لم يشأ شهر أكتوبر من سنة 2025 أن ينسحب دون أن يترك بصمة أو أثراً... لقد أراد أن يكون مختلفاً عن غيره من شهور السنة الشمسية... فقد بدا لنا عمره أطول من المعتاد، وأنه يفضل طريقة "العرض البطيء" في مروره على أن يمر مسرعاً كرياح فصل الخريف... فشهر أكتوبر لهذه السنة لا يشبه ذاته.. فقد جاء استثناءً عن باقي شهور أكتوبر السابقة... إذ عرف أحداثاً ومحطات تاريخية فارقة في تاريخ المغرب الحديث... فقد عرفت أيامه الأولى احتجاجات شباب "جيل زيد" ورفعهم مطالب اجتماعية وثقافية كالصحة والتعليم والشغل... وما تلا ذلك من تفاعل حكومي حول تلك المطالب الاجتماعية المضمونة بالنصوص الدستورية والمطالبة بتنزيلها دون تأخير أو تهاون... وجاء الرد الجميل والحكيم في خطاب سامٍ بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية في العاشر من أكتوبر حيث ذكرنا ذات الخطاب بأن مجالات الصحة والتعليم ليست رهينة زمن حكومي أو برلماني أو حملات انتخابية ... لكنها اختيارات إستراتيجية ومصيرية للأمة المغربية... وستتأكد العناية الملكية بهذه الأوراش الوطنية الاستراتيجية بالإعلان عن الرفع من ميزانيات الصحة والتعليم (140 مليار) وخلق مناصب شغل (27 ألفاً) ... بمناسبة انعقاد المجلس الوزاري برئاسة ملك البلاد محمد السادس... في نفس الوقت كان المغرب يدير مفاوضات معقدة وطويلة مع الاتحاد الأوروبي بخصوص اتفاقية الفلاحة والصيد البحري (4 أكتوبر) ومع روسيا أيضاً.. ويتعرض لحملة إعلامية شرسة تستهدف رموز ورجالات الدولة في المؤسسات الدستورية والأمنية السيادية... من أجل النيل من صورته بالخارج وإضعاف مركزه التفاوضي مع بروكسل.... لقد اعتقد البعض أن خروج الشباب المغربي في احتجاجات سلمية هو تهديد للدولة في حين أنه ظاهرة صحية ودليل على أن المجتمع المغربي حيٌّ يتفاعل ويتحرك بمسؤولية... وأن الفاعل الأمني حاضر مكلف بحماية الممتلكات العامة والخاصة وبالحفاظ على الأمن.. والدليل هو أن نفس الشباب سيعود للشارع العمومي للاحتفال بفوز "أشبال الأطلس" ببطولة العالم نسخة تشيلي 2025... وستعرف شوارع العاصمة الرباط خروج "كبير العائلة" لمشاركة الشعب فرحته بالفوز التاريخي بكأس العالم... وسيستمر الشارع في احتفالاته باستقبال شعبي كبير لأفراد منتخب الأشبال في شوارع العاصمة وحملهم الكأس الغالية إلى القصر الملكي بالرباط واستقبالهم من طرف ولي العهد الأمير مولاي الحسن بالقصر الملكي.. وفي ليلة الجمعة 31 أكتوبر 2025، سيتابع المغاربة في الداخل وفي الخارج بشكل غير مسبوق جلسة مجلس الأمن الخاصة بملف مغربية الصحراء... التي تصادف الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة... لقد حرص جلالة الملك على التواصل المباشر مع الشعب في كل المحطات التاريخية المهمة كخطاب 9 مارس 2011 وقيادته لمرحلة الكوفيد 19 وإعلانه عن تنظيم كأس العالم لسنة 2030... لذلك كان خروجه ليلة الجمعة 31 أكتوبر بخطاب ملكي سامٍ لمشاركة الشعب المغربي طعم الارتياح لمضمون قرار مجلس الأمن رقم 2797 والذي جعل من مبادرة الحكم الذاتي الإطار الوحيد والواقعي لحل ملف الصحراء المغربية... وهو الخطاب المعلن عن مغرب ما قبل ليلة 31 أكتوبر وما بعد 31 أكتوبر... إذ لا مجال بعد اليوم للحديث عن حدود المغرب الحقة والقانونية... لقد جبَّ قرار مجلس الأمن رقم 2797 ما قبله من قرارات... ولن يُسمح بعد اليوم إلا بالاشتغال من داخل مبادرة الحكم الذاتي التي وعد ذات الخطاب بتحيينها وتفصيلها وتقديمها لاحقاً لهيئة الأممالمتحدة.... كانت بحق ليلة بيضاء لم ينم فيها المغاربة.. إذ خرجوا للشارع العام للاحتفال بالحدث التاريخي الممهد للطي النهائي لملف مغربية الصحراء المفتعل... وكان في خروجهم الجماعي والاحتفال الجماعي بقرار مجلس الأمن رقم 2797 تأكيد جديد على الإجماع الوطني حول قضية المغاربة الأولى ومنظارهم للعالم... كل هذه الأحداث التاريخية عرفها شهر أكتوبر 2025.. وسقطت أوراق الخريف الذابلة على أرصفة الشارع العام... ومهدت الطريق لأوراق خصبة تزين أشجارنا وشوارع مغرب ما بعد 31 أكتوبر.... فشكراً لشهر أكتوبر الكبير...