مئات المغاربة يحتفلون بالرباط بوقف العدوان على غزة ويرفضون التطبيع (فيديو)    الاتحاد المغربي للشغل يعقد حوارا اجتماعيا مثمرا مع كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية    بنعليلو يأمر بوقف "صفقة مشبوهة"    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    عشية زيارة بوريطة، موسكو تعتبر المغرب "شريكا مهما" لروسيا في القارة الإفريقية    هذا الموريسكي..ما يكتبه الماء لن يقرأه أحد (3)    هشام الدكيك يستدعي 23 لاعبا للمشاركة في وديتي المغرب ضد إسبانيا    ريتشارد ديوك بوكان الثالث يحل بالمغرب سفيرا جديدا لواشنطن... ذو خلفية اقتصادية ومقرب من ترامب (بروفايل)    طقس الخميس ..امطار متفرقة مرتقبة بالريف    لقاء يجمع ولد الرشيد ببرلمان "سيماك"    أحكام ثقيلة ضد مثيري الشغب بسوس    حسن طارق ينوه بمنشور رئيس الحكومة الداعم للتعاون بين الإدارات ومؤسسة الوسيط    منتخب الفتيات ينشد التألق المونديالي    رئيس مجلس النواب يتباحث مع الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالمغرب    تحذير أممي من زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو    نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة غدا الخميس بعدد من مناطق المملكة    بسبب المهاجرين غير النظاميين.. تشديد المراقبة الأمنية بمحيط الفنيدق    طنجة.. نهاية مطاردة مثيرة لمتهم فرّ من الأمن خلال إعادة تمثيل جريمة قتل    استخراج جثة الطفل الراعي بميدلت    محكمة الإستئناف بتونس تصدر أحكاما في قضية اغتيال شكري بلعيد منها حكمان بالإعدام    الذكاء الاصطناعي الدامج يفتح آفاقاً جديدة للشركات في الاقتصادات الناشئة    تجدد المطالب لأخنوش بالحد من خسائر تعطيل التكرير بمصفاة "سامير" والحفاظ على حقوق الأجراء    «تمغرابيت».. عمل فني جديد يجسد روح الوطنية والانتماء في الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    عبد الله ساعف يحاضر حول «العلوم الاجتماعية في المغرب» بتطوان    «مغربيات ملهمات» لبنحمو بالمقهى الثقافي بالرباط    طنجة تتربع على عرش السياحة بالمغرب سنة 2025..    الجزائر المتآمرة تشعل حرباً رقمية ضد المغرب وتستدعي "جنودها الافتراضيين"...    لقاء بنيويورك يعزز التعاون اللامركزي بين جماعتي الداخلة وغريت نيك الأمريكي    وهبي: سنلعب أمام فرنسا بأسلوبنا وقوتنا المعتادة    علامة الأزياء العالمية «GUESS» تحتفل بالذكرى الخامسة والأربعين بمؤتمر «عالم واحد، علامة واحدة» في مراكش    "ذاكرة السلام" شعار الدورة 14 لمهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور    المنتخب المغربي... رمز للوحدة الوطنية لا ساحة لتصفية الحسابات    ليكيب الفرنسية تكتب: ياسين جيسّيم.. جوهرة دنكيرك التي تبهر العالم بقميص المغرب في مونديال الشباب    بركة: الموسم الفلاحي المنصرم سجل تحسنا نسبيا    أسعار الذهب ترتفع قرب مستوى قياسي جديد    في ‬مفاهيم ‬الخطاب ‬الملكي:‬ من ‬تأطير ‬المواطنين ‬إلى ‬ترسيخ ‬ثقافة ‬النتائج    نزهة بدوان: "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء" ترسيخ للمحلمة الوطنية    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    وليد الركراكي: التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال 2026..المنتخب المغربي يواصل استخلاص الدروس والتحسن استعدادا لكأس أمم أفريقيا    الملك يترأس مجلسا وزاريا للتداول في توجهات قانون مالية 2026    إسرائيل تستعد لإعادة فتح معبر رفح للسماح بدخول شاحنات المساعدات إلى غزة    أمني إسرائيلي يعلن التوصل بجثة رهينة "خاطئة"    أزيد من 36 ألف شاب دون 40 سنة استفادوا من برنامج دعم السكن منهم 44.5 في المائة من النساء الشابات    برلماني يسائل تدبير مؤسسة في وجدة    واشنطن.. صندوق النقد الدولي ومحافظو بنوك مركزية إفريقية يجددون تأكيد التزامهم بالتنمية المستدامة في إفريقيا    تتويج جمعية دكالة ضمن أفضل جمعيات المجتمع المدني بالمغرب في اليوم الوطني لمحاربة الأمية    كرة القدم: 16 فوزا متتاليا.. رقم قياسي عالمي جديد من توقيع أسود الأطلس    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاشات بدل الساحات
نشر في هسبريس يوم 24 - 08 - 2024

لكي لا نسقط في مصيدة الاتهام أو الاصطفاف أو الارتماء في مستنقع دون آخر، لن نتحدث عن اليساريين الجدد أو عن إسلاميين آخر صيحة، لأنهم ربما يجتمعون في مستنقع سياسي واحد، بلا شك هو مستنقع البرغماتية الذي يتناغم مع المصالح العليا للوطن أحيانا، ويتجاوز هذه المصالح -أحيانا أخرى، كيف نختار جانبا دون آخر ونحن نعيش في زمن الأيديولوجيا الرخوة- الهشة، التي تنفلت من المبادئ ومن القيم التي أسست لمدارس النضال، التي زينت الساحات المغربية بتضحياتها ودمائها، خلال الزمن النضالي الجميل، حيث كان النضال بالساحات لا عبر الشاشات.
الشعبوية هي عبارة عن توصيف لفكر – تيار سياسي، يمجد الحس المشترك ويساير الحشود، فلا حقيقة غير تلك التي يؤمن بها الشعب أو تلك التي يتقبلها وتتناغم مع هواه الثقافي والديني ونزوعه الاجتماعي والاقتصادي. لا شك أن المغرب ليس استثناء، هو تماما كالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يسود الخطاب السياسي الشعبوي الذي يساير الحشود... هناك ببلاد العم سام، تتجلى الشعبوية في أفضل حالاتها، على يد الحالم بولاية ثانية، ويبدو أن التيار الشعبوي يسير بخطى ثابتة نحو البيت الأبيض. أما في فرنسا فالوضع فيه نوع من فوضى الشعبوية، إذ هناك هجرة رائجة بين اليسار واليمين، تماما كتلك التي يتقنها ممتهنو السياسة ببلادنا. أما جارتنا الشرقية، فيعد فخامة رئيسها قدوة في الخطاب السياسي الشعبوي الذي يستنفر الحشود... في ظل صعود الشعبوية، لا بد أن نتساءل عن واقعنا نحن المغاربة، مع هذا التيار الجارف، خصوصا وأننا نعيش في ظل نظام ملكي بروتكولي، بعيد كل البعد عن الشعبوية، لكن هذا لا يعني أننا بمعزل عن التوجه الدولي الجديد، بل على العكس تماما، هناك شعبوية من نوع استثنائي تساير الرأي العام تارة وتحاول توجيهه وشحنه تارة أخرى.
باختصار، والاختصار مطلوب في زمن الرقميات، حيث تهيمن الصورة على الكلمة، وتهيمن الأرقام على الأفكار، فكيف تتقوى مناعتنا ضد الشعبوية التي تجتاح العالم، ونحن نعيش في زمن "ماركوتينع الثقافة" التي تغزو شاشاتنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ حتى النضال ضد الفساد لم يسلم من منطق الماركوتينغ، إذ أصبح البوز والمشاهدات والإشادات -أحيانا، مرجع المواقف ومطمح المناضلين الجدد على اختلاف أيديولوجياتهم... ليس في الشعبويين أملس- كلهم يلهثون وراء المكانة الرقمية وما تدره من خيرات محتملة، نضال الشاشة يفرض نوع الخطاب المريح والمحفز للحشود، على عكس نضال الساحات الذي يستمد منطلقاته من الواقع ويتشبث بالأرض، لا يحلق بالسماء كنقيضه.
مقاطع فيديوهات الشعبوية تتطاير هنا وهناك؛ إسلامي يتوهم حشودا على اليمين واليسار، ويوهم الحشود المشاهدة للشاشة بوجود حشود حاضرة، لكي تسمع وتتمعن حديثا عن إبليس والسحر، ويساري يتلعثم في مضغ الكلام، وتعجز بنات أفكاره عن المحاججة المنطقية أمام محاور إسلامي، ويجعل من شعبوية الأفكار عنوان الجلسة بامتياز. يا ليتك تعود أيها الزمن الجميل!! مصطحبا معك "بنبركة والجابري" رحمهما الله، ليعلما هؤلاء معنى اليسار، حيث تسود المواقف ويقل الكلام... حرب ضروس اشتعلت!! حرب افتراضية خلف الشاشات، صاحب الحقائق المطلقة، كيف يمكنك أن تكذبه وهو يتحدث بثقة الأنبياء، فلا حجاب بينه وبين الغيب، والغيب هنا يمكن أن يكون سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وبيئيا... تنسيه "حماسة البوز والمكانة" أن النضال يتطلب رزانة الحديث والتمسك بالأرض لا خفة اللسان والتحليق بين السحب.
كثرت الكلمات المتطايرة والأرقام المتناثرة هنا وهناك... "الإحصاء بالعطاش... 750 ألف مدرس... 70 ألف مسجل بالمنصة"، تبا لهؤلاء الذين يثقلون ميزانية الدولة، دول العالم المتقدم تمنع ممارسة أكثر من مهنة، وهؤلاء يبحثون ويتدربون لمزاحمة مهنة التدريس بمهن أخرى، انظروا لكندا وصرامتها في وحدوية المهنة!! ثم تبا لهم مرة ثانية، لأن نصفهم هجر الأقسام والتحق بالإحصاء، مؤقتا، الغاية لا تبرر الوسيلة!! لكل موقعه ومكانه، ومكان هؤلاء القسم، وعلى الدولة أن تتحمل المسؤولية وأن تقوم بإحصاء شامل وناجح، لا يهم اختيار الموارد البشرية الملائمة لإنجاح هذا الاستحقاق الوطني، بقدر ما يهم إنجاز التقويم التشخيصي وإتباعه بالدعم المدرسي خلال شهر شتنبر، لعينة من أبناء المغاربة، ولو خمسة تلاميذ في القسم فذلك يكفي، ولا يهم أيضا أن يتأخر توزيع الكتب بالسلكين الابتدائي والإعدادي... الإحصاء يتلاعب بالمؤشر!! هكذا قال نبي الشاشات، تمهل أيها القارئ وفكر كيف ذلك، في الإحصاء لا تصريح برقم البطاقة، فنحن بالنسبة للدولة مجرد رقم، أهل تغير السبيل إلى المؤشر؟ وهل الدولة تعجز عن استكمال سجلها الاجتماعي؟ لا تنسى أيها القارئ أن الإحصاء عملية دورية، يتم إجراؤها حتى بالدول التي تعمل بالسجل الاجتماعي منذ عقود، كصديقتنا فرنسا وحليفتنا أمريكا، معطيات الإحصاء مجرد قاعدة بيانات ضخمة ترسم اتجاهات التحول ديموغرافيا واجتماعيا وثقافيا... أما الاقتصاد فبيد الأبناك، وكل الأبناك صديقة للدولة وتلهث وراء رضاها، لذلك فمن المؤكد أنها لا تبخل عنها بشيء، فمن من المغاربة لا يمتلك حسابا بنكيا؟ ولا تنسى أيضا الحكمة البنكية – الاجتماعية من وراء تغيير الأوراق النقدية، فعلى الدوام هناك حد فاصل بين القديم والجديد، وآنذاك يظهر المؤشر الحقيقي.
تمكن معطيات الإحصاء من الترتيب ضمن مؤشر التنمية البشرية على المستوى الدولي، ومن خلالها يتم تصنيفنا ضمن شعوب الأرض، ولعل أصدق مثال عن هذا هو العمل بعدة معايير غير منطقية بالنسبة لواقعنا، أتعلم أيها القارئ أن من يشتغل ساعة في الأسبوع، لا يدخل ضمن نادي البطالة، أما قياس الفقر ففيه ما فيه من عجب، لكن العجب الاجتماعي هو منطق إحصائي هكذا يُقال... هناك قروض تُسدد وهناك قروض في الطريق، وهناك تنمية معطوبة لكنها ملحوظة، تأمل أيها القارئ سواحل الشمال في العطل، تأمل السيارات العابرة بالشوارع وعُد بالزمن للوراء وقارنها بتلك التي سادت خلال العقود الماضية، وقارنها أيضا بتلك القادمة من أوربا لتكتشف الفرق بين اليوم والأمس، ولماذا لا ترتحل عبر "يوتيوب" صوب كوبا وإيران وغيرهما وقارن سياراتنا بتلك التي تتجول هناك... مواطن يصول ويجول بشواطئ الوطن لكنه يرفض الاعتراف بالتحول، رغم أنه في صغره كان يقضي العطل بأودية البادية ويرعى الغنم صحبة الأقارب، معنى العطلة تغير ورمزيتها أيضا، رغم أن العقود الماضية كانت سنوات مطر وخير، على عكس واقعنا الآن، حيث يقطع الجفاف سلاسل الإنتاج، ويصيب الشح الكثير من موائد المغاربة، هناك فجوة تتسع ربما يؤكدها الإحصاء، كما سيؤكد أن نموذج الرفاه المغربي تغير كثيرا.
إذن الإحصاء أكبر من مجرد مسرحية مؤشر، والإحصاء أكبر من أسبوع مدرسي، على افتراض أن أغلبية تلامذتنا يلتحقون بداية الأسبوع الثالث وفي أواخره يقتنون الكتب واللوازم المدرسية، لتنطلق الدراسة الفعلية بداية الأسبوع الرابع، ولا تنسى أن التقويم والدعم يتم إجراؤهما بمن حضر ولا مكان لمقولة "اكتمال النصاب" فانتظار الاكتمال هو ضرب في تنظيم السنة الدراسية، هذا ما يفرضه الواقع "حيث يتم بشكل سنوي تكييف تأخر الالتحاق مع مقرر السنة الدراسية، عبر تجاوز التقويم والدعم ببعض المؤسسات"، وهذا يعني أن هذا الموسم الذي يصادف الإحصاء سيؤدي إلى هدر "أسبوع" من الزمن المدرسي، وهنا من الواجب على الوزارة، أن توضح للرأي العام خصوصية الدخول المدرسي 2024-2025، وأن تؤخر الموسم بأسبوع، حماية لحقوق أبناء المغاربة، وبذلك تنهي السجال الشعبوي، وما تضمنه من عبارات مسيئة، وبذلك تغلق الباب على دعاة التشويش على اختلاف أيديولوجياتهم وصفاتهم، وتحد بذلك من تأثير نضالات الشاشات على الرأي العام الذي يؤثر بدوره على المصالح العليا للوطن، والإحصاء مصلحة عليا، تتطلب ظروفا مثالية تضمن النجاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.