لقد تجاوزت كرة القدم في المغرب دورها كلعبة، لتتحول إلى مشروع وطني شامل، يعيد تشكيل صورة البلاد داخلياً وخارجياً، ويصوغ عبر لغة "الصورة السيميولوجية" خطاباً جديداً وقوياً عن الهوية، والانتماء، والثقة بالنفس. لم تعد انتصارات المنتخبات مجرد أحداث رياضية عابرة، بل أصبحت "لحظات رمزية" تخط بقوة دلالات الوحدة والإرادة، مقدمةً المغرب القادر على المنافسة وصنع الإنجازات على الساحة العالمية. منذ الإنجاز التاريخي ل "أسود الأطلس" في كأس العالم بقطر سنة 2022، حين بلغ المنتخب نصف النهائي بعد فوزه على البرتغال، ترسخت صور اللاعبين في الذاكرة الجماعية كأبطال حقيقيين. إن مشاهد الجماهير التي اجتاحت الشوارع والأعلام التي غمرت المدرجات، ودموع الفخر التي سالت، لم تكن مجرد مظاهر احتفال عادية، بل كانت "علامات بصرية" كثيفة ومركزة، أعادت رسم صورة المغرب الحديث في المخيال الجماعي المحلي والعالمي، مؤكدةً على طاقته الكامنة وقوته الموحدة. وقد سلكت الكرة النسوية المغربية المسار ذاته بثبات، لتصعد من الظل إلى واجهة المجد، وتصبح "لبؤات الأطلس" عنواناً آخر يضاف إلى قائمة فخر الوطن. منذ تأسيس أول منتخب نسوي وصولاً إلى المشاركة التاريخية في كأس العالم 2023، تحولت اللقطات التي وثقتها العدسات من لحظة العَلم المرفوع إلى الهتاف الجماعي إلى "رموز بصرية جديدة" تكسر الصور النمطية حول دور المرأة في الرياضة والمجتمع، لتُغني وتوسّع مشهد الهوية الوطنية. هذا التحول البصري العميق لم يكن وليد الصدفة، بل هو تجسيد ل"رؤية ملكية متبصرة ومستشرقة" قادها صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، استهدفت الاستثمار في الأجيال الصاعدة كقاعدة للنهضة الرياضية والوطنية، وذلك عبر "أكاديمية محمد السادس لكرة القدم"، التي دشنت رسمياً في 31 مارس 2010 بمدينة سلا، والتي تمثل حجر الزاوية في النهضة الكروية المغربية. فقد جرى تصميمها وفق معايير عالمية تجمع بين التكوين التقني، والتعليم الأكاديمي، والرعاية الصحية والنفسية، لتصنع جيلاً من اللاعبين يزاوج بين الموهبة الفطرية والانضباط الاحترافي. هذه "الرؤية المتبصرة" هي التي أنتجت أعمدة المنتخب الوطني وأيقونات الدوريات الأوروبية، أمثال يوسف النصيري ونايف أكرد وعز الدين أوناحي وياسر محمد زبيري وغيرهم. وهكذا، أصبحت الأكاديمية "نموذجاً بصرياً" للنجاح القاري ومختبراً حياً لهندسة "الحلم المغربي" بلغة الاحتراف الرياضي، مؤكدة على بُعد نظر جلالة الملك محمد السادس في بناء مستقبل كرة القدم وتعزيز الانتماء للهوية الوطنية. إن صورة اللاعب المغربي وهو يقبّل شعار المنتخب، أو الجماهير وهي ترفع الأعلام في الدوحة والرباط وسانتياغو، أو لحظة السجود والفرح والدعم من طرف الأمهات والأسر، ليست مجرد مشاهد عاطفية بل هي "صور سيميولوجية مشحونة بالدلالات الرمزية" التي تعبر عن الهوية الثقافية المغربية المتجذرة. تتحول الصورة هنا إلى "خطاب ثقافي بصري" يوحّد المشاعر ويعيد إنتاج معنى الانتماء بعمق. وعندما تتجه عدسات العالم نحو المغرب، كما في المونديال الأخير أو خلال استضافة كأس أمم إفريقيا 2025 وملف تنظيم كأس العالم 2030 المشترك، فإن المملكة لا تعرض فقط قدرتها التنظيمية، بل تقدم "سرديتها البصرية" كبلد حضاري منفتح، يؤمن بقوة شبابه ووحدة شعبه. هذا التحول في الخطاب البصري لم يقتصر على الصور الواقعية فحسب، بل امتد ليشمل الفضاء الرقمي، حيث لعب الذكاء الاصطناعي (AI) دوراً بارزاً في تعميق الرمزية الوطنية للمنتخب. فانتشرت على نطاق واسع صور ومقاطع فيديو مُولّدة بالذكاء الاصطناعي تُصوّر لاعبي "أسود الأطلس" على شكل أسود مهيبة وقوية، أو تدمج وجوه اللاعبين في هيئات الأسد الرمزية. وقد لامست هذه الصور، ذات الجودة البصرية العالية والتعبيرية المكثفة، وجدان الجماهير بعمق، إذ لم تكن مجرد فنون رقمية عابرة، بل تحولت إلى "مضامين بصرية مُعززة" رسخت الهوية البصرية للمنتخب. لقد رسّخت هذه الصور الرقمية الإحساس بالفخر والقوة غير القابلة للكسر، وحولت الرمز الرياضي إلى أيقونة وطنية رقمية قابلة للتداول السريع، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الخطاب البصري الشامل لكرة القدم المغربية. استضافة المغرب لكأس أمم إفريقيا، ومشاركته في ملف كأس العالم 2030، هي امتداد طبيعي لتثبيت هذه "الصورة البصرية" الجديدة. فكل ملعب جديد، وكل مباراة تُنقل، وكل صورة تُتداول على الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، تساهم في تثبيت صورة المغرب كقوة رياضية وثقافية قادرة على التنافس والتأثير. الكرة المغربية اليوم ليست مجرد نتائج على لوحة الترتيب، بل هي "خطاب متكامل عن الذات الوطنية في زمن الصورة"، فضاء تتقاطع فيه الدلالة الرياضية مع الرمزية الثقافية، ويجد فيه المغربي ذاته وهو يرى رايته ترتفع في المنصات العالمية، لتصبح الرياضة أفقاً واسعاً لبناء وطن يثق في نفسه ويقرأ صورته من خلال مقارعته لأعتى المنتخبات وانتصاراته في الملعب وفي وجدان الأمة. -خبير وباحث في قضايا الإعلام والتواصل