الياسميني يترجم للفيلسوف "براندوم"    بلاغ للوكيل العام حول اضرام النار في الفنان " تسوليت"        مخيمات تيندوف.. المغرب يستنكر "وضعا إنسانيا شاذا" ويدعو إلى التسجيل الفوري للمحتجزين من طرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين    توقيف الشخص المتورط في ارتكاب محاولة سرقة وكالة تجارية لتحويل الأموال تحت التهديد باستعمال العنف بالبيضاء    كأس العالم لأقل من 20 سنة.. المنتخب الإسباني يحجز بطاقة العبور لربع النهائي بتغلبه على نظيره الأوكراني (1-0)    التهراوي يعترف بوجود أوجه قصور في قطاع الصحة    الملك محمد السادس يستقبل مبعوث العاهل السعودي وولي عهده بالدار البيضاء    إحباط تهريب أزيد من 21 ألف قرص مخدر بميناء طنجة المتوسط داخل لعب أطفال    الركراكي يستدعي لاعب الجيش الملكي لمباراتي البحرين والكونغو    "هآرتس": عامان على حرب غزة دون هدف وإسرائيل غارقة بالعزلة وتحتضر    المغرب وبريطانيا يجريان تدريبات عسكرية    شباب "جيل زد" يعلقون احتجاجاتهم إلى غاية يوم الخميس قبيل الخطاب الملكي في افتتاح البرلمان    دعوات للاحتجاج أمام وزارة الخارجية للمطالبة بالإفراج الفوري عن النشطاء المغاربة المعتقلين لدى إسرائيل    جريمة في الخلاء.. الأمن يوقف متشردين قتلا شخصًا بطريق طنجة البالية    الرئيس السنغالي فاي يستقبل بوريطة    الحية: "حماس" تريد ضمانات ترامب    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأحمر    جمعية إشعاع للثقافات والفنون تنظم الدورة الثانية لمهرجان ليالي السينما بالعرائش            جيل زد.. حين تكلم الوطن من فم    التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال 2026 .. المغرب يستضيف أربع مباريات لحساب الجولتين التاسعة و العاشرة    بعد الجدل حول "خروقات التخرج".. إدارة ENCG طنجة ترد وتوضح    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    بتعليمات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يشارك ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، اليوم الثلاثاء، بدكار في أشغال منتدى " إنفست إن سينغال ".    أزمة سياسية غير مسبوقة في فرنسا    اتفاقية شراكة وتعاون بين الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وقطب الأمن الوطني و«الديستي»    جيل الغضب وسفينة الحكومة: حين تهتزّ مسؤولية التحالفات وتتعالى أصوات الشباب    تحفيز نسوة .. تعاون مغربي إسباني يمنح المرأة القروية مفاتيح الريادة الاقتصادية    مهرجان الإسكندرية السينمائي .. المخرج المغربي حكيم بلعباس ينشط ماستر كلاس حول الإخراج    نجوى كرم تشعل دبي أوبرا بحفل فني استثنائي    تربية المواشي تقرب بين المغرب وفرنسا    مجلس جهة الشرق يصادق على 80 نقطة لدعم مشاريع تنموية كبرى بمختلف أقاليم الجهة        اليماني: سعر المحروقات يبنغي ألا يتعدي 10 دراهم وتحرير القطاع لم ينعكس على الصحة والتعليم    التغيير في المغرب.. غير ممكن !    فيفا يطرح تذاكر مباريات كأس العالم ابتداء من 20 درهماً    الركراكي يهنئ لاعبي المنتخب المغربي على انجازاتهم الفردية رفقة أنديتهم    "الجمعية" تعقد لقاء مع بوريطة بشأن استمرار احتجاز غالي وبن الضراوي في السجون الإسرائيلية    وزارة النقل توضح موقفها من خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية    مولودية وجدة يحقق فوزه الأول وشباب المحمدية يتعثر    تقرير غوتيريش يوصي بتمديد ولاية "المينورسو" ويكشف موافقة أممية على بناء ملاجئ عسكرية مغربية في الصحراء    67 قتيلا حصيلة انهيار المدرسة في إندونيسيا مع انتهاء عمليات البحث    من باريس إلى الرياض.. رواية "جزيرة القارئات" الفرنسية بحرف عربي عبر ترجمة مغربية    انطلاق "دوري الملوك" في السعودية    حركة "جيل زد" تلجأ إلى سلاح المقاطعة للضغط على أخنوش    هذا الموريسكي .. سر المخطوط الناجي (2)    دراسة: التدريبات الرياضية تقلل الإحساس بالجوع    الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"    أهم نصائح التغذية لشهر أكتوبر    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    دراسة: فحص بسيط يكشف عن خطر الإصابة بالخرف قبل عقود من ظهور الأعراض    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحزاب ترفع شعارات الطهرانية والنقاء لكنها تزكي منتخبين فاسدين
نشر في السند يوم 31 - 10 - 2010

لعلة ما، تحركت نكتة، يعرفها الإنترنيتيون أكثر، على مدى أسبوع، لتجوب الشبكة العنكبوتية، بتزامن مع انعقاد الدورة العادية للجمع العام للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، يوم الثلاثاء المنصرم بالرباط.
النكتة طريفة ومليئة بالدلالات، تتعلق بمعنى الفساد السياسي، من المفيد أن نحكيها. وفحواها أن طفلا سأل والده: ما معنى الفساد السياسي؟ فأجابه: لن أخبرك يا بني، لأنه صعب عليك في هذا السن، لكن دعني أقرب لك الموضوع: أنا أصرف على البيت، فلنطلق علي اسم الرأسمالية. وأمك تنظم شؤون البيت، سنطلق عليها اسم الحكومة. وأنت تحت تصرفها، سنطلق عليك اسم الشعب.
وأخوك الصغير هو أملنا، سنطلق عليه اسم المستقبل. والخادمة، التي تعيش من ورائنا، سنطلق عليها اسم القوى الكادحة. فاذهب الآن يا بني، وفكر عساك تصل إلى نتيجة...
وفي الليل، لم يستطع الطفل أن ينام، فنهض قلقا، ولما سمع صوت أخيه الصغير يبكي، ذهب إليه، فوجده بلل حفاضته ووسخ نفسه، فذهب ليخبر أمه، فوجدها غارقة في نوم عميق، وتعجب جدا أن والده ليس نائما بجوارها! بدأ يبحث عنه، فسمع همسات وضحك في غرفة الخادمة، نظر من ثقب الباب، فوجد أباه مع الخادمة!
وفي اليوم التالي قال الولد لأبيه: لقد عرفت يا أبي معنى الفساد السياسي. فقال الوالد: ما شاء الله عليك... فماذا عرفت عنه؟ قال الولد: عندما تلهو الرأسمالية بالقوى الكادحة، وتكون الحكومة نائمة في سبات عميق، ويصبح الشعب قلقا تائها مهملا تماما، ويصبح المستقبل غارقا في القذارة، يكون الفساد السياسي... فقال الأب: يلعن أبوك كيف جبتها!
هي مجرد نكتة، لكنها ككثير (وليس كل) من النكت، تحمل دلالة بليغة من السخرية القوية من واقع بئيس، يخترق الهياكل المجتمعية لبلدان كثيرة، ترزح تحت ثقل الفساد السياسي.
الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، التي كان اجتماعها ليوم الثلاثاء مغلقا، مازالت تعاني إكراهات حداثة النشأة، التي تتطلب كثيرا من التحضير القانوني لعديد من المساطر التنظيمية، قبل أن تصبح، وهذا هو المأمول في أقرب الآجال، مؤهلة للانخراط، بقوة وفعالية، في مشاريع محاربة ظاهرة الرشوة والفساد، التي تخترق كثيرا من المصالح الحيوية بالإدارة المغربية.
صحيح أن محاربة الرشوة والفساد السياسي، وتخليق الحياة العامة، يشكلان شعارا محوريا في الخطاب السياسي المغربي، إلا أن الحصيلة تكاد تكون هزيلة، بل متناقضة أحيانا، وتفتح الباب أمام متشككين، لطرح أكثر من سؤال حول جدية هذا الخطاب، وما إذا كان مؤطرا بالمصداقية، ويصدر عن إرادة سياسية، أم هو مجرد استهلاك ظرفي ومناسباتي لا يتجاوز مفعوله إرضاء الضمير، في أفضل الأحوال.
يستمد سؤال الإرادة السياسية مشروعيته من وصول الفساد إلى الانتخابات والعمل السياسي، الذي تتمثل وظيفته في إصلاح المجتمع والدولة، بدل تحويله إلى أداة لإشاعة الفساد.
خلال عقود الاحتقان السياسي، ظلت الرشوة والفساد ضمن أدوات المواجهة السياسية، فغيبت من التداول في الخطاب الرسمي، سواء السياسي منه أو الإعلامي، بينما استعملتها القوى المعارضة آنذاك في خضم الصراع.
وأعادت انتخابات تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين، في خريف 2007، وقبلها الانتخابات الجماعية، وتشكيل مكاتب المجالس المحلية، أعادت إلى الواجهة "ظاهرة" استعمال المال في الانتخابات، لشراء أصوات الناخبين، الكبار منهم والصغار، رغم أن الدولة كانت استبقت الحدث، بتدابير تنبه إلى خطورة العملية، وآثارها السلبية على الحياة السياسية، وعلى المشروع الديمقراطي برمته.
أحزاب ترفع كل الشعارات الممكنة حول الطهرانية والنقاء، لكنها تزكي منتخبين فاسدين وتقبل بوجودهم في صفوفها، وبتمثيلهم لها في الهيئات التشريعية والمنتخبة. ولعل مشروع قانون التصريح بالممتلكات أبرز نموذج على عقدة الإرادة السياسية في محاربة الرشوة والفساد المالي، فضلا عما يطرحه المشروع من تساؤلات: لماذا ظل المغرب مسكونا بهاجس قانون التصريح بالممتلكات منذ الاستقلال، وكيف ظل، في الوقت نفسه، عاجزا عن ترسيم هذا القانون خلال أزيد من أربعة عقود، وعندما فعل، وجد نفسه عاجزا عن إعماله وتفعيله؟
هكذا تبدو الرشوة في المغرب بمثابة غول فعلي يتجاوز طاقة الإدارة والأحزاب السياسية والدولة بكل مؤسساتها. وفي هذه الحالة، تكون ظاهرة ثقافية وحضارية ملازمة للنظام السياسي المغربي، كما تشكل عبر التاريخ، وبالتالي تتطلب المعالجة، من أجل استئصال المرض الخبيث، ثورة ثقافية حقيقية، تشمل كل مناحي الحياة العامة، اعتمادا على معطيات الواقع وترسبات التاريخ القريب والبعيد.
إلى حدود أوائل القرن العشرين لم تكن الدولة المغربية تدفع أجورا لموظفيها، إذ كان "المخزن" يفوض لأعوانه من شيوخ وقواد وأمناء... استخلاص "أتعابهم" من "الرعية" في صورة ما يعرف بنظام السخرة، ولا شك أن هذا المعطى يساهم في فهم صمود ظاهرة الرشوة في دواليب الإدارة المغربية، التي تعايشت مع الحماية، واستمرت في فترة الاستقلال، وتجسدت في نهج سلوك "الهمزة"، مقاولون وكادحون، حاكمون ومحكومون، جميعهم يطلبون "الله يجيب شي هميزة".
وحدها عقلية "الهمزة والغنيمة"، في صورتها الأكثر قبحا، قد تستوعب غربة ثقافة المواطنة والنزاهة والشفافية، وتفسر تلك الجرأة في السطو على المال العام لدى "مسؤولين كبار" في الأحزاب والسلطة والإدارة، واستثمار المال والسياسة والسلطة لتأمين وتنمية النصيب من "الغنيمة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.