توقيف جانح قاصر بالقنيطرة ل"تورطه" في محاولة سرقة محل تجاري تحت التهديد مدعيا استخدام طرد ناسف    "ماتقيش ولدي" تثمن تدخل النيابة العامة في قضية اغتصاب طفل بموسم مولاي عبد الله    مقاولات المغرب الصغرى والمتوسطة "تحت رحمة" الأزمة: 90% منها لا تجد تمويلا بنكيا                دراسة: أجهزة السمع تقلل خطر الخرف لدى كبار السن بنسبة تفوق 60%    تقرير: ثلث شباب المغرب عاطلون والقطاع غير المهيكل يبتلع فرص الشغل    المساعدات الإنسانية الموجهة إلى سكان غزة.. "مبادرة ملكية نبيلة ترسم معالم الطريق الواجب اتباعه" (أندرو موريسون)    إيران تصعد التهديد بصواريخ جديدة واستعداد تام لمواجهة إسرائيل    جلالة الملك يهنئ رئيس هنغاريا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    للمرة الثالثة: الموقف الياباني من البوليساريو يصفع الجزائر وصنيعتها.. دلالات استراتيجية وانتصار دبلوماسي جديد للمغرب    وزير الدفاع الإسرائيلي يصادق على خطة السيطرة على غزة    تورّط زوجة رئيس الوزراء الإسباني في قضية فساد جديدة    مدرب تنزانيا: مواجهة المغرب في الشان مهمة معقدة أمام خصم يملك خبرة كبيرة    شباب الريف الحسيمي يواصل تعزيز صفوفه بتعاقدات جديدة            صفعة جديدة للانفصاليين .. اليابان تتمسك بموقفها الرافض للاعتراف بالكيان الوهمي        حملات أمنية مشددة ضد الدراجات النارية المعدلة بمختلف المدن المغربية    إطلاق فيديو كليب "رمشا الكحولي" بتوقيع المخرج علي رشاد        ثورة الملك والشعب : ترابط دائم وعهد متجدد    أمين عدلي ينتقل إلى الدوري الإنجليزي في صفقة ضخمة    عيد الشباب .. الاحتفاء بالالتزام الملكي الراسخ تجاه الشباب، المحرك الحقيقي لمغرب صاعد    تخليق الحياة السياسية في المغرب: مطمح ملكي وحلم شعبي نحو مغرب جديد.    إيزاك يخرج عن صمته: "فقدت الثقة بنيوكاسل ولا يمكن للعلاقة أن تستمر"    أمن طنجة يوقف مواطن دنماركي مبحوثا عنه دوليا        تمهيدا لتشغيل الميناء.. إطلاق دراسة لاستشراف احتياجات السكن في الناظور والدريوش    ذكرى ثورة الملك والشعب .. جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 881 شخصا        إدارة سجن طنجة 2 تنفي مزاعم تصفية نزيل وتوضح أسباب وفاته    المغرب يعزز مكانته كقوة إقليمية في قلب التنافس الدولي بالصحراء والساحل    مبابي يقود ريال مدريد لتحقيق أول انتصار في الموسم الجديد    المغرب يكرس ريادته الإنسانية والدبلوماسية عبر أكبر دعم إغاثي مباشر إلى غزة بقرار ملكي    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بمدينة ميدلت    حجز 14 طنا من البطاطس بتطوان قبل توجيهها للبيع لانعدام شروط النظافة والسلامة    البطولة الإحترافية 2025/2026: المرشحون والوجوه الجديدة ومباريات الجولة الأولى في إعلان MelBet    حفل استقبال بهيج: مؤسسة طنجة الكبرى للعمل التربوي والثقافي والاجتماعي والرياضي تستقبل أطفال القدس الشريف    بدر لحريزي يفوز بمنصب ممثل كرة القدم النسوية في عصبة الرباط سلا القنيطرة    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    كزينة ونجوم الراب يشعلون الليلة التاسعة من المهرجان بحضور جماهيري قياسي    تكريمات تسعد مقاومين في خريبكة    تداولات بورصة البيضاء تتوشح بالأحمر    10 أعمال مغربية ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في جائزة كتارا للرواية العربية    مهرجان القنيطرة يفتح أبوابه للاحتفاء بالإبداع ويجمع نجوم الفن والرياضة في دورة شبابية مميزة    إنجاز علمي مغربي.. رسم الخريطة الجينية الكاملة لشجرة الأركان يمهد لآفاق جديدة    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاشات بدل الساحات
نشر في هسبريس يوم 24 - 08 - 2024

لكي لا نسقط في مصيدة الاتهام أو الاصطفاف أو الارتماء في مستنقع دون آخر، لن نتحدث عن اليساريين الجدد أو عن إسلاميين آخر صيحة، لأنهم ربما يجتمعون في مستنقع سياسي واحد، بلا شك هو مستنقع البرغماتية الذي يتناغم مع المصالح العليا للوطن أحيانا، ويتجاوز هذه المصالح -أحيانا أخرى، كيف نختار جانبا دون آخر ونحن نعيش في زمن الأيديولوجيا الرخوة- الهشة، التي تنفلت من المبادئ ومن القيم التي أسست لمدارس النضال، التي زينت الساحات المغربية بتضحياتها ودمائها، خلال الزمن النضالي الجميل، حيث كان النضال بالساحات لا عبر الشاشات.
الشعبوية هي عبارة عن توصيف لفكر – تيار سياسي، يمجد الحس المشترك ويساير الحشود، فلا حقيقة غير تلك التي يؤمن بها الشعب أو تلك التي يتقبلها وتتناغم مع هواه الثقافي والديني ونزوعه الاجتماعي والاقتصادي. لا شك أن المغرب ليس استثناء، هو تماما كالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يسود الخطاب السياسي الشعبوي الذي يساير الحشود... هناك ببلاد العم سام، تتجلى الشعبوية في أفضل حالاتها، على يد الحالم بولاية ثانية، ويبدو أن التيار الشعبوي يسير بخطى ثابتة نحو البيت الأبيض. أما في فرنسا فالوضع فيه نوع من فوضى الشعبوية، إذ هناك هجرة رائجة بين اليسار واليمين، تماما كتلك التي يتقنها ممتهنو السياسة ببلادنا. أما جارتنا الشرقية، فيعد فخامة رئيسها قدوة في الخطاب السياسي الشعبوي الذي يستنفر الحشود... في ظل صعود الشعبوية، لا بد أن نتساءل عن واقعنا نحن المغاربة، مع هذا التيار الجارف، خصوصا وأننا نعيش في ظل نظام ملكي بروتكولي، بعيد كل البعد عن الشعبوية، لكن هذا لا يعني أننا بمعزل عن التوجه الدولي الجديد، بل على العكس تماما، هناك شعبوية من نوع استثنائي تساير الرأي العام تارة وتحاول توجيهه وشحنه تارة أخرى.
باختصار، والاختصار مطلوب في زمن الرقميات، حيث تهيمن الصورة على الكلمة، وتهيمن الأرقام على الأفكار، فكيف تتقوى مناعتنا ضد الشعبوية التي تجتاح العالم، ونحن نعيش في زمن "ماركوتينع الثقافة" التي تغزو شاشاتنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ حتى النضال ضد الفساد لم يسلم من منطق الماركوتينغ، إذ أصبح البوز والمشاهدات والإشادات -أحيانا، مرجع المواقف ومطمح المناضلين الجدد على اختلاف أيديولوجياتهم... ليس في الشعبويين أملس- كلهم يلهثون وراء المكانة الرقمية وما تدره من خيرات محتملة، نضال الشاشة يفرض نوع الخطاب المريح والمحفز للحشود، على عكس نضال الساحات الذي يستمد منطلقاته من الواقع ويتشبث بالأرض، لا يحلق بالسماء كنقيضه.
مقاطع فيديوهات الشعبوية تتطاير هنا وهناك؛ إسلامي يتوهم حشودا على اليمين واليسار، ويوهم الحشود المشاهدة للشاشة بوجود حشود حاضرة، لكي تسمع وتتمعن حديثا عن إبليس والسحر، ويساري يتلعثم في مضغ الكلام، وتعجز بنات أفكاره عن المحاججة المنطقية أمام محاور إسلامي، ويجعل من شعبوية الأفكار عنوان الجلسة بامتياز. يا ليتك تعود أيها الزمن الجميل!! مصطحبا معك "بنبركة والجابري" رحمهما الله، ليعلما هؤلاء معنى اليسار، حيث تسود المواقف ويقل الكلام... حرب ضروس اشتعلت!! حرب افتراضية خلف الشاشات، صاحب الحقائق المطلقة، كيف يمكنك أن تكذبه وهو يتحدث بثقة الأنبياء، فلا حجاب بينه وبين الغيب، والغيب هنا يمكن أن يكون سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وبيئيا... تنسيه "حماسة البوز والمكانة" أن النضال يتطلب رزانة الحديث والتمسك بالأرض لا خفة اللسان والتحليق بين السحب.
كثرت الكلمات المتطايرة والأرقام المتناثرة هنا وهناك... "الإحصاء بالعطاش... 750 ألف مدرس... 70 ألف مسجل بالمنصة"، تبا لهؤلاء الذين يثقلون ميزانية الدولة، دول العالم المتقدم تمنع ممارسة أكثر من مهنة، وهؤلاء يبحثون ويتدربون لمزاحمة مهنة التدريس بمهن أخرى، انظروا لكندا وصرامتها في وحدوية المهنة!! ثم تبا لهم مرة ثانية، لأن نصفهم هجر الأقسام والتحق بالإحصاء، مؤقتا، الغاية لا تبرر الوسيلة!! لكل موقعه ومكانه، ومكان هؤلاء القسم، وعلى الدولة أن تتحمل المسؤولية وأن تقوم بإحصاء شامل وناجح، لا يهم اختيار الموارد البشرية الملائمة لإنجاح هذا الاستحقاق الوطني، بقدر ما يهم إنجاز التقويم التشخيصي وإتباعه بالدعم المدرسي خلال شهر شتنبر، لعينة من أبناء المغاربة، ولو خمسة تلاميذ في القسم فذلك يكفي، ولا يهم أيضا أن يتأخر توزيع الكتب بالسلكين الابتدائي والإعدادي... الإحصاء يتلاعب بالمؤشر!! هكذا قال نبي الشاشات، تمهل أيها القارئ وفكر كيف ذلك، في الإحصاء لا تصريح برقم البطاقة، فنحن بالنسبة للدولة مجرد رقم، أهل تغير السبيل إلى المؤشر؟ وهل الدولة تعجز عن استكمال سجلها الاجتماعي؟ لا تنسى أيها القارئ أن الإحصاء عملية دورية، يتم إجراؤها حتى بالدول التي تعمل بالسجل الاجتماعي منذ عقود، كصديقتنا فرنسا وحليفتنا أمريكا، معطيات الإحصاء مجرد قاعدة بيانات ضخمة ترسم اتجاهات التحول ديموغرافيا واجتماعيا وثقافيا... أما الاقتصاد فبيد الأبناك، وكل الأبناك صديقة للدولة وتلهث وراء رضاها، لذلك فمن المؤكد أنها لا تبخل عنها بشيء، فمن من المغاربة لا يمتلك حسابا بنكيا؟ ولا تنسى أيضا الحكمة البنكية – الاجتماعية من وراء تغيير الأوراق النقدية، فعلى الدوام هناك حد فاصل بين القديم والجديد، وآنذاك يظهر المؤشر الحقيقي.
تمكن معطيات الإحصاء من الترتيب ضمن مؤشر التنمية البشرية على المستوى الدولي، ومن خلالها يتم تصنيفنا ضمن شعوب الأرض، ولعل أصدق مثال عن هذا هو العمل بعدة معايير غير منطقية بالنسبة لواقعنا، أتعلم أيها القارئ أن من يشتغل ساعة في الأسبوع، لا يدخل ضمن نادي البطالة، أما قياس الفقر ففيه ما فيه من عجب، لكن العجب الاجتماعي هو منطق إحصائي هكذا يُقال... هناك قروض تُسدد وهناك قروض في الطريق، وهناك تنمية معطوبة لكنها ملحوظة، تأمل أيها القارئ سواحل الشمال في العطل، تأمل السيارات العابرة بالشوارع وعُد بالزمن للوراء وقارنها بتلك التي سادت خلال العقود الماضية، وقارنها أيضا بتلك القادمة من أوربا لتكتشف الفرق بين اليوم والأمس، ولماذا لا ترتحل عبر "يوتيوب" صوب كوبا وإيران وغيرهما وقارن سياراتنا بتلك التي تتجول هناك... مواطن يصول ويجول بشواطئ الوطن لكنه يرفض الاعتراف بالتحول، رغم أنه في صغره كان يقضي العطل بأودية البادية ويرعى الغنم صحبة الأقارب، معنى العطلة تغير ورمزيتها أيضا، رغم أن العقود الماضية كانت سنوات مطر وخير، على عكس واقعنا الآن، حيث يقطع الجفاف سلاسل الإنتاج، ويصيب الشح الكثير من موائد المغاربة، هناك فجوة تتسع ربما يؤكدها الإحصاء، كما سيؤكد أن نموذج الرفاه المغربي تغير كثيرا.
إذن الإحصاء أكبر من مجرد مسرحية مؤشر، والإحصاء أكبر من أسبوع مدرسي، على افتراض أن أغلبية تلامذتنا يلتحقون بداية الأسبوع الثالث وفي أواخره يقتنون الكتب واللوازم المدرسية، لتنطلق الدراسة الفعلية بداية الأسبوع الرابع، ولا تنسى أن التقويم والدعم يتم إجراؤهما بمن حضر ولا مكان لمقولة "اكتمال النصاب" فانتظار الاكتمال هو ضرب في تنظيم السنة الدراسية، هذا ما يفرضه الواقع "حيث يتم بشكل سنوي تكييف تأخر الالتحاق مع مقرر السنة الدراسية، عبر تجاوز التقويم والدعم ببعض المؤسسات"، وهذا يعني أن هذا الموسم الذي يصادف الإحصاء سيؤدي إلى هدر "أسبوع" من الزمن المدرسي، وهنا من الواجب على الوزارة، أن توضح للرأي العام خصوصية الدخول المدرسي 2024-2025، وأن تؤخر الموسم بأسبوع، حماية لحقوق أبناء المغاربة، وبذلك تنهي السجال الشعبوي، وما تضمنه من عبارات مسيئة، وبذلك تغلق الباب على دعاة التشويش على اختلاف أيديولوجياتهم وصفاتهم، وتحد بذلك من تأثير نضالات الشاشات على الرأي العام الذي يؤثر بدوره على المصالح العليا للوطن، والإحصاء مصلحة عليا، تتطلب ظروفا مثالية تضمن النجاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.