يحتفي المغاربة، ككل المسلمين في العالم، بقدوم شهر رمضان المبارك في هذه الأيام. وهو شهر ليس ككل الشهور، هو فريضة من فرائض الدين الإسلامي. بمعنى أن الإسلام لا يستقيم إلا بقضاء هذه الفريضة العجيبة. فعلا هي فريضة عجيبة وهو شهر عظيم وعجيب بالنظر إلى باقي الشهور وباقي فرائض الدين الإسلامي. كل الأشياء تتغير في هذا الشهر سواء ما هو ديني أو ما هو اجتماعي أو سياسي أو ثقافي أو غير دلك. يهمنا هنا المستوى الأول الديني. طبيعي أن نتحدث عن الجانب الديني بالدرجة الأولى، بحكم أن هذا الشهر يرتبط عند كل المسلمين بالعقيدة فقط. في هذا الشهر تتغير الأشياء وتتغير الظواهر الدينية عند المسلمين سواء المفروضة أو غير المفروضة، كما تتغير طبيعة التفكير في هذه الظواهر أيضا. في رمضان ينطلق المسلمون في إسلامهم من مستوى معين إلى مستوى آخر يختلف قليلا أو كثيرا عن المستوى الأول. إضافة إلى تغيير هذه الظواهر الدينية تتغير أيضا الظواهر الاجتماعية وتتغير نظرة المسلمين إلى ما هو اجتماعي بشكل كبير. يكفي فقط لكي نلاحظ هذه التغيرات الاجتماعية والدينية والثقافية أن نمر بإحدى شوارع المدن المغربية في الساعات القريبة من آذان صلاة المغرب لنكتشف أن المغاربة يصومون لله ويصومون لأشياء أخرى أيضا. تختلق كل الأشياء في هذه الساعات القريبة من آذان صلاة المغرب، ترتفع درجة الحركة كما يرتفع الضغط النفسي عند الناس. حركة البيع والشراء غير معهودة، كل الناس يتهافتون على شراء الأشياء الرمضانية من حلويات وثمور ومواد أخرى خاصة برمضان إضافة إلى ملابس معينة مغربية تقليدية هي أيضا خاصة برمضان. طبيعة الناس النفسية هي أيضا تتغير في رمضان، أحيانا يهدؤون وأحيانا أخرى يثورون أكثر من اللازم، خصوصا في المدة الزمنية التي تربط صلاة العصر بصلاة المغرب، في هذه الفترة يرتفع الضغط النفسي وتتكاثر النزاعات الثنائية والجماعية سواء في الأسواق أو في الشوارع العمومية أو في الحافلات أو عند أصحاب السيارات الصغيرة والكبيرة وغيرها من الأماكن. ما يثير الانتباه في هذه الصراعات هو أنها لا تحدث بهذا الشكل إلا في رمضان كما أن طبيعة الكلام الذي يتداول بين الناس المتخاصمين هو في الغالب كلاما فاحشا وكلاما لا يستحيي من رمضان ولا من الله. لأجل كل ذلك من حقنا أن نتساءل لماذا يصوم المغاربة؟ وهل صيام بعض المغاربة مقبول أو غير مقبول من الناحية الدينية؟ يهمنا أن نطرح هذا النوع من الأسئلة ولكن ليس من حقنا أن نجيب عنها، الجواب يقتضي أن تكون متخصصا في هذا المجال ونحن ثقافتنا بالدين هي ثقافة سطحية ولا ترقى إلى الأشياء العميقة، لدلك نكتفي بطرح السؤال على أن تكون للناس المتخصصين جرأة علمية وأمانة دينية من أجل الإجابة على الأسئلة التي يطرها الناس في الشارع المغربي. من الأشياء المستجدة في شهر رمضان لهذه السنة هو أنه أتانا في فصل الصيف. ويجب أن نعرف ما معنى أن يأتي رمضان في فصل الصيف، الحرارة المرتفعة وصلت لدرجات لم تصلها من قبل خصوصا في اليومين الأولين من رمضان. هذا الارتفاع المهول لدرجة الحرارة في رمضان دفع بالمغاربة إلى التخوف من أن تستمر درجات الحرارة مرتفعة طيلة رمضان ولكن ذلك لم يستمر إلا أياما قليلة جدا حتى أتانا الله بجو مختلف تماما عن اليومين الأولين، انخفضت درجات الحرارة وأتانا المطر من حيث لا نحتسب. ولكن رغم ذلك يبدو أن المغاربة لم يقتنعوا واستمروا في الشكوى بطريقتهم الخاصة. يقولون الجو حار ولا نستطيع أن نتمم اليوم إلا بصعوبة كبيرة جدا ويقولون مبررات أخرى تدفعنا أيضا إلى طرح أسئلة مشروعة، هل المغاربة مقتنعون بالصوم في رمضان أم أنهم يفضلون الحرية التي تعطى لإخوانهم في بعض الدول العربية؟؟ لكن أنا مقتنع أن رمضان سواء كان في فصل الصيف أو في غير فصل الصيف سيكون سلسا وبسيطا. لا بأس بالإحساس بقليل من الجوع والعطش وهذا طبيعي جدا وإلا فلماذا فرض رمضان ؟. هذه الحرية، في الصوم، التي يريد بعض المغاربة أخذها من بعض الدول العربية الشقيقة نجدها تظهر عند بعض الناس ممن يدعون لنفسهم الحداثة والحرية والعولمة و و و وكأن الإسلام لا يعترف بهذه الحرية وهذه الحداثة وهذه العولمة. قام بعض الناس في السنة الفائتة بمدينة المحمدية بمحاول تنظيم إفطار جماعي وعلني في وسط النهار، لكن هذا التنظيم قامت بمنعه السلطات المغربية وفي هذه السنة، وسنوات أخرى فائتة، يقوم بعض المغاربة بالإفطار في رمضان سواء علنا أو سرا. هذا الأمر أصبح معتادا وطبيعيا لدرجة أننا لو وجدنا رجلا يأكل أو يشرب أو يأخذ سيجارة بل وحتى يشرب الخمر في وسط النهار وفي رمضان لا نبالي بهذا الأمر ونعتبره طبيعا جدا. هذه الحالات رأيتها بأم عيني في رمضان، تأسفت لها ولكن لم أمنعها إلا بطريقتي الخاصة. من رأى منكم منكرا فليغيره إما بلسانة أو بقلبه. وأنا غيرت المنكر بقلبي وتأسفت على إسلام أصبح منسيا وغريبا ولكن سيصبح يوما ما قويا وعاليا لا يعلى عليه. هكذا سيكون الإسلام أحب من أحب وكره من كره. والخزي لكل من شكك في رمضان والإسلام وادعى الحرية والحداثة الملعونة التي باسمها يخرب الإسلام. مع بداية رمضان يكثر الحديث عن الإسلام والقرآن، ولقد قام أحد الزملاء في الأيام الأولى من رمضان بوضع فيديو على إحدى المواقع الإليكترونية، في هذا الفيديو يتقدم إذاعي مغربي بتفسير القرآن الكريم بالدارجة المغربية. هذا الفيديو أثار انتباهي وشاهدته أكثر من مرة. شاهدته بهدوء. قرأت الأفكار التي يريد صاحب الفيديو تبليغها والطريقة التي يفسر بها هذا الإذاعي القرآن الكريم بالدارجة المغربية. وبالمناسبة هذا الإذاعي المغربي كنت قد شاهدته في برنامج سابق على إحدى القنوات العربية يسير برنامجا كان موضوعه هو لماذا نطرد المبشرين من المغرب؟ والرسالة التي يريد تبليغها في هذا البرنامج هي" نعم لقبول المبشرين في المغرب ولا لطردهم". واليوم هاهو هذا الإذاعي المغربي الذي يدعي الحرية في كل شيء، يفسر القرآن بالدارجة المغربية وعلى قناة غير مغربية. ربما لو كان هذا التفسير بعيدا عن الذاتية لكنت تقبلته قليلا، ولكن للأسف هذا الإذاعي المجنون يفسر القرآن بالدارجة المغربية بطريقة استهزائية وهو ما أثار جنوني أنا أيضا. يتحدث عن القرآن كما يتحدث الصهاينة عن الفلسطينيين، لا وجود لقلة الحياء في كلامه ولا وجود لذرة احترام لكل المسلمين. بجرأة كبيرة يتحدى القرآن وبجرأة كبيرة أيضا يتحدانا هذا الصديق وينشر هذا الفيديو على المواقع الإليكترونية باسم الحرية والحداثة وغيرها، وهو ما لم ألمسه أنا في شخصيته بحكم العلاقة التي كانت تجمعني به. هي ليست علاقة صداقة بيننا وإنما علاقة مصلحة فقط. هذا ما قاله هو. كنت ألتقي به في شوارع الرباط بحكم العطالة الملعونة التي كانت تجمعنا جميعا داخل مجموعة الشعلة للأطر العليا المعطلة، وبالمناسبة لقد خانني هذا، الصديق، بكلماته من داخل المجموعة. وقد كان دائما يتحدانا بكلمات ومواضيع ثقافية مشبوهة كان يهدف منها إلى تشويه مكانة الدين باسم الحرية. أنا لست تقليديا بالمعنى التقليدي القديم ولكني حداثي محافظ لذلك أقول الذي أقوله بخصوص هذا الإذاعي وهذا الصديق الغريب. لا أريد أن أعطي مثالا على بعض الآيات القرآنية التي فسرها هذا الإذاعي بالدارجة المغربية مراعاة لأحاسيس القراء، ولكن للأسف هذا الإذاعي لم يلتزم بأخلاقيات الحرية والقانون وتجرأ على مس حرية الآخرين باسم حرية مشبوهة وملغومة صنعها هو. اسرد هذه القصة لأقول أن في رمضان يتطور الحديث عن الإسلام، سواء بطريقة إيجابية أو سلبية. هذا النقاش هو ايجابي كيفما كانت الأحوال، هو ايجابي باسم الحرية. وأكيد أنه سيكون إيجابيا بشكل كبير للدين والإسلام أحب من أحب وكره من كره. هذه النقاشات ستبدو جانبية للبعض وسينظرون إليها بسلبية كبيرة ولكنها ستخلق النقاش. من بين الأشياء التي أتأسف لها أيضا في رمضان هي بعض العادات المغربية التي تتلاعب بالدين والإسلام. مساجد تمتلئ في رمضان وتفرغ في غير رمضان. صدقات تكثر في رمضان وتقل في غير رمضان. نقاشات عن الدين في رمضان وتقل في غير رمضان. ولكن بالمقابل احتفالات وسهرات وبرامج صاخبة في رمضان وفي غير رمضان، وهي مفارقة عجيبة تدفعنا جميعا إلى التأمل والتساؤل والتنبؤ بمستقبل معين لا نعرف عواقبه. برامج تلفزيونية على القناة الأولى والثانية إما أنها فكاهية أو فنية. القناة الأولى تحتفي برمضان على طريقتها الخاصة، سهرات أسبوعية فيها مطربين من المغرب وخارج المغرب، عندما تشاهد هذه السهرات أقل ما يمكن أن تقول هو أنك لست في رمضان. هذه هي أقل الأشياء التي يمكن أن نصرح ونعترف بها أيضا. أما البرامج الفكاهية حدث ولا حرج، الساعات الأولى من اليوم تخصص للمسلسلات الأجنبية إما مكسيكية أو أمريكية أو هندية أو يابانية أو أو أو لست أدري. و في المساء برامج فكاهية وفنية مغربية. ما نقوله عن برامج القناة الأولى يمكننا قوله أيضا عن برامج القناة الثانية. ما يثير انتباهي في هذه البرامج هو الوقت الذي تبث فيه على القناتين، سواء الأولى أو الثانية. برامج فكاهية مختلفة قبل الإفطار بدقائق قليلة وبرامج أخرى بعد الإفطار مباشرة. الذي أريد أن أعرف من هؤلاء الفنانين والمنتجين والإذاعيين لماذا يتم بث هذه البرامج فقط في رمضان ولماذا يتم بثها قبل الإفطار بدقائق حيث هو الزمن الذي يحبب فيه كثرة الدعاء وذكر الله، وكذلك بعد الإفطار حيث تقام صلاة التراويح، في هذا التوقيت تقوم القناتين ببث برامجها الفكاهية. أنا شخصيا لا أعرف الجواب الحقيقي، يمكن أن أعطي بعض الأجوبة السطحية والبسيطة ولكن أعتقد أن أصحاب القرار في القناتين لهم دوافعهم الخاصة، أكيد أنا لا أعرفها. هذا رمضان يختلف باختلاف المناطق والمدن المغربية، قبل أسبوع كنت في الرباط وها أنا الآن في تازة، ورمضان في تازة يختلف بشكل أو بآخر عن رمضان في الرباط. الحداثة والحرية الزائدة في الرباط تسمح بكل شيء، تسمح بالصوم وبالإفطار أما في تازة فيستحيل أن تفطر. القانون يمنعك والدين يمنعك والأخلاق تمنعك والعادات والتقاليد تمنعك والخوف من الله يمنعك. كما أن شوارع الرباط يمكنها أن تفرض عليك الإفطار من حيث لا تدري. الالتزام الأخلاقي غير موجود للأسف. نساء وفتيات عاريات غير محتشمات وهذا طبيعي جدا في مدينة الرباط التي تدعي لنفسها الحداثة والحرية في كل شيء، على عكس مدينة تازة التي تلتزم شوارعها بأخلاق طيبة هي بمثل طيبوبة سكانها، نادرا جدا ما تجد فتاة أو امرأة لا ترتدي الجلباب في رمضان. الجلباب هي علامة من علامات التقوى في تازة. شيأ فشيأ تمر أيام رمضان وتمر مع رمضان صلاة التراويح وتلاوة القرآن وغيرها من الأعمال الحميدة. على أمل أن يأتي رمضان أخر في سنة أخرى، لا ندري هل نستمر في الوجود إلى رمضان الموالي أم أن القدر سيفرض علينا حياة جديدة، نلتقي فيها جميعا حداثيين وتقليديين. فلاسفة وأدباء. فقهاء وعلماء. أغنياء وفقراء. نلتقي جميعا في تلك الحياة التي أريد لها أن تكون أفضل بكثير من الحياة التي نحياها الآن. هكذا أريد لحياتي، وحياتكم جميعا، أن تكون في اللقاء الذي سيجمعنا بعد قليل.