حين يعلن رئيس حكومة الاحتلال، وبملء صوته، أن "لن تكون هناك دولة فلسطينية"، فلا مجال بعد اليوم للحديث عن "عملية سلام"، ولا معنى لأي خديعة دبلوماسية تُروّج للتفاوض أو للحلول المرحلية. بنيامين نتنياهو لم يُخطئ التعبير، بل عبّر تمامًا عمّا تُمارسه حكومته على الأرض منذ سنوات: اجتثاث فلسطين من الجغرافيا، ومحاولة محوها من الذاكرة. تصريح نتنياهو في مستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس، خلال تدشين مشروع استيطاني ضخم، ليس زلّة لسان، بل إعلان سياسي صريح بهوية المشروع الصهيوني في مرحلته الحالية: لا انسحاب، لا دولة، لا مفاوضات، بل ضمّ وفرض وقائع ونهب للأرض باسم "التراث". لم يعُد الاحتلال يخجل من وقاحته السياسية. فبينما تتهيأ بعض العواصم الغربية للاعتراف بالدولة الفلسطينية – ولو متأخرًا – يرد نتنياهو بالتوسّع الاستيطاني في واحدة من أخطر المناطق الحاسمة جغرافيًا لأي كيان فلسطيني محتمل: منطقة "E1" شرق القدس. هناك، حيث كان يُفترض أن يُربط شمال الضفة بجنوبها، تُغرس الآن قواعد إسمنتية تفصل الأرض وتُجهِز على أي أمل بما تبقّى من خريطة حل الدولتين. نتنياهو لا يكتفي برفض الدولة الفلسطينية، بل يُمارس منذ سنوات سياسة "اللاعودة"، عبر تسريع الاستيطان، وتشريع العنف الاستيطاني، وإضفاء طابع رسمي على نظام الفصل العنصري، وتقويض أي بنية مؤسسية فلسطينية قادرة على التشكل أو الاستمرار. وإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة حذّر من أن هذا المشروع الاستيطاني ينسف فرص التسوية، فإن نتنياهو قالها على الملأ: لا مكان لفلسطين، لأن "هذا المكان لنا". لم يترك مساحة للغموض، ولم يتردّد في الإعلان الصريح عن رؤية تقوم على الإقصاء التام، والاستحواذ الكامل، وتصفية القضية من جذورها. وهنا، يتجاوز الخطر بُعده الفلسطيني، ليطاول النظام الدولي برمّته. فإن كان القانون الدولي يعتبر المستوطنات غير شرعية، وقرارات مجلس الأمن تدينها، واتفاقيات أوسلو – رغم هشاشتها – تفترض وجود سلطة فلسطينية، فبأي منطق يبقى نتنياهو فوق كل ذلك، مدعومًا بصمت بعض الحلفاء، وتواطؤ بعض المؤسسات، وتردد من يفترض أنهم "أصدقاء السلام"؟ إن الإعلان الإسرائيلي بعدم السماح بقيام دولة فلسطينية، يعني نسف آخر أوراق الحل السياسي، وتكريس واقع الدولة الواحدة ذات النظام العنصري، حيث يعيش شعبان على أرض واحدة، تحت قانونين مختلفين: احتلال ومستوطنون فوق القانون، وشعب محاصر، مقموع، بلا حقوق، تحت عين العالم. الردّ المطلوب اليوم لا يقتصر على التنديد، بل يتطلّب موقفًا عمليًا واضحًا: الاعتراف بدولة فلسطين، لا بوصفه "ردًا دبلوماسيًا"، بل كحد أدنى من الانسجام مع القانون الدولي، وكإجراء يفرض على الاحتلال كلفة سياسية وأخلاقية لتعنّته. أما استمرار الصمت، أو الرهان على "تعديل السلوك الإسرائيلي"، فهو ضرب من السذاجة السياسية. لأن نتنياهو لم يعُد يُخفي شيئًا، بل يقول كل شيء. ومن لم يسمع، فهو لا يريد أن يسمع.