طنجة.. متهم بقتل شخص يفرّ من قبضة الأمن داخل غابة المريسات!    لوروا: المغرب نموذج للكرة الإفريقية    تداولات "البورصة" تنتهي بالانخفاض    ترامب يعلن التوصل لاتفاق ينهي حرب غزة ويصفه بأنه "حدث تاريخي"    ماكرون يستعد لتعيين رئيس وزراء    متطوع مغربي يفنّد روايات حول ظروف اعتقال عزيز غالي المحتجز في السجون الإسرائيلية بعد قرصنة "أسطول الصمود"    نواب إسبانيا يحظرون أسلحة إسرائيل    عشية الخطاب الملكي أمام البرلمان.. حركة "جيل زد" تدعو إلى تجديد التظاهر الخميس في أكثر من 20 مدينة مغربية    المغرب ينهي الاعداد لودية البحرين    مصر تتأهل إلى المونديال في المغرب    "جيل زد" يٌخرج عمر بلافريج من صمته: لا أمل في التغيير من داخل المؤسسات ولكن الأمل في الجيل الجديد    سلاليون يحتجون على عامل مديونة    قيوح: 3.2 مليون مسافر عبروا في "مرحبا 2025".. والحجز المسبق ضروري    مفكرون يراجعون أثر الترجمة في تشكيل نظرة الغربيين إلى الذات الشرقية    تطوان تحتضن ملتقى الشعر العربي    اتفاق حماس وإسرائيل على المرحلة الأولى من خطة ترامب بشأن غزة    توضيح بشأن حيثيات وفاة سيدة حامل بمستشفى الحسن الثاني بأكادير..    ثمن نهائي مونديال الشيلي.. أشبال الأطلس في اختبار صعب أمام كوريا الجنوبية    حقيقة الفيديو المتداول حول سيدة تدعي تعرضها لمحاولة قتل بأكادير    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    المغرب.. من الطموح إلى الريادة في التحول الطاقي العالمي        الضابطة القضائية تستمع لعدد من الحاضرين أثناء إضرام النار في الفنان "سوليت"    الحكومة تفتح بابا جديدا للتغول… الإعلامي تحجيم الأصوات المعارضة، وتعريض البلاد لخطر «ديمقراطية الشارع»!            مهدي بنسعيد: المناظرة الوطنية حول الإشهار محطة حاسمة في مسار بناء منظومة وطنية مهيكلة وشفافة    الجزائر ترصد أكبر موازنة في تاريخها لعام 2026... نحو 131 مليار دولار منها 27 مليار دولار للدفاع    12 قتيلا و2983 جريحا في حوادث السير    الأنثروبولوجيا الإعلامية ودورها في فهم الصحافة في العصر الحديث    إسبانيا توقف تصدير الأبقار الحية إلى المغرب    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    انطلاق موسم التكوين للصناعة التقليدية    "جيل زد" تعلق الاحتجاجات يوم الجمعة    القطاع البنكي يقود نمو أرباح الشركات داخل البورصة خلال النصف الأول من 2025    بنكيران يتبرأ من أفتاتي بعد التوقيع على رسالة موجهة للملك ويدعو لعدم الانخراط في أي مبادرة مماثلة    رونالدو أول ملياردير في عالم كرة القدم    إسرائيل تختطف سفن «أسطول الحرية» المتجهة إلى غزة اليوم وتعتقل 150 ناشطا    محامي: غالي وبن ضراوي يخوضان إضرابا عن الطعام وإجراءات ترحيلهما جارية    ابتداء من يومه الخميس وإلى غاية يوم الأحد الجديدة تحتضن الدورة 14 من مهرجان «الأيام السينمائية لدكالة»    إسني ن ورغ 16 بأكادير: تاج ذهبي جديد يتوج إبداع السينما الأمازيغية والعالمية    تعيين الدنماركي ياس سوروب مديرا فنيا لنادي الأهلي لمدة عامين ونصف    ثلاثة باحثين بينهم الأردني، من أصل فلسطيني، عمر ياغي يفوزون بنوبل الكيمياء        انطلاق الدورة الخامسة للمعرض المغاربي للكتاب "آداب مغاربية"    مؤسسة وسيط المملكة تطلق مبادرة خاصة بالتنظيمات الشبابية الحزبية ضمن برنامج "منتديات الحكامة المرفقية"    تشخيص وضعية قطاع الصحة كشف أوجه قصور استدعت إصلاحا هيكليا (التهراوي)                أردني من أصل فلسطيني وياباني وبريطاني يفوزون بنوبل الكيمياء    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بسبب عوامل وراثية    الياسميني يترجم للفيلسوف "براندوم"    دراسة: التدريبات الرياضية تقلل الإحساس بالجوع    الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحدث الكروي بين سؤال الهوية والتصنيف
نشر في هسبريس يوم 14 - 12 - 2022

في خضم هذا الحدث الكروي المهم الذي يعيشه المغرب بتأهل فريقه إلى نهائيات كأس العالم، وفي خضم أجواء الفرح والانبهار اللذين يعيشهما المغاربة في كل أنحاء المعمورة، ويشاركهم فيهما عدد من الشعوب سواء العربية أو الإفريقية أو هما معا، انبثق إلى النقاش موضوع يستحق أن نقف عنده ونفكك دلالاته، وهو طبيعة الانتماء الهوياتي للمغاربة، أو بعبارة أخرى "من نحن؟" وإلى من ننتمي كمغاربة؟ وأين يمكن أن نصنف هذا المنتخب؟ هل نحن عرب بدرجة أولى أم أفارقة؟ وهل يحق لنا أن نقول عنه فريق عربي على الرغم من أن أهم لاعبيه من أصول أمازيغية؟ وهل هو فريق للمسلمين فقط أم أن من حق اليهود المغاربة إعلاء راية الاحتفال بإنجازاته؟
المثير في هذا النقاش أنه يخص المنتخب المغربي بشكل خاص دون غيره، فنحن اليوم أمام ثلاثة فرق أخرى تتواجد في دور نصف النهائي، تعيش شعوبها احتفالاتها الخاصة بفرقها أيضا، وإن لم يكن بالدرجة نفسها التي يعيشها الشعب المغربي، لكن لن نجد ضمن نقاشتها المفتوحة موضوع "الهوية" أو "الانتماء" أو من الأولى بالاحتفاء بها؟ كما هو اليوم بالنسبة للفريق المغربي. بل يمكننا أن نقول إن المنتخبات العربية الثلاث التي شاركت في النهائيات لم تكن لتواجه هذا النقاش بالحدة نفسها لو أنها عبرت إلى هذه المرحلة. وهنا نجد أنفسنا كمغاربة أمام ضرورة إعادة طرح السؤال الأول في هذا المقال "من نحن؟" وهو السؤال الذي يجد إجابته في تفكيك مكونات الهوية المغربية أو "تامغرابيت".
حظي سؤال الهوية المغربية أو "تامغرابيت" بحيز مهم من البحث والنقاشات الفكرية لرواد علم الاجتماع والأنتروبولوجيا وغيرهم من المفكرين المغاربة، إذ لم يغب هذا الموضوع عن جل الانتاجات العلمية التي قدمت حول المجتمع المغربي؛ خاصة منها كتابات بول باسكون وعبد الكبير الخطيبي ومحمد عابد الجابري وحسن رشيق. والمشترك بين هذه الكتابات وغيرها هو تأكيدها على أن ما يميز الهوية المغربية وما يكسبها طابعها الخاص والمتفرد هو تعدديتها ودمجها لعدد من الهويات داخل هوية واحدة هي "تامغرابيت"؛ فأن تكون مغربيا معناه أنك تحمل في طياتك اختلافا وتنوعا هو جزء منك، بل هو عنوان لخصوصيتك؛ بحيث تصبح "تامغرابيت" مرادفا للتعددية.
أن تكون مغربيا معناه أنك تعكس إرثا ثقافيا وعرقيا متنوعا، وفيك يجتمع البعد الأمازيغي والعربي، الحساني واليهودي، أن تكون مغربيا معناه أنك تحمل هوية تأسست عبر تاريخ من الاحتكاك مع المجتمعات الشرق أوسطية والإفريقية والأوروبية، ما نتج عنه ثقافة مبدؤها الانفتاح ورفض الاختزال، وعنوانها اللاتجانس ورفض الوحدوية.
ما أود أن أخرج به من خلال هذا المقال، هو أن سؤال الانتماء متجاوز بالنسبة للهوية المغربية لأنها بطبيعتها تعددية، وتتأسس على دمج أنماط ثقافية مختلفة، وهي بذلك تمثل تلك الهوية التي تسطيع من خلالها أن تكون إفريقيا عربيا أمازيغيا مسلما أو يهوديا، دون أن تتناقض مع كونك مغربيا حتى النخاع، إننا كل ذلك في الآن ذاته، وحين يقول أحدنا إنه مغربي فهذا لا يعني الشيء نفسه بالنسبة لشخص يقول إنه سعودي أو فرنسي، لأن هذا المغربي سواء كان يتحدث العربية (اللهجة الدارجة) أو الأمازيغية أو الحسانية، وسواء كان مسلما أو يهوديا أو حتى مسيحيا، فهو يحمل ضمنيا جزءا من مكونات ثقافية مختلفة، تحيك مع بعضها البعض النسيج الثقافي المغربي.
إن سؤال الانتماء هذا الذي طرح وإن كان فرصة لتوسيع نقاشنا حول طبيعة الهوية المغربية المتفردة، فإنه فرصة أيضا لمساءلة جنوح الأفراد نحو مبدأ التصنيف، عبر وضع كل هوية في خانة محددة، لا ثاني لها، ورغبتهم في نسب كل فعل إلى ثقافة معينة؛ فالسجود لله أثناء الاحتفال صنفه البعض على أنه جزء من ثقافتنا الإسلامية، وصنفه البعض على أنه محاولة لأدلجة الرياضة، والاحتفال بالرقص مع الأم داخل الملعب صنفه جمهور على أنه أصدق تعابير الفرح والاحتفال، وصنفه جمهور آخر على أنه لا يمثل ثقافته المحافظة، وهنا أود أن أطرح السؤال التالي: ألا يمكن أن نحتفل دون أن نصنف؟ احتفالا من أجل الاحتفال، وفرحا من أجل الفرح، متجاوزين كل أحكام القيمية وأحكام التصنيف، ألا يمكن أن نقول لهؤلاء الشباب أحسنتم دون الحاجة إلى وضعهم في خانة المختلفين عنا أو المتشابهين معنا؟ إن تحليلا نقديا لهذه التعاليق يكشف حاجتنا الماسة إلى مراجعة الأسس التي تسير علاقتنا بالآخر، وكيف نبني رؤيتنا حوله، وكيف ننطلق من ذواتنا في تعاملنا معه، ولماذا نحكم عليه وفقا لتصوراتنا وقناعاتنا نحن، غافلين عن تصوراته هو ورؤيته هو والمعاني التي يضعها هو لأفعاله.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن النمط التصنيفي هذا يغفل عن قاعدة أساسية تنبني عليها الهويات الثقافية، وهي التطور والتغير مع الزمن، وبعبارة "سي محمد عابد الجابري" ف"الهوية الثقافية كيان يصير ويتطور، وليست معطى جاهزا ونهائيا"، فكل هوية ثقافية كيفما كانت اليوم ستصبح في الغد صورة سابقة، أولوية، لحقتها التغيرات بفعل التجارب والأحداث التي تعيشها المجتمعات، واغتنائها واحتكاكها مع هويات ثقافية أخرى. ومن ثمة يستحيل أن نصنف أي هوية في خانة نهائية، ما دام أن مصيرها المؤكد هو التطور عبر الزمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.