التصعيد فالتعليم غادي كيكبر.. إضراب جديد كيتوجد ليه فالوقت لي بدا استدعاء الأساتذة الموقوفين للمثول أمام المجالس التأديبية    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    رغم ارتفاع الأسعار .. منتوجات شجرة أركان تجذب زاور المعرض الدولي للفلاحة    نهضة بركان يستعد لمواجهة ضيفه الجزائري وهؤلاء أبرز الغائبين    إعدام ثلاثة صحراويين بتندوف.. الجزائر و"البوليساريو" في قفص الاتهام    إعادة انتخاب نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    مؤتمر الاستقلال.. اختلاف على اللائحة أجل انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    هل تصدر الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو؟    ثورة الجامعات الأمريكية.. غزة تحرر العالم    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    ميسي كيحطم الرقم القياسي ديال الدوري الأميركي بعد سحق نيو إنغلاند برباعية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    ليفار: قرارات الرداد أثرت فخسارتنا لماتش الحسنية وغانشكيو به للجنة التحكيم باش ياخد الجزاء ديالو    بسبب خريطة المغرب.. إتحاد العاصمة الجزائري يتجه نحو تكرار سيناريو الذهاب    الملياردير ماسك يبدأ زيارة مفاجئة إلى بكين    تعيين حكم مثير للجدل لقيادة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان "مالمو"    محمد صلاح عن أزمته مع كلوب: إذا تحدثت سوف تشتعل النيران!    الحسنية يلحق الهزيمة الأولى بالجيش الملكي في البطولة    الحرب في غزة محور مناقشات قمة اقتصادية عالمية في المملكة السعودية    ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار    ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق "تيك توك"؟    السلطات المغربية تتعقب صاحب صفحة "لفرشة"    محاولة الهجرة إلى سبتة تؤدي إلى مصرع شاب وظهور جثته في الحسيمة    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    افتتاح مهرجان تطوان المتوسطي ب"بنات ألفة"    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    الأمثال العامية بتطوان... (584)    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة فى عيدها العالمي .. دُمُوعٌ وَإِبْتِسَامَات!
نشر في هسبريس يوم 08 - 03 - 2017

فى الثامن من شهر مارس - كما هو معروف- حلّ أو هلّ علينا عيد المرأة العالمي، وكان الأسم الأوّل الذي إختير لتخليد هذه الذكرى هو ” اليوم العالمي للمرأة العاملة " قبل أن يُعتمد فى أروقة الأمم المتحدة بصفة رسمية في 8 مارس من عام 1975 التي دعت الدّول الأعضاء فيها إلى الإحتفال بهذا اليوم فى بلدانها كلّ عام. وتحتفل نساء العالم في العام الجاري إحياءً لمبادرة الأمم المتحدة التي كانت تحت إسم ” 50 50 بحلول 2030 كخطوة جبّارة لإقرار مساواة تامّة، ومُنصفة بين الجنسين ،ورفع الوعي السياسي، والاجتماعي في شؤون، وقضايا المرأة، وتسليط الأضواء الكاشفة على المشاكل، والمشاغل،والصّعاب التي ما زالت تعاني منها المرأة إلى يومنا هذا فى مختلف أنحاء وأرجاء المعمور .
مع ذلك، ما زالت المرأة فى نظر البعض تلك " الإلزَا" التي يتوق إليها كلّ شاعر، أو أديب، أو فنّان،أو مبدع ليستلهمَ من سحر عيونها،وحدّة ذكائها، وروع دهائها،ورقّة دلالها ، و طلاوة عذوبتها، وتواتر عذاباتها، موضوعاتٍ آسرةً لشِعْره ، وفِكْره،وفنِّه، وأدبِه،وإبداعاتِه. ومثلما كانت المرأة – فى عُرْفهم – مصدرَ إلهام، ووحيٍ وإبداع لدى الكثيرين، فقد شطّ الخيالُ ببعضهم بالمقابل فى وصفها وصفاً مُجْحِفاً، – حتى وإن كان فى مستوى " فردريك نيتشه " – حيث قال عنها مُستهتراً ،هازئاً،مُزدرياً، ظالماً ، متجنّياً ، متعالياً، ومُبَالِغاً :" إنّها راحةُ الجندي بعد المعركة".. !
خدعوها بقولهم حَسناءُ..!
والمرأة - فى عرف آخرين - ما زالت ذلك المخلوق القويّ، الضعيف الذي هو فى حاجة دائماً إلى كلمات الإطراء، والإعجاب،والإبهار، وأيضا إلى التصفيق .. والتصفيق الحادّ غير المُنقطع ،،وقد عِيبَ على أمير الشعراء أحمد شوقي كونه وضع المرأةَ هو الآخر فى تلك الخانة الضّيقة التي تظلّ فيها ومعها توّاقةً إلى الثناء،شغوفةً بالإنبهار،إذ قال فيها أو عنها :
خدعوها بقولهم حسناء ** والغواني يغرّهنّ الثناءُ..
نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ ** فكلامٌ فمَوْعِدٌ فلقاءُ.. !
ولم يتوانَ شاعر النّيل حافظ إبراهيم هو الآخر ليقدّم بدوره نصحَه ، بالمقابل ،ووِجهةَ نظره فى المرأة، وبشكل خاص فى أمّهات، وبنات،وصبايا أرض الكنانة قائلاً :
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها** أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
لَيسَت نِساؤُكُمُ أَثاثاً يُقتَنى ** في الدّورِ بَينَ مَخادِعٍ وَطِباقِ
رَبّوا البَناتِ عَلى الفَضيلَةِ إِنَّها ** في المَوقِفَينِ لَهُنَّ خَيرُ وِثاقِ.
ويقول الشاعر المَنبجيّ أبو عبادة البحتري في قصيدته المشهورة "البِرْكَة" :
ما بالُ دجلةَ كالغيرَى تُنافسُها ** فى الحُسْن طوراً وأحياناً تُباهيها !
فما كان له أن يقول أنّ دجلة تغار، وتنافس،وتُباري " بحيرةَ المتوكّل" فى الحسن والبهاء، لولا أنّ صورة المرأة كانت حاضرةً فى مخيّلته، وماثلةً نصبَ عينيه ،ذلك أنّ أبا عبادة يعرف جيّداً أنّ المرأة تغار وتخشى، وتترقّب ، وتنظر، وتنتظر، وتتلهّف،وتتوق إلى كلمات الإطراء ، وتنزع إلى الإغراء،وتميل إلى التحلّي بالجمال، والرقّة، والكمال ، وهي فى ذلك تسعى لتتفوّق وتبذّ رفيقاتها، وأخواتها، ونظيراتها من بنات جنسها جمالاً، وبهاءً، وذكاءً، ودهاءً، وجاذبيةً، وفِطنة.
المرأة بين نيتشه وفاغنر
وإذا عدنا إلى الفيلسوف فردريك نيتشة لوجدنا أنه كان يقاسمُ الموسيقارالشهير رتتشارد فاغنر حبّ الغادة الإيطالية لُوسَالُومِي ذات الحُسْن الباهر، والجمال الظاهر،والهيدب الزّاهر، فالأوّل كان يمثّل بالنسبة لها الصّرامةَ، والجديّة والفكر الخالص ، (الفلسفة والعقل أو الفكر ) وكان الثاني يمثل العاطفةَ المتأجّجة ، والرقّة والعذوبة ،والخيال المجنّح ،( الموسيقى والقلب أو العاطفة) وبعد حيرة وقلق وتردّد بين هاذين العبقريين مالَ، وإزورّ قلبُ الفتاة الحسناء أخيراً إلى ريشارد فاغنر فأحبّته دون نيتشة، فشَعَر هذا الأخير بغيرة شديدة، وحنق، ونكد، وضنك،ومضض، وألم، وإمتعاض ،فكان من فرط غيظه وغضبه يصعد إلى غرفة صغيرة منزوية توجد فى سطح منزله ويحزّ أصابعَه بسكّين حادّ حتّى تُدْمىَ أناملُه ، وبعد ذلك، عندما حاق به اليأس،وأخذ منه الإحباط كلّ مأخذ فى الظفر بحبّ وقلب معشوقته لوسالومي، قال معلّقاً على هذا الحدث الذي أثّر فى حياته تأثيراً بليغاً قولتَه الشهيرة التي ما فتئ العشّاقُ،والمُحبّون، والمتيّمون الذين لم يظفروا بقلب معشوقاتهم يردّدونها إلى اليوم ، قال ساخراً ،متهكّماً ،مُزدرياً، مُنتقصاً من قيمة الموسيقار فَاغْنر : لقد حلّق طائرٌ فى سماءِ حبّي ، وإختطفَ الملاكَ الذي أحببت ، ولكنّ عزائي الوحيد أنّ هذا الطائر لم يكن نِسْراً..!
وراء كلّ عظيم إمرأة !
ويرى كثيرون أنه ما من نجاح، أو فلاح، أو تطوّر،أو تغيّر، أو قفزة، أوطفرة إيجابية فى تاريخ البشرية، وفى مسار الناس،والحياة،والبشر إلاّ وكان للمرأة دخل أو يد فيها،ولولا ذلك لما قال "نابليون" قولته الشهيرة فى المرأة.. (وراء كلّ عظيم إمرأة ).. ! ولما قال هو كذلك فى نفس السّياق : (إنّ التي تهزّ المهدَ بيسارها، تحرّك العالمَ بيمينها ) ! ولولا ذلك للمرّة الثالثة، لما قال" باسكال" عن كليوباطرة: ( لو كان أنفها مستقيماً لتغيّر وجه التاريخ ).. ! وحمداً الله لأنّ أنفها من حسن الحظّ كان مُحْدودباً، نوعاً مّا، ولم يكن مستقيماً،ولذلك لم يتغيّر وجه التاريخ ..!.
وبكلّ تأكيد ليس منّا أو فينا من يشكّ أنّ المرأة الفاضلة هي أمّ قبل كلّ شئ .هي أمّ لكلّ الرّجال، وأمّ لكلّ رجل..هي التي أرضعتْه، ورعتْه،وفطمتْه، وربّتْه، ودللته، حتى شبّ عن الطّوق..وحتى أعطته الطاقةَ، والقدرةَ،والقوّةَ على أن يرفع أصبعَه ويشير إليها قائلا : إنّك إمرأة..
ولا أحد يشكّ كذلك أنّ عظمة الرجل إنّما تأتيه عن طريق المرأة ،وهي نصفُ الرجل الآخر الذي لا يستغنى عنه أبداً، وهو دائم الحنين إليها، ولا يزال يركض وراءها ، ولا أحد يشكّ - للمرّة الثالثة - أنّ المرأة هي التّربة الطيّبة التي تنبت فلذات الأكباد الذين من أجلهم نحيا، ثم هي فى الأخير كما يقول الكاتب الإيرلاندي الساخر جورج برنارد شُو هي التي تجيدُ صنعَ ذلك الحساء اللذيذ الذي تقدّمه لنا مشكورةً، وممنونةً كلّ مساء لننسى به أتعابَ اليوم ، وضنكَه، ونكدَه، وهمومَه..!
الجميع يعرف هذا جيّداً ولكنه فى الوقت ذاته مع ذلك ما فتئ يتطاول، ويتحامل دون رويّة على هذه المرأة وينتقصُ من قدْرها، إلاّ أنّ الحقيقةَ التي لا مراء فيها هي أنّ كل إمرأة أيّا كانت، لا شكّ أنّها جديرة،وقمينةٌ ،وحريّةٌ، وأهلٌ بكلّ تقدير وإحترام، وإعجاب وإكبار.
المرأة ومباريات الجمال!
وبعد المعارك الضارية التي خاضتها المرأة عن جدارة، وإستحقاق بحثا عن ذاتها، ونفسها،وعزّتها، وكرامتها، وشخصيتها ،ومساواتها،وحقوقها المشروعة ، قرّرت منذ زمن غير قريب أن تخرج بهذه المعارك الطاحنة من حيّزها الضيّق إلى مجال أوسع، وفضاء أرحب فى مختلف أرجاء المعمور ..عندئذٍ خلقت لنفسها أحقاداً، وأعداء ومتوجّسين،ومناهضين لها فى كلّ مكان.وإستخفافاً بها ، وإستهتاراً بأنوثتها ، وإنتقاصاً من ألمعيتها نصبوا لها الكمائنَ،وفرشوا لها المكائدَ، فأوجدوا ما يسرّ الأغلبية السّاحقة ، ويغضب الأقلية القليلة.. بتنظيم ما يسمّى بمباريات ملكات جمال العالم ! ! .
وأيّ خداع يكتنف هذه الكلمة ، ذلك أنّه ليس من اليُسْر والسّهولة أن يُعرّف (بتشديد الرّاء) الإنسانُ الجمالَ !،فقد حار فى تعريفه حتى كبار الفلاسفة، والمفكّرين، والأدباءعلى مرّ العصور، وتعاقب الدهور. ونصب هؤلاء المنظمون على المنصّة شرذمة من السّكارى والصعاليك لتقول: إنّ الجمال هو طول القوام، وهيافة الخصر، وبروز النّهدين، وتناسق الأرداف، ورشاقة السّيقان،ولمعان الشّعروإنسداله وإنسيابه.. ! ،والتعرّف على عواصم فرنسا،وبريطانيا، واليابان..! بالإضافة إلى مقاييس، ومعايير أخرى لا تمتّ بصلة إلى مكانة المرأة الحقيقية ، وقيمتها، وجوهرها،وكنهها،ومنزلتها، ودورها الريّادي،ومهمّتها الأساسية الشّريفة التي لا محيد لنا أبداً عنها فى تكوين الأسرة ، والإسهام فى بناء المجتمع حيث تعتبر المرأة نصفه، وتربية النشء، وإستمرارية الحياة .
والفائزة منهنّ فى تلك المسابقات المخزية تُتَوَّجُ بتاج من الذهب الخالص الإبريز المرصّع بالماس والزمرّد،ويوشّح صدرُها بقلادة غالباً ما تكون مطرّزة بالماس أيضاً.وعلاوةً عمّا تقدّم يوهب لها مبلغ كبير من المال نظير جمالها.. !، ناهيك عن الشّهرة الواسعة التي تنتظر الفائزة المحظوظة من إبرام لعقود الدّعاية والماركيتنغ والإشهار، ولو كانت ذات حظ أوفر،ونصيب أكبر لأقتيدت إلى إوستوديوهات هوليود، أو بوليود ،أو إلى مختلف مدن صُنْع الفنّ السابع لِتَمْثُلَ وتُمَثِّل أمام مشاهير النجوم من الممثلين العالميين أمثال جورج كلوني، أو شاروخان أو سواهما !!.
لعلّك ترى معي أنّ الأمور مازالت بخير حتى الآن ولكن...دعْني أخبرُك أنّه حدث تغيير جذري عمّا كان عليه الأمر من قبل بالنسبة لهذه المباريات، فقد حدث ذات مرّة أن جرت مباراة عالمية من هذا القبيل فى العاصمة البريطانية بإحدى المسارح الكبرى فى مدينة الضباب، غير أنّ الأمورَ لم تَجْرِ فى مجاريها الطبيعية،إذ تخلّلت هذه المباراة ، هذه المرّة وفى مرّات أخرى كثيرة،مفاجآت غير سارّة لم تكن فى الحُسبان،مفاجآت مثيرة وغريبة فى آن واحد،قد يكون من الطريف أن نتعرّف على بعضها ، أولى هذه المباغتات هو أنّ "إحدى جمعيات تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها " فى بريطانيا - وما أكثرها- عارضت معارضة شديدة الإستمرار فى إجراء مثل هذه المهازل السخيفة، وتنظيم أشباه هذه التظاهرات المخزية التي تنتقص من قيمة المرأة ، وتجعل منها بضاعةً أو سلعةً،أو دمية تُباع وتُشترى ، والتي تحطّ من قدرها أكثر ممّا ترفع منه !
وتعبيراً عن مدى إستياء هذه الجمعيات ،وحنقها، وغضبها ،ومقاطعتها ،وعدم رضاها عن هذه السّخافات وضعت خفية عبوات متفجّرة عند مدخل المسرح الذي تقام فيه هذه المباريات، وإنفجرت بالفعل هذه العبوات الناسفة محدثة دويّاً هائلاً، وخلقت حالات من الرّعب،والذّعر، والهلع فى قلوب الناس إصطكّت،معها أسنان المتباريات، وإرتعشت لها فرائصُهنّ، وسيقانهنّ البضّة،وإرتفعت أصوات مجلجلة داخل القاعة الكبرى التي شهدت المباراة بعد أن تسلّلت عدّة فتيات من ذات الجمعيات خلسةً، وإندسّت خفية بين الجموع الغفيرة محدثات صخباً، ولجباً، ودأباً ،وضوضاءً، وصراخاً ، وصيّاحاً، وإحتجاجاً،وإهتياجاً على إقامة أمثال هذه الأضحوكات ! . ومن بين لافتات الإحتجاج التي حملتها ورفعتها النّساء عند باب المسرح وبداخله كانت تقول: " لابدّ لهذه المباريات أن تنتهي قريبا،أجساد النساء إستُخدمتْ من طرف الرّجال لبيع بضائعهم من الجوارب إلى المشدّات ، فكلّ السّلع الإستهلاكية، لقد أهانوا كرامتنا، وحطّوا من قدرنا.." ووُزّعت مناشير بنفس تعابير الإحتجاج والتذمّر والسّخط ، ثمّ إنّ عناصر مجهولة إندسّت بين الناس، ورمت بقوارير ذات روائح كريهة حتى تثير الإشمئزاز فى نفوس الحاضرين، والحاضرات الشئ الذي إضطرّهم (نّ) إلى الإنسحاب مُهرولين، ومُهرولات، مَخذولين.. ومَخذولات بعد تدخل البوليس نفسه.. !
وتساءلت الصّحافة،وإستفسرت وسائل الإعلام فى اليوم التالي لهذه الحوادث عن مدى جديّة، ومصداقية، وجدوى هذه التحرّكات، والإحتجاجات المعارضة والمناوئة لمثل هذه التظاهرات ،وهل هي تمّت بالفعل تحت واعز الدّفاع عن المرأة، وصوْن كرامتها..؟ أم هي كانت بدافع الغيرة والحقد،والحسد، وتحجّج هؤلاء، وأولئك المعلقون والمعلّقات أنّ المرأة هي فى عراك مع نفسها، ومع بنات جنسها ،ومع الرّجال أيضاً الذين غالباً ما يكونون وراء تنظيم هذه التفاهات،والإسفافات لإهانتها.
الأسْوَد يليق بك
مع ذلك مازلنا نقرأ هنا وهناك بعض الترّهّات،والخُزعبلات حول المرأة من كلّ نوع ،فما بالك بالقائل - حتى وإن كان كلامه مردوداً عليه - عندما يقول:" المرأة أصناف، ونماذج،إنها فى حيرة من أمرها،فالتي ترتدي الميني متصابيّة، والتي ترتدي الماكسي معقّدة ، والتي ترتدي الميدي معتدلة ، والتي ترتدي البنطلون مُسترجلة ، والتي ترتدي الشورتْ إمرأة لعوب، والتي ترتدي الجلبابَ محتشمة "، ناهيك عن بعض التقاليع الدخيلة التي إنتشرت مؤخراً بيننا إنتشار النّار فى الهشيم ، بدلاً من الألبسة التقليدية المتوارثة الجميلة التي كانت موجودة ،ومُستعملةً، ومنتشرة بيننا،ممّاعرفناه، وألفناه من خِمَارٍ شفيف، ولثامٍ خفيف، وجلباب فضفاض، وحايك محتشم، وأردية مزركشة ، وأغطية ملوّنة حسب البلدان، والأوطان، والمناطق، والجهات ،والضّواحي، والأرباض، والتي تتعدّد وتجدّد على إمتداد السنة، وتغيّرات، وتقلّبات الطقس،وتبدّل المواسم والفصول،إلاّ أننا نعود بعد كل ذلك وذاك لنذكّر فى ختام هذه العُجالة بقول الشاعر القديم : إِذا المَرءُ لَم يدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ/ فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ .
وليس أقبح، ولا أسوأ لدى المرأة، أن تتجرّأ وتقول لها هذا الرّداء أو ذاك اللباس، أو ذاك اللّون يليق، أو لا يليق بها أو عليها ، كما أنّك لا تستطيع أن تنتقص حبّة خردل من جمالها، أوهندامها،أو منظرها، أوهيئتها، أومظهرها .
" الرّجل الموضة "**
ولقد قيل فى هذا الصّدد - والعهدة على القائل - إنّ " الموضة" (التي تأخذ حيّزاً كبيراً من وقت المرأة، وتحتلّ منزلة هامة فى عقلها) إنّما هي إسم رجل فى صيغة التأنيث.. ! هذا الرجل يعيش مستتراً، أو متستّراً فى مكان مّا من العالم، وهو الذي يوحي للمرأة بأن ترتدي ما يريده هو، وليس ما تريده هي.. وهو الذي يجعلنا نحن نتفرّج ، فمرّة يهمس فى أذنها بأن ترتدي الطويل..وتارة القصير..وطوراً المتوسّط ، وقيل إنّ عمر هذا " الرجل الموضة" طويل جدّاً وهو موجود أينما وجدت المرأة ..ولا تفسح مجالاً للشكّ ليخامرك فى هذا الأمر، فمعظم مصمّمي الأزياء المشاهير العالميّين هم من الرّجال، وهذا ما يزيد هذه الخرافة حيرة ،وإثارة، وسخرية، وطرافة .!
هذا " الرّجل الموضة" لا تقتصر أو تنحصرسخريته بواسطة الزيّ وحسب ، بل إنّه يستعمل جميع الوسائل الممكن إستخدامها، إنّه يستعمل لهذه الغاية كذلك الأحذية،والحقائب اليدوية،والأساور،والجواهر، واللآلئ، والخواتم والأقراط،والأحزمة،والقبّعات والأوشحة، والنظارات،والعدسات، والمعاطف والسترات،والأعقاد،والرّوائح الزكية، والعطورالثمينة، والماكياج، والأصباغ، وأدوات الزينة والتطرية، والتسريحات،والتقليعات، والمشي، والمايوهات، والرّقص، وفى الحبّ أيضاً ..فكلّ شئ فى عصرنا المنكود ،وعالمنا الحاضر الكئيب هذا يكاد يصبح خاضعاً، طائعاً،طيّعاً، منقاداً، منصاعاً لهذه "الموضة" اللعينة. ويا له من عبقري ذاك" الرّجل الموضة" الذي تهيم به وبصنعته النساء فى مختلف العصور والدهور فى جميع أرجاء العالم والمعمور، ويجعل المرأة ...وووأسفاه تنساق وراء بريقه وألاعيبه ،كالفراشات المزكشة الحائمة حول النّور والنّار... والطامة الكبرى هو أنّه لا يتورّع من الإيقاع كذلك فى شباكه، وكمائنه ،وحبائله حتّى ببعض الرّجال، أو بأشباه الرّجال..!
يقول الأديب الزّميل أمين صادق فى "الرّجل الموضة" فى أحد تعاليقه الطريفة على إحدى مقالاتي السّابقة فى جريدة" هسبريس" الزاهرة :
"الرّجل الموضَهْ" يَنطّ كالبعوضَهْ ** يُصمِّم الأزياءَ ، يُنظّم العُروضَا
يُحوِّل النساءَ مهوُوسة بِالموضَهْ ** وَدفع الرجالَ لِتطلبَ القروضَا ..
يُروِّضُ الأفاعي ، يُدرِّب القرودَ ** يُطاردُ الأفيالَ و الذئابَ و الفهودَا
لِينزعَ الخرطومَ و الفروَ و الجلودَ ** يصنع بِها العِطافَ و الدّرّ والعُقودَا ..
يُلبِّس الأشباحَ ، لا يَستر العيوبَ** و يجعل التمساحَ على امْرِهِ مغلوبَا
يَرُدّهُ حقيبَة ، أو أحزمَة مثقوبَهْ ** أو يُصيِّرهُ حذاء ، يُنتعَل مقلوبَا ..
"الرّجل الموضَهْ" مِشْيَتُهُ ملحوظَهْ ** يصيح مثل بُومَة ، يَسِيح كما البوظَهْ
بِسيّارتهِ الأنيقة يُحتسَب محظوظَا ** هاتِفهُ مُذهَّب تُفاحتُه معضوضَهْ ..
لا يكُفّ عن الإشارة بِيَده الممدودَهْ**يُروِّج العُطورَ و الملابس المقدودَهْ
وما يصبغ الشّفاهَ والمُقَلَ و الخدودَا **بأثمنة مجنونة لا تَبرحُ صُعودَا ..
يَستقطبُ القلوبَ لِيَحلبَ الجيوبَ** ويَخلبُ الألبابَ ، يُريدُها مسلوبَهْ
لا يرى في حوّاء عَدا "شيئا" مرغوبَا ** مُناهُ أن تظل -'واوْ'- دُمية لَعوبَا !
* كاتب من المغرب ، عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوتا- (كولومبيا).
** "الرّجل الموضة" مُصطلح إستعمله لأوّل مرّة الكاتب الخطّابي فى مقال سابق له عن المرأة منذ سنوات بعيدة خلت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.