لشكر: المعارضة الاتحادية مسؤولة    "لبؤات الأطلس" يتدربن في المعمورة    الجزائر تدشن "كان السيدات" بانتصار    بعد فيضانات مميتة.. ترامب يعلن حالة "الكارثة الكبرى" في تكساس    إقليم النواصر.. وفاة طفل إثر سقوطه في حوض مائي غير محروس    إيلون ماسك يعلن رسميا عن تأسيس حزب سياسي جديد يحمل إسم "أمريكا"    جيش المغرب في استعراض بموروني    "مساندة الكفاح الفلسطيني" تنعى أندلسي    فضيحة.. قناة عمومية تبث خريطة مبتورة للمغرب خلال تغطية كأس أمم أفريقيا للسيدات    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    بعد إغلاق "لافوكا".. دعوات لتعميم المراقبة على مقاهي ومطاعم طنجة "المحمية بالشهرة"    طنجة تضع توقيعها في خريطة الصناعة النظيفة .. المغرب يدخل عصر السيارات الكهربائية والحلول الذكية للتنقل    تلميذ آخر يُنهي حياته بجهة الشمال ويُرجح أن السبب هو الرسوب في الامتحان    توقيف سيدة في معبر باب سبتة مطلوبة للسلطات البلجيكية    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية القمر الاتحادية بمناسبة العيد الوطني لبلاده    الوزيرة السغروشني: الرقمنة والذكاء الاصطناعي قادمان للقضاء على الفساد والرشوة    حرب الإبادة على غزة.. مقتل 54 فلسطينيا بغارات إسرائيلية على منازل ومدرسة وخيام نازحين    جمال موسيالا يغيب لفترة طويلة بسبب كسر في الشظية    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على مختلف المستويات وغيَّبت مكافحة الفساد لأنها واقعة في تضارب مصالح    «وليتي ديالي»… إبداع جديد في مسيرة نصر مكري    باسو يشعل الدار البيضاء ب»أتوووووت» بعد نجاح جولته بين باريس ومراكش    لماذا النبش في علاقة الجدلية بين المسرح والديبوماسية، في الدورة 37 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء    السلطات تُغلق مخيمي "بن صميم" و"خرزوزة" بإفران بسبب افتقارهما لشروط السلامة    مفاوضات جديدة مرتقبة في الدوحة حول وقف لإطلاق النار في غزة    اللاعب المغربي محمد أوناجم ينضم إلى نادي كهرباء الإسماعيلية    فوضى عاشوراء .. انفجارات ومواجهات تثير الرعب    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم للسيدات 'المغرب 2024': المنتخب الوطني المغربي يتعادل مع نظيره الزامبي '2-2'    ريان إير تعلن عن تعديل جديد يخص أمتعة المسافرين        الحوثيون يقصفون مطار "بن غوريون" في إسرائيل    مشروع طرقي ضخم لتحسين الوصول إلى ملعب الحسن الثاني ببنسليمان    حكيمي يواصل التألق بمونديال الأندية        منتج الكبّار .. تعاونيات تبدع طرقا جديدة للتثمين وأقاليم تتلمّس الطريق    حريق بدراجة مائية في ميناء مارينا الحسيمة والوقاية المدنية تتدخل بسرعة    "حزب الله" يرفض التخلي عن السلاح    "الطعريجة".. رمز متجذر في احتفالات المغاربة بعاشوراء    المغرب يراهن على مليون سائح صيني بحلول 2030    في حوار مع الدار.. الخبير الدولي الصيني برنارد سوك: الصحراء أرض مغربية    إشهار ترويجي لشركة المراهنات "1xBet" يُظهر خريطة المغرب مبتورة على القناة الرياضية يثير الجدل (صورة)    المؤسسات والمقاولات العمومية.. زغنون يدعو إلى حوار إستراتيجي بين القطاعين العام والخاص    القهوة تكشف سرا جديدا.. "إكسير الشباب" يعزز صحة الأمعاء ببكتيريا نافعة    بومداسة يوقع "إثنوغرافيا الدرازة الوزانية"    الهيمنة المسمومة .. كيف دفعت الصين ثمناً باهضاً للسيطرة على المعادن النادرة    إخلاء طائرة رايان إير في مايوركا بسبب إنذار كاذب وإصابات طفيفة بين الركاب    نداء من أجل تأسيس مجلس مغاربي للثقافة موجه إلى وزراء الثقافة المغاربيين    الوعي الزائف:رسالة إلى امرأة تسكنها الأوهام!    بيان تضامني مع المعتقلة سعيدة العلمي صادر عن هيئات ومنظمات حقوقية وسياسية في أوروبا الغربية    غويركات يرثي محمد بهضوض.. "الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم"    جامعة محمد السادس تشارك في ابتكار جهاز ينتج المياه العذبة من الهواء دون مصدر طاقة خارجي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصول البرهان الرياضي
نشر في هسبريس يوم 19 - 07 - 2016

Gilbert Arsac-IREM de Lyon-France
تقديم :
في عرضنا هذا سنعتبر القرن الخامس قبل الميلاد مرحلة لظهور البرهان الرياضي في اليونان، وذلك نظرا للإجماع الذي حظيت به هذه الفرضية لدى المهتمين بهذا المجال، وسنحاول تبرير هذا الاختيار جزئيا. لكن هذا لايعني طبعا عدم وجود استدلالات أو تبريرات معزولة في الرياضيات السابقة لهذه المرحلة أو عدم وجود بعض التحقيقات، كما هو الشأن في رياضيات قدماء المصريين على سبيل المثال.
لكن ما يميز الرياضيات الاغريقية هو الاستخدام المنظم للبرهان الرياضي الذي تجلى تآنيا مع توظيف العبارات العامة (Enoncés généraux) و الآكسيوماتيك (Axiomatisations) .
وهكذا تبرز ثورة ثلاثية حول كيفية تصور الرياضيات، والتي يمكن اعتبارها إشارة لميلاد الرياضيات كميدان مُحَدد للفكر يمتاز بمنهج خاص، هذه الثورة التي اكتمل إنجازها مع عناصر أقليدس (Euclide) .
تهدف هذه الدراسة الى تفسير هذا التحول الذي يعد كميلاد للبرهان الرياضي، بدافع حدثين:
الحدث الأول هوتصريح لأحد الإبستيملوجيين المعاصرين، الذي علمنا من خلاله بأن ظهور البرهان الرياضي في اليونان يرجع الى بزوغ عهد الديمقراطية؛ إذ أن التعود على الإدلاء بالحجج والمناقشة يكون قد انتقل من الميدان السياسي الى الرياضيات. هذا التوضيح الذي أساسه الديمقراطية، وهو موقف يتقاسمه مؤرخوا الفكر الإنساني، أجج حماسي وأخلصت الى القول بأن تدريسي لمادة الرياضيات كان في نفس الوقت تدريسا للديمقراطية ! .
الحدث الثاني هو ملاحظة مانسميه في " معد الأبحاث في تدريس الرياضيات بليون" (IREM de Lyon) ، بمرحلة المناقشة " عند معالجة المسائل المفتوحة " (Problèmes ouverts)
حيث بعد مرحلة من البحث لإيجاد حلول لمسألة ما، يتجادل التلاميذ فيما بينهم حول النتائج الجزئية التي توصلوا إليها، ويتعلق الأمر في هذه المرحلة بالفصل بين ما هو صادق وما هو كاذب؛ وهنا تتاح لنا الفرصة لمعاينة مناقشات مُتقِدَة وحماسية، حتى أنه كان يبدو لي (بنوع من السذاجة)، أني أري في هذا النوع من السجال، تجليات البرهان الرياضي وممارسة الحق الديمقراطي في آن واحد.
بعد هذا قادني البحث في ميدان الديداكتيك، الى طرح إشكالية البرهان الرياضي بشكل آخر: إن إحدى فرضيات الانطلاق في الديداكتيك، تنص في الواقع على أن كل شيء في الرياضيات ينبثق عن حل المسائل، حيث أن حل المسائل هو الأصل في بناء المفاهيم وابتكار الطرائق، وتسلسل المسائل الرياضية هو الذي يوضح تطور الرياضيات. وهكذا فإن ظهور البرهان الرياضي كان مرتبطا بدون شك بالرغبة في حل بعض المسائل الرياضية الخاصة أكثر من ارتباطه بتأثير الديمقراطية.
لنتفحص الآن، الدلائل والحجج المُعَززَة لهاتين الفرضيتين:
من جهة، يوجد فعلا تطابق تاريخي بين ولادة " الرياضيات " و " الفلسفة " و الديمقراطية ...
من جهة أخرى، هناك أيضا تطابق تاريخي بين ظهور البرهان الرياضي وحل مسألة الأعداد اللاجدرية.
إن التعامل مع الشكل المكون من مربع ضلعه 1 ، لا يؤدي بتاتا الى اكتشاف الأعداد اللاجدرية، بل بالعكس من ذلك، كما أكد آرسطو، فإننا نخلص بالأحرى الى الاعتقاد بإمكانية قياس القطر بآتخاذ الضلع كوحدة للقياس، وهكذا لا شيء يبدو عمليا معارضا لهذه الفكرة.
في حين، نجد خاصية فيثاغورس تبين بأنه إذا كان d هو طول القطر، فإن d2=2 ، وباستعمال برهان كلاسيكي بالخلف، نستنتج أن العدد d ليس جدريا ، الشيء الذي يبرهن على صحة النتيجتين المذكورتين أعلاه بشكل متزامن: العدد 2 ليس له جدر مربع جدري ، ومن جهة أخرى، قطر المربع لا قياسي مع ضلعه .
بما ان خاصية اللاقياسية هذه لا يمكنها، كما رأينا، أن تُكْتَشَفَ من خلال الشكل الهندسي، فهي لا تَهُم إلا قِطَعاً (segments) نظرية، مُمَثلَة بِالشكْل أو على الشكل. (الوضعية التي بين أيدينا ليست مُمًاثلة لحوار أفلاطون، تحت عنوان مينون (Ménom) ، الذي نرى من خلاله سقراط وهو يحاول إقناع أحد الخدم، اعتمادا على شكل هندسي، بأنه لكي نضاعف مساحة مربع، ينبغي أن ننشىء مربعا ضلعه يساوي قطر المربع الأول)
وهكذا فإن مجرد التصريح بخاصية اللاجدرية ، يفترض تغييرا في قانون الكائنات الهندسية، الشيء الذي يؤدي الى التعريف الأكسيومي لهذه الكائنات بالمعنى الإغريقي.
لكن هذا التحقيق الأخير يؤدي بدوره الى التساؤل التالي:
من أين أتت فكرة، إمكانية وجود قطع لاقياسية ، وكيف يمكن أن يخطر على البال تعريف اللاقياسية في حين نجد أن الافتراض ( الضمني) " كل قطعتين تكونان دائما قياسية " كان حاضرا بشكل دائم في جميع الراضيات غير اليونانية. كيف أمكن إذن لذه المسألة أن تطرح في اليونان دون غيرها؟
كيف بزغت مسألة اللاقياسية في اليونان ؟
الإجابة المقبولة بسهولة كبيرة تستدعي استعمال أسلوب خوارزمية أقليدس في شكلها الهندسي والتي يمكن يطلق عليها خوارزمية " الطرح المتتالي ".
بالنسبة لعددين حقيقيين a و b ( réels ) ، أو قطعتين (segments) ، فإن عمليات " الطرح المتتالي " لا تنتهي إلا في الحالة التي يكون فيها العدد a/b جدريا وفي هذه الحالة يمكن حسابه.
بالنسبة للفيثاغوريين (l'école Pytagoricienne)، الذين كانوا يمثلون الرياضيات الإغريقية آنذاك، كانت هذه السيرورة دائما منتهية وفرضيتهم الأساسية في ذلك، هو أن كل شيء في الطبيعة يمكن التعبير عنه بنسبة (logos) عددين صحيحين طبيعيين. لكن هناك حالات في الهندسة تأتي " بشكل طبيعي " ، و دون أن يكون ذلك في الحسبان، بخوارزميات أقليدية غير منتهية، ومن سخرية القدر أن تحدث هذه الحالة في دراسة الشكل الرمزي للفيثاغوريين: المخمس المنتظم النجمي (pentagone régulier étoilé)
غير أن هذه الوضعية قد تؤدي بالأحرى الى نوع من الغموض: ماذا يعني إجمالا، كون قطعتين ليست لهما نسبة ؟ من البديهي أن هذا الشيء مخالف للحدس ويفتح المجال للتناقض في أحضان الهندسة. لنوضح أكثر بخصوص هذه النقطة الأخيرة: إن المسألة المطروحة لا يمكن أن تحل بشكل حقيقي ، إلا عندما نكون قادرين على تحديد نسبة مسافتين في جميع الحالات؟، مع ترتيب هذه النسب، الشيء الذي تم فعلا من طرف Eudoxe وقتا طويلا بعد اكتشاف مسألة اللاقياسية .
يمكن أن نتصور أن خوارزمية اقليدس قد طبقت على المربع كذلك، حيث أن ميزة اللانهائية تتجلى بسهولة أكثر، ولو أنها لا تظهر بصورة طبيعية كما في حالة الخماسي المنتظم. في هذه الحالة، فإن الوضعية يمكن أن تُوَضح أكثر بواسطة "تغيير الإطار" كما رأينا سابقا؛ إذ أن الظاهرة الهندسية مرتبطة بعدم وجود جدر مربع جدري للعدد 2، وهذا المشكل يحل بشكل كامل في إطار النظرية الحسابية لمسألة الزوجية التي تبدو كأرضية أكثر صلابة من الهندسة التي بدى عليها نوع من "الارتباك" حيال هذه القضية.
من أين أتى تغيير قانون الكائنات الهندسية ؟
لقد رأينا كيف استطاعت مسألة اللاقياسية أن تطفو على السطح. بقي أن نتصور كيف أمكن لتغيير قانون الكائنات الهندسية ، أن يحدث. هل يمكن أن نعثر على أصل لهذه الفكرة ؟
لنتحاشى الظن بأن الحل الرياضي الذي نعرف الآن هو الوحيد الذي كان ممكنا، سنشير الى حلول أخرى مقترحة في ذلك الوقت من طرف بعض السفسطائيين الإغريق:
كان بالامكان التشبث بحقيقة الشكل الهندسي، مع الرفض التام الى اللجوء لشكل مثالي. وهكذا نجد على سبيل المثال Protagoras يتشبث، "ضدا على المختصين في الهندسة" ، بكون المماس لدائرة ما، له أكثر من نقطة تقاطع مع هذه الدائرة. وذلك تماشيا مع ما يمكن ملاحظته في الشكل. وهنا نلاحظ أن نفس الفكرة تسيطر على تلامذة السنة الأولى إعدادي: الدائرة ومماسها "يتلامسان" خلال مسافة مهمة. لقد كان Protagoras ينطلق من خلفية فلسفية مفادها أن العالم متناقض بحق، لذلك يجب أن نتقبل هذا التناقض دون الهروب الى عالم خيالي.
كان بالامكان التشبث بإمكانية الحل الفعلي للمسائل الملموسة: كانت إمكانية إنشاء مربع وإعطاء قياس تقريبي مقبول عمليا لقطر هذا المربع، تعتبر كافية. لم يكن Antiphon يتردد في الخلط بين الدائرة والمضلع المنتظم عندما يكون لهذا الأخير أكبر عدد كافي من الأضلاع وذلك بهدف حساب محيط الدائرة. مبيانيا يعتبر هذا التقريب مقبولا عمليا، كما أن هذا النوع من الحلول لا يزال يستعمل حاليا من طرف بعض الهيآت الحرفية.
يجب أن نسجل أن هذه الحلول كانت مرتبطة بقوة، بالمواقف الفلسفية لأصحابها: إن معارضة السفسطائيين لاستعمال الكائنات المثالية كان مرتبطا باختلافاتهم مع أفلاطون. كان للسفسطائيين رفض للبحث عن الحقيقة المطلقة التي كانت تبدو لهم ذات أصل ديني لصالح الحقيقة النسبية التي تتلائم أكثر مع النهج الديمقراطي. هناك أيضا، على مستوى آخر، رفض مشترك للسفسطائيين والفيثاغوريين حول الشك في حكم الحواس.
هناك موقف فلسفي آخر، معارض للموقف السفسطائيين، يتقاسمه الايليون Les Eléates (Parménide,Zénon) وأفلاطون يمكن أن يفتح الطريق لإيجاد الحل للمشكل المطروح، والذي كان في النهاية الحل المقبول من طرف الرياضيين، وهذه هي عناصره الأساسية:
عالم المظاهر، الذي ندركه بواسطة الحواس ، لا يمكن أن يكون إلا موضوعا للمعرفة المتناقضة، المبتذلة (La doxa) .
من المستحيل التعرف على العالم المثالي، " أشكال أفلاطون " ، عالم الجواهر، كما يمكن أن يقال. في عالم الأفكار هذا، أو عالم الكائنات الفكرية، يمكن تطبيق مبدأ اللاتناقض، مبدأ الثالث المرفوع (Tiers Exclu) بدون شروط، بينما لا يمكن تطبيق هذا المبدأ إلا بشكل نسبي في العالم المألوف ( إما أن يسقط المطر أو لا يسقط، لكن الوضعية تبقى غامضة عندما تسقط بعض القطرات)
في هذا العالم المثالي للأشكال، يمكننا إذن أن نبرهن بالخلف (l'absurde): إذا كان تصريح ما يؤدي الى استنتاجات متناقضة، فإن التصريح المعاكس هو الصحيح.
هذا النمط من البرهان، يوظف بشكل ممنهج عند أفلاطون بواسطة حوارت على لسان سقراط. إنه ما يسمى "بالدياليكتيك"، الذي ابتكره Zénon انطلاقا من آراء آرسطو، وكان مجهولا لدى الفيثاغوريين . والدياليكتيك، تقنية تعتمد على تحديد المفاهيم (الكائنات الفكرية) بعناية في البداية ويدور حولها نقاش بحيث تكون غير متناقضة ويصير البرهان بالخلف (l'absurde) عند استعمالها ممكنا. أفضل مثال على ذلك هو المتناقضة المشهورة لآشيل (Achile) والسلحفاة: آشيل يطارد السلحفاة، يقول Zénon ، وهو طبعا أسرع منها، لكن لكي يدركها، يجب عليه أولا أن يصل الى النقطة التي كانت فيها السلحفاة عند بداية المطاردة. خلال هذا الوقت تكون السلحفاة قد تقدمت الى الأمام، ويجب على آشيل أن يصل من جديد الى النقطة التي توجد فيها السلحفاة الآن، لكن مرة أخرى تتقدم السلحفاة مجددا خلال هذا الوقت، وتكرر نفس السيرور الى ما لانهاية. وهكذا لن يدرك Achille السلحفاة أبداً، يقول Zénon .
تهدف هذه البرهنة التي تعتمد على الاستدلال بالخلف، دون شك، الى إبراز الطابع التناقضي في الفلسفات ذات الأصل الفيثاغوري.
من الطبيعي أن نتصور، في هذه الظروف أن التناقض الملاحظ في الشكل بمناسبة الاصطدام مع مسألة اللاقياسية، يمكن أن يُرْفَع بمجرد المرور الى الكائنات الفكرية المحددة بشكل سليم. بالنسبة للايليين Les Etéates، فان العقل هو الذي يجب أن يتغلب على شهادة الحواس في حالة الشك أوالخلاف.
من البرنامج الى التطبيق:
عملنا فيما سبق على تسطير برنامج لتجاوز التناقضات المرتبطة بمسألة اللاجدرية. ومن المشكوك فيه طبعا، القول أنه لم يسبق لليونانيين أن اهتموا بهذا النوع من البرامج، وهو ليس شيئا آخر غير إعادة بناء تركيبي لاحق لما كان من الطبيعي أن يحدث.
لازلنا نتخذ البرهان بالمعنى الذي تجلى لنا في بادىء الأمر أولا عبر البرهان بالخلف، كأسلوب وحيد لمعالجة هذه الكائنات الهندسية التي تحولت الى كائنات مثالية. نفترض إذن أن تحول الرياضيات أعطى دورا للبرهان دون أن يستطيع للأسف إبراز براهين "بدائية " . بخصوص المراجع ،فإن البدايات كان مصيرها الضياع ... ومع ذلك يبدو أن البرهان الكلاسيكي الخاص بعدم وجود جدر مربع جدري للعدد 2 برهان قديم جدا. مهما يكن من أمر، فإن الحل النهائي لمسألة اللاقياسية بمعنى نظرية نسب Eudoxe التي توجد ضمن الكتاب الخامس لأقليدس، مؤرخ على ما يبدو في 330 قبل الميلاد، بينما يرجع الاعتراف باللاقياسية الى 430 قبل الميلاد (Chronologie de KNORR, The Evolution of the euclidean elements, Reidel, 1975) ، من جهة أخري، فإن تعريف تساوي نسبتين لا ينسجم قطعا مع المعالجة الحدسية، بمعنى أنه لا يصلح للاستعمال إلا في إطار رياضيات البرهان.
لنختتم بالتذكير ببعض المراحل المحتملة والتي تشير إليها وثائق تاريخية، على طريق حل مسألة اللاقياسية:
تحوير المسألة: خلفت المحاولات الأولى بعض الآثار، مثلا عند أفلاطون حيث كان يُعَبر عن قطر المربع الذي ضلعه 5، أي جدر 50 بالترميز العصري، أنه « Inéxprimable » أو « Inénonçable بمعنى " لا يمكن التعبير عنه أو التصريح به ". وهكذا، في البدايات، قد ظهرت أولا وبشكل أساسي، مسألة وتر المربع وبقيت آثار مرحلة ساد فيها الاعتقاد عن إمكانية تحوير الصعوبات، بالبرهنة على مساحات المربعات المنشأة على القطعة. عن هذه المرحلة بالذات تشهد على ما يبدو البقايا المحفوظة من أعمال Hypocrate de Chio ، تربيع الهلاليات quadratures de lunules ، وكون Euclide بعد اختياره لقطعة تمثل وحدة القياس، عرف (في الكتاب الخامس) القطع الجدرية كتلك التي تكون قياسية معها، أو تلك التي تكون مساحة المربع الذي ينشأ بواسطتها عددا جدريا. وهكذا يبدو أنه كان بالإمكان، دون شك، التفكير في إنقاد فرضية الفيثاغوريين في مرحلة ما.
مرحلة موالية (أو معاصرة) كان الاهتمام فيها منصبا على تحديد نسبتي قطعتين، بواسطة "تطابق خوارزميتي اقليدس المرتبطتين بهما" .
مرحلة حل Eudoxe
خلاصة:
من المهم أن نتذكر أن ما سلف يتعلق بظهور البرهان الرياضي وليس بتطوره اللاحق الذي يبرز التطورات، بل الضعف بالنسبة للتصور الإغريقي، خصوصا عندما يبدو التصور اليوناني للدقة الرياضية، مؤقتا على الأقل، كعائق للإكتشاف.
من وجهة نظر الديداكتيك، هناك ثلاث نقط تبدو ذات أهمية:
يبدو جليا أن المرور الى مرحلة البرهان الرياضي، أثير بسبب الحاجة لحل مسألة وهذا ما أعطى "معنى" للبرهان الرياضي، وليست فقط الرغبة في التطوع طلبا للدقة الرياضية.
بينما الحل، بما في ذلك تفاصيل تقديمه " الشعائري" ضمن عناصر أقليدس، يستدعي موارد فكرية خارج ميدان الرياضيات؛ هذا يعني أن الحل لم يكن نتيجة مسألة رياضية.
يرتبط البرهان في الهندسة بشكل دائم بالتغيير الذي له علاقة بالشكل وبسبب قانون الكائنات الهندسية، وهكذا يمكن القول أن التوصل الى البرهان لا يتحقق دون تخطي العائق الإبستملوجي الكامن في بداهة الشكل. نفس الصعوبة نجدها ببساطة لذى التلاميذ.
* ترجمه بتصرف: العماري سيموح – مفتش ممتاز لمادة الرياضيات سابقا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.