كأس العالم للأندية 2025.. فلامنجو البرازيلي يتغلب على تشيلسي الإنجليزي بنتيجة (3 -1)    "ليفربول" يتعاقد مع الألماني "فلوريان فريتز"    استمرار موجة الحر في توقعات طقس السبت    المغرب بالمرتبة 70 عالميا.. اختلال العدالة الطاقية وتأمين الإمدادات يعطلان مسار التحول الطاقي    البنك الأوروبي يقرض 25 مليون دولار لتطوير منجم بومدين جنوب المغرب    محمد الشرقاوي يكتب: لحظة الحقيقة.. ما لا يريد أن يراه مناصرو التطبيع ووعّاظ الاتفاقات الإبراهيمية!    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    كأس العالم للأندية 2025.. فوز الترجي الرياضي التونسي على لوس أنجلوس الأمريكي بنتيجة (1 – 0)    تراجع أسعار الفائدة قصيرة المدى في سوق السندات الأولية وفق مركز أبحاث    الفيفا يعلن آخر التعديلات على قانون كرة القدم .. رسميا    هزة ارضية تضرب سواحل الريف    بين الركراكي والكان .. أسرار لا تُروى الآن    إعلان العيون... الأقاليم الجنوبية حلقة وصل بين شمال إفريقيا والعمق الإفريقي ومجالا واعدا للاستثمار    فضيحة "وكالة الجنوب".. مؤسسة عمومية أم وكر مغلق لتبذير المال العام؟    محمد أشكور عضو المجلس الجماعي من فريق المعارضة يطالب رئيس جماعة مرتيل بتوضيح للرأي العام    السلطات الإمنية تشدد الخناق على مهربي المخدرات بالناظور    أمن الناظور يحجز كمية من المخدرات والمؤثرات العقلية    حرب الماء آتية    مقتل ضباط جزائريين في إيران يثير تساؤلات حول حدود التعاون العسكري بين الجزائر وطهران    رسميا .. الوداد يعلن ضم السومة    توظيف مالي لمبلغ 1,72 مليار درهم من فائض الخزينة    خالد الشناق: المخطط الأخضر يجب أن يخضع للتقييم ولا شيء يمنع من انتقاده        زلزال بقوة 5.1 درجة يهز شمال إيران    مطيع يوصي بدليل وطني للجودة ودمج التربية الإعلامية في الأنظمة التعليمية    بوعياش تلتقي أمين الأمم المتحدة    احتياجات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالمغرب تبلغ 11.8 ملايين دولار    بورصة البيضاء تغلق الأبواب بارتفاع    ترامب يمنح إيران مهلة أسبوعين لتفادي الضربة العسكرية: هناك "فرصة حقيقية" لمسار تفاوضي    المغرب يخمد 8 حرائق في الغابات    دعم "اتصالات المغرب" بتشاد ومالي    وزير الماء يدق ناقوس الخطر: حرارة قياسية وجفاف غير مسبوق يضرب المغرب للعام السادس توالياً    وقفات في مدن مغربية عدة تدعم فلسطين وتندد بالعدوان الإسرائيلي على إيران    مدينة المضيق عاصمة الكرة الطائرة الشاطئية الإفريقية    باحثون إسبان يطورون علاجا واعدا للصلع    وليد الركراكي يكشف سر استمراره رغم الإقصاء ويعد المغاربة بحمل اللقب على أرض الوطن    نشرة إنذارية: طقس حار من الجمعة إلى الثلاثاء، وزخات رعدية اليوم الجمعة بعدد من مناطق المملكة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    معهد صحي يحذر.. بوحمرون يتزايد لدى الأطفال المغاربة بهولندا بسبب تراجع التلقيح    بعد وفاة بريطانية بداء الكلب في المغرب.. هل أصبحت الكلاب الضالة تهدد سلامة المواطنين؟    اجتماع إيراني أوروبي في جنيف وترامب يرجئ قراره بشأن الانخراط في الحرب    أنامل مقيدة : رمزية العنوان وتأويلاته في «أنامل تحت الحراسة النظرية» للشاعر محمد علوط    «علموا أبناءكم».. أغنية تربوية جديدة تغرس القيم في وجدان الطفولة    لفتيت يذكر الشباب باستمارة الجندية    عن "الزّلافة" وعزّام وطرفة الشّاعر عبد اللطيف اللّعبي    افتتاح الدورة ال26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة    كارمن سليمان تفتتح مهرجان موازين بطرب أصيل ولمسة مغربية    7 أطباق وصحون خزفية لبيكاسو بيعت لقاء 334 ألف دولار بمزاد في جنيف    المغرب يعزّز حضوره الثقافي في معرض بكين الدولي للكتاب    التصادم الإيراني الإسرائيلي إختبار لتفوق التكنلوجيا العسكرية بين الشرق والغرب    بنكيران يهاجم… الجماهري يرد… ومناضلو الاتحاد الاشتراكي يوضحون    مجازر الاحتلال بحق الجوعى وجرائم الحرب الإسرائيلية    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدستورالجديد: تغيير حقيقي أم مزيد من المراوحة؟
نشر في هسبريس يوم 24 - 06 - 2011

استقبل المغاربة الدستور الذي أعلنه الملك محمد السادس لبلاده في 17 يونيو بقدرٍ كبيرٍ من المشاعر المتناقضة. وعلى الرغم من أنه يبدو مُتوقَّعاً سلفاً أن غالبية المغاربة سيصوّتون ب"نعم" في الاستفتاء الذي أعلن أنه سيُجرى في الأول من يوليو، إلا أن الكثيرين سيفعلون ذلك بشيء من التحفّظ. ثم أن المتظاهرين الشبان الذين لايزالون ينظمون مظاهرات دورية منذ 20 فبراير - من هنا جاءت تسمية حركة 20 فبراير - أعلنوا أنهم لاينوون التوقّف عن نشاطاتهم. وفي الواقع، جرت مظاهرات في 19 يونيو، واستقطبت آلاف المتظاهرين في الدار البيضاء وأعداداً أقلّ في مدن أخرى.
يشير عدد كبير من المقابلات التي أجريتها خلال زيارة قمت بها مؤخراً للمغرب إلى أن الملك ربما نجح في البقاء متقدّماً على حركة الاحتجاج التي أدّت إلى زوال النظامين في تونس ومصر، وأقحمت ليبيا وسورية واليمن والبحرين في الاضطرابات والعنف. وما إذا كان هذا مجرد انتصار لن يدوم طويلاً في إطار المناوشات الأولى من معركة طويلة، أم أنه نقطة تحوّل على طريق تحويل المغرب إلى أول نظام ملكي دستوري في العالم العربي، لن يعتمد على الطريقة التي يتصرّف بها الملك في الأشهر المقبلة وحسب، بل أيضاً على قدرة ورغبة التنظيمات السياسية المغربية في الاستفادة من الفرص التي يتيحها لها الدستور. وقد يعتمد أيضاً، إلى حدٍّ ما، على استمرار حركة الاحتجاج التي لم تتمكّن حتى الآن من تعبئة حشود ضخمة كتلك التي شهدتها تونس ومصر.
صياغة الدستور
على غرار جميع الدساتير السابقة، تمت كتابة الدستور بواسطة لجنة من الخبراء المعيّنين من الملك، وليس من خلال جمعية تأسيسية مُنتَخَبة أو هيئة تمثيلية أخرى. ولذا فهو يُصنَّف ضمن فئة الدساتير الممنوحة إلى الشعب من الملك، وليس تلك التي تم صوغها بواسطة منظمة تمثيلية تجسّد السيادة الشعبية. وقد حُدِّدت المبادئ التوجيهية للدستور الجديد في خطاب ألقاه الملك محمد السادس في 9 مارس حيث عملت اللجنة لاحقاً على تجسيد مسودّة مقدّمة من القصر، أو كما يقول المغاربة، "المخزن". كانت اللجنة برئاسة عبد اللطيف المنوني، أحد مستشاري الملك، وهو ما لايدع مجالاً لأي شك بشأن الجهة التي كانت تأتي منها التوجيهات.
شكّل القصر أيضاً هيئة استشارية للعمل بالتعاون مع لجنة من الخبراء. وكان يرأس أيضاً "آلية الرصد" ذات التسمية الغريبة، أو "الآلية المصاحبة"، أحد مستشاري الملك، محمد معتصم، الذي عمل كحلقة وصل بين واضعي الدستور وبين الأحزاب السياسية والنقابات العمالية وجمعيات رجال الأعمال ومنظمات حقوق الإنسان، وغيرها من الجماعات أو حتى الأفراد المهتمّين بأن تكون لهم مساهمة في الدستور الجديد. قدّم البعض مسودّات دستورية كاملة، فيما قدّم البعض الآخر اقتراحات فقط بشأن النقاط الرئيسة. ولكن، بعد أن تم الانتهاء من تقديم الاقتراحات، لم تكن هناك أي متابعة أو نقاش. لم يتم إطلاع المنظمات على مشروع الدستور الجديد حتى يوم 8 يونيو، وحتى في ذلك الحين لم يتم إطلاعها على وثيقة مكتوبة، لكنها تمكّنت فقط من الاستماع إلى عرض شفوي بحثته في اجتماع ماراثوني استمر عشر ساعات. كان من المحتّم أن يضجّ البلد في الأيام التالية بإشاعات متضاربة بشأن ماكان يستلزمه الدستور الجديد، عندما سرّبت الأحزاب المختلفة والأفراد نسختهم الخاصة منه إلى الصحافة. ثم أن أعضاء "الآلية" لم يروا مسودّة مكتوبة إلا في 16 يونيو، أي قبل يوم واحد من عرض الملك لها على الأمة في خطاب تلفزيوني. وبالمثل، طُلِب إلى مجلس الوزراء التصويت على مشروع الدستور في يوم الإعلان عنه نفسه.
على الرغم من الحدود الضيّقة للتشاور والمشاركة المفروضة على صياغة الدستور، ربما كانت العملية أكثر انفتاحاً من سابقتها. فقد قبلت الأحزاب السياسية الرئيسة الممثّلة في البرلمان العملية وأوضحت أنها ستقوم بحملة من أجل التصويت ب"نعم" في الاستفتاء. وهذا ليس مستغرباً، لأن الأحزاب الممثّلة في البرلمان مروّضة وتهتمّ بالحفاظ على امتيازاتها، من خلال دعم المبادرات الملكية، أكثر ممّا تهتمّ بوضع برامج خاصة بها. وكان لافتاً أن حزب العدالة والتنمية، وهو الحزب الإسلامي الذي حلّ في المرتبة الثانية في الانتخابات النيابية في العام 2007، لكنه لايزال في المعارضة، أوضح أنه يؤيّد الدستور الجديد، قائلاً إنه يحوي ضمانات ديمقراطية كافية. السبب الرئيس لموافقة الحزب، على مايبدو، هي الرغبة في مواصلة واستكمال عملية دمج الإسلاميين في العملية السياسية القانونية، وهو الهدف الذي ظلّ حزب العدالة والتنمية يعمل من أجله لسنوات.
رفضت حركة 20 فبراير، من ناحية أخرى، الدستور الجديد حتى قبل كشف النقاب عنه، بسبب الطريقة التي صيغ بها، وتعهّدت بمواصلة الاحتجاج. بيد أن هذه الحركة لم تنجح قطّ في تعبئة حشود ضخمة مماثلة لتلك التي أسقطت الرئيس زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر. ووفقاً لتقديرات المشاركين بها، فقد نفذّت أنجح احتجاجاتها يوم 20 مارس في الدار البيضاء والرباط وطنجة وعدد من المدن الأخرى، لكن حتى هذه الاحتجاجات كانت صغيرة نسبياً بالمقارنة مع تلك التي شهدتها البلدان الأخرى.
على غرار حركات الاحتجاجات في الدول العربية الأخرى، فإن حركة 20 فبراير هي مزيج من الشباب الذي يفتقر إلى وجود قيادة وكيان. وهي تعقد جمعيات عامة شهرية في المدن التي تتواجد فيها، حيث إن كل جمعية مستقلة عن الأخرى. الجمعيات مفتوحة للجمهور، ويتم التنسيق بين مختلف المجموعات عبر موقع "فايسبوك"، حيث تضاعف عدد مستخدميه في البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية. وتنظر الأحزاب السياسية الرئيسة إلى الحركة بعين الشك، على الرغم من أن الجناح الشاب في العديد من الأحزاب انضمّ إليها، كما في بلدان أخرى، من دون مباركة رسمية من جانب المنظمة الأم. ويبدو أن لدى الحركة مطالب واسعة – تتمثّل أساساً في الديمقراطية وفرص العمل - ولكنها لاتمتلك أي شيء يمكن أن يرقى إلى تسمية البرنامج.
بالتوازي مع مجموعات الشباب التي تشكّل حركة 20 فبراير، أنشأ عدد من الأحزاب السياسية اليسارية والنقابات العمالية المستقلة، ومنظمات حقوق الإنسان ذات التوجهات اليسارية، والحركات الإسلامية مجلساً لدعم حركة 20 شباط/فبراير. ويبدو أن أهمّها هي الحركة الإسلامية المعروفة باسم جماعة العدل والإحسان، أو (العدل والروحانية كما باتت تصرّ على ترجمة الاسم مؤخّراً)، والحزب الاشتراكي الموحّد، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان. ونظراً إلى نسق الأحزاب والتنظيمات التي تنتمي إليه وتنوّعها الإديولوجي، ثمة انقسام عميق في مجلس الدعم حيث يشكّل الأعضاء تحالفات ضدّ بعضهم بعضاً. ولكونه أكثر تنظيماً من الحركة نفسها، يعقد مجلس الدعم اجتماعات ويصدر بيانات، لكن ليس من الواضح أن أعضاء حركة 20 شباط/فبراير أنفسهم يتّفقون مع المواقف التي يتّخذها مجلس الدعم، أو حتى يعرفون بوجوده، كما كشفت بعض الأحاديث.
سياسة الهوية
كانت القضيتان الأكثر إثارةً للجدل اللتان طفتا على السطح خلال النقاش حول الدستور مرتبطتين بتعريف هوية الدولة المغربية: ما إذا كان ينبغي أن يعرّف المغرب كدولة إسلامية، وإذا كان يتعيّن على المغرب أن يعترف بالأمازيغية، اللغة التي يتحدّث بها أبناء الأقلية البربرية، باعتبارها لغة رسمية.
يتأثّر النقاش بشأن مكانة الإسلام بمشكلة العلاقة بين الأحزاب والمنظمات الإسلامية وتلك "المدنية"، وهي الكلمة التي تحظى بقبول متزايد للدلالة على الأحزاب التي يعرّفها الأغراب بأنها "علمانية". تلك الأحزاب ترفض أن توصَف بأنها علمانية، خوفاً من إمكانية تفسير المصطلح الأخير على أنه يعني أنها "لادينية". مصطلح "مدني" لايوحي بأنه لاينطوي على مثل ذلك المعنى الضمني وحسب، بل يضع أيضاً الأحزاب الدينية، إلى حدٍّ ما، في موقف دفاعي بوصفها "همجية" - غير مدنية. التوتر بين الأحزاب الإسلامية و"المدنية" ليس فريداً من نوعه في المغرب، لكنه شائع في جميع البلدان العربية، ولاسيما في فترة التحوّل هذه. وفي الواقع العلاقات أكثر صعوبة في تونس ومصر. ففي المغرب، حزب العدالة والتنمية هو حزب قانوني وظلّ يشارك في دورات عدة من الانتخابات البرلمانية والمحلية. وعلى الرغم من أنه لايزال يمثّل شيطاناً بالنسبة إلى البعض، فهو على الأقل شيطان معروف. لكن المسألة أبعد ماتكون عن الحلّ حتى في المغرب.
لايزال من الصعب أن نفهم بدقّة ماحدث بالضبط في النقاش حول مكانة الإسلام في الدولة المغربية، ويعود هذا في جزء منه إلى الخلط بين ماقالته المنظمات المختلفة في الواقع وبين مازعم أنها قالته، وفي الجزء الآخر إلى استخدام الكلمات المشفّرة التي ليست واضحة دائماً. وقد اتّهمت الأحزاب المدنية الإسلاميين بأنهم أصرّوا على أن المغرب لايزال يُعرَّف بأنه دولة إسلامية. ينكر الإسلاميون أن يكون هذا هو الحال، ويقولون إنهم يفضّلون تعريفاً للمغرب بوصفه "دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية". ومن ناحية أخرى، ليس ثمّة شك في أن الاقتراح القاضي بأن يتضمّن الدستور إشارة إلى "حرية الضمير"، بدلاً من ضمان أن يكون الأشخاص الذين ينتمون إلى ديانات أخرى أحراراً في ممارسة شعائرهم الدينية، تمّت إدانته من جانب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بوصفه يفتح المجال أمام سلوك غير مقبول واستفزازي مثل الإظهار العلني للمثلية الجنسية وانتهاك الصيام في رمضان علانية. وفي نهاية المطاف، فإن الدستور يعرّف المغرب بوصفه دولة مسلمة في ديباجته، وينصّ على أن الإسلام هو دين الدولة في المادة (3)، التي تضمن أيضاً حريّة ممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان. بالمقارنة مع نصوص معظم الدساتير العربية - التي تنادي بالشريعة باعتبارها أحد مصادرها، إن لم تكن المصدر الأول للتشريع – فإن الدستور المغربي الجديد ليبرالي جداً، على غرار سابقه. وينبغي أن يُشار أيضاً إلى أن الدين في المغرب جزء لايتجزّأ من سلطة الملك: ولكونه معترفاً به رسمياً بوصفه "أمير المؤمنين" فإن الملك سيعتبر أن مكانته ضعفت، إلى حدٍّ ما، إذا لم يتم تعريف المغرب بوصفه دولة إسلامية.
يعترف الدستور الجديد أيضاً بالأمازيغية كلغة رسمية، على الرغم من اعتراضات العناصر المحافظة، وأولئك الذين يعتقدون أن مثل هذا الاعتراف سيؤدّي إلى تمييع هوية المغرب العربية. وهو يحوي أيضاً إشارة إلى تعدّد التأثيرات على الثقافة المغربية، بما في ذلك الأندلس، وثقافة البحر الأبيض المتوسط على نطاق أوسع، والناس في منطقة شبه الصحراء، والمسيحية واليهودية. ويبدو أن الحلّ الوسط في هذه الحالة هي اللغة التي توضح أنه سيتم تطبيق الوضع الرسمي للغة الأمازيغية تدريجياً.
سلطة الملك
تسبّبت قضايا الهوية بمعظم الجدل أثناء صياغة الدستور، ولكن في المدى البعيد، فإن القضية الحقيقية تتمثّل في مدى السلطة التي سيمارسها الملك في إطار الدستور الجديد، وبالتالي مدى التقدّم الذي أحرزه المغرب في اتجاه التحوّل إلى ملكية دستورية، أو في اللغة المفضّلة في المغرب: ملكية برلمانية لايحكم فيها الملك.
حتى أكثر المؤيّدين المتحمّسين للدستور الجديد لايدّعون أن الميثاق الجديد يضعف الملك بحيث يملك ولايحكم. وهم يقولون إن ذلك ليس ممكناً ولامرغوباً فيه في المغرب. فالدستور الجديد يبقي للملك ثلاثة مجالات بوصفها مجاله الحصري: قضايا الدين والأمن، والخيارات الاستراتيجية الرئيسة للسياسة العامة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الملك يبقى الحَكَم النهائي بين القوى السياسية. وبموجب هذه الألقاب، يمكن للملك أن يسيطر تماماً على جميع القرارات الهامة، إن هو اختار ذلك.
ثمّة قيود أساسية جديدة على سلطة الملك. فهو غير قادر على اختيار أي رئيس للوزراء يريده، بل يتعيّن عليه احترام نتائج الانتخابات وتسمية "رئيس الحكومة"، كما يسمّى رئيس الوزراء الآن، من الحزب الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات. ولن يشارك الملك بعد الآن في جلسات مجلس الوزراء ويترأسّها، وإنما رئيس الحكومة هو الذي يترأس الآن ما أُعيدت تسميته بمجلس الحكومة. ومع ذلك، فإن الملك يرأس مجلس الوزراء، وهو في هذه الحالة لايزال يسمّى مجلس الوزراء، عندما تكون القضايا الأمنية أو القرارات السياسية الاستراتيجية على المحكّ. وبما أن الدستور لايحدّد بوضوح مايمكن أن يشكّل قراراً استراتيجياً، يبدو أن القرار متروك للملك نفسه. فموقعه كحَكَم يمنحه أيضاً سلطة المشاركة في القضايا الأكثر أهمية.
ما من شك في أن الدستور يوسّع سلطة البرلمان، ويسمح له بإجازة القوانين الخاصة بمعظم القضايا، وهو يتّخذ خطوات لحماية استقلال القضاء، ويزيد دور عدد من اللجان المستقلة. لكن مالَم يفعله الدستور بشكل واضح لالُبس فيه هو الحدّ من سلطة الملك.
أي قدر من التغيير
قد يؤدّي الدستور الجديد إلى إحداث تغيير كبير، ولكن فقط إذا واصل المغاربة ممارسة الضغوط على الملك. فتاريخ الإصلاح السياسي في المغرب يدلّ على أهمية الضغط. فأول موجة كبيرة من التغيير جاءت عندما كان الملك الراحل الحسن يقترب من نهاية حياته، وفَهِم أهمية فتح النظام السياسي لتسهيل صعود ابنه إلى العرش. كان يتعرّض إلى ضغوط لإجراء تغييرات. وقد سار الملك محمد على طريق الإصلاح، لكن تم إحراز التقدّم ببطء متزايد لأنه شعر بثقة أكبر في موقفه. استغرق الأمر الربيع العربي، الذي انطوى على نموذج لما يمكن أن يحدث للأنظمة التي ترفض التغيير، وبداية مظاهرات الشوارع في المغرب، كي يستنتج الملك بأن الوقت حان لإعادة إطلاق عملية الإصلاح.
يعتمد تأثير الدستور الجديد على الطريقة التي يتم تطبيقه بها. وكما قال أحد النواب المعارضين لكاتبة هذا المقال، فإن النص الدستوري ينطوي على إمكانات. ولكي تتحقّق تلك الإمكانات، لابدّ للبرلمان من اعتماد التشريعات اللازمة والتأكّد من أنها توفّر المساحة القصوى للقوى السياسية. يشير أداء البرلمان في الماضي إلى أنه ليس متوقَّعاً أن يفيد البرلمان من هذه الإمكانات. على الرغم من أن المغرب لديه إرث من الأحزاب السياسية أقوى من معظم البلدان العربية الأخرى، إلا أن الأحزاب تعاني من المشاكل نفسها مثلما يعاني النظام السياسي برمّته: هي أحزاب آيلة للسقوط وغير ديمقراطية من الداخل، ولاتجدّد قيادتها إلا فيما ندر.
وبوصفه حزباً أحدث عهداً وأكثر التزاماً بالتغيير، فقد يكون حزب العدالة والتنمية أقلّ عناداً وضيق أفق من غيره من التنظيمات، لكن وجود حزب واحد لايكفي. علاوة على ذلك، إذا فاز حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات البرلمانية، التي من المحتمل أن تُعقَد في أكتوبر المقبل، فمن المرجّح أن تظلّ سلطة الملك قوية. فقد تم إنشاء حزب الأصالة والمعاصرة على يد أحد أصدقاء الملك قبل انتخابات العام 2009 البلدية. لم يقتصر الأمر على أن الحزب أبلى بلاءً حسناً على مستوى البلديات، بل إنه أسّس حضوراً قوياً في البرلمان من دون أن يشارك على الإطلاق في انتخابات برلمانية، وانتقل أعضاء من أحزاب أخرى ببساطة الى الحزب الذي تأسّس حديثاً. قبل فبراير، كان من المتوقّع أن يكون أداء حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات البرلمانية جيداً للغاية، لكن من غير الواضح كيف ستؤثّر عليه الأحداث الأخيرة. ومع ذلك، ليس ثمّة شك في أنه إذا مافاز حزب مُقرَّب من الملك في الانتخابات، فمن الممكن أن يتبدّد زخم الإصلاح بسهولة. وستتأثّر النتيجة بقدرة حركة 20 فبراير على البقاء على قيد الحياة، إذا ماوافقت أغلبية عظمى من المغاربة على الدستور في استفتاء يُعتَدّ به بموثوقية.
وعلى أي حال، المدى الذي يمكن أن يمضي إليه الإصلاح، الذي يقوم به الملك من أعلى إلى أسفل، ربما يعتمد أيضاً على قوة الدفع من أسفل إلى أعلى من جانب الأحزاب السياسية والمحتجّين.
*مديرة برنامج كارنيغي للشرق الأوسط في واشنطن العاصمة
http://arabic.carnegieendowment.org


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.