نشرت جريدة البحث المُحَكَّمَة ''أُلْ أزيميت (All Azimuth) التركية، والتي تهتم بالسياسات الخارجية والسلام، بحثا باللغة الإنجليزية للباحث في الشؤون السياسية المغربية والدولية، الدكتور عبد اللطيف هسوف، تحت عنوان: ''النظام الملكي المغربي وحزب العدالة والتنمية الإسلامي: تعايش براغماتي والحاجة إلى علمانية سياسية إسلامية". ويهدف البحث إلى تحليل العلاقة السياسية بين الملكية وحزب العدالة والتنمية، الذي يرأس الحكومة منذ عام 2011، من خلال تحليل معمق لعدد من الخطب الملكية، وتصريحات رئيس الحكومة، عبدالإله بنكيران، بالإضافة إلى عدد من البحوث السياسية والمقالات الصحافية المرتبطة بالموضوع. وذهبت دراسة هسوف إلى ضرورة اعتماد نهج قائم على علمانية سياسية إسلامية تأخذ بعين الاعتبار الواقع السياسي المغربي، وتحافظ على إمارة المؤمنين، مما قد يخفف من التوتر الذي يطبع العلاقة بين حزب "المصباح"، من جهة، والمحيط الملكي والأطراف السياسية الأخرى من جهة أخرى. وقدم الباحث هذه الورقة بتفصيل العلاقة الصعبة القائمة بين حزب العدالة والتنمية من جهة، والمَخْزَن وأحزاب المعارضة من جهة أخرى، مضيفا أن "البيجيدي" نجح في ركوب موجة الربيع العربي للصعود إلى الحكم، إلا أن المَخْزَن لا يرى في هذا الحزب سوى ورقة تهدئة ظرفية للحفاظ على استقرار الحكم في البلاد لفترة قد لا تطول كما يتخيل البعض". وأكد هسوف على ضرورة إنجاح تجربة الإسلاميين في المغرب، لما يطبعها من استثناء جنب المملكة المغربية تبعات تلك الرجة التي عرفتها التنظيمات الإسلامية في دول عربية أخرى، وما نتج عن ذلك من تقاطب ومواجهات كادت في بعض الأحيان أن تأتي على الأخضر واليابس". حكومة الظل وسرد هسوف المحطات التي عرفها المسار الديمقراطي المغربي، من خلال ما سماه طبخ الأحزاب الإدارية بُعَيْد الاستقلال، ثم الانفتاح على الأحزاب الوطنية ذات الشرعية التاريخية، خاصة حزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب التقدم والاشتراكية مع نهاية تسعينات القرن الماضي، ووصولا إلى القبول بإدماج إسلاميي العدالة والتنمية في تسيير الشأن العام. وذهب هسوف في بحثه إلى أن "هذا التوافق السياسي لم يمنع المَخْزَن من التحكم في السياسات العامة للبلاد"، مبرزا أن "دستور 2011 جاء لتقوية دولة الحق والقانون، إلا أن تشابك السلطات يجعل أي حزب يصل إلى الحكومة غير قادر على تطبيق أجندته الانتخابية، وبالتالي الرضوخ لما تمليه "حكومة الظل". وأورد الباحث أن صفة إمارة المؤمنين لملك المغرب، تنأى بالمجال الديني عن الصراع السياسي، وتقوي دور الملك التحكيمي، كلما دعت الضرورة ومصلحة البلاد لذلك، مشيرا إلى "أهمية المضي قدما في تبني وتقوية "الإسلام المغربي" المعتدل، الذي يمتح من المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، بالإضافة إلى التصوف". واعتبر هسوف في بحثه أن هذا النموذج يحافظ على الأمن الروحي للمغاربة، وأضحى صمام أمان أمام التيارات الدينية المتطرفة، مما دفع بعض الدول الأفريقية والأوربية إلى إبداء رغبتها القوية إلى استيراده من المملكة، مردفا أن المسألة لا ترتبط فقط بالجانب الروحي، وإنما أيضا بالجانب الأمني الذي يحفظ الأمن والاستقرار في المغرب. وتوقف البحث عند تحليل العلاقة التي تربط الملكية بحزب العدالة والتنمية، والتي قال إنها صارت تعرف تعايشا سياسيا تطبعه براغماتية إيجابية، مضيفا أن بنكيران أبدى نوعا من الدهاء السياسي الواقعي حين رفض أي مواجهة مباشرة مع الملك، وإن ظل لفترات يهاجم بقوة مراكز التحكم داخل المحيط الملكي". ووصف الباحث بنكيران بأنه يبدو في الغالب أكثر ملكية من الملك، إذ لا يتراجع قيد أنملة عن الدفاع عن الملكية في كل لقاءاته الخطابية ومقابلاته الصحافية"، مشيرا إلى أن البعض يرى أن بنكيران لا يجد أي حرج في التنازل عن صلاحياته الدستورية ليس فقط للملك، بل أيضا للمَخْزَن. وتابع المصدر بأن الملك لا يستنكف عن نقد حكومة بنكيران، وتوجيهها كلما دعت الضرورة لذلك، مما يؤكد أن الحاكم القوي في البلاد هو الملك محمد السادس، وأنه يجب على رئيس الحكومة الرضوخ للأوامر ومواصلة تطبيق السياسات المرسومة سلفا داخل "حكومة الظل". علمانية سياسية إسلامية وبين بحث هسوف، وهو أستاذ بجامعة جورج تاون بواشنطن، أن حزب العدالة والتنمية واجه خلال السنوات الأخيرة تحديات كبيرة من أجل تطبيق برنامجه الانتخابي، خاصة ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، ما قد يجر عليه نقمة عدد كبير من مسانديه السابقين. ويرى البحث أنه "أمام تواطؤ المَخْزَن وأحزاب المعارضة، بالإضافة إلى افتقار الحزب الإسلامي لمهارات بشرية مميزة، يناور بنكيران بالتركيز على بعض الإنجازات الاجتماعية، إضافة إلى استعمال الدين بين الفينة والأخرى، لدغدغة مشاعر المغاربة والحفاظ على أصواته الانتخابية". وسجل المصدر أنه "المصباح" وجد نفسه يدخل في تحالفات مع أحزاب إدارية، أو أحزاب لا تجمعه بها أي صلة أيديولوجية"، مبرزا أن "بنكيران يواجه معارضات ليس فقط من خارج حكومته وإنما أيضا من داخلها، وبأن هذه الوضعية المعقدة قد لا تتغير مع الانتخابات التشريعية القادمة. وبالنسبة لهسوف، فإنه يجب على حزب العدالة والتنمية أن يطور آلياته السياسية للخروج من نفق استعمال الدين، إذا أراد أن ينهي التخوفات التي يبديها خصومه السياسيون، وبذلك يمكن أن ينفتح على كفاءات مغربية عالية هو في حاجة إليها للوفاء بوعوده الانتخابية، عوض الاعتماد على ''إخوان الأمس''. واقترح الباحث التفكير في ''علمانية سياسية إسلامية'' على المقاس المغربي، تحافظ على إمارة المؤمنين، وتتماهى مع النموذج الديني المغربي في تمظهراته الاعتدالية، ومن ثم تشجيع بعض الأفكار من داخل الحزب، والتي بادرت في السابق إلى سرد النموذج التركي في طريقة فصله بين الدين والدولة على المستوى الحكومي. ويركز البحث على أن هناك ''علمانيات'' متعددة تختلف تبعا لتعاملها مع الدين، فالنموذج الفرنسي مثلا يتبنى إبعاد الدين كليا عن الفضاء العمومي، في حين يظهر النموذج الأمريكي أكثر تسامحا"، مستدلا بما قاله الرئيس التركي: إن الدولة يجب أن تكون علمانية، أما الفرد فهو ليس علماني، وله حرية تبني المعتقد الذي يراه مناسبا له. ومما ورد في البحث أيضا أن "المغرب مطالب ببناء علمانية سياسية إسلامية تتماهى مع الأسس التي تقوم عليها المملكة، ولا تتعارض مع روح العصر"، مبينا أن "هذه الدعوة لا تمس بأي حال من الأحوال تَدَيُّن المغاربة، بقدر ما تسعى إلى فصل الدين عن العمل السياسي، ما قد يساعد الأحزاب الإسلامية المعتدلة على ربح رهان المستقبل". وأورد هسوف في دراسته بالإنجليزية أنه "بالرجوع إلى التاريخ السياسي المغربي، نكتشف أن الحوار والتعاون بين الفرق السياسية، يمينها ويسارها، إسلاميوها وعلمانيوها، يحصل كلما وضعت الفرق السياسية الإيديولوجيا جانبا، وفكرت بجد في المصلحة العليا للوطن والمواطنين". وخلص المحلل السياسي إلى أنه "إذا كان على رأس الحكومة المغربية إسلاميون أو علمانيون أو تكنوقراط أو ''مَلَكِيّون'' لا يهم المواطن في شيء، وإنما ما يهم هو التعاطي الجيد مع المشاكل الاقتصادية المعقدة، التعليم، التشغيل وحقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق الأقليات" بحسب تعبيره.