الرباط.. التوقيع على مخطط عمل مشترك بين مصالح الأمن الوطني بالمغرب والمديرية العامة للشرطة الوطنية بالجمهورية الفرنسية    الأداء الإيجابي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    بنك المغرب يتوقع نمو الاقتصاد ب4,6 في المائة سنة 2025    المملكة المغربية تعرب عن إدانتها الشديدة للهجوم الصاروخي السافر الذي استهدف سيادة دولة قطر الشقيقة ومجالها الجوي    استمرار حملات الإغاثة المغربية لفائدة العائلات الفلسطينية الأكثر احتياجا في قطاع غزة    بودريقة يقدم "تنازلات" جديدة والمحكمة تقرر تأجيل النظر في ملفه    بعد مسيرة فنية حافلة.. الفنانة أمينة بركات في ذمة الله    العراق يعلن إعادة فتح مجاله الجوي    ترامب: إسرائيل وإيران انتهكتا الاتفاق    قائمة "لبؤات الأطلس" في "الكان"    مجلس الحكومة يتدارس 4 مراسيم    "ظاهرة الشركي" تعود إلى المغرب .. وموجة حر جديدة تضرب عدة مناطق    فشل تهريب مخدرات بشواطئ الجديدة    ضربة "حفظ ماء الوجه" تنقذ إيران    مهرجان "موازين" يتخلى عن خدمات مخرجين مغاربة ويرضخ لشروط الأجانب    دراسة تكشف ارتفاع معدلات الإصابة بالتهاب المفاصل حول العالم    الإكثار من تناول الفواكه والخضروات يساعد في تحسين جودة النوم    هل تعالج الديدان السمنة؟ .. تجربة علمية تثير الدهشة    الموت يُغيّب الممثلة أمينة بركات    في برنامج مدارات بالإذاعةالوطنية : وقفات مع شعراء الزوايا في المغرب    المغرب ينافس إسبانيا والبرازيل على استضافة مونديال الأندية 2029    هيئات مدنية وحقوقية تطالب بفتح تحقيق في مالية وتدبير وكالة الجنوب    قبيل حفله بموازين.. راغب علامة في لقاء ودي مع السفير اللبناني ورجال أعمال        تعزية في وفاة الرمضاني صلاح شقيق رئيس نادي فتح الناظور    وزيرة الطاقة تكشف في البرلمان مشاريع الناظور لضمان الأمن الطاقي للمغرب    أشرف حكيمي يتوج بجائزة أفضل لاعب في مباراة باريس سان جيرمان وسياتل ساوندرز الأمريكي    بركة يكشف للبرلمان: 7.9 مليار درهم لربط ميناء الناظور    المغرب وتركيا يتفقان على شراكة تجارية جديدة تعيد التوازن للميزان التجاري        "مرحبا 2025" تنطلق من الحسيمة.. استقبال حافل لأولى رحلات الجالية من إسبانيا    الناظور.. السجن والغرامة في حق المتهم الذي كذب بشأن مصير مروان المقدم    زغنون: في غضون شهرين ستتحول قناة 2m إلى شركة تابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة    الهولوغرام يُعيد أنغام عبد الحليم حافظ إلى الحياة في مهرجان موازين    في مهرجان موازين.. هكذا استخفت نانسي عجرم بقميص المنتخب!    نادر السيد يهاجم أشرف داري: "إنه أقل بكتير جدًا من مستوى نادي الأهلي"    لفتيت مطلوب في البرلمان بسبب تصاعد ظاهرة "السياقة الاستعراضية" بالشواطئ المغربية    الرشيدي يجتمع بوفد من البنك الدولي ويستعرض المنجزات الاجتماعية وجهود النهوض بالأشخاص في وضعية إعاقة    الوداد يطمئن أنصاره عن الحالة الصحية لبنهاشم وهيفتي    بوغبا يترقب فرصة ثمينة في 2026    إسرائيل تعلن رصد إطلاق صواريخ إيرانية بعد إعلان وقف إطلاق النار وطهران تنفي    مصر تعلن استئناف حركة الطيران بشكل تدريجي بينها والكويت وقطر والسعودية والإمارات    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    كأس العالم للأندية .. الأهلي خارج المنافسة وإنتر ميامي يصطدم بباريس    ترامب يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها    وفد من مؤسسة دار الصانع في مهمة استكشافية إلى أستراليا لتعزيز صادرات الصناعة التقليدية المغربية على الصعيد الدولي    رمسيس بولعيون يكتب... البرلماني أبرشان... عاد إليكم من جديد.. تشاطاراا، برويطة، اسعادات الوزاااار    "بي واي دي" الصينية تسرّع خطواتها نحو الريادة العالمية في تصدير المركبات الكهربائية    الهلال السعودي يتواصل مع النصيري    بركة: انقطاعات مياه الشرب محدودة .. وعملية التحلية غير مضرة بالصحة    موازين 2025 .. الجمهور يستمتع بموسيقى السول في حفل المغني مايكل كيوانواكا    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هدم الديكورات الثورية إرضاء لماما أمريكا
نشر في دنيابريس يوم 12 - 03 - 2011

مسلسل عميد الطغاة العرب أو الوافي الكافي في فكّ طلاسم القذافي
” الحلقة الثالثة ”
بعد تأكد القذافي أنّ هجوم الدول الغربية جاد هذه المرة عليه وعلى نظامه ، خاصة بعد تطبيق قرار مجلس الامن القاضي بفرض العقوبات للمرة الثانية من 15-8-92 وحتى 15-12-92 ، وأنّ مجلس الامن سوف يعود في هذا التاريخ للنظر فيما إذا امتثل الطاغية لشروط الغرب أم لا ، كي يرفع العقوبات أم يجددها للمرة الثالثة ، سارع العقيد لارضاء أمريكا باتخاذ العديد من الإجراءات العاجلة ، ومنهاهدم العديد من الهياكل الادارية والسياسية والاعلامية التي أقامها اساسا للترويج لجماهيريته وعقده النفسية، منفقا عليها مليارات من ثروة الشعب الليبي الذي نتيجة هذا التبذير والفساد، كان وما يزال الدخل القومي للفرد فيه ، لا يختلف عن دخل الفرد في الدول الفقيرة غير النفطية. وقد طالت عملية الهدم هذه الديكورات التالية عقب أكتوبر 1992 :
1- جمعية الدعوة الاسلامية ، وهي جمعية كانت تدّعي أنها تعمل في مجال نشر الإسلام في مختلف القارات .أسسها الطاغية عام 1973 ، وكان يرأس مجلس إدارتها الدكتور محمد الشريف وزير تربية قذافي سابق . وقد كان للجمعية مكاتب وممثلون فيما لا يقل عن ثلاثين عاصمة في الدول الأسيوية والافريقية ، وامتدت نشاطاتها لتشمل كافة العواصم التي توجد فيها جاليات إسلامية. وقد حاول العقيد في سنوات 1990 – 1992 ، دعم نشاطاتها الإعلامية فألحق بها بعض الإعلاميين الليبيين مثل القصاص (زياد علي) والصحفي (علي ماريا) رئيس تحرير مجلة الثقافة العربية، وسفير ليبيا في الإمارات العربية سابقا، والقائم بالأعمال في القاهرة حاليا. وقد اشتهرت الجمعية في سنوات تأسيسها الاولى ببحثها وترغيبها غير المسلمين من العرب والأجانب على دخول الاسلام مقابل (35000) دولار لمن يشهر إسلامه أمام شيوخ الجمعية . وقد لاقت هذه الدعوة – والتي تبدو وكأنها نكتة- استجابة واسعة بين العديد ممن استهوتهم هذه المبالغ من الدولارات ، الى حد أنَ العديد من الصحفيين والكتاب كان يتمنى لو أنه ولد مسيحيا ، كي يستفيد من هذه الثروة التي لا تكلف صاحبها سوى الوقوف أمام شيوخ الجمعية المدّعين أيضا، والنطق بالشهادتين ( أشهد أنّ لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله) . وفي أعوام 1974 و 75 و 76 و 77 نطق بهاتين الشهادتين العديد من الصحفيين الغربيين الذين كانوا يزورون طرابلس، أو يعملون فيها وكان أشهر من استغل هذه الدعوة الملاكم الأمريكي محمد علي كلاي ، الذي نقدته الجمعية حوالي خمسة ملايين دولار عام 1979 ، مقابل إشهار اسلامه ومن أجل بناء مسجد في نيويورك . وأتذكر أننا كنا تلك الليلة من ذلك العام في فندق الشاطئ الذهبي ، الذي كان آنذاك الفندق الوحيد من فنادق الدرجة الاولى في طرابلس، ودخل محمد علي كلاي صالة الفندق وهو يصفر ويرقص نشوة وطربا ، فهرعنا نسأل عن أسباب هذه النشوة ،فأجابنا صحفي عربي كندي الجنسية ومقيم في كندا، كان يرافقه للترجمة أنه – أي كلاي- ربما يصاب الليلة بالجنون ،لأنه لا يصدق وجود (مهابيل) ينقدونه خمسة ملايين دولار من أجل نطقه بجملة لا يفهم معناها، ولا ماذا يريد منه الذين نقدوه الملايين الخمسة. أما الصحفي العربي
فقد حصل على مبالغ طائلة لترجمة الكتاب لأخضر ، وتوزيعه في أمريكا وكندا. وبعد ذلك لم يبن كلاي مسجدا في نيويورك، ولا توزع الكتاب الأخضر في أمريكا وكندا، لأنه في حالة ترجمته سيخجل من قام بذلك من توزيعه.
تبذير ثروة الشعب الليبي ثم إغلاقها
وقد أنفق الطاغية مئات الملايين على جمعية الدعوة الاسلامية ،فقط كي توزع القرآن الكريم عبر مكاتبها في مختلف العواصم، غطاءا لتوزع معه كتيبه الذي لا يحيض (الكتاب الأخضر)، ومعه خطب وبياناته، الذي كان يطرح نفسه من خلالها في الدول الإسلامية – غير العربية- على أنه (مفكر اسلامي) يعمل من أجل الصحوة الاسلامية ، وتوحيد جهود العالم الاسلامي ، كما أنّ مكاتبها كانت مرتعا وغطاء للعديد من عناصر مخابراته وأمنه خاصة في مجال تعقب أعضاء المعارضة الليبية واغتيالهم. وفي السنوات التي أعقبت عام 1992 ،دخلت جمعية دعوته الإسلامية مجال الاستثمار العقاري في داخل ليبيا وخارجها ، فأقامت لأولاده وعائلته مشاريع استثمارية كان أهمها أبراج المكاتب الخمسة ، وهي عبارة عن خمسة عمارات (12 طابقا) أقامتها له شركات تركية وصينية على شاطئ البحر جوار فندق باب البحر ، وقد خصصت هذه الأبراج الفخمة مكاتب للشركات والسفارات الأجنبية فقط ، على أن تؤجر لها بالعملات الصعبة، وقد كانت هذه الابراج الخمسة آنذاك أضخم مشروع عقاري في جماهيرية الخوف والموت.
وبعد كل هذا التبذير، ولإرضاء أمريكا والدول الغربية، توقف عن كونه داعية إسلاميا، يسعى لنشر الإسلام، فأعلن الطاغية عبر أجهزة (مؤتمر الشعب العام )، الذي هو مكاتب خاصة به ومخابراته ولا علاقة للشعب بها، في دورته الاخيرة (آب اغسطس) 1991 ، الغاء هذه الجمعية واقفالها نهائيا ووقف نشاطاتها وتصفية ممتلكاتها وتوزيع العاملين فيها على الدوائر الحكومية الليبية، وهو يدرك أنّ هذا القرار يعني لدى الدوائر الغربية اقفال مكاتب الامن والمخابرات التي كانت تعمل تحت غطاء ولافتات هذه الجمعية ، وبعدها سيأتي الدور على ما سمّاه مؤتمر الشعب العام.
2- ( مؤتمر الشعب العربي ) هو اسم الهيئة التي شكلها القذافي عام 1977 عقب زيارة السادات لاسرائيل، حيث أعلن آنذاك أنه يشكل هذا المؤتمر ليقوم بمحاكمة السادات على جريمته المتمثلة في زيارة اسرائيل، واستقدم لذلك العديد من السياسيين والمحامين العرب خاصة من المعارضة المصرية ، وعقدوا محاكمة شكلية للسادات حكموا عليه فيها بالاعدام . ولمّا وجد القذافي أنه يمكن استغلال هذا الديكور لبناء علاقات جديدة والتبشير بأفكاره (الخضراء)، قام برصد الأموال اللازمة لجعل (مؤتمر الشعب العربي) هيئة عربية دائمة مقرها طرابلس، وبالفعل تم تخصيص جناح في (قصر الشعب) ليكون مقرا للمؤتمر. ولمّا كثر زبائنه وعملاؤه انتقل المقر الى بناء كامل ضخم من ثلاثة طوابق في وسط العاصمة التجاري في شارع الفاتح قريبا من الشاطئ خلف (الفندق الكبير) أفخم وأقدم فنادق طرابلس ، لتكون اقامة الوفود سهلة وغير متعبة في التنقل. وقد تشكلت للمؤتمر (أمانة عامة) برئاسة الليبي (عمر الحامدي) وعضوية حوالي 12 عضوا تم اختيارهم من مختلف الاحزاب العربية ذات التوجه والبضاعة القومية.
وكان أطرف اعلان صدر عن (مؤتمر الشعب العربي) هو إعلان بعض أعضاء الامانة العامة المصريين ، أنّ حادث اغتيال السادات في حادث المنصة الشهير، أكتوبر 1981 كان تنفيذا لقرار مؤتمر الشعب العربي عام 1977 بإعدامه.
هذا وقد تخصص المؤتمر في عقد الندوات والمؤتمرات التي تخدم توجه المفكر العالمي الطاغية القذافي ، وكان أطرفها ما أطلق عليه مؤتمر(أحزاب المعارضة الرسمية المعترف بها في أقطارها) ، الذي عقد في طرابلس في عام 1987، وكان مسرحية هزلية بمعنى الكلمة . كانت فكرة المؤتمر في البداية أن يكون مؤتمرا لاحزاب المعارضة العربية ، و هذا يعني دعوة أحزاب المعارضة التي تقف موقفا معارضا وربما عدائيا من حكومات وأنظمة اقطارها. إلا أنّ التطبيق الكامل لهذا المفهوم كان يعني دعوة أحزاب المعارضة السورية والعراقية واليمنية والجزائرية ، وهذا يوتر علاقات الطاغية الجماهيري مع أنظمة البلدان الاربعة المذكورة التي كانت حليفة أو شبه حليفة له. فأعاد القذافي التفكير في أمر هذا المؤتمر خاصة بعد تجميد حزب البعث السوري لمشاركته في نشاطات الامانة العامة لمؤتمر الشعب العربي، وبعد تفكير طويل اهتدى القذافي وعمر الحامدي لمسرحية هزلية ولا مسرحيات الفرنسي موليير ، إذ قرّرا عقد المؤتمر لأحزاب المعارضة العربية المعترف بها رسميا في أقطارها مثل حزب التجمع التقدمي الوحدوي في مصر. وبهذا الإخراج التافه لم تدع أية احزاب معارضة سورية و عراقية ويمنية وجزائرية ، إذ ليس في هذه الدول أحزاب معارضة معترف بها ، وبذلك أزال مفكر الكتاب الأخضر عن نفسه الحرج كما اعتقد ، وشارك في المؤتمر ممثلون لجبهة الانقاذ الوطني الفلسطيني الديكورية أيضا بصفتها أحزاب معارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
هذا وقد أصبح مؤتمر الشعب العربي خلال تلك السنوات، إقطاعية خاصة لمالكها وصاحبها الملازم القذافي ووكيله العام فيها عمر الحامدي ، يشترون من خلالها الاقلام والذمم ويوزعون العملاء والرشاوي. وهكذا ما إن ادرك الملازم القذافي الصباح ، وأيقن أنّ تهديدات أمريكا جادة ، حتى انحنى خاضعا مستجديا الرحمة، فهو على استعداد لتنفيذ طلبات القوى الغربية، فقط ليبقى في السلطة ينهب الثروة والشعب والوطن. لذلك بدأ بتفكيك مؤتمر الشعب العربي فلم يعد هناك حاجة قذافية لا للشعب العربي ولا لمؤتمر يحمل اسمه، طالما إرضاء أمريكا والغرب يتطلب ذلك.
حاكم يقصف شعبه بالطائرات
من يصدّق هذا الجنون؟ إنّ التمتع بالسلطة والبلاد والعباد ، وتحول كل فرد من عائلته إلى إقطاعية خاصة تملك المليارات، وجنون كهذا يستمر 42 عاما، لن يصدّق أنّ شعبه بعد كل هذا السكون يثور عليه ثورة عارمة، إقتربت من الإطاحة به ومحاكمته، لذلك فهو مستعد لقصفهم ليس بالطائرات، ولكن بالقنابل النووية إن امتلكها. فهذا الشعب هو (عدوه ) وبالتالي فشعاره ( عليّ وعلى أعدائي )، فهل يعقل بعد كل هذا الطغيان والاستبداد، أنّ يثور عليه الشعب ويحاكمه كمجرم؟. تلك هي نهاية الطغاة التي بدأها الشعب العربي بعد سكون وذلّ دام طويلا.
[email protected]
www.dr-abumatar.net
د.أحمد أبو مطر
مسلسل عميد الطغاة العرب أو الوافي الكافي في فكّ طلاسم القذافي
” الحلقة الثالثة ”
بعد تأكد القذافي أنّ هجوم الدول الغربية جاد هذه المرة عليه وعلى نظامه ، خاصة بعد تطبيق قرار مجلس الامن القاضي بفرض العقوبات للمرة الثانية من 15-8-92 وحتى 15-12-92 ، وأنّ مجلس الامن سوف يعود في هذا التاريخ للنظر فيما إذا امتثل الطاغية لشروط الغرب أم لا ، كي يرفع العقوبات أم يجددها للمرة الثالثة ، سارع العقيد لارضاء أمريكا باتخاذ العديد من الإجراءات العاجلة ، ومنهاهدم العديد من الهياكل الادارية والسياسية والاعلامية التي أقامها اساسا للترويج لجماهيريته وعقده النفسية، منفقا عليها مليارات من ثروة الشعب الليبي الذي نتيجة هذا التبذير والفساد، كان وما يزال الدخل القومي للفرد فيه ، لا يختلف عن دخل الفرد في الدول الفقيرة غير النفطية. وقد طالت عملية الهدم هذه الديكورات التالية عقب أكتوبر 1992 :
1- جمعية الدعوة الاسلامية ، وهي جمعية كانت تدّعي أنها تعمل في مجال نشر الإسلام في مختلف القارات .أسسها الطاغية عام 1973 ، وكان يرأس مجلس إدارتها الدكتور محمد الشريف وزير تربية قذافي سابق . وقد كان للجمعية مكاتب وممثلون فيما لا يقل عن ثلاثين عاصمة في الدول الأسيوية والافريقية ، وامتدت نشاطاتها لتشمل كافة العواصم التي توجد فيها جاليات إسلامية. وقد حاول العقيد في سنوات 1990 – 1992 ، دعم نشاطاتها الإعلامية فألحق بها بعض الإعلاميين الليبيين مثل القصاص (زياد علي) والصحفي (علي ماريا) رئيس تحرير مجلة الثقافة العربية، وسفير ليبيا في الإمارات العربية سابقا، والقائم بالأعمال في القاهرة حاليا. وقد اشتهرت الجمعية في سنوات تأسيسها الاولى ببحثها وترغيبها غير المسلمين من العرب والأجانب على دخول الاسلام مقابل (35000) دولار لمن يشهر إسلامه أمام شيوخ الجمعية . وقد لاقت هذه الدعوة – والتي تبدو وكأنها نكتة- استجابة واسعة بين العديد ممن استهوتهم هذه المبالغ من الدولارات ، الى حد أنَ العديد من الصحفيين والكتاب كان يتمنى لو أنه ولد مسيحيا ، كي يستفيد من هذه الثروة التي لا تكلف صاحبها سوى الوقوف أمام شيوخ الجمعية المدّعين أيضا، والنطق بالشهادتين ( أشهد أنّ لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله) . وفي أعوام 1974 و 75 و 76 و 77 نطق بهاتين الشهادتين العديد من الصحفيين الغربيين الذين كانوا يزورون طرابلس، أو يعملون فيها وكان أشهر من استغل هذه الدعوة الملاكم الأمريكي محمد علي كلاي ، الذي نقدته الجمعية حوالي خمسة ملايين دولار عام 1979 ، مقابل إشهار اسلامه ومن أجل بناء مسجد في نيويورك . وأتذكر أننا كنا تلك الليلة من ذلك العام في فندق الشاطئ الذهبي ، الذي كان آنذاك الفندق الوحيد من فنادق الدرجة الاولى في طرابلس، ودخل محمد علي كلاي صالة الفندق وهو يصفر ويرقص نشوة وطربا ، فهرعنا نسأل عن أسباب هذه النشوة ،فأجابنا صحفي عربي كندي الجنسية ومقيم في كندا، كان يرافقه للترجمة أنه – أي كلاي- ربما يصاب الليلة بالجنون ،لأنه لا يصدق وجود (مهابيل) ينقدونه خمسة ملايين دولار من أجل نطقه بجملة لا يفهم معناها، ولا ماذا يريد منه الذين نقدوه الملايين الخمسة. أما الصحفي العربي
فقد حصل على مبالغ طائلة لترجمة الكتاب لأخضر ، وتوزيعه في أمريكا وكندا. وبعد ذلك لم يبن كلاي مسجدا في نيويورك، ولا توزع الكتاب الأخضر في أمريكا وكندا، لأنه في حالة ترجمته سيخجل من قام بذلك من توزيعه.
تبذير ثروة الشعب الليبي ثم إغلاقها
وقد أنفق الطاغية مئات الملايين على جمعية الدعوة الاسلامية ،فقط كي توزع القرآن الكريم عبر مكاتبها في مختلف العواصم، غطاءا لتوزع معه كتيبه الذي لا يحيض (الكتاب الأخضر)، ومعه خطب وبياناته، الذي كان يطرح نفسه من خلالها في الدول الإسلامية – غير العربية- على أنه (مفكر اسلامي) يعمل من أجل الصحوة الاسلامية ، وتوحيد جهود العالم الاسلامي ، كما أنّ مكاتبها كانت مرتعا وغطاء للعديد من عناصر مخابراته وأمنه خاصة في مجال تعقب أعضاء المعارضة الليبية واغتيالهم. وفي السنوات التي أعقبت عام 1992 ،دخلت جمعية دعوته الإسلامية مجال الاستثمار العقاري في داخل ليبيا وخارجها ، فأقامت لأولاده وعائلته مشاريع استثمارية كان أهمها أبراج المكاتب الخمسة ، وهي عبارة عن خمسة عمارات (12 طابقا) أقامتها له شركات تركية وصينية على شاطئ البحر جوار فندق باب البحر ، وقد خصصت هذه الأبراج الفخمة مكاتب للشركات والسفارات الأجنبية فقط ، على أن تؤجر لها بالعملات الصعبة، وقد كانت هذه الابراج الخمسة آنذاك أضخم مشروع عقاري في جماهيرية الخوف والموت.
وبعد كل هذا التبذير، ولإرضاء أمريكا والدول الغربية، توقف عن كونه داعية إسلاميا، يسعى لنشر الإسلام، فأعلن الطاغية عبر أجهزة (مؤتمر الشعب العام )، الذي هو مكاتب خاصة به ومخابراته ولا علاقة للشعب بها، في دورته الاخيرة (آب اغسطس) 1991 ، الغاء هذه الجمعية واقفالها نهائيا ووقف نشاطاتها وتصفية ممتلكاتها وتوزيع العاملين فيها على الدوائر الحكومية الليبية، وهو يدرك أنّ هذا القرار يعني لدى الدوائر الغربية اقفال مكاتب الامن والمخابرات التي كانت تعمل تحت غطاء ولافتات هذه الجمعية ، وبعدها سيأتي الدور على ما سمّاه مؤتمر الشعب العام.
2- ( مؤتمر الشعب العربي ) هو اسم الهيئة التي شكلها القذافي عام 1977 عقب زيارة السادات لاسرائيل، حيث أعلن آنذاك أنه يشكل هذا المؤتمر ليقوم بمحاكمة السادات على جريمته المتمثلة في زيارة اسرائيل، واستقدم لذلك العديد من السياسيين والمحامين العرب خاصة من المعارضة المصرية ، وعقدوا محاكمة شكلية للسادات حكموا عليه فيها بالاعدام . ولمّا وجد القذافي أنه يمكن استغلال هذا الديكور لبناء علاقات جديدة والتبشير بأفكاره (الخضراء)، قام برصد الأموال اللازمة لجعل (مؤتمر الشعب العربي) هيئة عربية دائمة مقرها طرابلس، وبالفعل تم تخصيص جناح في (قصر الشعب) ليكون مقرا للمؤتمر. ولمّا كثر زبائنه وعملاؤه انتقل المقر الى بناء كامل ضخم من ثلاثة طوابق في وسط العاصمة التجاري في شارع الفاتح قريبا من الشاطئ خلف (الفندق الكبير) أفخم وأقدم فنادق طرابلس ، لتكون اقامة الوفود سهلة وغير متعبة في التنقل. وقد تشكلت للمؤتمر (أمانة عامة) برئاسة الليبي (عمر الحامدي) وعضوية حوالي 12 عضوا تم اختيارهم من مختلف الاحزاب العربية ذات التوجه والبضاعة القومية.
وكان أطرف اعلان صدر عن (مؤتمر الشعب العربي) هو إعلان بعض أعضاء الامانة العامة المصريين ، أنّ حادث اغتيال السادات في حادث المنصة الشهير، أكتوبر 1981 كان تنفيذا لقرار مؤتمر الشعب العربي عام 1977 بإعدامه.
هذا وقد تخصص المؤتمر في عقد الندوات والمؤتمرات التي تخدم توجه المفكر العالمي الطاغية القذافي ، وكان أطرفها ما أطلق عليه مؤتمر(أحزاب المعارضة الرسمية المعترف بها في أقطارها) ، الذي عقد في طرابلس في عام 1987، وكان مسرحية هزلية بمعنى الكلمة . كانت فكرة المؤتمر في البداية أن يكون مؤتمرا لاحزاب المعارضة العربية ، و هذا يعني دعوة أحزاب المعارضة التي تقف موقفا معارضا وربما عدائيا من حكومات وأنظمة اقطارها. إلا أنّ التطبيق الكامل لهذا المفهوم كان يعني دعوة أحزاب المعارضة السورية والعراقية واليمنية والجزائرية ، وهذا يوتر علاقات الطاغية الجماهيري مع أنظمة البلدان الاربعة المذكورة التي كانت حليفة أو شبه حليفة له. فأعاد القذافي التفكير في أمر هذا المؤتمر خاصة بعد تجميد حزب البعث السوري لمشاركته في نشاطات الامانة العامة لمؤتمر الشعب العربي، وبعد تفكير طويل اهتدى القذافي وعمر الحامدي لمسرحية هزلية ولا مسرحيات الفرنسي موليير ، إذ قرّرا عقد المؤتمر لأحزاب المعارضة العربية المعترف بها رسميا في أقطارها مثل حزب التجمع التقدمي الوحدوي في مصر. وبهذا الإخراج التافه لم تدع أية احزاب معارضة سورية و عراقية ويمنية وجزائرية ، إذ ليس في هذه الدول أحزاب معارضة معترف بها ، وبذلك أزال مفكر الكتاب الأخضر عن نفسه الحرج كما اعتقد ، وشارك في المؤتمر ممثلون لجبهة الانقاذ الوطني الفلسطيني الديكورية أيضا بصفتها أحزاب معارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
هذا وقد أصبح مؤتمر الشعب العربي خلال تلك السنوات، إقطاعية خاصة لمالكها وصاحبها الملازم القذافي ووكيله العام فيها عمر الحامدي ، يشترون من خلالها الاقلام والذمم ويوزعون العملاء والرشاوي. وهكذا ما إن ادرك الملازم القذافي الصباح ، وأيقن أنّ تهديدات أمريكا جادة ، حتى انحنى خاضعا مستجديا الرحمة، فهو على استعداد لتنفيذ طلبات القوى الغربية، فقط ليبقى في السلطة ينهب الثروة والشعب والوطن. لذلك بدأ بتفكيك مؤتمر الشعب العربي فلم يعد هناك حاجة قذافية لا للشعب العربي ولا لمؤتمر يحمل اسمه، طالما إرضاء أمريكا والغرب يتطلب ذلك.
حاكم يقصف شعبه بالطائرات
من يصدّق هذا الجنون؟ إنّ التمتع بالسلطة والبلاد والعباد ، وتحول كل فرد من عائلته إلى إقطاعية خاصة تملك المليارات، وجنون كهذا يستمر 42 عاما، لن يصدّق أنّ شعبه بعد كل هذا السكون يثور عليه ثورة عارمة، إقتربت من الإطاحة به ومحاكمته، لذلك فهو مستعد لقصفهم ليس بالطائرات، ولكن بالقنابل النووية إن امتلكها. فهذا الشعب هو (عدوه ) وبالتالي فشعاره ( عليّ وعلى أعدائي )، فهل يعقل بعد كل هذا الطغيان والاستبداد، أنّ يثور عليه الشعب ويحاكمه كمجرم؟. تلك هي نهاية الطغاة التي بدأها الشعب العربي بعد سكون وذلّ دام طويلا.
[email protected]
www.dr-abumatar.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.