غوتيريش يستقبل آمنة بوعياش بنيويورك لتعزيز دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في القرار الدولي    وفاة طبيبة شابة في طنجة بعد سقوط مروع من سطح منزل قرب مستشفى محمد الخامس    فرق الإطفاء تُخمد حريق غابوي بإقليم تطوان بعد جهود ميدانية وجوية مكثفة    أنامل مقيدة : رمزية العنوان وتأويلاته في «أنامل تحت الحراسة النظرية» للشاعر محمد علوط    «علموا أبناءكم».. أغنية تربوية جديدة تغرس القيم في وجدان الطفولة    «نج «و»كي بلاك» يجمعان صوتهما لأول مرة في عمل غنائي مشترك بعنوان «La Var»    لقجع : أفضل "كان" في التاريخ سينظمه بلدنا … وحان وقت التتويج    الداخلية تدعو لاستكمال إحصاء التجنيد قبل 23 يونيو    عن "الزّلافة" وعزّام وطرفة الشّاعر عبد اللطيف اللّعبي        نشرة إنذارية: طقس حار من الجمعة إلى الثلاثاء وزخات رعدية اليوم الجمعة بعدد من مناطق المملكة    ديغات: المغرب يوفر للاجئين بيئة داعمة .. والموارد الأممية محدودة    تفكيك شبكة خطيرة للنشاط الإجرامي بالناظور وحجز كوكايين وأسلحة ومبالغ مالية ضخمة    المغرب يقبض على مطلوب بالنرويج    كوت ديفوار تعبر عن قلقها بشأن أوضاع حقوق الإنسان في تندوف وتطالب بإحصاء سكان المخيمات    تضخم طفيف يسجل بالمغرب: ارتفاع الرقم الاستدلالي للأسعار عند الاستهلاك بنسبة 0,4 بالمئة    الدفاع المدني ينعى 43 قتيلا في غزة    ولد الرشيد: المغرب و"سيماك" يسيران بثبات نحو شراكة إفريقية متكاملة    افتتاح الدورة ال26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة    الكاف يكشف روزنامة النسخة الجديدة لدوري الأبطال وكأس الكونفدرالية    النفط يتراجع بعد تأجيل قرار أمريكي لكنه يحقق مكاسب أسبوعية بنسبة 4%    قرض أوروبي بقيمة 110 مليون أورو لإنعاش البنية الصناعية بإقليم الناظور    انتقادات تلاحق هدم السكن الجامعي لمعهد الزراعة والبيطرة ومخاوف من تشريد 1500 طالب    كارمن سليمان تفتتح مهرجان موازين بطرب أصيل ولمسة مغربية    باحثون إسبان يكتشفون علاجا واعدا للصلع قد يكون متاحا بحلول 2029        مرسوم جديد لتنظيم "التروتينبت" لتعزيز السلامة الطرقية في المغرب    نشرة إنذارية: طقس حار من الجمعة إلى الثلاثاء القادم وزخات رعدية اليوم الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "فيفا" يخفي 10 مليون منشور مسيء عبر وسائل التواصل الاجتماعي    محاكمة أرجنتينية جديدة في قضية وفاة اللاعب الأسطوري دييغو مارادونا    محمد حمي يوجه نداء من والماس لإعادة الاعتبار للفلاح الصغير    تقرير: المغرب يجذب حوالي 15.8 مليار درهم من الاستثمارات الأجنبية بنمو 55% في 2024    مباحثات لتعزيز التعاون القضائي بين المغرب والرأس الأخضر    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    كأس العالم للأندية.. ميسي ينقذ إنتر ميامي وسان جرمان يتعثر وأتلتيكو يرفض الاستسلام    المنتخب الوطني لكرة القدم النسوية يفوز وديا على نظيره المالاوي    7 أطباق وصحون خزفية لبيكاسو بيعت لقاء 334 ألف دولار بمزاد في جنيف    الرباط .. افتتاح مرآب "ساحة روسيا" تحت الأرضي بسعة 142 مكانا        ترامب يحسم في دخول الحرب ويهدد ايران بمهاجمتها في بحر أسبوعين    المغرب يعزّز حضوره الثقافي في معرض بكين الدولي للكتاب    رواندا تقبض على زعيمة المعارضة    طقس حار وزخات رعدية بعدد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    التكنولوجيا الصينية تفرض حضورها في معرض باريس للطيران: مقاتلات شبح وطائرات مسيّرة متطورة في واجهة المشهد    وزراء خارجية أوروبيون يعقدون لقاء مع إيران في جنيف    الدبلوماسية الجزائرية في واشنطن على المحك: مأدبة بوقادوم الفارغة تكشف عمق العزلة    تتبع التحضيرات الخاصة ببطولة إفريقيا القارية لكرة الطائرة الشاطئية للكبار    التصادم الإيراني الإسرائيلي إختبار لتفوق التكنلوجيا العسكرية بين الشرق والغرب    بنكيران يهاجم… الجماهري يرد… ومناضلو الاتحاد الاشتراكي يوضحون    مجازر الاحتلال بحق الجوعى وجرائم الحرب الإسرائيلية    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليسار العربي ورؤيا النهوض الكبير نقد وتوقعات
نشر في السند يوم 03 - 12 - 2010

لعل من أبرز الآثار الهامة التي أحدثها الك...تاب الأخير للأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين "اليسار العربي ... رؤيا النهوض الكبير نقد وتوقعات" هي تلك النقاشات والحوارات المرئية منها والمكتوبة، والتي باتت تدار من قبل أحزاب ونخب فكرية وسياسية، والتي وصلت بحدودها إلى القاعدة الشعبية في المجتمعات المختلفة حول اليسار، واقعه وأفقه ولا سيما دوره في العملية الإصلاحية الآنية أو في العملية التغييرية الثورية الشاملة سواء على المستوى العالمي أو الوطني في ظل النظام الرأسمالي المعولم.
سؤالان كبيران باتا في أذهان المجتمع، سواء في إطار من يشكلوا القاعدة الاجتماعية للنظام العالمي القائم، أو من يشكلوا الكتلة التاريخية صاحبة المصلحة والرغبة في عملية التغيير.
السؤال الأول: متعلق بأحداث تغييرات بنيوية وإصلاحات إجرائية في إطار النظام القائم للحد من حالة الانفلات وعدم التوازن مما تحدثه أزماته المتكررة والمتعاقبة وآخرها الأزمة الاقتصادية وسلسلة الحروب التي حدثت وتحدث بسببها أو بنتيجتها.
يقول حواتمة: الأزمة في الرأسمالية دفعت بلدان المركز الرأسمالي، بلدان "المليار الذهبي" إلى العمل على وقف "الانهيار الشامل لاقتصاد السوق الحرة"، بالتدخل الواسع للدولة في الاقتصاد "بالتأميم" لغة أوروبا، و"الاستحواذ" و"الشراء" باللغة الأمريكية وهو ذاته "التأميم وتملك الدولة" ... "الرقابة والمسائلة والمحاسبة" من جانب الدولة على المفاصل الاقتصادية من بنوك وشركات كبرى، وحتى إلى "أشكال من الحمائية"، وكل هذه العمليات مستمدة من التجارب الاشتراكية السابقة والراهنة" (ص 14).
السؤال الثاني: متعلق بالكتلة التاريخية صاحبة المصلحة والرغبة في التغيير الثوري في العالم، دورها وآفاقها والأهمية الكبرى لدور الطلائع اليسارية بمختلف مشاربها واتجاهاتها، بتراكماتها المتصاعدة في إطار هذه العملية الثورية التغييرية الشاملة، ابتداءً من إصلاحات وإجراءات لتحسين مستوى الديمقراطية وعملية التحديث وصولاً إلى تراكمات جزئية في مستوى المساواة والعدالة الاجتماعية، وصولاً إلى العدالة الاجتماعية الشاملة.
يقول حواتمة: "التحولات والتطورات اليسارية الكبرى، الأزمة الكبرى في الرأسمالية النيوليبرالية المعولمة، تظاهرات عشرات الملايين في بلدان المركز الرأسمالي نحو عولمة ديمقراطية وعدالة اجتماعية بديلة ... أعطت النهوض في جديد التاريخ، وأنتجت انهيار نظريات "نهاية التاريخ" و "صراع الحضارات" اليمينية: فوكوياما أعلن أنه "أخطأ واعتذر، هنتغتون رحل قبل أن يعتذر" (ص 14).
كتب، مقالات، مؤتمرات، كونفرنسات، حوارات وورش عمل باتت حدثاً يومياً في وسائل الإعلام وفي الغرف المغلقة، شارك ويشارك فيها يومياً أعداد متزايدة من قاعدة الكتلة التاريخية وكلها تصب في اتجاه المراجعة والتقييم لدور اليسار واقعه، واستشراف الحلول الكفيلة للرقي بدوره، ما يشكل إيجابية عالية في هذه الحوارات هو ابتعادها (على عكس الفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية) عن تحليل الماضي فقط وجلد الذات، إلا من زوايا الاستقراء والفهم العميق للمستقبل.
سنوات كثيرة ضاعت على القوى اليسارية آنذاك، تاه فيها اليسار في مناقشة أسباب الانهيار، دون أن يتحول النقاش آنذاك لإعادة استقراء الواقع المستجد واجتراح البرامج والأساليب لعملية التغيير، فترة ركود، أدت إلى إحباط خسر فيها اليسار الغالبية من جمهوره، والذي تاه لسنوات وسنوات في إطار الدعاية الإعلامية والانتصارات الموهومة للنظام الرأسمالي المعولم، لقد كان غياب اليسار بل لنقل "صدمته" أحد أسباب صعود اليمين الديني كحاجة لملئ الفراغ من جهة وكاستخدام مُوفّق من قبل النظام الرأسمالي.
يقول حواتمة: "على امتداد ستين عاماً من الحرب العالمية الباردة؛ وقع استخدام الإمبريالية للأديان على المستوى الكوني لدفع الأحداث التاريخية نحو اليمين واليمين المتطرف، ضد حركات التحرر الوطني والثورات الوطنية الديمقراطية والتحولات بآفاق اشتراكية وعدالة اجتماعية" (ص 27).
نفس السياسة استمرت بها الإمبريالية الرأسمالية في ظل ما عرف "بنظام القطب الواحد"، حيث استغل اليمين الديني لكبح جماح القوى الديمقراطية، لا بل كسرها وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، من خلال التراجع الهائل لمنسوب الإصلاحات الاقتصادية والديمقراطية في المجتمعات كافة، ولا سيما مجتمعات الشرق الفقير. إن نتائج السياسات والممارسات لأحزاب وتنظيمات اليمين الديني أعطت الدافع والمبرر للقوى الأكثر يمينية في النظام الرأسمالي المعولم، لإحكام سيطرتها على العالم من خلال الحروب وأساسها "الحرب على الإرهاب"، وبنفس الوقت تأمين أعلى هوامش الربحية الاقتصادية للشركات المسيطرة في إطار هذا النظام "شركات السلاح والنفط".
يستخلص حواتمة (وعلى الطرفين يبرز تحالف نقيضين: النيوليبرالية المتوحشة بإفرازاتها؛ والثقافة القدرية تعززها السفسطة الغيبية الأصولية والفتاوي الإرادوية الأوامرية الصادرة عن فكر اجتماعي متخلف، منتحلاً ومتلحفاً باسم "الدين"، والأخرى الاستشراقية، وعلى أرضية الحالة العربية المزرية، والتي سبق استخدامها حروباً ضد قوى الحداثة والتيارات القومية الوطنية والتقدمية في المنطقة العربية، خاضتها تحت راية الأصولية الغيبية الدينية والمذهبية الإقصائية، تحت راية "تديين السياسة وتسييس الدين" ومعها مختلف نظم الدكتاتوريات التيوتارليتارية العربية "البيروقراطية والثيوقراطية" (ص 19).
المعالجة اليسارية لأسباب انهيار المنظومة الاشتراكية استندت إلى قاعدة تقييم أحادية الجانب، أما التنصل أو جلد الذات، ولم تكن عملية متكاملة بل عملية ميكانيكية؛ بمعنى أنها لم تحلل الواقع وتقدم البرنامج البديل، وبرأينا هنا تكمن أزمة اليسار، في العالم والبلاد العربية حسب درجة التطور أو التخلف التاريخي الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، والتنوع الكبير في العوامل الموضوعية والذاتية، وبمعزل عن برامج قوى اليسار المختلفة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، يمكن تقسيم اليسار من حيث الممارسة الواقعية "إلا في حالات محددة"، أما ملحقاً بآليات مختلفة بالنظام الرأسمالي المعولم (أحزاب، منظمات مجتمع مدني، وسائل إعلام ... الخ) تحت شعار "التلاقي مع أفكار الديمقراطية وحقوق الإنسان والعلمانية ... الخ، أما ملحقاً باليمين الديني تحت شعار "مقاومة الإمبريالية والصهيونية"، وكلا الفهمين بدا قاصراً، ولم يستطع اليسار سوى بعموميات برنامجية أحياناً عن تقديم البديل الحقيقي دون أن يترافق ذلك مع ممارسات عملانية.
القصور ليس نابعاً من تخلف فكري، رؤية محدودة، إنما فرضتها جملة من الظروف الموضوعية، دون إهمال بعض جوانب القصور الذاتي، وأهم هذه الظروف، وهي ليست تبريراً على أي حال ...
هو قوة الطغمة المالية والسلطوية للنظام الرأسمالي وأعوانه المحليين، بما في ذلك القوة المالية الهائلة والاستخدام المهين ذو التأثير الفطري للأديان، إلا أنه أيضاً من أسباب هذا القصور، هو عدم الفهم العميق للتنوع الطبقي والاجتماعي، واتساع القاعدة الشعبية للكتلة التاريخية ذات المصلحة بالتغيير وتعدد أو بالأدق تنوع مصالحها دون أن يعني ذلك تضاربها على الأقل في المدى الزمني المنظور. إن قصور اليسار "إلا في حالات محددة" عن فهم هذه الحقيقة أدى إلى رفع شعارات برنامجية تهرب من الواقع إلى حد مطالبة هذه القاعدة الواسعة وتنوعها الطبقي وتعدد مصالحها في بلد أو آخر ... في مرحلة أو أخرى، إلى العمل تحت راية برنامج واحد، بما في ذلك الدعوة إلى وحدة اندماجية بين مكونات هذا اليسار. إنه الفهم والتحليل القاصر لحركة التناقضات والتعارضات الاجتماعية المرحلية في هذا المجتمع أو ذاك.
بالخلاصة؛ إن قوى اليسار بتلاوينها المختلفة مطالبة بالفهم العميق لمصالح كل مكون من مكونات الكتلة التاريخية ، وإيجاد البرامج المتنوعة لكل مرحلة من مراحل عملية التغيير، لأن لكل مرحلة كتلتها التاريخية الخاصة.
في هذا السياق إن التحالفات في إطار الكتلة التاريخية يجب أن تكون تحالفات مجتمعية (من فوق إلى تحت ومن تحت إلى فوق) وليس تحالفات فوقية بين قوى سياسية، وهذا ما يميز الكتلة التاريخية عن التحالفات. المطلوب هو بناء جبهة يسارية موحدة للكتلة التاريخية في كل بلد من القوى والأحزاب ذات المصلحة بالعدالة الاجتماعية الشاملة تكون ركيزة لائتلاف ديمقراطي واسع، علماً أن لكل ائتلاف برنامجه الخاص في إطار قانون التراكمات الكمية وتحولها إلى تراكمات كيفية.
(•) نايف حواتمة "اليسار ورؤيا النهوض الكبير نقد وتوقعات" صدر حتى اللحظة في عشر طبعات في العديد من دول العالم العربي بمشرقه ومغربه، كما صدر في الطبعة الحادية عشر باللغة الألمانية، ويتهيأ للصدور بطبعات باللغات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.