على طول الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين الدارالبيضاء ومراكش، وعلى مقربة من جماعة نزالت لعظم القروية بإقليم الرحامنة، تتراءى خيم التبوريدة فوق هضبة دراع الزيتون، ويسمع صوت طلقات البارود، تعبيرا عن الاحتفاء برجال المقاومة في مواجهة المستعمر الفرنسي. هنا اجتمع الأحفاد والأهالي من دواوير الرحامنة وهم يحتضنون القادمين من الصحراء، في مشهد يجمع الماضي بالحاضر ترسيخا لروابط تجمع الرحامنة بالجنوب. أجواء احتفالية انطلقت بموسم "دراع الزيتون"، في مشهد صار يتكرر سنويا، تخليدا لرمز المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي الشيخ أحمد الهيبة، قائد معركة سيدي بوعثمان التي دارت رحاها في هذا المكان في سادس شتنبر من سنة 1912. في هذا الموسم يستحضر أبناء الرحامنة وحفدة الشيخ أحمد الهيبة ماء العينين بطولات رجال المقاومة وتضحياتهم في مواجهة المستعمر الفرنسي دفاعا عن الأرض والكرامة. وبالنسبة إلى منظمي هذا الموسم السنوي فإن هذا الاحتفال ليس استعراضا لسربات التبوريدة، بل هو مناسبة للاحتفاء بالمقاومة واستحضار قصص البطولة التي يتوارثونها جيلا بعد جيل عن مقاومين قدموا أرواحهم في سبيل وحدة الوطن وأمنه واستقلاله. المقاومة في مواجهة الاستعمار كان لحضور حفدة الشيخ أحمد الهيبة ماء العينين في فعاليات موسم دراع الزيتون وقع كبير على أبناء الرحامنة الحاضرين، إذ شكل لحظة رمزية قوية أعادت إلى الأذهان تضحيات الأجداد وصمودهم في وجه المستعمر. داخل الخيمة الثقافية التي احتضنت ندوة تاريخية حول المقاومة في عهد الشيخ أحمد الهيبة أعاد المتدخلون محطات المقاومة التاريخية التي قادها الشيخ بمشاركة واسعة من مقاومين من مختلف المناطق الجنوبية ومراكش والرحامنة. وحاول المشاركون في هذه الندوة، بحضور حفيد الشيخ الهيبة، التأكيد على الدور الذي لعبته هذه القبائل بجانب الشيخ في معركة سيدي بوعثمان ضد المستعمر الفرنسي، وهو ما يبرز الوحدة الوطنية من خلال التقاء الجنوب بالوسط والشمال. وأجمعت مداخلات المشاركين في هذا اللقاء على دور المقاومين من الرحامنة في هذه المعركة الشرسة ضد المستعمر الفرنسي، وكذا الدور البطولي الذي قاده مختلف المقاومين لوقف زحف الجيش الاستعمار. وأكد الحاضرون أهمية هذه اللقاءات في ترسيخ قيم المواطنة والتضحية ووحدة الصف التي دافع عنها الأجداد. كما دعت مداخلات بعض المشاركين إلى توثيق الذاكرة المحلية ونقلها للأجيال الصاعدة عبر مبادرات ثقافية مستمرة، حتى يظل هذا الإرث حاضرا في وجدان المجتمع الرحماني، وهو ما تسنى من خلال زيارة إلى مقبرة شهداء معركة سيدي بوعثمان بعد اللقاء الفكري. تعزيز روح الانتماء داخل الخيمات الممتدة على طول "المحرك" كانت الأهازيج الشعبية متناغمة مع طلقات البارود التي لعلعت في سماء "دراع الزيتون"، في لوحة تربط الأمس باليوم. ويؤكد منعم بوالدية، رئيس جمعية دراع الزيتون، أن الهدف من هذه التظاهرة السنوية هو الاحتفاء بتاريخ المقاومة وجعل جيل اليوم مرتبطا بهذا الفضاء الذي كان مسرحا لمواجهة المستعمر. وأضاف بوالدية، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الجمعية تسعى إلى جعل الأجيال المتعاقبة ملتصقة بتاريخها لاستشراف المستقبل، وإعادة الاعتبار لرموز النضال الوطني وتعزيز روح الانتماء. ويردف المتحدث ذاته: "موسم دراع الزيون ليس مجرد تظاهرة ثقافية، بل هو رسالة فخر واعتزاز بالهوية المغربية الأصيلة، وفرصة لأبناء المنطقة وزوارها لاستحضار قيم التضحية والوطنية التي شكلت حجر الأساس في مسيرة التحرر والاستقلال". وأفاد رئيس الجمعية المذكورة بأن موسم دراع الزيتون يراهن على جعل معركة سيدي بوعثمان حية في الوجدان، ونقطة إلهام للأجيال المقبلة لمواصلة مسيرة الدفاع عن القيم الوطنية ووحدة الوطن. وتتواصل إلى غاية يوم الأحد فعاليات موسم دراع الزيتون، حيث عروض التبوريدة التي تستقطب آلاف الزوار من مختلف مناطق الرحامنة وكذا عابري الطريق الوطنية، إلى جانب ندوات فكرية وقراءات جماعية للقرآن الكريم.