قال الخبير في العلوم الإنسانية عبدالله بوصوف إن "تألق المؤسسة العسكرية المغربية لم يقتصر على الدفاع عن السيادة والوحدة الترابية والوطنية وتأمين الأمن الخارجي للمغرب، بل تعداه إلى التميز في الشق الإنساني"، مذكّرا بمساهمات القوات المسلحة الملكية في البعثات الأممية لحفظ السلام، وزلزال الحسيمة سنة 2004، وزلزال أكادير سنة 1960، و"زمن الكوفيد"، ومؤكدا أنها "راكمت تجربة كبيرة في الشق الإنساني". وبخصوص زلزال الحوز، أشار بوصوف، في مقال له بعنوان: "القوات المسلحة الملكية..الرقم الصعب في زلزال الحوز"، إلى أن "المغرب لم يكن في حاجة إلى كل عروض المساعدات الدولية، مادام بإمكان المؤسسة العسكرية الملكية أن تفي بالغرض وزيادة، نظرا لتوفر عنصرها البشري على تكوين عصري وتجارب كبيرة، ولتوفرها من جانب آخر على تجهيزات لوجستية بدرجات عالية". وسلط عبد الله بوصوف الضوء على الأخبار الزائفة التي واكبت عمل السلطات المغربية في عمليات إنقاذ ضحايا الزلزال، ومساهمة القوات المسلحة الملكية في إنجاح الإجراءات الاستعجالية التي شكلت موضوع تعليمات الملك محمد السادس، لافتا إلى أن "العديد من صور الزلزال وثّقتْ لحظات إنسانية مؤثرة لأفراد القوات المسلحة الملكية، سواء أثناء بحثهم وسط الأنقاض عن ناجين أو عالقين، أو أثناء حملهم الأطفال الرضع بين أذرعهم ومساعدة النساء والشيوخ، وحتى أثناء اللعب مع الأطفال". هذا نص المقال: لسنا في حاجة إلى التأكيد على عراقة الجيش المغربي وقوته وشجاعته، وقد شهِدَ بكل هذا الأولون، كالفاتح صلاح الدين الأيوبي، بقوله الشهير بعد استرجاع القدس: "أسكنت هنا من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة..."، وخصهم بحي سُميَ "حارة المغاربة"؛ كما شهدت عليه جبال وسهول وساحات أوروبا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وحرب "لاندوشين" والحرب الأهلية بإسبانيا...ثم الحروب الحديثة، كحرب الرمال وأمغالة الأولى والثانية. وقد بصمت القوات المسلحة الملكية المغربية في كل المعارك على شجاعة وذكاء كبيرين، وكانت آخرها العملية الخاصة لفتح معبر الكركرات في 13 نوفمبر من سنة 2020، حيث تم طرد ميلشيات البوليساريو وتأمين الحدود المغربية / الموريتانية. ولم يقتصر تألق المؤسسة العسكرية المغربية على الدفاع عن السيادة والوحدة الترابية والوطنية وتأمين الأمن الخارجي للبلاد، بل تعداه إلى التميز في الشق الإنساني من خلال المساهمة في العديد من البعثات الأممية لحفظ السلام، سواء في أوروبا (البوسنة) أو إفريقيا (ليبيريا وكوت ديفوار والجمهورية الديمقراطية للكونغو...)؛ وغيرها من عمليات حفظ السلام وتقديم خدمات طبية من خلال بناء مستشفيات متنقلة وخدمات اجتماعية مهمة...(لبنان وليبيا والأردن وغزة بفلسطين...). الجيش المغربي سيكون حاضرا في زلزال الحسيمة في فبراير من سنة 2004، كما كان حاضرا في زلزال أكادير سنة 1960، وغيرها من الأحداث المفجعة والكوارث الطبيعية؛ وأثبت نجاعته وفعاليته في كل تلك المناسبات. وبالعقيدة الوطنية نفسها للجيش المغربي وبالانضباط والكفاءة نفسهما، سيساهم في زمن "كوفيد" بتقديم دعم طبي كبير من خلال فتح المستشفيات العسكرية وتقديم مساعدة طبية وكذا متابعة نفسية. وبذلك فقد راكمت القوات المسلحة الملكية تجربة كبيرة في الشق الإنساني المتعلق بحفظ السلام والمساهمة في عمليات الإنقاذ والبحث عن العالقين في المناطق المنكوبة بسبب الفيضانات أو الزلازل...هذا بالإضافة إلى المشاركة في تدريبات ومناورات عسكرية للرفع من الجاهزية في حالات الحرب أو الكوارث الطبيعية. لكل ذلك، لم يكن المغرب في حاجة إلى كل عروض المساعدات الدولية بمناسبة زلزال الحوز في شتنبر 2023، بل تحدثت السلطات المغربية عن ترتيب الأولويات وعن سيادة قرار تحديد احتياجات البلد وأولوياته... مادام بإمكان المؤسسة العسكرية الملكية أن تفي بالغرض وزيادة، نظرا لتوفر عنصرها البشري على تكوين عصري وتجارب كبيرة، ولتوفرها من جانب آخر على تجهيزات لوجستية بدرجات عالية. وقد شكل فتح باب المساعدات لبعض الدول (قطر، الإمارات العربية، المملكة المتحدة وإسبانيا)، وعدم إغلاقه أمام الباقين، حدثا إعلاميا وسياسيا كبيرا، دفع ببعض الأنظمة الغربية "الديمقراطية" إلى تجْنيد إعلامها وكتائبها في شبكات التواصل الاجتماعي لتبخيس القدرات المغربية تارة، والضغط على السلطات المغربية من أجل السماح لها بتقديم المساعدات "عُنوة"، تارة أخرى. لذلك فقد روًج إعلامها بعض "الأخبار الزائفة"، كتأخر السلطات المغربية في عمليات الإنقاذ بعد ثلاثة أيام، وتصوير المغرب وكأنه بدون مؤسسات. وقد فطن المغاربة إلى هدف تلك التقارير "الاست علامية" في خلق البلبلة داخل المناطق المتضررة. لكن مهلًا، وحتى لا نُنْعت بتبني خطاب "العاطفة"، فإننا نُذكر كل من فاتته قراءة بعض خلاصات لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة لسنة 2016، والمتعلقة بحماية الأشخاص في حالات الكوارث، خاصة الفصل العاشر منه (10) الذي يؤكد الدور الكبير للدولة المتضررة نتيجة الكوارث الطبيعية في إدارة وتسيير ومراقبة ومتابعة عمليات المساعدة وإغاثة المتضررين؛ وهو ما يدخل في خانة "مبدأ السيادة"؛ زاد الفصل 12 منه ترسيخ هذا المبدأ بتأكيده على ضرورة موافقة الدولة المتضررة كشرط لدخول المساعدات الدولية، مع وجوب تعليل سبب رفض دخول المساعدات. فهل نُذكر السادة في باريس بأن زلزال الحوز ليس هو إعصار ماينمار لسنة 2008، الذي وصل إلى طاولة مجلس الأمن الدولي بطلب من بعض الدول الغربية بعد امتناع النظام العسكري هناك عن تقديم المساعدة لمنطقة الجنوب الآهلة بقبائل Karen العرقية، وتهديد النظام العسكري بتهم "جرائم ضد الإنسانية". وعليه فإننا نُخبر السادة في باريس باستحالة نسخ سيناريو ماينمار، أولًا لأن المغرب وفي إطار سيادة قراره الوطني حضر بكل مؤسساته وشعبه إلى جانب المتضررين من زلزال الحوز فور وقوعة. ثانيًا، أن المغرب استقبل بالفعل إعانات دولية وترك الباب مفتوحا أمام الآخرين، مع تقديم تعليل بتجنب الارتجالية وعدم التنسيق في حالة استقبال كل عروض المساعدات الدولية. لكن البلاغ الملكي ليوم 9 شتنبر 2023 حمل معه أجوبة جامعة ومانعة لكل لُبْس أو تدليس، إذ جاء في صياغة تتخذ من لغة التوقيت والزمن ما يقطع الطريق على كل محاولة لفبركة إعلامية أو دسيسة سياسية، حيث حرص على سرد كرونولوجية وقائع زلزال الحوز وجلسة العمل الملكية وإعلان التدابير الاستعجالية في زوال يوم السبت 9 شتنبر، مُذكٍرا في الوقت ذاته بتوقيت الزلزال في ليلة الجمعة 8 شتنبر. وسيتم ربط توقيت مواصلة عمليات الإنقاذ في بعض المناطق بتوقيت "مطلع النهار" لتعذر الوصول إليها ليلا. وستصل لغة الدقة الزمنية إلى ذروتها بتأكيد البلاغ الملكي: "وقد همت الإجراءات الاستعجالية التي شكلت موضوع تعليمات جلالة الملك وتتبعه الدائم منذ اللحظات الأولى التي أعقبت الزلزال...والتي شهدت تدخل القوات المسلحة الملكية". وهذا يعني أن الدولة المغربية كان حاضرة من خلال مؤسساتها الدستورية والقانونية منذ اللحظات الأولى التي أعقبت زلزال الحوز؛ ذلك من خلال تعليمات مُمثلها الأسمى وقائدها الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية جلالة الملك محمد السادس، بنشر القوات المسلحة الملكية بشكلٍ مستعجل لوسائل بشرية ولوجستية مهمة، جوية وبرية، ووحدات تدخل متخصصة، من فرق للبحث والإنقاذ ومستشفى طبي جراحي ميداني، وليس كما تروج له بعض عناوين الصحف الفرنسية خاصة وكأنها تملك الحقيقة.! وهو ما كان له الأثر العميق في نفوس المتضررين والمواطنين، نظرا لتجربة القوات المسلحة الملكية ولانضباطها ولفعاليتها ونجاعتها وسرعتها، سواءً خلال عمليات الإنقاذ والبحث باستعمال كافة الوسائل، بما فيها الحيوانات المدربة والهيلوكوبتر و"الدرونات" والمرشدين السياحيين وأبناء المنطقة، وتقديم إسعافات طبية وإجراء عمليات جراحية داخل مستشفيات متنقلة...أو من خلال بناء مخيمات عسكرية تُخصص للإيواء، وتقديم حصص غذائية في مطاعم ومخابز متنقلة، وكذا بناء أقسام دراسية للأطفال، ومتابعات وجلسات علاجية من طرف وحدة الطب النفسي لفائدة الضحايا في مناطق زلزال الحوز. لقد وثقتْ العديد من صور زلزال الحوز لحظات إنسانية مؤثرة لأفراد القوات المسلحة الملكية، سواء أثناء بحثهم وسط الأنقاض عن ناجين أو عالقين، أو أثناء حملهم الأطفال الرضع بين أذرعهم، ومساعدة النساء والشيوخ، وحتى أثناء اللعب مع الأطفال...وهي صور لا يمكننا أمامها إلا الانحناء للقوات المسلحة الملكية المغربية تقديرا لجهودها في الدفاع عن السيادة الوطنية والترابية وحفظ الأمن والسلام بالعالم، بكل حزم وفعالية وبكل إنسانية.