يشكل المجتمع المدني ذلك "الحيز الموجود في مسار تنظيم المجتمع وتأطيره، كما يعد النسيج الاجتماعي والفعاليات الجمعوية والهيآت المدنية والآليات غير المؤسساتية التي تشتغل إلى جانب السلطات العمومية والمجالس المنتخبة، وبموازاة هيئاتها الرسمية، لكن ليس تحت مظلتها" (الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة " التقرير التركيبي ص 52 منشورات الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، أبريل 2014). وقد عرف بلدنا حواراً وطنياً حول الشراكة مع المجتمع المدني يقدم تجربة كبيرة في مجال التعاطي مع الشأن المجتمعي، باعتباره قوة اقتراحية، ورافعة أساسية للارتقاء بالمشاركة المدنية إلى مستوى الفعل في إطار الديمقراطية التشاركية، بوصفها إحدى الأسس التي يستند عليها الدستور الذي أقره المغاربة في فاتح يوليوز2011، والذي أكد على أهمية دور المجتمع المدني، وذلك بإعطائه دورا أكبر من خلال إشراكه في إعداد السياسات العمومية وتمكينه من أدوار جديدة . في هذا السياق ينص الفصل 12 على أنه " تُساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها". ويكتسي الحوار الوطني حول المجتمع المدني، وأدواره الدستورية الجديدة طابعاً إستراتيجياً لكونه ينخرط في رؤية عصرية وحداثية تستجيب لحاجات وانتظارات الحركة المدنية والجمعوية المغربية باعتبارها فاعلا أساسيا في البناء الديمقراطي كما يندرج ضمن رؤية مسؤولة تسعى إلى تقوية أدوار المجتمع المدني وتبويئه المكانة التي يستحقها. بحيث خصه الدستور الجديد بأدوار ومهام مهمة، يعكس فعالية ونجاعة عمل المجتمع المغربي وتماسك وتضامن كل مكوناته وتطلعها إلى النهوض بأوضاع الفئات الهشة والمعوزة وتحقيق العدالة الاجتماعية . ومن ويكيبيديا، الموسوعة الحرة يشير مصطلح المجتمع المدني إلى كل أنواع الأنشطة التطوعية التي تنظمها الجماعة حول مصالح وقيم وأهداف مشتركة. وتشمل هذه الأنشطة المتنوعة الغاية التي ينخرط فيها المجتمع المدني تقديم الخدمات، أو دعم التعليم المستقل، أو التأثير على السياسات العامة. كما يعد المجتمع المدني رافعة من أجل وضع لبنات التنمية الاجتماعية في فضاء عمومي مفتوح، تحكمه قيم المواطنة ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. ورغم كل التعثرات والخلافات التي ظهرت في النقاش العمومي حول الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني، وذلك بسبب الصراعات الإيديولوجية بين التيارات المختلفة، فإن هذه الشراكة رغم ذلك تعدّ من المبادرات المهمة في تذليل الصعاب بين المواطن والإدارة إضافة إلى أنها تشكل إحدى لبنات تعزيز الديمقراطية ببلادنا. وإذا كان المجتمع المدني مجالا للتربية على المواطنة فإن الساكنة تعد فاعلا في التنمية المستدامة، وهو التصور الجديد حول الأدوار التي يتعين على المجتمع المدني أن يلعبها. والتي تهم أساسا تحقيق مساهمة فعالة للمجتمع المدني في السياسات العمومية المتعلقة بالسكان. وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن العمل الجمعوي الأمازيغي، حيث تمحور النقاش خاصة حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الجمعيات الأمازيغية في إبراز دور التعدد اللغوي والثقافي في التنمية المستدامة، وكذا في تطوير أساليب عملها وإمكانيات تجويد آدائها التشاركي مع المؤسسات العمومية، وكذا تعميق الحوار في آليات وأساليب تطوير عملها في مجال النهوض بالثقافة واللغة الأمازيغيتين. إلا أنّ أهم تحد يطرح أمام النسيج الجمعوي الأمازيغي هو إشكالية التكوين والتكوين المستمر، من أجل أن يكون هذا النسيج في مستوى التحديات التي تطرح في عصر العولمة، وأن يكون كذلك أداة الابتكار بخصوص المضي قدما نحو العالمية. وفي هذا الصدد يعد التكوين والتأهيل أهم الأسس لنجاح أي عمل جمعوي، حيث يكتسب الفاعلون النشطون مهارات وخبرات جديدة مما يمكنهم من الرقي بأساليب عملهم وتوسيع مجالاته، والخضوع لمعايير الحكامة الجيدة وحسن التدبير، حتى يرتكز العمل الجمعوي على قيم المواطنة والتشارك الفعال ذي المردودية. مما يزيد من مصداقية النسيج الجمعوي الأمازيغي ويقويه ويمكنه من مواجهة التغيرات الجارية. إن العمل الجمعوي الأمازيغي في الوقت الراهن أصبح عملا يوميا يتطلب تسييرا إداريا وتفرغا وتكوينا يرقى إلى المستوى المؤسساتي. فالتكوين أساسي في هذا المجال لمعالجة إشكال التتبع والتقويم ولكن ذلك سيكون صعبا إذا لم يتم في إطار مأسسة للعمل الجمعوي ليضمن له استمرارية وفاعلية يومية من خلال طاقم إداري وفريق ميداني، إضافة إلى تأهيل الحياة الجمعوية بقواعد جديدة لتكون مؤسسات شريكة في القرار والتفكير والتدبير والتقييم. وإذا كانت ظروف عمل العديد من الجمعيات لا تسمح بهذا التحول الهام، فإن البدء بتكوين الأعضاء النشيطين هو الخطوة الأولى في ذلك الاتجاه. ومن جهة أخرى فالتحدي الكبير أمام النسيج الجمعوي الأمازيغي هو البحث عن خارطة طريق لتنفيذ برامج التنمية المستدامة لأن النسيج الجمعوي أضحى فاعلا رئيسيا في بلورة السياسات العامة لصالح العنصر البشري في مختلف المناطق وخاصة المهمشة منها ، ويعدّ العامل الثقافي الهوياتي الأمازيغي رافعة لإنجاح هذا الرهان، وهذا ما يجعل موضوع تعليم الأمازيغية أحد أهم الأولويات في الشراكة بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والجمعيات العاملة في مجال النهوض بالأمازيغية، وكذا العناية بشؤون الطفل وقضايا المرأة، والتعريف بالحرف الأمازيغي تيفيناغ وبمختلف رموز الثقافة الأمازيغية بالإضافة إلى مجالات أخرى عديدة. وأهم الرهانات والتحديات التي تطرح الآن أمام النسيج الجمعوي هو كيفية المحافظة على الموروث الثقافي الأمازيغي أمام زحف وتحديات العولمة بكل مظاهرها، ولتحقيق تلك الغاية يجب أن يعمل الفاعلون الجمعويون على تعميق مضامين الثقافة الأمازيغية وقيمها في النفوس والأذهان عبر تأطير الساكنة في مختلف الجهات، ولعل أهم ما جاءت به التحولات الأخيرة ظهور عدد كبير من الجمعيات التنموية الأمازيغية التي تعمل في المناطق المهمشة، والتي استطاعت أن تربط بشكل موفق بين التنمية وعمقها الثقافي، وهو رهان هام جدا يتوقف عليه تحول الأمازيغية إلى وعي شعبي ذي امتداد في المجتمع. لقد عرف العمل الجمعوي الأمازيغي مراحل تطور عديدة، سواء على مستوى الخطاب أو التنظيم، وهو اليوم يتجه نحو تحديث آلياته استجابة لحاجات المرحلة وتحدياتها، ولعل أهم ما تحققه الشراكة بين الجمعيات والمؤسسات العمومية ومنها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، هو إيجاد التصور المشترك الذي يخلق التكامل المطلوب بين الطرفين من أجل أن تتحول الأمازيغية إلى دينامية اجتماعية شاملة، مما يشكل أحد العوامل التي تضمن تأثيرها وبقاءها. وبخصوص الإستراتيجية العامة للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الهادفة إلى النهوض بالأمازيغية، لغةً وثقافةً وهويّةً وحضارة، والحفاظ عليها، وتطويرها في كل المجالات، وجعلها من رافعات بناء مجتمع مغربي حداثي ديموقراطي؛ فقد تم أخذ بعين الاعتبار دور المجتمع المدني باعتماد مبدأ كون الأمازيغية قضية وطنية ومسؤولية ملقاة على عاتق الجميع وكل الفاعلين، لصياغة استراتيجية شمولية ومتكاملة توجه عمل المؤسسة في كافة مجالات اختصاصها؛ كما تمّ اعتماد مبدأ إيلاء الأهمية لانفتاح المؤسسة على محيطها، من خلال العمل على إشراك المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والمنظمات المدنية المعنية بإدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية ومجالات الإعلام والاتصال والثقافة والعدل، والشأن العام الوطني والمحلّي؛ ومن هذا المنظور المتكامل تمّ إشراك الهيئات الأكاديمية والعلمية والباحثين والمبدعين، وتنظيمات المجتمع المدني، من جمعيات ثقافية وتنموية ومنظمات حقوقية ونسائية وبيئية ومنظمات الطفولة والشباب، وغيرها، حتى يساهم الجميع، كل من موقعه، في نهضة الأمازيغية بكافة تجلياتها وتعبيراتها. بالإضافة إلى ما ذكرنا تمكن الشراكة مع المجتمع المدني الجمعيات العاملة في مجال النهوض باللغة والثقافة الأمازيغية من تحقيق أهدافها ومشاريعها، قصد تفعيل الحركة الثقافية في المحيط الذي تتواجد فيه. كما تمكن من تشجيع الجمعيات على العمل الميداني وتقديم مشاريع وبرامج قابلة للتنفيذ؛ باعتبارها شريكا ذا قوة اقتراحية لها وزنها في الساحة الاجتماعية والثقافية. وبخصوص حصيلة الشراكة بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمجتمع المدني كفاعل أساسي في البناء الديمقراطي والتنموي. نقدم في ما يلي معطيات إحصائية برسم السنوات 2005 - 2013 اعتمادا على المعطيات المتوفرة لدى الأمانة العامة بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية . عدد الجمعيات التي أبرم معها المعهد عقود شراكة حسب كل سنة: - سنة 2005 : 34 مشروع. - سنة 2006 : 111 مشروع. - سنة 2007 :138 مشروع. - سنة 2008: 198 مشروع. - سنة 2009: 251 مشروع. - سنة 2010: 287 مشروع. - سنة 2011: 385 مشروع. - سنة 2012: 431 مشروع. - سنة 2013: 314 مشروع. مجموع ملفات طلبات الشراكة المتوصل بها - 2005 :34 طلب، تم قبول 34 مشروعا . - 2006 : 146 طلب، تم قبول 111 مشروعا. - 2007 : 242 طلب، تم قبول 188مشروعا. - 2008 :250 طلب، تم قبول 198 مشروعا. - 2009 : 600 طلب، عدد الملفات المتوصل بها في الآجال المحدد في الإعلان 415 - عدد الملفات المستوفية للشروط 260 ملف من حيث الوثائق. - سنة 2010: 402 طلب، تم قبول 287 مشروعا. - 2011: 730 طلب، تم قبول 381 مشروعا. - 2012: 1041 طلب، تم قبول 431 مشروعا. - 2013: 880 طلب، تم قبول 314 مشروعا. المشاريع المنجزة من قبل الجمعيات في إطار الشراكة مع المعهد برسم السنوات التالية 2005-2013