حذّر امحمد جبرون، باحث في التاريخ وأستاذ جامعي، من غياب المثقفين في السياسة والذي يضر بالفعل السياسي كثيرا في المغرب، مستغربا من أسلوب تعاطي الأحزاب السياسية مع حاملي لواء الثقافة. وأكد جبرون، الذي كان يتحدث ضمن ندوة لمركز هسبريس للدراسات والإعلام حول علاقة المثقف بالسياسي اليوم الخميس بالرباط، "أن تدهور مكانة المثقف هو الوجه الآخر لموت السياسية في المغرب"، لافتا الانتباه إلى أن "السياسة كمفهوم نبيل استمرار للثقافة وليس هناك قطيعة بينهما". جبرون سجل أنه "عندما كان الطلب على السياسة كان المثقف مبرّزا، وكان يضفي الشرعية على العمل السياسي"، مشيرا إلى أن "تدهور السياسية انعكس على المثقف مما جعل السياسي مفصولا عن المثقف، والذي أصبح انتهازيا، وهو ما أعطى لنا عزوف المثقف عن العمل السياسي، لكونه يشكل حرجا بالنسبة إلى السياسي". أستاذ التعليم العالي أوضح، في مداخلته ضمن الندوة التي حاولت إبراز تأثير الفكر والثقافة على أداء التنظيمات الحزبية ببلادنا، (أوضح) "أن السياسي في المغرب لا يمارس السياسة بخلفية ثقافية، إلا استثناءات قليلة؛ بل يمارس السياسة باعتبارها لعبة مصالح ضيقة"، مضيفا :"هؤلاء لا حاجة لهم بالمثقف، والذين يمارسون السياسة بخلفية ثقافية يتحرجون من المثقف". "الفاعل السياسي المغربي يغيب المثقف، لكن هل هذا راجع إلى المثقف أم أن الأحزاب طاردة له؟"، يتساءل جبرون الذي اعتبر أن "الكل يتحمل المسؤولية، لأن المثقف يجب أن يناضل من أجل نبل السياسة"، مشددا على أن "المغرب في لحظة تحول كبرى، وتجد المثقف يختار أيسر الحلول بعيدا عن آلام السياسية ومعاناتها، في المقابل السياسي لا يجد داعي لتحمل المثقف وشغبه". وفي هذا السياق، أبرز الباحث في التاريخ أن "السياسي يحتاج الطاعة، والمثقف ضد هذه الفكرة التي تسعى إلى تكريس البديهيات"، مؤكدا أن "العلاقة بينهما تكمن في أن الكثير من السياسيين لا يستوعبون دور المثقف، ويريدونه ببغاء لترديد المواقف الرسمية، وأن يكون جزءا من الدعاية للثوابت، وهو ما يعتبر المثقف تحريفا لدوره باعتباره ضميرا للسياسة التي تعتبر لقيطة بدون ثقافة". وفي الوقت الذي أوضح فيه جبرون أن "السياسة تتحول إلى تجارة مفلسفة لأنها بعيدة عن القيم والمثل، وهذا مضر بالمغرب والقيم الجمعية للمغاربة والتي توحدهم"، أشار إلى أن "هناك هجرة للمثقفين نحو المجتمع المدني"، مبرزا "أن الكثير من المثقفين جعلوا المجتمع المدني بوابة للتعبير عن مواقفهم". جبرون أوضح في هذا الصدد أن "هناك مزاحمة للخبراء والتقنوقراط للمثقف، والذين يطرحون أنفسهم كبديل للأخير"، محذرا من كون الخبير يفتقر للحس القيمي والأخلاقي عندما يقدم وصفة للسياسي.