في فترة تُشَدّ فيها الأعصاب وتختلط فيها الأحاسيس بين من يرسُم أماني "الصعود" ومن يَخُطّ طريقا لترقيع أخطاء تُحيده عن "السقوط"، دخلت كرة القدم المغربية بشتى أقسامها حقل "ألغام" فَجّرت أولى قنابله اتّهامات بالتلاعب بين النادي المكناسي والاتحاد الزموري للخميسات، لتتوالى بعدها "الانفجارات" في أقسام الهواة والعُصب وحتى داخل الجامعة، عَرّت عن فضائح وممارسات شاذة، وجعلت من الرجوع إلى الوراء أو "الهروب إلى الأمام" إجراء قد يُفقد خَيْط الثقة ويُصيب الكرة المغربية في مقتل. ارتفاع حالات التّلاعب أو محاولة ذلك في بعض المباريات في مُختلف الأقسام مع الرّجة التي أحدَثتها تصريحات محمد بودريقة، رئيس نادي الرجاء البيضاوي والنائب الأول لرئيس الجامعة، عَكس صورة سلبيّة عن واقع الممارسة في المغرب، ودَفع الكثيرين من عُشاق اللعبة إلى تبنّي صورة سلبية عن الكرة الوطنية، أفقَدتهم طعم المستديرة محليا، بعد أن سَلبتهم أحداث "السبت الأسود" قبل ذلك شهية المباريات، وما تلا ذلك من تهجير فرق من ملاعبها، وتفريغ الأخيرة من جمهورها. فَسادٌ وتلاعُب منذ القِدَم محاولات التلاعب بنتائج المباريات أو التصريحات المشككة في نزاهة بعضها ليست وليدة اليوم، مع ما يقع في عدد من المدن المغربية والأقسام الأولى منها أو الشرفية، أو حتى الأمس مع ما كشف عنه أمين الرباطي، لاعب الرجاء سابقا، من حقائق لم يستطع في آخر المطاف إثباتها، أو ما لوح به دييغو غارزيتو، المدرب الفرنسي-الإيطالي السابق للوداد. الاتحاد الرياضي للموظفين في وجدة والوداد الفاسي والبريد الرباطي والاتحاد الزموري للخميسات، أندية كانوا أبطالا لفضائح تلاعب في سنة 70 من القرن الماضي، بعد أن تم اكتشاف تورطهم في التلاعب من أجل الصعود أو تفادي النزول إلى القسم الموالي، ليتم "إقبارهم" جميعا عبر إنزالهم إلى الأقسام السفلى. وقع فضيحة تلاعبات سنة 1970 لم يكن وقتها محليا فقط، إذ خصصت الصحافة الفرنسية حيزا كبيرا للحديث عن آخر تطورات ما حدث في القسم الثاني من الدوري المغربي، خاصة وأن المنتخب المغربي كان قد ضمن أول بطاقة مؤهلة إلى نهائيات كأس العالم في تاريخه. تواصلت أنشطة كرة القدم في المغرب واستمرت معها الممارسات الشاذة وغير الرياضية، إذ تكرر السيناريو سنوات التسعينيات، لكن عبر أبطال آخرين هذه المرة. ومع تطور الإعلام وسهولة الوصول إلى المعلومة وما يدور في المباريات وحتى الكواليس، بدأت فضائح التلاعبات في كرة القدم تظهر أكثر فأكثر، إذ لم يكن المغرب الوحيد الذي يعاني من الظاهرة التي سبقته إليها دوريات كبرى عبر العالم بأشكال مختلفة. هل بَاتت الكُرة المغربية فاسدة؟ أوضح سعيد بلخياط، المسير في الجامعة الملكية المغرية لكرة القدم ورئيس المغرب الفاسي وعضو الاتحادين الإفريقي والدولي لكرة القدم سابقا، أنه من الصعب القضاء على التلاعب في نتائج بعض المباريات بشكل كلي، خاصة في الأقسام الدنيا، مشيدا بالدور الذي تلعبه الجهات المسؤولة عن اللعبة في المغرب لضمان تنافس شريف وعادل بين جميع الأندية الوطنية. ورفض بلخياط في تصريح خص به "هسبورت" وصف الكرة المغربية ب"الفاسدة"، مؤكدا أن الظاهرة توجد في أكبر البطولات عبر العالم، وأن جامعة الكرة تضع مراقبين على كافة المباريات التي تجرى تحت إشرافها لتضرب بيد من حديد على كل من تورط في فضائح تلاعبات. ودعا المتحدث ذاته مسؤولي الأندية والمسيرين بصفة عامة إلى ضبط النفس واحترام المناصب التي يشغلونها، قبل الخروج بأي تصريح قد يضر بسمعة الكرة الوطنية، مردفا "تزايد الكلام على وجود تلاعبات مع قرب نهاية الدوري ليس شيئا جديدا، لكن الهالة الإعلامية التي باتت تعطى لمثل هذه الأشياء منحها إمكانية كبيرة للانتشار والتأثير بشكل أو بآخر". ودافع بلخياط بشكل كبير عن الحكام واصفا إياهم بالحلقة التي يركب عليها الكثيرون لتبرير أخطائهم والتملص من المسؤولية، مضيفا "صعب جدا أن تجد حكما مرتشيا في الدوري المغربي للمواكبة والمراقبة الدقيقة التي توليها الجامعة لهؤلاء، والدليل على ذلك هو غياب فريق واحد مستفيد دوما من التحكيم. كنت مشرفا شخصيا على نادي المغرب الفاسي وفي مرات نستفيد من أخطاء الحكام ومرات أخرى تضررنا منها، وهذا جزء من اللعبة". إجراءات لم تَحُدّ من الظاهرة ولأنه غالبا ما كانت مسألة التلاعبات والتشكيك في نزاهة الممارسة في المغرب، مصنفة ضمن خانة "الطابوهات"، خوفا من المتابعات القضائية في ظل صعوبة إيجاد أدلة دامغة تثبت هذه الأفعال، سواء في الوسط الإعلامي، أو حتى لدى المعنيين من الأندية واللاعبين والأطقم التقنية، فإن بعض الإجراءات التي وضعتها جامعة الكرة للحد من التصريحات المشككة في نزاهة البطولة لم تعد كافية لوقف أو التقليل من الظاهرة بشكل ملموس. وأصبحت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم حساسة لأبعد الحدود من مسألة التصريحات المشككة في نزاهة البطولة، أو الاتهامات بالتلاعبات، إذ نشطت لجنة الأخلاقيات بشكل كبير منذ تولي فوزي لقجع رئاسة الFRMF، فسلطت عقوبات قد توصف بالقاسية في حق كل من سولت له نفسه التشكيك في نزاهة الممارسة محليا، دون أن تتمكن من كبح الظاهرة، والأمثلة كثيرة (حالة حسن بلخيضر، الكاتب العام لاتحاد طنجة، وقبله مجموعة من الأسماء من داخل المكاتب المسيرة للأندية وكذا الأطر التقنية).