خلف تراجع أسعار النفط إلى مستويات قياسية البهجة في قلوب العديد من الأشخاص دون شك، خاصة بين المستهلكين وأرباب المصانع، لكنه أيضا شكل ضربة موجعة لقسم كامل من الصناعات النفطية، يرى المستقبل بكثير من الشكوك. وما زالت المخاوف تتملك الصناعيين الأمريكيين، إذ واصلت الأسعار انهيارها لتتراجع ب75 في المئة خلال 18 شهرا الأخيرة، ويلامس سعر البرميل عتبة 30 دولارا، ما شكل خطرا حقيقيا يتهدد الشركات الأمريكية بسبب ارتفاع كلفة الانتاج بهذا البلد مقارنة مع مناطق أخرى بالعالم. وبالأرقام، وضعت ما لا يقل عن 41 شركة لإنتاج النفط تحت الحماية القضائية خلال سنة 2015 بموجب قانون الإفلاس. وحسب شركة التقييم الأميركية (فيتش رايتين)، ارتفع تعثر الأداءات بحدة خلال دجنبر الماضي ليصل إلى 11 في المئة، مقابل 0,5 في المئة قبل حوالي أقل من سنة، موضحة أن الديون الإجمالية للقطاع قد تصل إلى 16 مليار دولار. وتم الإعلان عن إفلاس أكبر شركة يوم 16 شتنبر الماضي، ويتعلق الأمر بشركة (سامسون ريسورسز) التي طلبت الحماية القضائية بعد تسجيل ديون إجمالية بلغت 4,3 مليار دولار، أي حوالي 30 في المئة من القيمة الإجمالية للديون بالقطاع. وتعاني الشركة، التي اقتنتها شركة (كاي كاي آر) بأزيد من 7 مليارات دولار سنة 2011، لأداء ديونها التي بلغ أجل استحقاقها السنة الجارية. وكعلامة على اتساع رقعة الأزمة، أعلنت عدد من شركات النفط والغاز عن إفلاسها طيلة أشهر السنة الماضية، لكن بوتيرة متصاعدة تدريجيا مع اقتراب نهاية العام. واضطرت سبع شركات لوضع طلبات الحماية القضائية خلال الربع الأول من السنة الماضية حينما كان سعر النفط يناهز 48,53 دولارا للبرميل، لكن بلغت هذه الوتيرة ذروتها في غشت الماضي، الذي وصفه الخبراء ب "غشت الأسود" بالإعلان عن إفلاس 10 شركات، ما شكل إشارة على تهاوي الصناعات النفطية بسبب الضربات المتوالية لتراجع سعر "الذهب الأسود". ويعتبر ذلك نتيجة لإقدام هذه الشركات على الاقتراض حينما كان سعر البرميل يفوق 100 دولار دون توقعات بأن تتهاوى الأسعار إلى هذا المستوى التاريخي. وفي الوقت التي تلوح بوادر استمرار تراجع الأسعار، يتوقع المراقبون أن الأسوأ هو القادم، لكون الولاياتالمتحدة تتوفر على عدد كبير من الشركات الصغيرة العاملة في القطاع، بخلاف البلدان المصدرة للنفط (أوبك). ومن بين بوادر استمرار التراجع، يشير المحللون التابعون للشركة الأمريكية (مورغان ستانلي) إلى قوة الدولار في مواجهة عدد من العملات، والتي قد تتسبب في تراجع بين 10 و25 في المئة في أسعار البترول، أي ما يعادل بين 8 و20 دولار في سعر البرميل. وهي توقعات تتماشى مع تكهنات الوكالة الدولية للطاقة التي تنبأت بأن يستمر تفوق العرض على الطلب في السوق النفطية الدولية لمدة طويلة، وذلك نتيجة لتراجع الطلب العالمي (1,2 مليون برميل يوما) والتقدم الملموس في إنتاج منظمة (أوبك) بعودة نفط إيران إلى الأسواق. ولاحظ تقرير للبنك الدولي نشر إثر التوصل إلى اتفاق بين إيران والقوى الدولية في يوليوز الماضي بأن "العودة الكاملة لإيران إلى السوق الدولية قد تضخ حوالي مليون برميل إضافي يوميا، وخفض السعر بحوالي 10 دولارات للبرميل". وفضلا عن الخسائر الاقتصادية، قد تكون الكلفة الاجتماعية لتراجع سعر النفط الخام ثقيلة أيضا، إذ أفادت وزارة الشغل الامريكية أن السنة الماضية شهدت إلغاء حوالي 17 ألف منصب شغل في قطاع النفط والغاز على الصعيد الوطني. ويتكهن بعض الاقتصاديين بأن يتحول التراجع الحالي في أسعار النفط إلى تهديد شامل لاقتصاد الولاياتالمتحدة، والذي قد يمتد إلى بلدان أخرى. علاوة على ذلك، غالبا ما يترافق تراجع أسعار النفط بظهور انكماش اقتصادي، ما قد يؤدي إلى تأخر بلوغ أهداف التضخم المسطرة من قبل الولاياتالمتحدة، وخارجها أيضا. كما يخشى مجموعة من المراقبين أن يتسبب التراجع الطويل الأمد في سعر الوقود الأحفوري إلى غياب الحوافز الضرورية للدول للتحرك على مستوى التغيرات المناخية، وهو تحدي انكبت عليه المجموعة الدولية بشكل جدي خلال السنوات الماضية. يبدو المستقبل قاتما على عدد من الأصعدة، كما تتعاظم المخاوف من أن تتسع دائرة ضحايا الأسعار الزهيدة للنفط في السوق العالمية خلال الأشهر والسنوات المقبلة. *و.م.ع