انتخاب صلاح الدين عبقري رئيسا جديدا لمنظمة شباب الأصالة والمعاصرة    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تدعو للإفراج عن موقوفي الاحتجاجات السلمية    قيوح يستعرض إنجازات المغرب في الطيران المدني أمام جمعية "إيكاو"    الجيش الملكي يزيح بانجول الغامبي    الاتحاد الوطني لنساء المغرب يتكفل بإيمان ضحية تازة بأمر من الأميرة للا مريم    انطلاق بيع تذاكر مواجهة المغرب والبحرين بالرباط    أولمبيك الدشيرة يحقق أول فوز له في البطولة الاحترافية    تصويت "البالون دور": هذه هي جنسيات الصحفيين الثلاثة الذين منحوا أصواتهم لحكيمي    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الانخفاض    إحباط تهريب 12 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط    تحليل إخباري: المغرب يواجه هشاشة في سوق العمل رغم فرص التحول المستقبلي    احتيال محتمل في صفقات الألواح الشمسية من الصين يهدد المغرب بخسائر بمئات ملايين الدراهم    بعد أن قاد تظاهرة في نيويورك لدذعم الشعب الفلسطيني.. واشنطن ستلغي تأشيرة الرئيس الكولومبي لقيامه ب"أفعال تحريضية"    تدشين ملعب بمعايير NBA بالبيضاء    حماس توافق مبدئياً على خطة ترامب لوقف الحرب في غزة مقابل تبادل أسرى وانسحاب تدريجي    تفاصيل التعديلات الجديدة على "القانون 59.24" المتعلق بالتعليم العالي    جهوية درك الجديدة تحبط عملية تهريب دولي للمخدرات عبر المحيط الأطلسي        نقابة المهن الموسيقية ترفض قانون حقوق المؤلف الجديد وتتهم الحكومة بتهميش الفنانين    الأميرة للا مريم تتكفل بإيمان ضحية الاعتداء الشنيع بتازة        بوريطة: الدعم الدولي للمخطط المغربي للحكم الذاتي تعزز بشكل أكبر بمناسبة الجمعية العامة للأمم المتحدة    الملك: نقدر العلاقات مع تركمانستان    بعد رحيل المؤسس بن عيسى .. موسم أصيلة الثقافي يجيب عن سؤال المستقبل    رامي عياش يسترجع ذكريات إعادة "صوت الحسن" وصداها العربي الكبير    القوات المسلحة الملكية تبرز التراث المغربي في معرض الفرس بالجديدة    نيويورك: ناصر بوريطة يتباحث مع نظيره الألماني    تصنيف "ستاندرد آند بورز" الائتماني يضع المغرب بنادي الاستثمار العالمي    "الجاز بالرباط".. العاصمة تحتفي بروح الجاز في لقاء موسيقي مغربي- أوروبي    أخنوش يلتقي منظمة التعاون الرقمي    أخنوش يتباحث بنيويورك مع الأمينة العامة لمنظمة التعاون الرقمي    آلاف المغاربة يتظاهرون في عشرات المدن رفضاً للتطبيع واحتجاجاً على الحرب في غزة    الدورة الثمانون للأمم المتحدة: المغرب يحضر بفاعلية بمواقفه الثابتة من أجل السلم والتنمية وتعزيز مبادرة الحكم الذاتي    "مايكروسوفت" تعلن عن تحديث جديد لتطبيق الصور في نظام "ويندوز 11"    الذكاء الاصطناعي يكشف خبايا رسالة في زجاجة    مهنيو الفلاحة بالصحراء المغربية يرفضون الخضوع إلى الابتزازات الأوروبية    12 دولة تشكل تحالفا لدعم السلطة الفلسطينية ماليا    كيوسك السبت | إنتاج قياسي للحبوب والقطيع يتجاوز 32.8 مليون رأس    ابتدائية مراكش تحبس مدانين بالتخابر    إيران تحتج على "الترويكا الأوروبية"    طقس حار في توقعات اليوم السبت بالمغرب    مرة أخرى.. إصابة مزراوي وغيابه إلى ما بعد التوقف الدولي    بطولة العالم لبارا ألعاب القوى 2025 : ستة أبطال مغاربة يطمحون للتألق في نيودلهي        "يونايتد إيرلاينز" توسع رحلاتها المباشرة بين مراكش ونيويورك لفصل الشتاء    مسرح رياض السلطان يفتتح موسمه الثقافي الجديد ببرنامج حافل لشهر اكتوبر        مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط يحتفي بنبيل عيوش وآيدا فولش وإياد نصار    مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو        نبيل يلاقي الجمهور الألماني والعربي    الاتحاد الأوروبي يوافق بشروط على علاج جديد للزهايمر    الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوم منع المجلس الصحي الدولي بنت القنصل الأمريكي من دخول مدينة طنجة
نشر في شمالي يوم 26 - 03 - 2020


باحث في التاريخ
في ظل الوضع الاستثنائي الذي يعشه العالم والمتمثل في انشار وباء كرونا، يتحفنا التاريخ ببعض الدرر الغنية والمواقف التي مرت منها البشرية، وسبل تعاملها مع الجوائح العصيبة. وفي هذا الإطار عثرنا على رسالة فريدة من نوعها تعود لبنت القنصل الأمريكي بمدينة طنجة خلال القرن 19م، وهي كلورفينا مولي Glorvina Mullowny، وتعتبر هذه الرسالة جزء من الرسائل التي نشرتها الكاتبة سنة 1859م بعنوان ” Coos-coo-soo, or Letters from Tangier, in Africa” تحكي خلالها يوما قضته على ظهر سفينة قادمة من الولايات المتحدة الأمريكية، قاصدة الالتحاق بوالدها في مدينة طنجة، التي كانت في حالة من التأهب بسبب انتشار وباء جديد.
لقد استطاع المجلس الصحي بمدينة طنجة، والذي شكلته خونطة القناصل منذ سنة 1789م، من فرض مجموعة من الترتيبات الضرورية لاستقبال الوافدين على المدينة بمختلف جنسياتهم، ومكانتهم الاجتماعية، فمسألة الصحة العمومية خلال فترة الأوبئة كانت تعد من المجالات التي لا تقبل المحاباة. وتحكي لنا ابنة السفير الأمريكي مولي في رسالة صغيرة، كيف تم فرض الحجر الصحي عليها حينما قررت أن تلتحق بوالدها بمدينة طنجة، تقول في رسالتها بأنها “استيقظنا باكرا حوالي الساعة الثامنة صباحا، فرسا زورق القائد المكلف بالحجر الصحي، وتسلم شهادة الصحة الأمريكية، بملقط من حديد طويل بعدما غمسه في الخل، وبعدها قام بطرح عدة أسئلة على ربان السفينة، قبل أن يتأكد من صحة الشهادة” فحجم الخطر الذي كانت الأوبئة تمثله في تلك المرحة، ودرجة الحرص الكبير للأطر المكلفة بتدبير التحركات من وإلى خارج المدينة كان يتم على قدم وساق، والملفت للنظر هو أن عملية التعقيم كانت حاضرة بشكل بارز، مما جعل الجميع ينتبه إليها، وقد يعتقد البعض أنها مبالغ فيها، لكن حقيقة الأمر، هذه الصورة كانت حاضرة بقوة وهي تحصيل لحاصل. غير أن هذه الاجراءات كانت معتادة في المدينة، فقد تقرر في مدينة طنجة منذ سنة 1804م تصعيد التدابير الصحية بعد استفحال وباء في جبل طارق، وتحكي الوثائق أن المجلس الصحي الدولي في المدينة ألزم السفن بالدخول للحجر الصحي، وقد نص قراره على “عدم قبول الركاب القادمين منه-جبل طارق- حتى قضاء الحجر الصحي”، وحذر المجلس القناصل المتواجدين بالمدينة، “بعدم تسلم أيه رسالة من المحطة الإنجليزية إلا بعد غمسها في الخل“، وعمل المجلس على اخبار السلطان المغربي المولى سليمان بهذه المستجدات، أملا في الحصول على ظهير سلطاني يزكي قرارات المجلس.
تضيف الرسالة بعدما تسلم الضابط شهادة الصحة واتجه للميناء “عاد زورق الضابط المكلف بالحجر وأخبر الجميع أنه يتعين عليهم الاتجاه نحو الحجر الصحي، ولم يحدد عدد أيام هذه المرحلة حتى ينتهي من التدقيق في شهادتهم الصحية. ومباشرة بعد ذلك رفع العلم الأصفر على رأس عمود السفينة، وتم نقل ركابها بواسطة الزوارق إلى أرض الحجر الصحي” فوصفها الدقيق لعملية تحديد السفينة الموبوءة ساهم في كشف العتمة عن وسائل عمل المجلس الصحي، إذ كانت عملية المراقبة دقيقة جدا، وأي سفينة كانت تحوم حولها الشكوك يتم إجبارها على الدخول للحجر الصحي، غير أن عنصرا جديدا أوردته الرسالة والمتعلق بالعلم الذي رفع على ظهر السفينة، فقد اتخذ المجلس الصحي من اللون الأصفر لونا لتمييز السفن الموبوءة عن غيرها، وذلك لعدة اعتبارات فاللون الأصفر يوحي بالشحوبة والمرض، ثم أن من خصائص هذا الأخير أنه يرى من بعيد، لذلك سيسهل على مراقبي الميناء من رصد أي تحرك مباشر للسفن الممنوعة من الدخول دون الحاجة إلى الصعود على ظهرها.
تتساءل الكاتبة عن سبب إجبارهم على الدخول للحجر الصحي رغم أن الجميع بتمام صحتهم فتقول “كانت صحتنا جيدة، والميناء الذي أبحرنا منه كان سليما، غير أنه خلال هذه الفترة كان هنالك وباء ينتشر في الولايات المتحدة الأمريكية، حسب ما ذكرته الصحف الإنجليزية، وكانت تلك المدينة تبعد بحوالي ألف ميل عن الميناء الذي أبحرنا منه قبل ستة أسابيع، وفي هذه البلدة التي لا تبعد مسافتها عن جبل طارق بيومين، أصبح المرض محتدمًا، أكثر من أي وقت مضى في أي مكان بأمريكا الشمالية. غير أننا نعامل بصرامة شديدة، وذلك بسبب أن الميناء الذي أبحرنا منه غير مبال و متقادم في لوائح الحجر الصحي. كانت هذه التجربة صعبة للغاية، ولكن كان لابد من تحملها، غير أن السؤال المثير لنا الآن إلى متى سنظل على هذا الحال؟ “ فنظام الحجر الصحي في المغرب وبالضبط في مدينة طنجة كان دقيقا ومعقدا للغاية، حيث وضع قانون يسري على الجميع. وهذا لا يعني أن هذا القانون كان لا تشوبه الخروقات، فقد تحدثت المصادر المغربية خلال القرن 19م أن أحد المراكب الإنجليزية المسماة “الطاج” والتي تقل وفدا من الحجاج المغاربة القادمين من ميناء الإسكندرية، نقلت وباء الطاعون للمغرب، وقد تكون هذا الوفد من 60 حاج مغربي، ضمنهم 17 امرأة. وحول هذه القضية تعرض المجلس الصحي لضغوط قوية من قبل أمين الجمارك وعامل طنجة، فأرسل المركب قائدان مغربيان لميناء المينة ليعرفا قرار المجلس. أوردت الرواية الأجنبية أن هذا الزورق ترك في المدينة الجرثومة الأولى لوباء “الطاعون”، وذكرت أن يهوديا حمل أمتعة القائدين من المرسى لداخل المدينة، كان أول من أصيب بالوباء، وعن طريقه انتقلت العدوى إلى إحدى إخوته في 23 ماي، لتموت بعد يومين وعليها الأعراض المميزة للطاعون. وقد دخل مركب الحجاج هذا للمدينة في نفس اليوم، وهذا الوفد هو الذي حملته المصادر المغربية مسؤولية إدخال الطاعون للبلاد، فقد ذكر الزياني أن من حوادث سنة 1233ه ” بلغنا أن ولدي أمير المؤمنين مولاي علي ومولاي عمر قدما من الحج ونزلا بمرسى طنجة ووجه لهما والدهما مركبا من مراكب الإنجليز للإسكندرية حملهما وأصحابهما والحجاج والتجار منها ولما نزلوا بطنجة كان ذلك سبب دخول الوباء للمغرب” ويذكر الناصري أنهم “لما نزلوا بطنجة حدث الوباء بالمغرب فقال الناس إن ذلك بسببهم“.
تتابع مولي أجواء يومها في الطريق للحجر الصحي “انتظرنا طول اليوم الجواب على هذا السؤال دون جدوى. وبعد الظهيرة، قامت قوارب أصدقاء ضابط الحجر بدفعنا، ولو أنها بعيدة جدا، فقد اضطروا إلى الاحتفاظ بمساحة واسعة بينهم وبين سفينتنا، وحتى هذا الامتياز لم يمنح لهم إلا من خلال إذن خاص من ضابط سفينة الحراسة“، وقد كان مكان الحجر الصحي أو الكرنتينة بموضع طنجة البالية على الجهة الشرقية لمدينة طنجة، وهو الأمر الذي تؤكده وثائق الخارجية الفرنسية، وكذلك رسالة الحاج أحمد أحرضان للتاجر محمد باجه، بتاريخ فاتح شعبان 1233 الموافق 6/6/1818.
تضيف ” وقبل غروب الشمس ببضع دقائق، وصل زورق صحي إلينا، ووضع على سطح السفينة حارسًا مسلحاً، لديه تصريح لفرض الأوامر علينا. بدا وكأنه شخص حسن التصرف ومرح، لكن وجوده كان مزعجًا لنا، كونه كان قسريًا وغير مرحب به. فلم نتمكن من مقاومة فكرة أنه جاسوسًا على تحركاتنا. فيجب تحديد كيفية تعاملنا معه في الوقت الحاضر.” وقضية مراقبة السفن عن كثب كانت تتم بكل صرامة خلال هاته المرحلة، خصوصا وأن الأمر يتعلق بسفينة من المحتمل أنها موبوءة، وقادمة من ميناء لا يهتم بالضوابط الصحية، فالمجلس الصحي كان يعمل جاهدا لتخطي عنصر المفاجأة المحتمل في كل وقت.
إن ما يمكننا تسجيله في هذا المقام أن المجلس الدولي الصحي بمدينة طنجة، كان سباقا لاعتماد التدابير الصحية والوقائية، فأوروبا لم توحد سياساتها الصحية إلا عقب انعقاد المؤتمر الدولي الصحي بباريس سنة 1851م، وبعده انتقل إلى بعض الأقطار الإسلامية كالقسطنطينية ومصر، باعتبارهما مقر لوفود السفارات الدبلوماسية، والدينية، والتجارية، وغيرها. بيد أن تمثلات المغاربة لهذا الإجراء لطالما كانت معارضة ورافضة، فحينما حل العربي المشرفي بمصر في 26 من يناير سنة 1841م، عاين الحجر الصحي وتذمر منه قائلا” نعوذ بالله من هذا الاعتقاد فلا يموت ميت دون أجله“، هذا وقد جعل الناصري هذه الظاهرة محرمة حينما أخضعها للنص الفقهي، واعتبر أنها مفسدة لا تعوزها القرائن الشرعية يقول ” فالحاصل أن الكرنتينة اشتملت على مفاسد كل منها محقق فتعين القول بحرمتها، وجلب النصوص الشاهدة لذلك من الشريعة لا تعوز البصير“. وهو الأمر الذي رد عليه أحد الفقهاء المغاربة وللأسف مجهول الإسم في رسالته بعنوان ” فتوى على الداء والطبيب” يقول فيها ” والحاصل أن الكرنتينة مما يظهر أنها جائزة كما علم مما سبق وإن كانت من اختراع الافرنج فلا بأس بالاستعانة برأيهم إذا اقتضى الحال اذ برعوا في كيفية التحفظ والتحرز من الوباء وحسم مادته“، فالإيديولوجية السائدة خلال القرن 19م لم تكن مساعدة للمخزن للاستفادة من التجربة الصحية الأوروبية في مجال الحجر الصحي، وهو الأمر الذي لا زال متجذرا اليوم في شوارعنا مع مستجدات فيروس كورونا، فهل فعلا لم يدرك المغاربة أخطاء التاريخ ؟.
المراجع المعتمدة :
* Glorvina Mullowny , Coos-coo-soo, or Letters from Tangier, in Africa, Phil Adelphia : H.S.M'calla, Printer 237 Dock Street. 1859.
* أحمد بن خالد الناصري، الإستقصا في أخبار دول المغرب الأقصى، الأجزاء 5 و 8، مطبعة دار الكتاب، الدار البيضاء، 1954.
* محمد الأمين البزاز، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، منشورات كلية الآداب بالرباط، سلسلة أطروحات ورسال رقم 18،الرباط، 1992.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.