في ظل انتشار إشاعة الراحة البيولوجية.. مهنيو الصيد البحري بالداخلة يطالبون بالوضوح والشفافية    3 أندية إسبانية تتنافس على خدمات حكيم زياش    برادة: تعاون الأسرة والمدرسة ضروري    "لارام" تحذر من اضطرابات في رحلاتها نحو فرنسا بسبب إضراب وطني    فرنسا: تعيين سيباستيان ليكورنو رئيسا جديدا للوزراء        قطر تبلغ مجلس الأمن الدولي بأنها لن تتسامح مع "السلوك الإسرائيلي المتهور"        فرنسا تستعد لتعبئة واسعة يوم 10 سبتمبر وسط دعوات إلى "شلّ البلاد"    "البام" ينادي بزجر تدليس الانتخابات    بونو يحصل على جائزة أفضل تصدي    تراجع في كميات وقيمة مفرغات الصيد الساحلي بميناء الحسيمة    فيديوهات أسطول غزة تفند بيان الحرس الوطني التونسي بشأن حريق القارب    توقيف ضابط شرطة ممتاز متلبس بالابتزاز والرشوة    دراسة: أسماك الناظور ملوثة وتهدد صحة الأطفال    المملكة المغربية تدين بقوة الاعتداء الإسرائيلي على سيادة قطر    محمد حفيظ يرد على الأزمي.. حين يكذب الشيخ لا عجب أن يكذب المريد! 1/2    الذراع النقابي ل "العدالة والتنمية" يرفض السياسة الاجتماعية للحكومة وتُحذر من تصاعد الاحتقان        دراسة: أسماك الناظور ملوثة بعناصر سامة تهدد صحة الأطفال    إضرابات وطنية جديدة لموظفي الجماعات في شتنبر وأكتوبر    احتجاجا على التهميش والتدبير الأحادي للمديرية الإقليمية للتعليم بالمحمدية المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتعليم.. فدش ينسحب من اجتماع رسمي ويخوض اعتصاما    المنتخب المغربي يتجه للحفاظ على مركزه ال12 عالميا    اتحاد طنجة يطرح تذاكر مباراته الافتتاحية أمام الحسنية    أخبار الساحة    توسع عالمي .. افتتاح فرع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بنيويورك    أكادير تحتضن أول مصنع مغربي لإنتاج الذباب المعقم لحماية بساتين الحمضيات    إفراج مؤقت عن مئات الأبقار المستوردة بميناء الدار البيضاء بعد تقديم ضمانات مالية    وزارة النقل تكشف حقيقة الغرامات على صفائح التسجيل الدولي للمركبات    باقبو الفنان الذي ولج الموسيقى العالمية على صهوة السنتير.. وداعا            طالبة مغربية تتألق بالصين وتحصد جائزة مرموقة في مسابقة "جسر اللغة الصينية"    المختار العروسي يعلن ترشحه لرئاسة نادي شباب أصيلا لكرة القدم    المغرب: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بتساقط للبرد اليوم الثلاثاء بعدد من المناطق    المهدي بنسعيد يوضح تحديثات المجلس الوطني للصحافة وحماية حرية الصحفيين    حجب مواقع التواصل يؤدي إلى استقالة رئيس الوزراء وحرق البرلمان في النيبال    مديرية الأرصاد تحذر: زخات رعدية قوية بعدة مناطق اليوم الثلاثاء    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    بورصة البيضاء تبدأ التداولات ب"الأخضر"        تسريع التعاون في مجالات الكهرباء والطاقات المتجددة محور مباحثات الوزيرة بنعلي مع نظيرها الموريتاني    تلميذ يرد الجميل بعد 22 سنة: رحلة عمرة هدية لمعلمه    بطولة اسبانيا: برشلونة يؤكد إصابة دي يونغ    1500 ممثل ومخرج سينمائي يقاطعون مؤسسات إسرائيلية دعما لغزة        أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي        انتشار السمنة بين المغاربة يطلق دعوات إلى إرساء "خطة وطنية متكاملة"        نسرين الراضي تخطف جائزة أفضل ممثلة إفريقية    اللغة والهوية في المغرب: خمسون عاماً بين الأيديولوجيا والواقع    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟..        أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد السقفاتي: أحلام على مذبح غابة السواني

في صغري كنت أزور غالبا شاطئ اسواني مع أصدقاء جمعني بهم نمو براعمنا وتفتحها في سنين يراعة طفولتنا. كنت أقطع راجلا مسافة أربعة كيلومترات أو أزيد مع أصدقائي كلما سنحت لنا الفرصة، وكان الجو مشمسا.. وكنا إذا ما اجتزنا غابة الصفصاف ووطئت أقدامنا الرمال الرمادية الزرقاء للشاطئ الأزرق عند بوابته الرئيسية آنذاك، وبعد مداعبة الموج والرمال، ننحرف شمالا، لنتابع في جولتنا المنحنيات والمدارات التي يرسمها تحت أخمص أقدامنا ماء الموج.. فيتشكل تدريجيا الخدر الذي كنا نرومه من جولتنا.
نمر على الموج ونترك له بعضا من طعم أجسادنا الصغيرة وأثارا أخرى، يمحيها زبد الموج الأبيض في وقت قصير.
كان الصفصاف العالي باسق جدا وكان يشهد على كل حركاتنا اللعوبة.
حينما نصل الى “الطّايث” حيث يلتقي نهر غيس بالبحر، وتتحول الرمال الى أحجار ملساء وفي ألوان وأشكال عدة، نرمي أحداقنا في ماء الموج الصافي ونقتفي أثر الأسماك المتلذذة بتزاوجها وبما جره إليها النهر من نعم برية تلذ في البحر وتشكل الديليكاتسه بالنسبة له. نراقب رقصاتها على مسافة قصيرة وهي تنط من الماء في سباق بهي وغائر في الجمال.
نتابع وقفة صَبُورة لصياد جعل من الانتظار شغله. ننعطف قليلا ونتوجه ناحية البر حيث تتشكل حسب تيارات البحر بحيرات وتختفي، قرب بحيرة الغيس المستقرة التي تعتبر المنجع الذي تأمه أنواع كثيرة من الطيور المحلية المهاجرة من نوارس وإوز وبط ولقالق، وطيور أخرى لا نعرف أسماءها لغرابتها عن المكان.
نستلذ النظر بها ونعود الى الشاطئ لنواصل طريقنا على أحجاره التي يصغر حجمها وتتحول بعد مسافة، الى كثبان رملية وهي تغير تدريجيا لونها من الرمادي الأزرق الى الأصفر الذهبي. نمر بمحاذاة نادي البحر الأبيض المتوسط (Club Med) في المزمة، ونتمعن في الجزيرة التي تظهر أقرب إلينا من أي نقطة أو مكان آخر، ثم نواصل المسير الى شاطئ اصفيحة ومن هناك نعود أدراجنا في جولة الإياب.
مثل هذه الجولة وهذا المسار الذي كنا نسلكه ويسلكه الكثيرون، سيضحى مسلكه من المستحيلات في ظرف عشر سنوات من هنا فصاعدا أو أقل.
في القادم من هذه السنوات سيسرح ماء البحر ليتوغل في السهل الى حدود الطريق الساحلي ويغمر بهذا بحيرة الغيس كلها ليأتي على كل الحياة والثقافات، لكل الكائنات التي تعيش هنا منذ القدم.
إن تمديد مجال البحر وتركه يتوغل في السهل أمر ليس غريبا. فإذا كان المستعمر الإسباني سنوات الثلاثينات من القرن الماضي اقتنع بأن ملوحة البحر التي تتسرب إلى السهل عبر مجاري جوفية وتفتك بخصوبة السهل مسببة في تصحر تربته، أمر غير مقبول، ولهذا السبب تم غرس غابة الصفصاف لتشكل درعا واقيا للسهل من الملوحة وتحد من ظاهرة التصحر الطبيعية هذه، فإن الحاكم الجديد على المنطقة مقتنع أيضا بأن السهل الذي يشكل مصدر رزق للسكان المحليين ويشكل إغناء للطوبوغرافيا الريفية، يجب أن يندثر تدريجيا ويفسح مكانه في المستقبل لشركات الهولدينغ الملكي المختصة في البناء والمعمار وكذا لسماسرة العقار. سيكون تعريض السهل الخصب بتعمد للتصحر تشجيعا معنويا في نفس الوقت، لسوق الإقطاعي الكبير من “الداخل”.
إن تمديد المجال البحري على حساب المجال الزراعي له علاقة أيضا بالمشاريع التي تنجز حاليا في سرية كبيرة وابتدأت باقتلاع غابة اصفيحة/السواني، حيث سيساهم هذا التوغل للبحر في تشكيل شبه جزيرة من اصفيحة وستسهل هذه المياه آنذاك، هذه المياه الأقرب الى الراكدة، في إنشاء مرافئ خاصة، تقام في الحدائق الخلفية للوافدين الجدد وتربط بينها وبين ميناء الحسيمة الترفيهي.
إضافة إلى أنه – أي جعل البحر يتوغل في السهل، سيشكل مانعا أو جدارا طبيعيا يستحيل معه اقتراب السكان المحليين من الفضاءات التي ستقام عليها هذه المشاريع على حساب الغابة، وكذا رمزية التاريخ المقاوم والإرث التاريخي لمدينة المزمة. زيادة على هذا فوضع البحر كسد في وجه الساكنة المحلية من الجهة الشرقية، سيجعل من اصفيحة “محمية” مخزنية مع حراسة مشددة وسيسهل أمر تفويت أجزاء من شاطئ اصفيحة في الجانب الآخر إلى ملكية خاصة لأصحاب الفيلات والمناجع السياحية الأخرى من ملاهي وكازينوهات ومواخير.
ستغير هذه المشاريع أيضا الوجه الأخلاقي والقيمي في خريطة المنطقة.
وسيكون الطريق أو المسلك الطبيعي الذي كان يوصلني في صغري إلى ذروة المتعة عبر الالتحام بالطبيعة على طول هذا الشريط الزاخر بالجمال والصفصاف والتاريخ في خبر: كان.
محمد السقفاتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.