حينما يجن الليل، أختلي بنفسي أحدثها، أتأمل في بؤس المسلمين الذي بلغوه، وفي الهوان الذي وصلوا إليه، وفي الوقت ذاته، أشعر أن رئيس الحكومة، في هذه اللحظات الربانية، يدعو الله تعالى، من كل قلبه، أن يهيأ الأسباب لسياسي مرموق فيطعن في الشريعة، أو مثقف بارز فيشكك في العقيدة، أو حقوقي فيلمز آية من القرآن الكريم، أو شاعر فيسخر من حديث شريف، لأن هذا ما فضل من خطط حزب العدالة والتنمية كي يفتل بها عضلاته، التي تلاشت كخيط دخان، ويطلق اللجام للسانه، الذي أخرسته "العفاريت" و"التماسيح". واستجاب الله تعالى دعوة رئيس الحكومة، وهيّأ له السيد "لشكر" الذي جاءه بِبَشائر الفرَج، وأنزل عليه شآبيب الرحمة، حينما طعن فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، فدعا للمساواة في الإرث، وإلى منع تعدد الزوجات، فانتعشت تجارة الدين مرة أخرى، وطفت على السطح بوادر ضرورة تواجد هذا الحزب "الإسلامي" من جديد، بعدما بدأ الناس يستهجنون أسطواناته المشروخة حول الهوية، ويستهزؤون من خطاباته الرنانة حول الشريعة، حينما اتضح لهم في وقت لاحق أنها مجرد دخان بلا نار. لا السيد "لشكر"، ولا ألف من أمثال "لشكر"، يستطيعون أن يُبَدلوا حرفا واحدا مما تلقته الأمة جمعاء، بالرضا والقبول على مر القرون، ولا فضل في هذا لحزب أو جماعة أو حركة إسلامية، فالشعب المغربي يطيق أن يجوع ويظمأ، لكنه لا يطيق أن يرى أيا كان، يمس ثوابته بسوء، والدستور المغربي لا يتيح لأي كان، أن يعبث بمواد الشريعة الإسلامية، أو يدعي أنها محل مراجعة أو تغيير، وفوق هذا وذاك، فجلالة الملك بصفته أميرا للمؤمنين، يُعتبر صمام أمان في وجه كل من يرى الشريعة لا تخدم البلاد، ولا تفيد العباد، وهذا ما أشار إليه السيد "محمد توفيق"، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في كلمته بين يدي جلالته، بمناسبة الاحتفال بالمولد النبي الشريف، حينما قال: "لا اجتهاد فيما استُنفد الإجتهاد فيه". إذا كنتَ، بالفعل، تنتمي للمرجعية الإسلامية، وكنتَ تؤمن، بالفعل، بتخليق الحياة السياسية، وشعرتَ بأن ميزانية الدولة لم تعد قادرة على تسديد أجور البرلمانيين، ومستحقات الوزراء، وتعويضات أصحاب المناصب السامية، فأنت تفكر في مراجعة أجورهم وتعويضاتهم وامتيازاتهم ومعاشاتهم، ولا تفكر في طريقة ما، لتخليص هذه الميزانية من "أعباء" صندوق المقاصة، ولو على حساب الفقراء والمستضعفين، وحينما ترى بأن صندوق التقاعد أوشك على الإفلاس، فأنت تبحث عن طريقة لاسترجاع أمواله المنهوبة، ومحاسبة سارقيه، بدل البحث في إجراءات الرفع من سن التقاعد، والرفع من نسبة مساهمة الموظفين الكادحين، وحينما ترى البلد في أزمة اقتصادية خانقة، فأنت تفضل زيادة الضرائب على الأثرياء، والخفض من ميزانية تسيير الوزارات، وتقليص عدد المكاتب والبنايات والسيارات، بدل أن ترفع من أثمان المحروقات، فَتُنهك هذا الشعب المنهوك أصلا، وحينما تجد أن الدولة قد التزمت بتوظيف أصحاب محضر 20 يوليوز، فأنت، تحت طائلة الوفاء بالعهود، توفر لهم هذه المناصب المشروعة، ولديك ألف طريقة لذلك، يكفي أن تسترجع الملايير التي أقررتَ في قبة البرلمان بأنها قد هُرّبت إلى الخارج. كل ما تقوم به في حكومتك الموقرة من إجراءات، وما تأخذه من قرارات، لا يُصَنع في معامل الشريعة الغراء، ولا يُزرع في بساتين "المرجعية الإسلامية" الفيحاء، فلا فرق بينك وبين سواك، غير ذلك الخطاب المحنط، الذي يخاطب القلوب العطشى للدين، والعقول الخاوية من نواميس رب العالمين، إلا أنه هذا الخطاب قد مات منذ مدة، حتى أتاه السيد "لشكر" فأعاد إليه الروح من جديد. إذا كان السيد "لشكر" يريد أن ينصف المرأة، فقد أنصفها الله تعالى من فوق سبع سماوات، وإذا كان يريد أن ينصف الشعب، فالشعب راض بما قسمه الله تعالى له، أما إذا كان يريد أن يُعلي من شأن حزب العدالة والتنمية الذي أفسد جل تاريخه، وأحرق أغلب أوراقه، حتى أضاع أسباب وجوده، فقد تم له ذلك، فهنيئا لبنكيران بهدية لشكر الثمينة، وهنيئا لحزب العدالة والتنمية بهذا النصر العظيم، والفتح المبين، الذي يأتي على أيد أناس يُسيئون لدينهم وأمتهم، والأدهى والأمر، أنهم يسيئون لأحزابهم وأنفسهم وتاريخهم السياسي. أنت لا تدري أيها السيد الفاضل أي خدمة عظيمة أسديتَها للسيد بنكيران؟ لقد أحييتَه بعد موات، وانتشلته من بين رماد، وأرجعتَ حزبه إلى معترك المنافسة مرفوع الرأس، ناصع الجبين، بعدما كان يتلو آخر صلواته، ويلفظ آخر أنفاسه. من كان يظن أن حزب العدالة والتنمية قادر على العيش في مجتمع ليس فيه "لشكر" وأمثاله فهو واهم أو متوهم، فهم الطُّعم الذي يصطاد بهم فريسته في غزوة الصناديق المقدسة، وهم البُعْبع الذي يخيف بهم مريديه المخلصين، فلا عاش إذا غابوا أو رحلوا، ولا خُذِل إذا حضروا أو نطقوا. [email protected] https://www.facebook.com/zaouch.nor