اسرائيل تشن هجوما على منطقة مجاورة للقصر الرئاسي في دمشق لحماية "الدروز"    وفاة الفنان محمد الشوبي بعد صراع مع المرض    وفاة الفنان محمد الشوبي بعد صراع مع المرض    طنجة: سخان ماء يتسبب في حريق.. وتدخل عاجل للوقاية المدنية يجنّب المأساة    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    دفاع الجديدة يعود بالتعادل من بركان    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    متطوعون ينقذون محاصرين بزاكورة    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    "أشبال المغرب" يستهلون كأس إفريقيا بفوز شاق على منتخب كينيا    الدمناتي: مسيرة FDT بطنجة ناجحة والاتحاد الاشتراكي سيظل دائما في صفوف النضال مدافعا عن حقوق الشغيلة    تيزنيت: الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ينظم تظاهرته بمناسبة فاتح ماي 2025 ( صور )    عندما يهاجم بنكيران الشعب.. هل زلّ لسانه أم كشف ما في داخله؟    وزراء خارجية "البريكس" وشركاؤهم يجتمعون في ريو دي جانيرو    في عيد الشغل.. أمين عام حزب سياسي يتهم نقابات بالبيع والشراء مع الحكومة    صادرات الفوسفاط بقيمة 20,3 مليار درهم عند متم مارس 2025    تنفيذ قانون المالية لسنة 2025.. فائض خزينة بقيمة 5,9 مليار درهم عند متم مارس    كلية الناظور تحتضن ندوة وطنية حول موضوع الصحة النفسية لدى الشباب    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    وفاة سبعيني بعد اندلاع حريق داخل منزله بتزوراخت نواحي اقليم الحسيمة    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    نشرة إنذارية: زخات رعدية وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    كرة القدم.. برشلونة يعلن غياب مدافعه كوندي بسبب الإصابة    توقيف لص من ذوي السوابق لانتشاله القبعات بشوارع طنجة    لماذا أصبحت BYD حديث كل المغاربة؟    عمر هلال يبرز بمانيلا المبادرات الملكية الاستراتيجية لفائدة البلدان النامية    رحيل أكبر معمرة في العالم.. الراهبة البرازيلية إينا كانابارو لوكاس توفيت عن 116 عاما    "تكريم لامرأة شجاعة".. ماحي بينبين يروي المسار الاستثنائي لوالدته في روايته الأخيرة    المركزيات النقابية تحتفي بعيد الشغل    موخاريق: الحكومة مسؤولة عن غلاء الأسعار .. ونرفض "قانون الإضراب"    تقرير: المغرب بين ثلاثي الصدارة الإفريقية في مكافحة التهريب.. ورتبته 53 عالميا    الحكومة تطلق خطة وطنية لمحاربة تلف الخضر والفواكه بعد الجني    المغرب يجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 9.16 مليار درهم في ثلاثة أشهر    أمل تيزنيت يرد على اتهامات الرشاد البرنوصي: "بلاغات مشبوهة وسيناريوهات خيالية"    معرض باريس.. تدشين جناح المغرب، ضيف شرف دورة 2025    المملكة المتحدة.. الإشادة بالتزام المغرب لفائدة الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل خلال نقاش بتشاتام هاوس    عادل سايح: روح الفريق هل التي حسمت النتيجة في النهاية    تسارع نمو القروض البنكية ب3,9 في المائة في مارس وفق نشرة الإحصائيات النقدية لبنك المغرب    دول ترسل طائرات إطفاء إلى إسرائيل    السكوري بمناسبة فاتح ماي: الحكومة ملتزمة بصرف الشطر الثاني من الزيادة في الأجور    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدعو الحكومة إلى تحسين الأجور بما يتناسب والارتفاع المضطرد للأسعار    أغاثا كريستي تعود للحياة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    دوري أبطال أوروبا (ذهاب نصف النهاية): إنتر يعود بتعادل ثمين من ميدان برشلونة    أكاديمية المملكة تشيد بريادة الملك محمد السادس في الدفاع عن القدس    الدار البيضاء ترحب بشعراء 4 قارات    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصل الخطاب في أسباب الإرهاب
نشر في هسبريس يوم 08 - 03 - 2010

ما زال النقاش يطرح حول قضية الإرهاب وحول أسبابها وأضحت الشغل الشاغل للحكومات للتصدي لها ومحاولة القضاء على جذورها والتي اختلف المحللون في حصرها ،وتحديد مسبباتها التي تتداخل فيها عدة عوامل متشابكة فيما بينها من سياسي واقتصادي وثقافي ،وقد ارتأيت المساهمة في هذا النقاش الدائر من خلل تحليل احد الأسباب الذي اعتبره أساسي ويشكل احد ابرز العناصر المغذية للظاهرة الإرهابية من خلال اعتمادنا على منهج الاستقراء.
وكان من أهم أسباب كتابة هذه السطور هو النقاش الدائر على منتديات الانترنت ومحاولة البعض إغراق العالم الافتراضي بأفكار إرهابية ومحاولة مصادرة الآراء الأخرى بإتباع أساليب شتى وقد حفزني هذا وزادني عزما على المساهمة في إجلاء بعض الحقائق في هذا المجال.
أولا :مظاهر الظاهرة الإرهابية
قد لا نحتاج إلى تعار يف كثيرة وشرح للمصطلحات فالظاهرة هي (كل النظم الاجتماعية والقواعد والاتجاهات العامة التي يشترك بإتباعها جماعة من المجتمع ويتخذون منها أساسا لتنظيم حياتهم العامة، وتنسيق العلاقات التي تربطهم بعضهم ببعض وبغيرهم)،
وإما تعريف الإرهاب (فهو الاستعمال العمدي والمنظم لوسائل من طبيعتها إثارة الرعب والخوف في المجتمع بقصد تحقيق أهداف معينة،وهذه الوسائل يمكن أن تكون مادية أو معنوية ).
من خلال هذين التعريفين يمكن رسم خريطة التجليات الأساسية لهذه الظاهرة وأسبابها ،وأولها :
1 )عموميتها
لا شك انه لا يوجد بلد سلم من هذه الظاهرة فقد أصبحت عامة ليس فقط في البلدان الإسلامية بل تعدتها إلى الدول الغربية التي توجد بها جاليات إسلامية.
2)ارتباطها بالإسلام
لاشك أن الإرهاب ليس ظاهرة إسلامية فكل الدول توجد بها جماعات إرهابية من أمريكا إلى اسبانيا حتى اليابان إلا أن السمة الغالبة للأعمال الإرهابية في السنوات الأخيرة هي ارتباطها بالجماعات الإسلامية.
وليس هذا تجنيا على الإسلام بقدر ما هو إقرار بان انتساب منفذي الأعمال الإرهابية اسميا للإسلام، بغض النظر عن مبررات هذه الأعمال خاصة في بؤر التوترات كالعراق وأفغانستان وغيره من البلدان التي تعاني من الاحتلال.
وهكذا نشأ خطاب ديني ينطلق من الإسلام ويتبنى فكرا يرمي إلى تغيير المنكر بالقوة المادية وتصفية كل أعداء هذا المشروع بغض النظر عن عقيدتهم وفكرهم فالمسلمون بدورهم يدخلون في قائمة الكفر، بعد أن كان الغرب فقط من يعتبر بلاد الكفر، وهكذا فالمبرر الأساسي للظاهرة يأخذ طابعا تكفيريا.
3)استعمالها للعنف المادي
اتسمت هذه الظاهرة باللجوء إلى أنواع العنف المادي واللجوء إلى أسلوب القتل والتدمير بعد أن كانت في البداية مجرد إرهاب فكري من خلال بعض الخطابات والأشرطة والكتب التي تعتمد أسلوب التخويف والترهيب من العذاب وجهنم وتكفير الأنظمة والمفكرين، وكان استعمال العنف المادي محدودا، فشهد العمل نقلة نوعية بمحاولة الاقتصاص من أعداء الله بعد أن كان الأمر في السابق متروك لإرادة الله .
(4 التهويل الإعلامي
وقد ساعد الإعلام بكل أنواعه بانتشار سريع للأفكار التكفيرية خاصة مع تتطور الانترنت ،والذي لعب دورا كبيرا في استقطاب الشباب لصف هذا المشروع من جميع دول العالم خاصة بعد استغلال حربي العراق وأفغانستان للترويج لانتصارات هذا المذهب على الأعداء من خلال بث بعض العمليات الجهادية ونشر كبير لرسائل زعماء هذا التوجه التهديدية للغرب .
5) اتخاذها طابعا التنظيم العالمي
بفضل الزخم الإعلامي الكبير لفت التوجه التكفيري الأنظار وجلب إليه كل اليائسين والتائهين ،وكون له إتباع على مستوى العالم وتشكلت تنظيمات وخلايا عنقودية في كل البلدان لتشكل عناقيد متفرقة ،ما يجمعها هو الإطار العام الذي تحرك فيه ،سواء كان الدولة أو المدينة أو حتى القارة، و الاتصال بينها محدود في رؤوس هذه العناقيد والتي تشكل نواة تدور حولها مجموعة من الأفراد على شكل ذراه أو حبات ، فيصعب فك هذا التنظيمات واكتشافها وحتى وان اكتشفت تكون هناك تنظيمات أخرى تعمل في نفس الإطار.
ثانيا :أسباب الظاهرة
من خلال هذه التجليات العامة يمكن أن نفهم بعض الأسباب التي تكمن وراء هذه الظاهرة في ما يلي:
رغم كثرة أسباب الظاهرة الإرهابية في العالم الإسلامي يمكن حصر بعض هذه الأسباب بشكل عام في أسباب ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية:
الأسباب الثقافية والفكرية
يعتبر العنصر الثقافي أو الفكري من بين أهم العناصر المسببة للإرهاب وذلك لكونه يشكل اصل التأصيل الشرعي لكل السلوكيات المؤطرة للتنظيمات الإرهابية من خلال نشر فهم خاص للدين ومنهج للتعامل مع باقي أفراد المجتمع ،ومن بين العناصر المساعدة والتي هيأت أرضية خصبة للإرهاب هي تنامي ظاهرة التدين وإقبال فئات عريضة من المجتمع على الدين فيما يسمى الصحوة الإسلامية والذي ساهم في خلق قاعدة للاستقطاب لأكبر عدد ممكن من الأعضاء خاصة بين مكونات هذه الصحوة، والتي تتصارع فيها نظريتان نظرية متشددة أو سلفية وهابية ونظرية معتدلة صوفية إخوانية .
ولما كانت الظاهرة الاخوانية في اغلبها تركز على الطبقة المثقفة والواعية نسبيا ركزت النظرية السلفية على الفئات الأمية وبذلك يمكن القول بان التوجه الوهابي هو االحاضنة للفكر الإرهابي وخرج من عباءته وليس هذا تجني على هذا التوجه و إنما هو نتيجة الوقوف على أكثر من تجربة في العالم ، في السعودية واليمن والأردن والصومال ومصر والعراق والشام ولبنان والجزائر وفي المغرب بالإضافة إلى الدول الإفريقية جنوب الصحراء، فاغلب عناصر التوجه التكفيري خرجت من عباءة الجماعات السلفية الوهابية وذلك من لاشتراكهما في الكثير من المواقف :
- المواقف من المخالفين للمنهج السلفي :فهم إما كفار أو ضالون أو فاسقون وفي أحسن الأحوال يتم تصنيفهم ضمن الفرق الضالة حسب التقسيم القديم لعلماء عصور الانحطاط ( من معتزلة و أشاعرة وصوفية أو رافضة إلى آخره من أسماء وصفات) ،كلها حقت عليها صفة الكفر أو الضلال.
-الانعزال عن المجتمع :لاشك أن الاتجاه السلفي الوهابي في اغلب الدول يتخذ طابعا انعزاليا داخل المجتمع وذلك من خلال القطيعة مع الكثير من عادات وتقاليد المجمتع على جميع المستويات ، على مستوى الأسماء مثلا (أبو فلان و أم فلان)، وعلى مستوى الخطاب واللغة حيث تستعمل لغة عربية فصحى في مجتمع تعود اللهجات ،وكذلك على مستوى اللباس ، فهو لباس غريب عن الواقع المحلي بدعوى اللباس السني والذي في الحقيقة ليس سوى لباس أفغاني أو باكستاني وفي أحسن الأحوال خليجي .
كما انه تم اختيار الانعزال عن المجتمع حتى في ممارسة الشعائر الدينية كالصلوات الخمس والجمعة والتراويح في رمضان ،فيمكنك التمييز بين المساجد الوهابية أو المصليات في الأحياء والتجزئات السكنية حتى انك تجد من يضطر إلى قطع مسافات طويلة لحضور صلاة في مسجد غير مسجد الحي الذي يسكن فيه مما يوحي بقطيعة مبطنة للإمام الذي ليس من نفس التوجه ،بالإضافة إلى نمط العيش الذي يتميز باحتراف المهن الحرة كتجارة الأعشاب والكتب والحرف البسيطة.
- استغلال حاجة الناس إلى الدين: لا شك أن إقبال الناس على التدين من خلال نشر المذهب وذلك عبر شبكة كبيرة من الوسائل وتقريب التدين من المواطنين عبر الأشرطة السمعية والفتاوى المتعددة من خلال الكتب المنتشرة بشكل كبير والمتاحة بأثمان مادية على صعيد كبير. وليس غريبا أن تجد الظاهرة منتشرة في أقاصي الجبال والقرى النائية لنفس السبب.
- استغلال اليأس والإحباط لدى فئات عريضة من المجتمع: في هذا الإطار يتم التركيز غالبا على المحبطين أو العاطلين عن العمل أو المنغمسين في المخدرات ومحاولة استقطابهم وتقمص دور المنقذ لهم وبذلك يكون المعني بالأمر خاضعا لتوجهات التنظيم ومنصاعا لأوامره مما يجعله قابلا لتنفيذ كل ما يطلب منه حتى ولو اقتضى الأمر الانتحار، هذه الفكرة أصلا شغلت تفكير هذه الطبقة وكانوا مستعدين للانتحار في قوارب الموت أو بواسطة المخدرات فتغير مفهوم الانتحار لديهم ليتخذ لبوسا دينيا ينتهي بالسعادة الأبدية المفقودة على الأرض .
- الدعم المالي: لا يخفى أن الجانب المادي يلعب دورا كبيرا في انتشار هذا التوجه وذلك من خلال التكفل بمتطلبات الأعضاء وحل مشاكلهم المادية وذلك من خلال توفير راس مال لبدء المشاريع التي يستفيد منها التنظيم بشكل مباشر أو غير مباشر ،فبيع الأشرطة والكتب والمصاحف يوفر دخلا كبيرا للجماعة خاصة أن اغلب هذه المواد ليست للبيع أو تأتي على شكل هبات لهذه الجمعيات ومنها ما يحمل (يهدى ولا يباع) وهو معروض للبيع .فبعملية حسابية يمكن توقع ما تذره هذه التجارة من أموال فإذا كان كتاب فقه السنة مثلا لا يقل ثمنه عن 80درهم أو مصحف مترجم للفرنسية ب 200 درهم فكم ستوفره هذه التجارة المشروعة يا ترى؟ .
- تبني منهج جاف ومجرد من العواطف
ويتجلى في غياب الرفق مع المخالفين وذلك من خلال استعمال أساليب بعيدة عن نموذج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يمثل الأسوة الحسنة في السلوك الإنساني الرفيع في التعامل مع الكفار ومع الأصنام و مع اليهود ،والذي يجسد الإسلام الذي احتاجه زمانه ونزله عليه على قدر فهم أصحابه وكان يعلمهم المنهج السليم في التنزيل كما في قصة الرجل الذي بال في المسجد والذي قام البعض يريد قتله لكن نبي الرحمة تفهم جهل الرجل و بين أن الأمر بسيط ليس فيه مس لقدسية المسجد وحرمته وليس فيه إهانة لهم فتم بذلك وضع السلوك في موضعه من خلال تصحيح فهم الرجل.
وهذا الجانب في هذا التوجه ستنتج عنه صراعات حول هذه المنافع وطرق استغلالها تتحول من صراع مادي إلى صراع فكري لابد من حسمه عقديا، فيتم اللجوء إلى النصوص الدينية وتأويلها من اجل ضرب الطرف الأخر فتنشا بذلك عدة توجهات تصل إلى حد التناقض يتيه بينها الأعضاء ويفقدون الثقة في مشايخهم .
وغياب آداب الحوار مع المخالفين والتعصب الأعمى للمذهب ولمشايخه يجعل الانجراف إلى استعمال العنف سهلا .
-الاشتراك في المشيخة: لقد لعب شيوخ الوهابية دورا كبيرا في نشر هذا التوجه وذلك من خلال التربية على احترام المشايخ،وفي نفس الوقت تعميم خطاب صارم في التعامل مع الفرق الضالة الأخرى وعدم التساهل معها ومع كل من يخالف نصوص السنة والقرآن فكان هذا المنهج هو نفسه ما سيطبقه الخارجون عن هذا التوجه نحو التكفير بإعمال منهج تكفير معطلة نصوص الحكم بما أنزل الله ومخالفة الأحاديث الصحيحة في مجال الجهاد وموالاة الأجنبي.
ومن خلال قراءة عامة لمشايخ هذا التوجه يتبين أنهم ينهلون من منهل واحد وهو التوجه الوهابي من خلال الدراسة في الخليج على يد مشايخ هذا التوجه أو من خلال تلامذتهم الذين درسوا على أيديهم فصاروا بدورهم شيوخ المذهب.
ففي إفريقيا مثلا يعتبر كل من درس في السعودية وحضر بعض دروس احد الشيوخ هناك أثناء دراسته يحصل على شهادة تزكية من هذا الشيخ ، فتجد انتشار هؤلاء الدارسين من غير الناطقين بالعربية والحاصلين على إجازات في الدراسات الإسلامية والتي هي اقل درجة من إجازة الناطقين بالعربية بحيث مستواهم العلمي وفهمهم للدين محدود جدا، لكن كونهم في دول ليس فيها علماء كبار يمكن أن يشكلوا مرجعا دينيا يتفاعل مع الناس ،واقتصار الإسلام في هذه الدول على الإسلام التقليدي القديم حيث مازالت خطب الجمعة القديمة هي التي تتلى كل جمعة ،بحيث الدعوة بالنصر لجيوش المرابطين والموحدين تتكرر في هذه الخطب، مما يبين جهل الناس أصلا بما يقال في الخطبة وهذا ما فسح المجال لهؤلاء إلى تبوء الإمامة في المساجد في الدول الإفريقية، وصاروا شيوخا وأسسوا الخلوات( جمع خلوة وهي المدرسة القرآنية)، فكثر أتباعهم .هذا العنصر يضاف إليه الدعم المادي الذي يتوصلون به من المنظمات الخيرية الإسلامية والتي تضخ لهم أموالا كثيرة مكنت بعضهم من بناء مدن حسب تصورهم (تشاد نموذجا يوجد تجمع اسمه مدينة يتزعمه احد الشيوخ )تم فيها الفصل بين النساء والرجال وتستقطب إليها كل المهتدين للإسلام والذين بنفسهم لا يفهمون في الدين شيء، ومن خلال غياب التأطير يسهل توجيههم نحو أي اتجاه ،كمثل الحركات التي قامت في نيجيريا التي حرمت الذهاب للمدارس العصرية (جماعة بوكو حرام =مدرسة حرام) وحرمت التعامل مع الحكومة وانتهت بمجازر دهب ضحيتها الكثير .
الأسباب السياسية :
لا شك أن السياسة لعبت دورا كبير في تغذية الظاهرة الإرهابية بشكل أو بأخر سواء كانت السياسة المحلية أو الدولية،فاختلال ميزان القوى على مستوى العالم ضد القضايا الإسلامية خلق نوعا من فقدان الثقة في المجتمع الدولي ومؤسساته .
أما على المستويات المحلية فان تجليات هذا الأمر متعددة وكثيرة يمكن حصرها فيما يلي:
* تعمد الدولة دعم هذه التيارات في بدايتها والسكوت عن أنشطتها في إطار سياسة محاصرة الحركات الإسلامية المعتدلة أو ما يسمى بالتوجه الاخواني . وليس غريبا أن تكتوي الدولة بنار هذا التوجه خاصة في السعودية والتي اضطرت إلى تغيير الخطاب الديني بدرجة مائة وثمانين درجة بحيث يتم الحديث حاليا عن الإسلام المعتدل و الوسطي في السعودية والخليج ، كما أصبحت كل التنظيمات التي تدور في الفلك السعودي تحاول أن تغير من موقفها في حالة رغبتها في مواصلة الاستفادة من الدعم المادي أو اختيار التوجه التكفيري في حالة المعارضة.
* فشل الدولة في ترويج اسلام وسطي معتدل بعبارة اخرى العجز على تسويق منتوج جيد ومرغوب من خلال الاعتماد على مسوقين فاشلين مما فسح المجال لهذا التوجه لاكتساح المجال الديني لتلبية هذه الحاجة.
* تنامي ظاهرة التيارات العلمانية والمنادية بتطبيق العلمانية أو الحداثة في مجتمعات إسلامية مما خلق رغبة في التصدي لهؤلاء من خلال الإحساس بالمسؤولية عن الدفاع عن الإسلام، خاصة أن بعض المشايخ يروجون أنهم حراس العقيدة وهم من سخرهم الله للتصدي للمبتدعة والفرق الضالة فيجد العضو نفسه متحمسا للتصدي لهؤلاء من خلال تبني الأفكار التي تعتمد على النص الديني وتنزيله دون مراعاة لمقتضيات المقام والحال .
الأسباب الاقتصادية والاجتماعية
ويمكن حصر هذه الأسباب فيما يأتي:
–الفقر والحرمان يشكلان عنصران أساسيان في تغذية هذه الظاهرة وليست بالضرورة سببا مباشرا لها بحيث ليس بالضرورة كل المحرومين يشكلون مشاريع إرهابيين وان يشكلون حطبا يمكن استعماله في التدفئة أو في نفس الوقت في إحراق الآخرين
– ضعف الثقافة الدينية في المناهج التعليمية
* فما يدرس في هذه المناهج وطرق تدريسه أيضا لا يؤهل الطلاب في الحصول على الحد الأدنى من الإجابات الضرورية حول الدين وقد أدى ضعف المقررات الدينية، وعدم تلبيتها لحاجات الطلاب الى اللجوء الى تلبية هذه الحاجة من خلال وسائل أخرى تكون غالبا خارجية
-الجهل الأسري بالدين : داخل الأسرة أيضا لا توجد ثقافة دينية يمكن أن تلبي حاجات الأبناء، كما أن الأسرة ليست لها القدرة على ممارسة الرقابة على الأبناء في مجال تلقي الأمور الدينية .
– غياب دور العلماء
* لاشك إن دور العلماء في المجتمعات الإسلامية مهم وهم المستأمنون على دين الأمة ،إلا أن غيابهم أو تغييبهم ترك الساحة أمام الجهال للتفرغ للفتوى وتلبية حاجيات الناس اليومية للرأي الديني في الأمور الحياتية المستجدة ،ومما يحاول البعض تجاهله هو دور الدين في المجتمعات الإسلامية بحيث مازال الدين المحدد الأساس في حركية الكثير من الناس وغياب دور المسجد حيث اقتصر على الصلاة فقط
ثالثا :خلاصات
من خلال ما سبق توضيحه اتضحت مستويات المسؤولية ودرجة توزيعها على مختلف الجهات سواء كانت الدولة أو العلماء أو المجتمع من اجل محاصرة هذه الظاهرة التي أساءت للإسلام والمسلمين وأضرت بالإسلام ومصالح المسلمين وغذت الكراهية والعداوة لكل ما يمت للإسلام بصلة .
-إن تدخل الدولة في المجال الديني يجب أن يوكل للعلماء ومؤسساتهم دون تغليب هذه الطائفة أو تلك وذلك من خلال ضمان استقلالية مؤسسة العلماء عن السلطة لان انحيازها لجانبها يرى فيه البعض استغلالا سياسيا للدين يفقد المؤسسة هيبتها وهذا ليس بالضرورة انفصالا بين الدولة و العلماء وإنما أن لا تصاغ أراء العلماء حسب ما تريده الدولة .
-الاستجابة لحاجة الناس للدين وتلبية رغباتهم في مجال الفتوى والتعليم الديني بحيث يجب أن تكون المدرسة عنصرا أساسيا في تثقيف الفرد وتحصينه من الفكر التكفيري مند الصغر ،أما موضوع تأميم الفتوى وجعلها بيد علماء الدولة فليس بالحل الناجع لان وسائل الفتوى أصبحت متعددة وميسرة على جميع المستويات تضع أمام السائل إجابات كثيرة ومتعددة قد لا تتوافق مع رأي مفتي الدولة مما يخلق لدى المتلقي خلطا في الفهم ،أو ربما ينقص من قيمة المفتي الرسمي من خلال استحضار الصورة النمطية المرسومة في أدهان الناس حول هؤلاء الأشخاص مهما بلغت درجتهم من العلم لسبب ارتباطهم بالسلطة .
-الحاجة إلى فتح حوار فكري شامل حول المفاهيم الإسلامية ومقاصد الإسلام من خلال إعادة الاعتبار للرسالة المحمدية وإعادة قراءة السيرة النبوية والتأسي بها في جميع مناحي الحياة.
-إعادة الاعتبار للدين في مناحي حياة الناس في الاقتصاد في السياسة وفي الفن وفي الثقافة وغيره من خلال إنتاج بدائل محلية تجيب عن الإشكالات المعاصرة وتلبي حاجات الناس من خلال الانفتاح على التراث الحضاري الإنساني والنهل منه .
*خبير في الشؤون الإفريقية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.