بعد خروج المستعمريْن الفرنسي والإسباني من المغرب، كان من الطبيعي أن يكون هناك خلاف سياسي إيديولوجي بين الكتلة الوطنية والليبيراليين، وعلى رأسهم المؤسسة الملكية. هؤلاء يريدون ملكية دستورية لا يحكم فيها الملك وأولئك يؤمنون بممارسة ملكية دستورية يكون فيها للملك الدور الأكبر. ومن ثم انبثق فعل المعارضة الذي انخرطت فيه مكونات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والحزب الشيوعي ونقابة الاتحاد المغربي للشغل. هذه المعارضة كانت تمارس السياسة من منظور واقعي منطقي لا من منطلق الحقد وتصفية الحسابات، ولم تظهر فيها الميول النضالية المسلحة إلا نادرا (أحداث مولاي بوعزة سنة 1973) ثم تراجعت عنها سريعا وفضلت الفعل السياسي السلمي. ويسجل التاريخ للأحزاب والنقابات المغربية اشتغالها بعيدا عن أي رغبة في الانتقام. قد يقع أن تلجأ بعض العناصر إلى دول مجاورة تستقوي بها مثل الجزائر وليبيا وفرنسا، وهي عناصر انتهى بها المطاف إلى التصالح مع بلادها وطي صفحة الماضي. حين أصبح عبد الرحمن اليوسفي رئيسا للوزراء ذاب كل خيار ثوري يحلم بالجمهورية وتنحية الملك، باستثناء جماعات متطرفة مثل إلى الأمام وجماعة العدل والإحسان انطلاقا من 1974. وتم انتقال السلطة بين الملكين بهدوء وسلاسة. في خضم الربيع العربي ظهرت في الشارع المغربي دعوات إلى الانقلاب على الملك لكنها كانت محدودة وتبرأت منها حركة 20 فبراير نفسها، وتبين أن إحدى الجماعات الحاقدة على النظام الملكي هي المحركة لهذا الاتجاه. ثم خرج دستور جديد ورئيس حكومة جديد وحياة جديدة يغلب عليها النهي عن المنكر والأمر بالمعروف بدل الفعل السياسي العقلاني. ثم انمحت المعارضة بمعناها الحزبي السياسي حين لم تستطع الأحزاب تقديم بديل مقنع للناخب المغربي، فسلم المغاربة أمرهم لثلاثة أحزاب لا تزال تحكم إلى اليوم. لكن مجموعة قليلة من المغاربة، لا تتجاوز أصابع اليدين، ممن أحست أن النظام أساء إليها، والتي هاجرت إلى دول الغرب، نهجت أسوبا فريدا في المعارضة، محاولة إسقاط النظام عبر الصحافة المرئية والمكتوبة والإلكترونية، ومنصات الشبكات الاجتماعية. والحق أنها أثارت كثيرا من الضجيج والشك بفضل الكذب والتنجيم بما يدخل في مجال "حق أريد به باطل". كيف يعارض هؤلاء الغاضبون النظام؟ يحرضون على الملك ويبشرون بقرب انطلاق فتنة كبرى وربما حرب أهلية تحرق البلاد كلها، مركزين على الحالة الصحية للملك. ثم مغرقين في التنجيم الاقتصادي الاجتماعي، مؤكدين أن انقلابا واسعا سيحدث بعد أيام في المغرب، مقدمين أطرافا وهمية لصراع سلطة غير موجود. ما لا يعرفه هؤلاء المغفلون، هو أن انتقال الحكم من ملك لآخر لا يمكن أن يتأثر بأي عائق، مات الملك يحيا الملك، عندنا ولي للعهد ووراءه مرشحان في حالة طوارئ لا قدر الله. تَوَقُّع ثورة الشعب ضيعت فيه أحزاب المعارضة عقودا حتى سقطت اسنانها ولم يتحقق لها شيء. مجيء طغمة عسكرية إلى الحكم هو من سابع المستحيلات، لأن الثكنات المغربية دفنت النوايا الانقلابية منذ 53 سنة. فما هو هذا الإرهاب الذي يمارسه هؤلاء، ويدعمه اليسار الفرنسي على نطاق واسع؟ يحاول أعداء المغرب والخونة من ضمنهم، جعل المواطن المغربي يفقد الإحساس بالاستقرار واستئمان الأسرة الملكية على مستقبله، بخلق أقصى كم من الإشاعات وربطها بمظاهر من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما يسرب الشك إلى يقينه. والموقف الرسمي من هذا الهجوم على المؤسسة الملكية يقابل هذا الهراء بالصمت وعدم الاهتمام، والاكتفاء بتفضيل إبراز الإنجاز الاقتصادي الاجتماعي إعلاميا. وهو موقف يمتلك جانبا مهما من الحكمة والتبصر، لكن وسائل التواصل، مع اشتغال الذكاء الاصطناعي بشكل مكثف، قادرة على خلق الفوضى والفتنة بما لا نتوقع، لذلك وجب بلورة رد فعل ذكي على هذه الفتنة، وقد رأينا كيف أن مجرد ظهور الملك، في خطاب أو مجلس وزراء أو نشاط رسمي يمحو كل الغيوم مدة طويلة، بل مجرد تحرك ولي العهد أصبح يدخل الطمأنينة على النفوس المرعوبة. ونحن هنا لا ندعو إلى استعمال الوسائل العتيقة التي كان ينهجها غازي الشيخ ومصطفى العلوي في الرد على القذافي في السبعينات، لكن ندعو إلى الاستغلال الواسع لوسائل التواصل وإلى إقحام الإعلام السمعي البصري بشكل ذكي غير مباشر، مخالف للإعلام الجزائري البليد.