لم يعد سباق الكرة الذهبية حدثاً رياضياً صافياً، بل تحوّل إلى ميدان تتصارع فيه الماكينات الإعلامية والدوائر الدعائية بقدر ما يتصارع اللاعبون فوق المستطيل الأخضر. وما يتعرّض له المغربي أشرف حكيمي في النسخة الحالية ليس إلا البرهان الأوضح على أن الجائزة التي يُفترض أن تكافئ الجدارة والإنجاز صارت مهددة بالانزلاق إلى لعبة نفوذ إعلامي تُحسم في الكواليس. حكيمي، الظهير الذي أعاد تعريف مركزه، قدّم موسماً استثنائياً (2024-2025) رفقة باريس سان جيرمان: سجّل 11 هدفاً، وقدم 15 تمريرة حاسمة، وكان حاسماً في الأدوار الإقصائية بدوري الأبطال وصولاً إلى التتويج باللقب. كما ساهم في بلوغ الفريق نهائي كأس العالم للأندية 2025، وقبل ذلك تُوِّج بالدوري الفرنسي للمرة الرابعة توالياً، وبكأس فرنسا للعام الثاني على التوالي. في المحطات الكبرى ظهر بثقل المهاجمين وفعالية النجوم الكبار. هذه الأرقام ليست تفصيلاً، بل سابقة في تاريخ مركز ظلّ لعقود في الظلّ وراء المهاجمين وصنّاع اللعب. غير أن هذا البريق اصطدم بحملات إعلامية فرنسية أعادت إلى الواجهة ملفاً قضائياً لم يبقَ منه سوى غبار التشهير. التوقيت لا يُخطئ: كلما اقترب اسم حكيمي من منصة التتويج، خرجت أوراق الماضي من الأدراج، بينما تُمنح المنصات الإعلامية ذاتها قصب السبق لزميله عثمان ديمبيلي، الذي يُلمَّع بإصرار في صورة "النجم النموذجي" عبر حملات منظمة. ولم يتوقف الأمر عند حدود الانحياز التحريري. فقد كُشف عن وجود وكالة "علاقات عامة" عرضت، عبر رسالة إلكترونية بعنوان "فرصة تعاون سرّي"، أن تدفع للصحافي الأسترالي نيل غاردنر مقابل نشر تغريدات مؤيدة لديمبيلي سراً، بمعدل ثلاث مرات أسبوعياً لتعزيز سرديته كمرشح للكرة الذهبية. الوكالة ادّعت لاحقاً أن الأمر مجرد "مبادرة شخصية من متدربة في الثامنة عشرة"، لكن التبرير المرتبك لم يقنع أحداً: كيف لمتدربة أن تستعمل البريد الرسمي، وتوقّع الرسالة باسم المؤسس، وتستهدف صحافياً معروفاً بميوله إلى برشلونة ليتحدث لصالح لاعب غادر النادي الكتالوني؟ المسألة لا تخص ديمبيلي وحده، بل تكشف مناخاً ملوثاً يحيط بالكرة الذهبية، حيث تتحرك جيوش تسويق خفية لتصنع موجات على منصات التواصل الاجتماعي وتنتج صورة اللاعب المثالي. وإذا كان هذا يحدث علناً عبر عناوين مضللة واستفتاءات منحازة، فماذا يُحاك في الخفاء؟ أشرف حكيمي قدّم موسماً لا يُضاهى جمع فيه بين الأداء الفردي الحاسم والإنجازات الجماعية والتفرّد في مركز لطالما حُرم من الأضواء؛ ليثبت أنه لاعب بطولات ومواعيد كبرى. على صعيد المركز، لا ينافسه أحد هذا الموسم في موقع الظهير الأيمن بفضل سرعته وقوته ولياقته الهائلة، وقدرته على أن يكون مدافعاً صلباً ومهاجماً فعّالاً في آن واحد. وإذا كان الإسباني رودري قد نال الكرة الذهبية العام الماضي تكريماً ل"اللاعب غير المرئي" الذي يصنع الفارق بعيداً عن الأضواء، فإن حكيمي يتفوّق بكونه جمع بين أرقام هجومية غير مسبوقة لمدافع، وسجل مشبع بالبطولات، وروحًا رياضية ناضجة، ما يجعل حرمانه من الجائزة هذه السنة تقويضاً لمصداقيتها، وتتويجه استعادةً لمعناها الحقيقي. الخلاصة أن كل المعايير التي وضعتها "فرانس فوتبول" للجائزة – الأداء الفردي، الإنجازات الجماعية، اللعب النظيف – يحققها حكيمي بامتياز، ما يجعله المرشح الأكثر شرعية هذه السنة. على الجانب الآخر، كان صوت الجماهير حاسماً. استفتاء صحيفة "ليكيب"، التابعة لمجموعة "أموري" المالكة لمجلة "فرانس فوتبول" المنظمة للجائزة، منح حكيمي الصدارة بنسبة 37.8% من الأصوات، متقدماً على ديمبيلي (18.2%). وتكرر المشهد مع جائزة "ياشين"، حيث اختير المغربي ياسين بونو أفضل حارس بنسبة 38.8%. التناقض صارخ: بينما تختبئ مؤسسات إعلامية خلف عناوين مشبوهة لإضعاف حكيمي، يرفعه الجمهور إلى قمة الاستحقاق. وبينما تُدار حملات لتلميع "النجم المثالي"، يعيد المغربي كتابة تاريخ مركزه بأداء يُضاهي أرقام المهاجمين. الكرة الذهبية ليست ملكاً لمؤسسات إعلامية ولا لحملات دعائية، بل هي "رمز عالمي" يُفترض أن يكافئ الأداء الفردي الخارق، والإنجاز الجماعي المضيء، والروح الرياضية الناضجة. وحكيمي يجسّد الثلاثة معاً. إذا كان تتويجه سيعيد الاعتبار للجائزة بعد عقد من الانحراف نحو صراع ثنائي بين ميسي ورونالدو، فإن تهميشه بذريعة أنه "مدافع" أو لأنه بلا ماكينة دعائية ضخمة سيُفاقم الشكوك حول نزاهة جائزة أثارت جدلاً واسعاً العام الماضي بعد تتويج الإسباني رودري على حساب البرازيلي فينيسيوس. الجماهير قالت كلمتها: حكيمي أفضل لاعب، وبونو أفضل حارس. الكرة الآن في ملعب الصحافيين المصوّتين.