صواريخ إيرانية تستهدف السمارة.. تصعيد خطير يكشف العلاقة بين "البوليساريو" وطهران    مشروع قانون أمريكي لتصنيف جبهة البوليساريو منظمة إرهابية وفرض عقوبات عليها    حجز 10820 قرص طبي مخدر و 2 كلج و789 غ. من الشيرا وتوقيف شخصين لارتباطهما ضمن شبكة تنشط في ترويج المخدرات    سقوط 4 مقذوفات قرب مقر المينورسو بالسمارة وسط اتهامات لعصابة البوليساريو الإرهابية    الصين والمغرب يعززان الروابط الثقافية عبر بوابة ابن بطوطة.. بعثة صينية رفيعة من مقاطعة فوجيان في زيارة إلى جهة طنجة    وفاة الإعلامية كوثر بودراجة بعد صراع مع السرطان    المغرب يتصدر موردي الحمضيات للاتحاد الأوروبي بصادرات قياسية    بكين تؤكد التوصل إلى اتفاق تجاري مع واشنطن    "لبؤات الأطلس" تستعد لكأس أمم إفريقيا بمواجهة تنزانيا وديا    الوالي التازي يضع حدا للانتهازية والفوضى بملاعب القرب ويطلق برنامج "طنجة، ملاعب الخير"    برقية تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس جمهورية جيبوتي بمناسبة عيد استقلال بلاده    زيدوح يؤكد بمالقا: الحوار بين شعوب الفضاء المتوسطي هو الحل الأمثل لمواجهة التوترات والتحديات    نشرة إنذارية تحذر من ارتفاع مخاطر اندلاع حرائق الغابات    توقيف مواطن أجنبي بمطار محمد الخامس مبحوث عنه من طرف السلطات القضائية بدولة الإمارات    ارتفاع مبيعات الإسمنت بنسبة 9,5%    الذهب يتراجع مع صعود الدولار    شاطئ هوارة بطنجة يلفظ دراجة مائية محملة بالمخدرات    الطالبي العلمي: المغرب يعتمد مقاربة إنسانية في معالجة الهجرة    الملياردير هشام أيت منا.. تاريخ من الفشل يلازم رجلا يعشق الأضواء وحب الظهور    مناورات عسكرية جوية مغربية-فرنسية بمدينة كلميم        الجزائر وصناعة الوهم الكبير في "غيتو تندوف" بين حصار الهوية وإستثمار المعاناة    بحضور الأميرة لمياء الصلح.. فوضى تنظيمية خلال حفل كاظم الساهر ومسرح محمد الخامس يتحول إلى "حمام بلدي"    "أولاد يزة 2" يفوز بالجائزة الثانية في مهرجان الإذاعة والتلفزيون بتونس    قتيلة وجرحى في غارة إسرائيلية بلبنان    موجة حر شديدة تجتاح منطقة البلقان مع تسجيل درجات قياسية    كاتس: خامنئي تفادى الاغتيال بالاختباء    ضوء خافت يشع من العقل أثناء التفكير.. والعلماء يبحثون التفسير    لماذا يخاف مغاربة المهجر من الاستثمار بالمغرب ويقتنون العقار فقط؟    سوريا ولبنان تستعدان للتطبيع مع "إسرائيل"    300 ألف طلب في ساعة على سيارة "شاومي" الكهربائية رباعية الدفع    محمد مدني: دستور 2011 نتاج وضعية سياسية توفيقية متناقضة    النصر السعودي يجدد عقد النجم البرتغالي رونالدو    مونديال الأندية.. الهلال يتأهل إلى دور ال16 والريال يتصدر بثلاثية نظيفة    توقعات طقس الجمعة بالمغرب    الوداد الرياضي ينهزم أمام العين الاماراتي    إعدام قاتل متسلسل في اليابان تصيّد ضحاياه عبر "تويتر"    النرويجي هالاند نجم مانشستر سيتي يبلغ مئويته الثالثة في زمن قياسي    الوراد يشخص إخفاق الوداد بالمونديال    المغرب يحقق "معجزة صناعية" مع الصين بالجرف الأصفر: مصنع مغربي-صيني يضع المملكة في قلب ثورة البطاريات العالمية    المغرب يعزز نموه الاقتصادي عبر 47 مشروعًا استثماريًا بقيمة 5.1 مليار دولار    حفل كاظم الساهر في "موازين" .. فوضى تنظيمية تسيء للفن والجماهير    كاظم الساهر في موازين: ليلة اهتز فيها التنظيم قبل الموسيقى -صور خاصة-    أكاديمية المملكة و"غاليمار" يسدلان ستار احتفالية كبرى بآداب إفريقيا    النقل الطرقي يدخل مرحلة الرقمنة الشاملة ابتداء من يوليوز    إصلاح شامل لقطاع السكن والتعمير في المغرب عبر وكالات جهوية متخصصة    دعم إقليمي متزايد لمغربية الصحراء من قلب أمريكا اللاتينية    حفل أسطوري لويل سميث في موازين 2025    مجلس الأمن يدين مجزرة الكنيسة بدمشق    ضجة الاستدلال على الاستبدال        طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    احذر الجفاف في الصيف .. هذه علاماته وطرق الوقاية منه    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        









المخزن العتيد يحاول طمس مدينة المزمة وتاريخها المجيد
نشر في شبكة دليل الريف يوم 06 - 04 - 2009

كلنا صفقنا بحرارة عندما تم الإعلان عن إنجاز مركبات سياحية ضخمة بخليج الحسيمة على شاطئي "السواني" و"السفيحة" من طرف الشركة العامة العقارية التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، حيث رأينا في بادئ الأمر أن المشروع الذي سيرى النور سيعود بالخير والنفع على منطقة الريف التي عانت كثيرا من الحصار والتهميش الممنهج ضدها من طرف غول السلطة المخزنية والذي تم التخطيط له بشكل محكم في دهاليز الدولة المخزنية، ورأينا أيضا أن المشروع سيحول الريف من المغرب غير النافع إلى المغرب النافع، وسيجعله قبلة للمستثمرين المغاربة والأجانب في مختلف الميادين، كما أننا فرحنا وصفقنا للمشروع لأنه سيمكن من خلق فرص شغل جديدة في هذا الربع العزيز من المغرب الذي لا يتوفر على أية أنشطة اقتصادية مهيكلة وبالتالي سيمكن من تقليص نسبة البطالة .. الخ، هكذا بدا لنا الأمر من أول وهلة وبدأنا نحلم بريف الغد مغاير تماما عن ريف اليوم، إلا أن التمادي في الأحلام يتحول إلى كابوس مع مرور الوقت، وهذا ما حدث لنا نحن معشر الريفيين، فعندما كنا نحلم بريف التنمية والسياحية، ريف النمو والازدهار تفاجئنا بتدمير معالمنا الثقافية والتاريخية والحضارية والأثرية من طرف الشركة الساهرة على إنجاز المشروع الذي صفقنا له في البداية قبل أن يتضح لنا أننا صفقنا للشق التنموي وليس للتنمية، حيث أن المشروع برمته هدفه الأول والأخير هو القضاء على ما تبقى من معالم الريف والريفيين، حيث جاء ليمحوا أسوار مدينة "المزمة" التاريخية التي ظلت صامدة لعدة قرون رغم التدمير والخراب الذي لحقها، وهي المدينة الوحيدة بالريف التي لا زالت أسوارها صامدة في وجه التدمير والتخريب وعوادي الزمان، والتي لا زالت شاهدة على حضارة الريفيين الأمازيغيين الممتدة إلى عصور ما قبل الإسلام، بعد أن قامت الدولة بمحو مدينة "النكور" (الواقعة على ضفاف نهر النكور) من الوجود بتشييد سد فوقها في نهاية السبعينات من القرن الماضي يسمى اليوم سد محمد بن عبد الكريم الخطابي، فعوض استغلال ما تبقى من المدينة الأثرية "المزمة" في السياحة الثقافية يتم تدميره لانجاز مشاريع للسياحة الجنسية (فنادق ومراقص ليلية وما شابه ذلك)، الشيء الذي يبين طبيعة تعامل الدولة العروبية المخزنية مع الريف الأمازيغي الصامد ، حيث طمس المعالم كان ولا يزال مسلسلا طويلا نهجته الدولة للقضاء نهائيا على آثار الريف التاريخية، بعد أن قامت الدولة بتدمير كل من موقع مدينة "بادس" التي بنيت قبل دخول الإسلام إلى هذه الديار وأعيد بناؤها في زمن إمارة "بنو صالح" ، ومحو مدينة "النكور" التي هي أول حاضرة بنيت بالريف بعد اعتناق الريفيين الدين الإسلامي، بالإضافة إلى تدمير العديد من المواقع الأثرية بالريف ومحوها من الوجود كما حدث للقلع البرتغالية بمنطقة "الطوريس" والبناية التي شيدت مكان المقر الرئيسي للمقاومة الريفية بأجدير، وقلعة ثازوذا بالناظور، والقصبة الحمراء بأربعاء تاوريرت، ومحكمة الأمير الخطابي بتاركيست، وتاسافت وأمجاو، وغساسة، وجناذة، وتاسدارت، وبوحوت، ومسطاسة، وتارغة... والعديد من القصبات والمواقع الأثرية القروية الداخلية والساحلية والعديد من الأضرحة والمساجد القديمة بالريف.... وعندما نلاحظ كل هذا التدمير والتخريب الذي يلحق بما تبقى من معالم الريف والريفيين نتأكد أننا أمام مؤامرة ممنهجة من طرف الدولة العروبية لاستئصال كل ما له صلة بثقافة وحضارة وتاريخ الريف والريفيين، وهذا ما أكدته الدولة نفسها على لسان ممثلي وزارة الثقافة بالحسيمة في لقاء عقد بمقر ولاية الحسيمة يوم 24 شتنبر 2008 حين صرحوا بأن موقع مدينة "المزمة" لم يصنف بعد كتراث ثقافي وطني...
يحدث هذا في الوقت الذي تحتفل فيه الدولة العروبية بذكرى 12 قرنا على تأسيس مدينة فاس، فرغم أن "المزمة" تتوفر على رصيد تاريخي وحضاري وأثري يفوق كثيرا ما تتوفر عليه فاس، إلا أنه يتم تجاهلها وطمسها ومحاولة محو ما تبقى منها لكي لا يصبح للريفيين أية معالم مقابل تمجيد فاس وتاريخها وحضارتها و...و والطامة الكبرى هي تلك الدروس التاريخية التي تدرسها لنا الدولة العروبية في المدارس العمومية والتي تختزل كل شيء فوق جامور القبة الخضراء لمولاي إدريس بفاس بدءا بالمعرفة مرورا بالتاريخ والحضارة والثقافة وانتهاءا بالسياسة، وهذا ما يحز في نفوسنا، فإن كان عمر مدينة فاس 12 قرنا ولها رصيد تاريخي وحضاري مهم، فإن مدينة "المزمة" لا تقل شأنا عن فاس حيث تألقت في العهود الغابرة باعتبارها –أي المزمة- منارة للسالكين في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط مقابل منارة الإسكندرية في حوضه المشرقي، وقد تركت بصماتها في أوثق المصادر القديمة اللاتينية والإغريقية المتداولة في كبريات جامعات العالم وفي مسالك "أنطونان" الشهيرة باسم "أدسيكس أنسولاس" وقد غدا مرساها أيام عز العطاء الحضاري الأكبر في الجناح الغربي لدار الإسلام، يربط مجمل بلاد إفريقيا جنوب الصحراء عبر سلجماسة والنكور نحو مالقة وبجانة ومنهما في اتجاه قلطونية وبلاد افرنجة، ويربط العدوتين المغربية-الأندلسية في اتجاه المشرق الإسلامي نحو بلاد الهند والصين. إنها واحدة من أبرز حواضر بلاد الريف التي ظلت أخبارها متواترة في كتب التاريخ والتراجم والمسالك والممالك والموسوعات الأدبية والجغرافية والأعلام التي صنفت بالمشرق والمغرب والأندلس منذ القرن الثالث الهجري (9م) إلى اليوم، وما زالت آثارها تحت الثري في عين المكان.
وكانت "المزمة" من أهم المدن النشيطة منذ ظهور حاضرة "النكور" أي أن "المزمة" انتظمت وظيفتها الأساسية كمرفأ لمدينة "النكور" فلا غرو أن يهتم الأمراء النكوريون بالجزيرة المقابلة لها في البحر سيما عندما كان يداهمهم الخطر من جهة البر، غير أن مدينة "المزمة" ستزداد شهرة وتألقا عقب سقوط واندثار "النكور نهائيا" على يد يوسف بن تاشفين في نهايات القرن 12 الميلادي، حيث صارت "المزمة" خلال العصر الوسيط نافذة بحرية منفتحة على باقي المدن التجارية شرقا وغربا، ويبدوا أن الخلفاء الموحدين جعلوا من "المزمة" إحدى قواعدهم البحرية المحصنة إلى جانب سبتة وبادس لخدمة سياستهم الجهادية بالأندلس. ويثبت الدكتور "أحمد الطاهري" نقلا عن مؤرخ الموحدين المعروف "بالبيدق" رواية مفادها أن الخليفة الموحدي عبد المومن لما دخل مدينة "المزمة" غير اسمها ووسمها باللسان الأمازيغي "ثاغزوث أن زالوط" ، وتوحي بعض النتف الواردة في المصنفات التاريخية وكتب التراجم أن حاضرة "المزمة" كانت تتوفر كغيرها من الحواضر على المرافق الضرورية واللائقة بمكانتها التجارية ومستواها العمراني كمسجد الخطبة ودار الحكم والأسوار والحمامات والأبواب والأبراج والمقبرة وأحياء السكن ودور التجارة ...الخ وكانت قد ورثت عن النكور مختلف العلوم والفنون والصنائع التي زادها الانفتاح على مدن العدوة الأندلسية تلاحقا وازدهارا.
إذا كانت مدينة "المزمة" تتوفر على كل هذا الرصيد التاريخي والحضاري والأثري فلماذا تم طمسها ومحاولة محو ما تبقى منها علما أن الدولة المغربية كانت قد دمرت جزءا كبيرا من مدينة "المزمة" عن طريق تشييد "نادي البحر الأبيض المتوسط" ؟ ولماذا تريد الدولة أن تمحوا ما تبقى منها اليوم علما أن الموروث التاريخي يتحول إلى مصدر للرزق ومورد للخيرات ومحاورا للتنمية بواسطة التعريف بدوره وحفظ مكوناته وترميم أجزائه وإدراجه ضمن المسالك السياحية؟ وإذا علمنا أن الإنسان مرتبط بوطنه وحضارته وتاريخه وسيرة آبائه وأجداده، وأن المهمة الموكولة للجامعات ومراكز البحث العلمي تكمن في الكشف والتنقيب عما ينير البلاد والعباد بواسطة الدراسة، ويقدم الأدوات العلمية لكي تعتمد من طرف الإدارة العمومية في رسم آفاق التنمية، فأين "المزمة" في برامج مندوبية وزارة السياحة بالريف؟ وما موقع المزمة في برامج الدراسة والبحث بالجامعات المجاورة بطنجة وتطوان وفاس ووجدة والناظور؟ مع العلم أن ثمة أقساما مختصة في التاريخ والآثار يتقاضى القائمون عليها أجورهم من ميزانية الدولة؟
إذا كان لنا أن نعتبر من دروس الماضي فلنتأمل كيف كان التراث التاريخي بالذات هو الهدف في حملات الاجتثاث التي قادتها ضد مخلفات الحضارة المغربية بالجزيرة الايبيرية "ايسابيلا الكاثوليكية" فهدمت الأسوار واقتلعت الأبواب وغيرت المعالم، وأتلفت الآثار، بل وثمة إشارات عن نبش القبور، فهل ثمة من يحن إلى استكمال ما عجزت عنه ايسابيلا في عز الوطن؟ وإذا كان لنا أن نستفيد من الآخرين فلنلاحظ كيف العناية عند الجيران الاسبان في عز الديمقراطية بآثارنا وأسوارنا ومواقعنا الأثرية المحفوظة عندهم، وكيف تطورت غرناطة وأصبحت قبلة للسياحة، وكيف ازدهر العمران باشبيلية مع الاحتفاظ بالمآثر الظاهرة والباطنة، وكيف الحرص على عدم مس أسوار الموحدين المدفونة تحت الأرض عند مد خطوط الميترو....الخ أم لا يهمنا من التشبه بالآخرين سوى بريق المظاهر وإن تعفنت الجواهر؟
ألم يرو هؤلاء الذين وكلت لهم مهمة بناء المركبات السياحية على شاطئي "السواني" و"السفيحة" في الساحل الريفي الممتد من رأس الماء إلى غاية الجبهة مرورا بأجمل الشواطئ بالناظور والحسيمة سوى تلك النقطة التي توجد فيها مدينة "المزمة" بخليج الحسيمة؟ فالساحل المتوسطي يمتد على مئات الكيلومترات وبإمكانهم إقامة المشاريع السياحية المدرة للأرباح أينما شاؤوا، ويمكن أيضا بناء المركبات السياحية بجانب المعلمة التاريخية والأثرية "المزمة" دون هدم ما تبقى منها، بل واستغلالها في السياحة الثقافية؟
فكري الأزراق العروي (الناظور)
www.fikrielazrak.tk
fikri-87@hotmail.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.