادي الأمريكي عن قرب، لم يقف عند هذا المجال بل تعداه إلى السماح للأطر العسكرية الصينية بولوج المدرسة العسكرية الأمريكية الشهيرة "ويست بونت"، كما أذن للطلبة الصينيين بالإلتحاق بالجامعات الأمريكية.
عندما إختار الزعيم الصيني "ديان زبينغ" ربط إقتصاد بلده بالإقتصاديات الغربية في بداية الثمانينات، لم تكن الصين حاضرة حتى ضمن 50 دولة مصدرة في العالم، بعد ثلاثين سنة أي في بداية سنة 2010 تحولت الصين إلى القوة الأولى متزعمة لائحة الدول الأكثر تصديرا للأسواق العالمية، من هنا يجب إستحضار تخوف مراكز القرار الأمريكية من المقاربة الجديدة التي وافقت عليها القيادة الصينية سنة 2015، والمعروفة ب " made in chaîna 2025 "، الهادفة إلى جعل الصين عن طريق شركاتها الكبرى عملاقا أساسيا ضمن كل القطاعات ذات القيمة المضافة تكنولوجيا، والإنتقال من صين كانت تعتبر من طرف الغرب " كورشة للعالم" إلى قوة إقتصادية حقيقية، لتأكيد هذا المنحى وبالأرقام، ففي سنة 1996 وضمن لائحة 500 شركة الأكثر تفوقا في العالم، لم يكن الحضور الصيني يتجاوز شركة واحدة، سنة 2017 إنتقل هذا العدد إلى 106 شركة في مقابل 132 شركة أمريكية، جزء كبير من هذه الشركات الصينية إختارت الإستثمار في مجالات صناعية وتكنولوجية حساسة، مما أحدث خوفا في أوساط صناع القرارات الكبرى في دول متقدمة عديدة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، من هنا يجب حسب المتتبعين والمختصين قراءة مبادرات ترامب اتجاه الصين التي ليست وليدة اليوم، هدف هذه المبادرات هو الإستمرار في معركة الحفاظ على التفوق الأمريكي وإن كان ذلك على حساب إستقرار العالم تجاريا بخلق ظروف قد تكون لها إنعكاسات سلبية وقد تعمقها أزمة كرونا الحالية.
- للأزمة الصينية الأمريكية جذور تاريخية قبل كوفيد 19
الإجراءات الحمائية الأمريكية اتجاه المنتوجات الصينية بدأت تتضاعف بشكل ملحوظ منذ الثمانينات، لاسيما تفعيل البنود المتضمنة في القوانين الأمريكية لسنة 1974، مع العلم أن هذه الصرامة الحمائية كانت تشمل كذلك الصادرات اليابانية والأوربية والكندية، ففي سنة 1987 مثلا الرئيس "ريغان" فرض رسوما جمركية على الواردات الإلكترونية اليابانية وصلت إلى 100% ، في نفس المنهج قرر الرئيس "بوش" في مارس 2002 فرض رسوم جمركية وصلت إلى 30% على واردات الصلب، والتي تم التراجع عنها بعد تدخل منظمة التجارة الدولية.
خلال الحملة الإنتخابية الرئاسية "لترامب" وأثناء تقديم برنامجه الإقتصادي، أكد أنه في حالة فوزه سيتصدى للإكتساح التجاري الصيني، بمجرد وصوله إلى الحكم، بدأ في تنزيل قناعاته على أرض الواقع، ففي 22 يناير 2018 قرر "ترامب" فرض ولمدة 4 سنوات رسوما جمركية على مجموعة من المنتجات الصينية، لم يقف ساكن البيت الأبيض عند هذا الحد ذلك أنه في خطاب رئاسي مؤرخ ب 22 مارس 2018، أعلن عن إرتفاع الرسوم الجمركية ب 60 مليار دولار عن طريق وضع لائحة تضم 1300 منتوج أجنبي، ومعلوم أن حرب "ترامب" التجارية على الصين جعلت هذه الأخيرة تفقد مكانتها كأول شريك تجاري لصالح المكسيك وكندا، فحسب إحصائيات أواخر دجنبر 2019 إنخفضت صادرات بكين نحو الأسواق الأمريكية ب 35 مليار دولار، القيادة الصينية على وعي بأهمية الأسواق الأمريكية، تجنبت السقوط في ردود فعل غير ذكية، فضلت المقاربة المبنية على تنازلات يحكمها منطق الرؤيا البعيدة المدى، من هذا المنطلق وقعت مع الولايات المتحدة الأمريكية على مشروع إتفاق تجاري في يناير 2020، تعهدت بموجبه بشراء 200 مليار من المنتوجات الأمريكية خلال مرحلة تمتد على سنتين، مع للإلتزام بوقف عمليات القرصنة، هذا الإتفاق جاء متزامنا مع تصريح "ترامب" وتأكيده على إستعداد البيت الأبيض لفرض رسوم جمركية على كل الواردات الصينية والتي تتعدى 636 مليار دولار سنويا، في حين أنها لا تستورد إلا 178 مليار دولار من المنتوجات الأمريكية، معناه أن العجز التجاري بين الدولتين يتجاوز 400 مليار دولار.
مواقف الخبراء الأمريكيين ومستشارو الرئيس هو أن المعركة داخل أروقة منظمة التجارة الدولية لم تعد كافية لوقف المد التجاري الصيني بالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت أكثر من 34 شكاية لدى هذه المنظمة بجنيف، في حين أن الإتحاد الأوربي لم يتعدى ثماني شكايات. ومعلوم أن دراسات متعددة في هذا المجال من بينها تلك المنجزة من طرف جامعة كاليفورينا، إعتبرت أن الحرب التجارية مع الصين تؤدي بالإضافة إلى عجز الميزان التجاري إلى خسارة سنوية تصل إلى 69 مليار دولار بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، أي بمعدل 213 دولار للفرد، بالإضافة إلى تهديد مباشر للمقاولات الصغرى التي تستعمل المواد الأولية الصينية ذات التكلفة المنخفضة، إذن نحن أمام بوادر حرب باردة جديدة بعمق إقتصادي بين قوتين أساسيتين للتوازن التجاري العالمي.
ولفهم أكثر لعمق التخوف الأمريكي ضروري إستقراء الأرقام وإستيعاب دلالاتها المؤرقة للبيت الأبيض، فالشريك الأول للولايات الأمريكية هو الصين بمبادلات تصل كما ذكرنا سالفا إلى 636 مليار دولار سنويا، متبوعة بكندا ب 580 مليار دولار ثم المكسيك 575 مليار دولار، وبالرغم من أن الواردات الصينية من المنتوجات الأمريكية لا تصل إلى المستوى المنتظر من المسؤولين الأمريكيين، إلا أنها تمس قطاعات حيوية وذات حساسية سياسية، مدام أنها تعني شرائح مؤثرة في التوازنات الإنتخابية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ذلك أن 61% من إنتاج الصوجا الأمريكية يتجه نحو الأسواق الصينية بمبلغ 14 مليار دولار سنويا، نفس المبلغ تقريبا هي واردات بكين من قطاع الطيران الأمريكي، بالإضافة إلى صناعة السيارات الأمريكية التي تصدر 7.6 مليار دولار سنويا نحو الأسواق الصينية.
في سنة 2001 عندما إلتحقت الصين بمنظمة التجارة الدولية، الرئيس "بيل كلينتون" صرح آنذاك متفائلا بهذا الحدث الإستثنائي والمفيد للولايات المتحدة الأمريكية قائلا: "بفتح حدودها، الصين تعطي فرصا عديدة للفلاحين والمأجورين والمقاولات الأمريكية، يستطيعون الآن الدخول بنجاح للأسواق الصينية للمساهمة في تطور الصين إقتصاديا". لم يكن يتوقع "كلينتون" أن الصعود السريع لإقتصاديات الصين سيشكل تنافسا حقيقيا للولايات المتحدة الأمريكية، فنسبة النمو وصلت سنة 2005 إلى 12% ، مما دفع الرئيس "بوش" إلى إعتبار العلاقة مع بكين غير واضحة، مطالبا إياها بمزيد من الإنفتاح والديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان منطلقا من مقولته الشهيرة التي تؤكد أن التطور في مجال حقوق الإنسان هو لصيق بالتطور الإقتصادي، "أوباما" هو الأخر توجس من الصعود الإقتصادي للصين، حاول خلق نوع من التوازن بالإنفتاح على عدو الأمس أي الفيتنام، لكن لا "بوش" ولا "أوباما" إستطاعا زعزعة النجاحات الإقتصادية والتجارية للصين، التطور الصيني تقوى أكثر بطارئ إستراتيجي جديد مهم حصل في السنوات الأخيرة، والمتمثل في قرار تخصيص جزء من مداخيل التبادل التجاري لشراء الديون المتراكمة على الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث وصل المبلغ الإجمالي في أواخر 2019 إلى 1200 مليار دولار في شكل سندات يتحكم فيها البنك المركزي الصيني.
الرئيس "ترامب" لم يهتم بهذا التحول المالي في العلاقة مع الصين، أصدر مجموعة من المراسيم هدفها التضييق على المبادلات التجارية، لعل أهمها هو المرسوم المتعلق بمنع الشركات الأمريكية من التعامل مع عملاق الإتصالات الصيني "هواوي" المتهم بالتجسس التكنولوجي على الولايات المتحدة الأمريكية، بالمقابل ظلت القيادة الصينية متشبثة بنفس الخط الذي نهجته ولسنوات متعددة والمتمثل في عدم السقوط في ردود فعل متسرعة مع التشبث بهدف إستدراك التأخر الحاصل على مستوى التطور الصناعي والتكنولوجي، هذه الرغبة الصينية تخيف "ترامب" الذي ينطلق من تقارير المؤسسات الأمريكية المكلفة بتتبع التنافس بين القوتين، مواقف "ترامب" تجاه الصين لم تتوقف حتى في عز أزمة كرونا، قاد حملة قوية معتبرا الصين مسؤولة عن تفشي الوباء عالميا.
- الحرب التجارية على الصين إختيار إستراتيجي
نهج سياسة الحرب التجارية إستراتيجية ليست وليدة اليوم، غالبا ما يتم التفكير في صياغة آلياتها التنفيذية ضمن مقاربة شمولية، هي إستراتيجية قادرة على تعويض المواجهات العسكرية، يرى البعض أنها تحولت مع إدارة "ترامب" إلى عقيدة تنطلق من مرجعية إيدولوجية مفكر فيها مسبقا، يتم تصريف جزء من مخططاتها من طرف خبراء مقربين من "ترامب" أمثال "بيتر نفارو" صاحب كتاب «Death by china» ، المتخصص في شرح السياسة النقدية التي تنهجها الصين قصد التفوق على أمريكا، "نفارو" يشتغل حاليا مستشارا مساعدا "لترامب" في القضايا التجارية، يعي جيدا أن قوة بكين في إحتياطها من العملة الصعبة الذي يصل 3000 مليار دولار بالإضافة إلى 1200 دولار من سندات الخزينة الأمريكية، كما يستوعب بشكل كبير أن بعض الأزمات العالمية كانت مالية أو صحية هي بمثابة فرصة للبعض لكنها قد تكون نقطة ضعف بالنسبة للبعض الآنخر، فمن بين نقط القوة عند الصين هي قدرتها إبان هذه الأزمة الصحية على تزويد العالم بأكثر من 28 مليار كمامة، لكن ضعفها يكمن في الضربات التي تلقتها من الغرب حول مسؤوليتها في إنتشار الوباء، ففي تقرير صادر عن المركز الصيني المتخصص في البحث في القضايا الأمنية، يرى أن نسبة العداء اتجاه ما هو صيني، إرتفعت بشكل كبير لم يعرف لها مثيلا منذ أحداث ساحة تيان آن من" سنة 1989، هذا التقرير المرفوع إلى القيادة الصينية لا يستثني فرضية الوصول إلى مواجهة عسكرية بين القوتين.
في مقابل ذلك يرى البعض أن هناك سياق جيو سياسي قد يخدم مصالح الصين وعلى رأسها الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في نونبر المقبل، فالوضعية التي توجد عليها الولايات المتحدة الأمريكية من جراء تفشي وباء كرونا والذي خلف إلى حدود اليوم أكثر من 80 ألف وفاة و1.3 مليون مصاب، هذا الوباء فاجأ الرئيس "ترامب" الذي لم يكن يتوقع أن هذه الأزمة الصحية ستأخذ أبعادا دراماتيكية خطيرة بدليل خطابه في 4 فبراير أمام الكونغريس والذي دافع فيه عن أطروحة نهاية التراجع الأمريكي، ما دام أن الإقتصاد حسب الرئيس الأمريكي عرف نموا مسترسلا لمدة 128 شهرا وبدون توقف، مع تراجع ملحوظ في نسب البطالة.
أزمة كوفيد-19 حطمت هذه الأطروحة تماما، عندما وجد أكثر من 30 مليون أمريكي أنفسهم بدون تغطية صحية، نصف سكان الولايات المتحدة الأمريكية لا يتوفرون على تأمينات صحية لتغطية كل مصاريف الإستشفاء، مع العلم أن تأمينات الصحة مرتبطة بالشغل معناه أن البطالة تؤدي إلى فقدان التغطية الصحية، زد على ذلك الإنقسامات العميقة في أوساط الرأي الأمريكي في التعاطي مع الأزمة الصحية من خلال بروز خلافات حول لمن الأسبقية هل للحياة أم للإقتصاد ؟
المنافس الآخر للصين ونقصد الإتحاد الأوربي الذي من المتوقع أن يعيش نقاشا داخليا صعبا بعد أزمة كورونا، إذ يتصور المتتبعون للشأن الأوربي أن تحصل تغييرات في رؤية الإتحاد المتعلقة بالعلاقة مع الصين والمنطلقة من مضمون الوثيقة المتفق عليها سنة 2019 من طرف بروكسيل، مع إستحضار صعوبات إيجاد توافقات بين دول الإتحاد الأوربي لاسيما عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع القوى العظمى، في حين أن الهند كقوة صاعدة تخترقها صراعات إثنية تؤدي بها غالبا إلى الإنغلاق، أما روسيا فهي حسب المختصين لا تملك إمكانيات مسايرة طموحات "بوتين".
التطور الإقتصادي الصيني يدخل حسب خبراء الشأن الكوني في إطار النجاحات الكبرى للقرن 20 وبداية القرن 21، فهي اليوم تتوفر على إمكانيات هائلة للإستثمار، فبالإضافة إلى طموحها ترأس نادي الكبار بمميزات تكنولوجية عالية الجودة، فإنها بموازاة ذلك تغزو العالم بذكاء إنتقائي رزين بواسطة مشروع طريق الحرير، بالرغم من فشلها في خلق أجواء الثقة داخل محيطها الجهوي، فجزء من الدول المجاورة ترى في بكين تهديدا لإستقرارها، والجزء الآخر لم يستطع خلق جسور الثقة مع القيادة الصينية، البعض يفسر ذالك بالمنظور الجديد للرئيس " زي جان سيبينغ" المدافع عن فكرة الإستثناء الصيني، والتي تعني أن الصين حاملة لمشروع إقتصادي وسياسي مختلف عن ما هو موجود عالميا، مالكة لشرعية التفوق المستمر وبدون توقف طيلة ثلاثين سنة، بحيث إنتقلت بكين من فكرة الصين داخل المنظومة العالمية إلى تبني فكرة الصين المتزعمة لهذه المنظومة والآخرون إما تحت تأثيرها أو في الصف المنافس لها.
من هنا يمكن القول أن ما بعد جائحة كوفيد 19 سيعرف صراعا قويا وتنافسا حادا بين دوليتين لا ثالث معهما، الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الصين، حرب تجارية ستعود بالعالم إلى أجواء الحرب الباردة، هذه المرة بمرجعية إقتصادية محضة لا تحكمها التجاذبات الإديولوجية، بقدر ما تسيطر عليها المصالح التي خلقها إقتصاد معولم طيلة ثلاثين سنة الماضية.
*خبير في العلاقات الدولية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.