لم يعد الحدث هو فيلم أمريكي يسيء إلى نبي الإسلام محمد (ص) يحمل عنوانا غير بريء.. «براءة المسلم». أصبح الخبر هو مقتل السفير الأمريكي في ليبيا وأربعة دبلوماسيين آخرين تحت نيران صواريخ أطلقت على القنصلية الأمريكية في بنغازي إثر مظاهرات احتجاجية على عرض الفيلم الذي يسيء إلى الدين وإلى مشاعر كل المتدينين، مسلمين وغير مسلمين... أية صورة نعطي للرأي العام العالمي، الأمريكي والأوربي خصوصا، عن الإسلام والمسلمين؟ وأية مادة إعلامية وسياسية نقدم ل«ماكينات» الدعاية اليمينية المتطرفة التي تروج منذ أكثر من عقد سلعة مسمومة اسمها «الإسلاموفوبيا»؟ ماذا سيقول الأمريكي والأوربي والياباني والصيني والهندي والبرازيلي البسيط عندما يسمعون أن مسلمين قتلوا سفيرا أمريكيا احتجاجا على عرض فيلم سينمائي؟ سيقولون ببساطة: أليست هناك طرق أخرى للاحتجاج؟ أليست هناك رسائل تحمل مشاعر الغضب غير تابوت خشبي سيحمل جثمان السفير إلى بلاده وأسرته قادما من بلاد «الثورة» على العقيد القذافي؟ نحن لا نعيش في زمن الجاهلية التي كان فيها الشاعر عمرو بن كلثوم يقول: «ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين»... نحن نعيش في عالم يقدس الحياة والسلام والتعايش والسلوك الحضاري المتمدن، حتى وإن كان زعماء هذا العالم وسياسيوه منافقين يكيلون بمكيالين، ويعتنقون دين المصلحة والمنفعة... قتل السفير الأمريكي في ليبيا ستكون له آثار سلبية على صورة الإسلام والمسلمين لم يحلم مخرج فيلم رديء بتحقيقها، تماما كما فعلنا مع رسام كاريكاتير من الدرجة العاشرة قبل سنوات، وأعطاه جهلنا بقواعد الاحتجاج الذكي على رسوماته المسيئة للإسلام شهرة كبيرة ووزنا لا يستحقه. وقبل الرسوم، كانت فتوى الخميني المتسرعة في حق سلمان رشدي، صاحب رواية «آيات شيطانية». الفتوى قضت بقتل سلمان لأنه أساء إلى النبي (ص)، فما كان من بريطانيا وأمريكا إلا أن تلقفتا هذه «الهدية»، ووضعتا طابعا يصعب محوه على «إرهاب الدولة الإيرانية» وبربرية الملالي في طهران... لا يكفي أن تكون مظلوما ليصبح في جيبك شيك على بياض تضع فيه من الأرقام ما تشاء عن الضرر الذي وقع عليك، ولا يكفي أن تكون صاحب حق لتخرج إلى الناس شاهرا سيفك أو مسدسك أو فتواك، وتهدر دم أول شخص تلتقيه، وتعتقد أن حقك في رقبته. إسرائيل اليوم أكبر بلد يصنع «إرهاب دولة»، وذلك باغتصاب أرض شعب آخر، وتدمير الهوية الفلسطينية، إسلامية ومسيحية، والتنكيل بالبشر، لكنها في الوقت ذاته أكبر بلد يصرف على الدعاية وعلى صورة إسرائيل الحمل الوديع وسط غابة الذئاب العرب.. الشعب الحضاري الذي خرج من أفران الغاز في ألمانيا إلى أرض الميعاد طلبا للسلام والرحمة والغفران، فلم يجد من العرب، الذين امتلأت كروشهم بالنفط وعقولهم بالتطرف، سوى الحرب والكراهية، وتهديد اليهود برميهم في البحر... فيلم «الرسالة»، للمخرج العربي الموهوب مصطفى العقاد، الذي قتله أبو مصعب الزرقاوي في فندق في الأردن عندما كان يحضر عرسا هناك سنة 2005.. هذا الفيلم كان أكبر دفاع عن الإسلام في أمريكا، وكان سلاحه الوحيد هو الصورة والفن والإبداع، وعقل يشتغل داخل رأس صاحبه، ثم جاء بن لادن ووضع 19 شابا مسلما في طائرات أمريكية حولها إلى قنابل طائرة، وقتل أكثر من 3000 من سكان برجي مركز التجارة العالمي في مثل هذا الشهر، كانوا ضحايا مباشرين ل11 شتنبر، لكن مليارا ونصف مليار مسلم كانوا ضحايا غير مباشرين لغزوة منهاتن.