المغرب يستعد لإطلاق رحلات جوية مباشرة بين الدار البيضاء وسانت بطرسبورغ    ادحلي تستقبل الوزير المستشار بالسفارة الصينية لبحث سبل تعزيز التعاون البرلماني بين المغرب والصين    بني كرفط.. الدرك الملكي يحجز طناً و400 كيلوغرام من "الكيف" الخام بإقليم العرائش    الهجرة.. السلطات تُبعد جميع المشتبه فيهم من محيط سبتة المحتلة    الصحف الشيلية تحتفي بإنجاز المغرب    نادي نهضة بركان يحط الرحال بالقاهرة    بيع أكثر من مليون تذكرة لكأس العالم    السعدي يحفّز الحوار الاجتماعي القطاعي    بورصة البيضاء ترتفع بنسبة 1,31 بالمائة    مونديال الشيلي لأقل من 20 سنة.. "الأشبال" يدخلون التاريخ كأول منتخب عربي يتأهل إلى النهائي منذ 44 سنة    أمن طنجة يوقف مبحوثًا عنه في حالة تلبس بسرقة دراجة نارية باستعمال العنف والسلاح الأبيض    مربّو الدجاج بالمغرب يتهمون لوبيات القطاع بالاحتكار ويحمّلون الحكومة مسؤولية فشل الإصلاح    الدريوش تعطي انطلاقة أشغال الورشة الدولية حول: "الأسماك السطحية الصغيرة في ظل الإكراهات المناخية والصيد المفرط.."    المندوبية السامية للتخطيط: تحسن سنوي في ثقة الأسر المغربية    "هيومن رايتس ووتش" تطالب السلطات بالاستجابة لمطالب شباب "جيل زد" والتحقيق في الوفيات والانتهاكات    جيل 2022 فتح الباب .. جيل 2025 يعبر بثقة من مونديال قطر إلى كأس العالم U20... المغرب يصنع مدرسة جديدة للأمل    محمد وهبي: سنواجه الأرجنتين بنفس الحماس لانتزاع كأس العالم    في صلب النقاش المفتوح بخصوص الورقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. شعار المؤتمر …. الاختيار الموفق    جيل زد في المغرب: بين الكرامة وخطر الهجرة    المؤتمر الاستثنائي الاتحادي العام 1975 مؤتمر متوهج عبر امتداد الزمن    قطاع التعليم بين حركية الإصلاحات وثبات الأزمة    مرصد التربية الدامجة ينتقد "مغالطات وتناقضات" وزير التعليم حول تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة    تهم اقليم الحسيمة ومناطق اخرى .. نشرة انذارية تحذر من امطار رعدية قوية    محمد سلطانة يتألق في إخراج مسرحية والو دي رخاوي    عاصمة البوغاز على موعد مع الدورة أل 25 من المهرجان الوطني للفيلم    أبناء الرماد    لوكورنو ينجو من تصويت بحجب الثقة    قطاع غزة يتسلم جثامين من إسرائيل    "جنان الجامع" يحترق في تارودانت    إسطنبول… حجيرة يؤكد انخراط المملكة في شراكة هيكلية بين إفريقيا وتركيا تقوم على التضامن والتنمية المشتركة    توقعات بإنتاج 310 آلاف طن من التفاح بجهة درعة-تافيلالت خلال 2025    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    مجموعة "سافران" الفرنسية تثمن بيئة الاستثمار في المغرب وتوسع أنشطتها بالنواصر    رفع التصنيف السيادي للمغرب محطة مفصلية للاقتصاد الوطني    نتانياهو: "المعركة لم تنته" في غزة والمنطقة    إجراءات ‬جديدة ‬لتسهيل ‬دخول ‬المغاربة ‬إلى ‬مصر ‬دون ‬تأشيرة    الرباط تحتفي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وتجدد المطالب بإسقاط التطبيع    المغرب يصطدم بالأرجنتين في نهائي كأس العالم لأقل من 20 سنة    الأمم المتحدة.. المغرب يجدد تأكيد دعمه "الثابت والدائم" لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى    فرحة عارمة بمدن المملكة بعد تأهل المنتخب الوطني لنهائي مونديال الشيلي    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    هلال: الصحراء المغربية قطب للتنمية .. وركيزة للأمن والاستقرار في إفريقيا    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد أحاديث أسطورة " فتح يأجوج ومأجوج "
نشر في هسبريس يوم 13 - 04 - 2017


حديث الحج والعمرة بعد يأجوج ومأجوج
نؤمن بأن يأجوج ومأجوج هم كل المفسدين والمجرمين عبر التاريخ ، وأنهم سيخرجون يوم البعث من قبورهم لمشاهدة أهوال الساعة وشدائدها قبل الحساب .
ونرفض الأسطورة اليأجموجية التي يدافع عنها علماؤنا ، والتي تتلخّص في أن يأجوج ومأجوج ذي القرنين أحياء محبوسون بالردم الذي جعله بين الجبلين ، وأنهم يتكاثرون جدا ، وسيخرجون زمن نزول عيسى عليه السلام ويغزون العالم الإسلامي والدنيا ، ويطردون نبي الله عيسى والمسلمين معه إلى جبل الطور المقدّس عند اليهود .
وبين أيدينا حديث آخر يدعم به علماؤنا أسطورتهم التي نراها أكذوبة مدسوسة من قبل مسلمة أهل الكتاب ككعب الأحبار وإخوانه .
نص الحديث :
روى قَتَادَةُ بن دعامة السدوسي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ، وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ " ( مصنف ابن أبي شيبة 7/501 ، ومسند أحمد ح11217 و11219 و11671 وصحيح البخاري ح 1593 ، وصحيح ابن خزيمة ح 2507 وصحيح ابن حبان 15/247 ، ومسند أبي يعلى ح 1030 ، ومستدرك الحاكم ح 8399 )
هذا الحديث حجة قوية عند المؤمنين بأسطورة خروج يأجوج ومأجوج للسيطرة على العالم وطرد المسلمين إلى جبل الطور زمن عيسى عليه السلام .
وهو صريح في أن المسلمين سيحجون ويعتمرون بعد انقراض يأجوج ومأجوج وفنائهم .
وبالتالي ، فخروجهم لن يكون بعد فناء المسلمين ، أي من القبور يوم البعث كما قلنا ، بل هو خروج من الرّدم الذي بناه ذو القرنين .
هكذا يقول علماؤنا ببساطة ، بعيدا عن كل تحقيق في الحديث سندا ومتنا ، وتمرّدا على ظاهر القرآن ، وبدائه العلم وعقل الإنسان .
رأينا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :
هذا الحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدسوس ، أو أنه قول للصحابي الجليل أبي سعيد الخدري أخذا من أهل الكتاب نسبه قتادة لرسول الله نسيانا وتخليطا .
وبغضّ النظر عن تعارضه مع القرآن والعقل ، فإن قواعد الحديث تقضي ببطلانه وكذبه أوتحريفه والغلط في نسبته ، لتعدّد علله سندا ومتنا ، والتي تجاهلها المحدثون عمدا أو سهوا .
ودورنا أن نكشف الخلل صيانة للدين وحماية لمقام النبوة .
العلل الحديثية الموجبة لتكذيب حديث أبي سعيد الخدري :
العلة الأولى : انقطاع السند بسبب تدليس قتادة :
لم يصرّح قتادة السدوسي بالسماع من شيخه عبد الله بن أبي عتبة في أي طريق من طرق هذا الحديث المنكر ، بل عنعَنَه فيها جميعا بقوله : ( عن عبد الله ) .
وقتادة رحمه الله مدلّس مشهور .
والتدليس هو أن يخدع الراوي السامعين بإيهامهم أنه سمع الخبر من شيخه مباشرة دون واسطة ، والواقع أنه سمعه من طرف ثالث يرويه عن شيخه ، فيستعمل الراوي المدلّس العنعنة لينجو من الكذب الصريح .
وغالبا ما يدلّسون الرواة الضعفاء والكذابين لإخفاء علَّة الحديث الذي يعجبهم ويوافق مذاهبهم ، أو خجلا من أن يكون من هو دونهم واسطة بينهم وبين شيوخهم .
والمدلّسون فيهم أئمة ثقات مشاهير كقتادة رحمه الله وغفر له .
والمنهج الحديثي مع المدلسين يقوم على الآتي :
إذا صرّح المدلّس الثقة الصادق بأنه سمع الحديث من شيخه مباشرة ، بأن يقول : حدثني شيخي أو سمعته يقول ... فالسند بينهما متّصل .
وإذا لم يصرّح بالسماع كأن يستعمل " عن " أو " قال فلان " ، فإن السند منقطع بينهما نظرا لشبهة التدليس القوية .
هذا هو المنهج الحديثي ، وهو منطق سليم ، ولو كان الحديث موافقا للقرآن ومنهاج النبوة وحقائق العلم وبدائه العقل ، فكيف إذا نافرها كلها ؟
لكن بعض المحدثين ، بعد تسلّط المذهبية والطائفية ، وضعوا قاعدة شيطانية استثنائية تقول :
( عنعنة المدلس لا تضرّ إذا كان حديثه مخرّجا في أحد الصحيحين )
ويلجأون إلى هذه القاعدة الفاسدة كلما كان حديث المدلّس موافقا لمذاهبهم الفقهية .
ويحتكمون إلى القاعدة المنطقية الأصيلة إذا كان حديثه معارضا لأهوائهم ومشاربهم .
وهذا من عوامل الاختلاف والخلاف بين المذاهب السنية الفقهية .
وحين يكون حديث المدلس معارضا لهم يقولون بكل عقل ومنطق :
عدم تصريح المدلس بالسماع والاتصال هو الأصل ، والشيخان قد يغفلانه ويتجاهلانه وينسيانه لذلك لا عبرة بتخريجهما حديث المدلس معنعنا .
ويضيفون : القول بأن تخريج الشيخين لحديث المدلس المعنعن ناتج عن معرفتهما بكونه صرّح بالسماع والاتصال في طرق خارج كتابيهما ، كلام مرسل احتمالي مردود من وجوه :
أولها : إذا كان قد صرّح بالسماع ، فلماذا اختار الشيخان تخريج الطريق المعنعن دون المصرّح بالاتصال ؟
وثانيها : هذا الاحتمال يصلح لو وجدنا السند متصلا خارج الصحيحين من طرق صحيحة إلى المدلّس ، أما إذا بحثنا في كلّ مصادر الحديث ومظانه ، فوجدنا الحديث عينه لا يتضمن التصريح بالسماع في أي طريق صحيح ، فهو باطل شكلا ومضمونا .
ونضيف هنا الآتي :
أولا : لم يزعم الإمام البخاري رحمه الله أنه وقف على طريق متصل لهذا الحديث ، وإنما بنى تخريجه في صحيحه على ثبوت مطلق السماع والاتصال بين قتادة وعبد الله ، وهو ما لا يرفع التدليس ، ويؤكد عدم وجود طريق يصرّح بسماع هذا الحديث بعينه .
فقال الإمام في آخر الحديث : «سَمِعَ قَتَادَةُ، عَبْدَ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ، أَبَا سَعِيدٍ» ه
أي ثبت سماعه منه في أحاديث غير هذا ، فلا يرتفع الإشكال بحال ، بل يترسّخ .
ثانيا : البخاري ومسلم رحمهما الله ليسا نبيين معصومين من تأثير الهوى المذهبي والضعف البشري عليهما ، فنجري القاعدة الأصيلة القويمة على أسانيدهما كما نجريها على أسانيد غيرهما ، بل في مصنفي السنة المتقدمين عليهما من كان أحفظ وأضبط لكتبهم منهما كالأئمة مالك وأحمد والحميدي ... فما يجري على هؤلاء العظماء يجري على الشيخين العظيمين رحم الله الجميع .
والنتيجة أن قتادة مدلّس مشهور ، وقد عنعن ، فالسند منقطع بينه وبين شيخه عبد الله بن أبي عتبة ، ولا نقبل أن يحتج علينا محتجّ بأن الحديث مخرّج في صحيح البخاري ، فلعلّه وقف له على طريق متصل أو ما شابه من الخزعبلات .
فمن هو الواسطة بين قتادة وابن أبي عتبة ؟
ننتظر القيامة لنعرف اليقين ، أما في هذه الدار ، فنرجّح أنه ضعيف مخرِّف أو كذاب مجدّف ، وإلا فلماذا لم يصرّح قتادة المدلس بالسماع والاتصال في أي من طرق الحديث على الرغم من كثرة الرواة الذين سمعوه ورووه عن قتادة ؟
جماعة من تلامذته اتفقوا على روايته عنه معنعنا ، وكل واحد سمعه منه في مجلس مختلف ، وكان أمينا حريصا على عدم التصريح بالسماع حتى لا يكذب ، ثم نتبرّع من عندنا بدعوى أن البخاري رحمه الله متأكد من اتصاله .
تصريح النقاد بكون قتادة مدلسا :
قال الإمام الحاكم النيسابوري ( ت405 ) في "المدخل إلى كتاب الإكليل" (ص: 46) ، وهو يتحدث عن حكم رواية المدلسين: ( وَكَذَلِكَ قَتَادَةُ بْنُ دعَامَةَ إِمَامُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، إِذَا قَالَ : قَالَ أَنَسٌ أَوْ قَالَ الْحَسَنُ ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ عَنْهُمَا .
ثم أسند إلى الإمام الناقد شعبة بن الحجاج قال : كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى فَمِ قَتَادَةَ فَإِذَا قَالَ : حدثنَا ، كَتَبْتُ ، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ لَمْ أَكْتُبْهُ ). ه
قلت : لكن البخاري ومسلما رحمهما الله كانا يكتبان حديثه ويخرّجان ما لم يصرح فيه بالسماع ، وهما دون شعبة بمراحل .
وفي تهذيب الكمال للمزي (23/510) : وَقَال أبو داود الطيالسي، عَن شعبة: كنت أعرف إذا جاء ما سمع قتادة مما لم يسمع ، كان إذا جاء ما سمع قال: حَدَّثَنَا أنس بْن مالك، حَدَّثَنَا الحسن، حَدَّثَنَا مطرف، حَدَّثَنَا سَعِيد. وإذا جاء ما لم يسمع قال: قال سَعِيد بْن جبير، قال أَبُو قلابة. ه
وذكره في المشهورين بالتدليس : الحافظ العلائي في جامع التحصيل ، وابن العراقي وابن العجمي وابن حجر في كتبهم الخاصة ب "المدلسين" ، ونقل بعضهم عن النسائي وغيره رميه بالتدليس .
العلة الثانية : اضطراب قتادة في السند على ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله .
وهو الوجه المتقدم والمخرّج في الصحيح بدون مرجّح معقول .
الوجه الثاني : قتادة عن أبي سعيد موقوفا :
فروى سَعِيد بن أبي عروبة أحفظُ تلامذة قتادة ، وتابعه معمر بن راشد الإمام، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَحُجُّونَ، وَيَعْتَمِرُونَ وَيَغْرِسُونَ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ. ( تفسير يحيى بن سلام (1/343) وتفسير عبد الرزاق الصنعاني (2/ 392) ) .
الوجه الثالث : قتادة عن الخدري عن الرسول :
روى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وأيوب بن خوط ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ النَّاسَ لَيَحُجُّونَ وَيَعْتَمِرُونَ وَيَغْرِسُونَ النَّخْلَ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» ( أشراط الساعة لعبد الملك بن حبيب (4/163) ، والمنتخب من مسند عبد بن حميد (ص: 293) والسنن الواردة في الفتن للداني (6/1224) ) .
ونلاحظ أن قتادة أسقط شيخه عبد الله بن أبي عتبة وروى عن أبي سعيد مباشرة ، في الوجهين الثاني والثالث ، وهو تدليس أكثر من صريح لأنه لم يسمع إلا أنس بن مالك من الصحابة .
وهذا التناقض بين الرفع إلى الرسول والوقف على أبي سعيد الخدري ، مع صحة طرق الوجهين إلى قتادة ، يكشفان وقوعه في التخليط والنسيان الشديد .
فإذا أضفته إلى ما سيأتي من أوجه التناقض الأخرى ، أيقنت أن قتادة سمع تلك الخرافة من دجال إسرائيلي ، ثم صار يتخبط وينسب للرسول تارة وللصحابي أخرى .
وقتادة تلميذ لكعب الأحبار المسئول الأول عن شيوع الإسرائيليات الأسطورية في الثقافة الإسلامية .
فمن يدرينا أنه الذي حدثه عن عبد الله بن أبي عتبة أو أبي سعيد الخدري كذبا ودسّا، ثم كان يدلّسه أو ينساه ؟
العلة الثالثة : اضطراب قتادة في المتن :
اضطرب قتادة الذي دلّس السند في المتن كما اضطرب في السند .
فأخرجه البخاري من طريق الحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وقال : تَابَعَهُ أَبَانُ، وَعِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُحَجَّ البَيْتُ»، وَالأَوَّلُ أَكْثَرُ» . ه
قلت : ورواية الإمام شعبة بن الحجاج رواها عنه جماعة من الأئمة الأثبات كابن مهدي ويحيى القطان عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت" (صحيح ابن حبان (15/151) والمستدرك للحاكم (4/ 500)
قال الحاكم : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدْ أَوْقَفَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ "
وقال الذهبي : على شرط البخاري ومسلم .
وقال الألباني في " الصحيحة " (5/ 556) الحديث 2430 : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم، ووافقه الذهبي.
قلت : نعم ، صح الطريقان إلى قتادة وليس إلى أبي سعيد الخدري بله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا رواية شعبة فصرح قتادة بسماعها من ابن أبي عتبة عند الحاكم .
وقد اتحد مخرج المتنين الروايتين وموضوعهما ، واختلفت مضامينهما ، وتناقض قتادة ودلس واضطرب فثبت عدم ضبطه .
فإما أن نتوقف فيهما ونطرحهما معا للعلل المتقدمة ، أو نرجّح أحدهما .
والراجح هو المتن الثاني لعدم مناقضته القرآن والعقل والعلم ، ولموافقته الأحاديث الصريحة في أن الساعة لن تقوم إلا على شرار الناس بعد فناء المؤمنين ، ثم لتصريح قتادة بسماعها من شيخه .
استشعار الحفاظ علة اضطراب المتن ومعالجتها بالعاطفة :
لم يسلم هذا الحديث من الطعن كما يتصوّر من يجده في صحيح البخاري فيظن أن العلم ينتهي عنده ، فالواقع أن الحديث مذكور في الروايات المُعَلَّة وخاضع للنقد .
ففي علل الحديث لابن أبي حاتم (6/529) : سألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رواه عبد الرحمن بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ شُعبة، عَنْ قتادة، عن عبد الله بْنِ عُتْبة - أَوِ ابْنِ أَبِي عُتْبة-، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ قَالَ: ليُحَجَّنَّ هَذَا البيتُ ولَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يأجوجَ ومأجوجَ.
قلتُ: رَوَى هَذَا الحديثَ أبانُ العطَّار عَنْ قتادة، عن عبد الله ابْنِ أَبِي عُتْبة، عَنْ أَبِي سعيد، عن النبيِّ ، فأيُّهما الصَّحيح؟
قَالَ أَبِي: سمعتُ أَبَا زِيَادٍ حمَّاد بْنَ زَاذَانَ يحدِّث عن عبد الرحمن هَذَيْنِ الحديثَين، ثُمَّ قَالَ: سمعتُ عبد الرحمن يَقُولُ: مَا أَرَى أَبَانَ إِلا وَقَدْ حَفِظ.
قَالَ أَبِي: حديثُ أَبَانٍ أصحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعبة.
وقال ابن حجر في تغليق التعليق (3/ 68) : وَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثَانِ جَمِيعًا صَحِيحَيْنِ لِقُوَّةِ إِسْنَادِهِمَا ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ ) وَقْتًا قَبْلَ قِيَامِهَا ، وَبَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، جَمْعًا بَين الْحَدِيثين وَالله أعلم . ه
وهناك آخرون كرّروا الجمع الذي اقترحه الحافظ ابن حجر رحمه الله .
وقفة مع أبي حاتم رحمه الله :
ذهب هذا الإمام العظيم إلى أن رواية أبان بن يزيد العطار أصح من رواية شعبة بن الحجاج ، ولم يذكر لنا حجته على الأصحّية تلك .
ونحن نقول : بل رواية شعبة أصح لما تقدم ، ثم لأن شعبة إمام حجة لا يقارن به أبان العطار الذي تكلّم في حفظه وضبطه بعض النقاد ، وسجلوا عليه الانفراد بروايات منكرة ، لذلك ترجمه ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (2/ 73) ، وابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكون" (1/ 20) ، والذهبي في الميزان وديوان الضعفاء و"الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم" (ص: 39) .
بل إن أبا حاتم نفسه قال عن أبان : صالح الحديث .
وفسرها الذهبي بقوله : قَالَ أَبُو حَاتِم : صَالح الحَدِيث. وَهَذِه الْعبارَة تدل على أَن غَيره من رفاقه أثبت مِنْهُ كهمام وبشار . ه
ورغم دفاع ابن عدي عن أبان ، فإنه لم يزد على قوله : وَهو حَسَنُ الْحَدِيثِ مُتَمَاسِكٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَهُ أَحَادِيثُ صَالِحَةٌ، عَن قَتادَة وَغَيْرِهِ وَعَامَّتُهَا مُسْتَقِيمَةٌ، وأرجُو أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ. ه
وأين هذه العبارة من التبجيل والتوثيق التام الذي يحظى به شعبة الإمام المجمع على كونه المنتهى في الحفظ والإتقان .
نعم ، تابعه حجاج الباهلي وعمران ، وهم جميعا لا يتماسكون أمام شعبة .
هذا على فرض خلو السند من المشاكل والعلل العائدة إلى قتادة من تدليس واضطراب سندا ومتنا ، ناهيك عن أن رواية شعبة موافقة للكتاب والسنة ولا معارضة فيها للعقل والعلم كرواية أبان العطار ومن تابعوه .
وقفة مع ابن حجر رحمه الله :
يعلم الحافظ ابن حجر وغيره أن الجمع يكون حين يخلو الطريقان من العلل القادحة سندا ومتنا ، وهو ما لم يبحث عنه .
كما يدري جيدا أن الجمع يصار إليه حين تتعدد مخارج الحديثين المختلفين.
ونحن هنا أمام روايتين لحديث واحد مروي بإسناد واحد ، ولسنا أمام حديثين مختلفي الإسنادين .
فإما أن قتادة سمع الرواية الأولى من عبد الله بن أبي عتبة ، أو سمع الثانية على فرض انعدام التدليس .
أو أنه لم يسمع واحدة منهما ، فهو التخبط والتخليط والتوهم الذي لا يسلم منه أي إنسان مهما كان .
والخلاصة أن الإمام أبا حاتم رجّح رواية أبان العطار دون مرجّحات قويمة ، بل قوله : ( مَا أَرَى أَبَانَ إِلا وَقَدْ حَفِظ ) ، إقرار ضمني بأنه معتمد في ترجيح روايته على الظن والرأي فقط .
وأما الحافظ ابن حجر ومن شايعه في طريقة الجمع تلك ، فقد تجاهلوا شروط الجمع ، وتناسوا مرجّحات رواية شعبة ، فإنهم يعلمون أن اضطراب الراوي في روايات الحديث الواحد ، يوجب الجمع بشروط ، أو ترجيح إحدى الروايات استنادا إلى مرجحات معقولة .
خلاصات واستنتاجات :
أولا : قتادة مدلِّس ولم يصرّح في أي من طرق الحديث بسماعه وأخذه مباشرة من شيخه التابعي عبد الله بن أبي عتبة ، فالسند منقطع ، والواسطة بينهما مجهولة .
ثانيا : قتادة سمع الإسرائيليات من أهل الكتاب ، وتتلمذ لهم ، وفي شيوخه المجاهيل والضعفاء جدا والكذابون ، فيحتمل أن يكون سمع ذاك الكلام من أحدهم ينسبه للرسول كذبا أو سهوا .
ثالثا : قتادة المتفرّد بالحديث ، لم يستقم في أدائه بل تناقض واضطرب من عدة أوجه ، فلا نطمئن لحفظه ولا نأمنه على سنة رسول الله ودينه ، طبعا كلامنا خاص بحديث المقال فقط أو ما شابهه من أحاديث قتادة رحمه الله .
رابعا : قتادة روى بسنده إلى أبي سعيد الخدري روايتين مختلفتين لحديث واحد ، إحداهما موافقة للقرآن والأحاديث الصحيحة ، فهي المحفوظة الصحيحة .
النتيجة الخاتمة :
سمع قتادة رحمه الله كذابا ينسب لعبد الله بن أبي عتبة عن أبي سعيد مرفوعا : " ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج " .
أو أنه سمع تلك الجملة من أحد شيوخه المولعين بالإسرائيليات والأساطير .
وكان قد أخذ الرواية الصحيحة ( لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ) عن عبد الله بن أبي عتبة بدليل تصريحه بالسماع لها عند الحاكم في المستدرك .
وبفعل الزمن الذي ينسي ويضعف الذاكرة ، اختلط ما سمعه قتادة من الكذابين أو أهل الكتاب ، بما سمعه حقا قويما من شيخه عبد الله بن أبي عتبة ، فجعل الأكذوبة الخرافية حديثا مرفوعا .
وهناك احتمال وارد :
جملة : " ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج " قالها أبو سعيد الخدري تصديقا منه لأساطير أهل الكتاب ، بقرينة ورودها موقوفة عليه من طريقين صحيحين إلى قتادة فقط ( انتبه : الصحة إلى قتادة ثابتة ، أما إلى شيخه وأبي سعيد فلا ) .
فاختلط الحال على قتادة الذي كان يحفظ حديث أبي سعيد المرفوع الخالي من النكارة: ( لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ) ، فصار يرفع قولة أبي سعيد المأخوذة من أهل الكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومثل هذه الأنواع من الاختلاط والتوهمات ، تحدث للصحابة فضلا عن التابعين وأتباعهم ، دون أن تخدش علمهم وصدقهم .
وعموما ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل إن الناس سيحجون البيت ويعتمرون بعد خروج يأجوج ومأجوج ، لأن خروجهم لن يكون إلا بعثا من قبورهم كما جاء صريحا في سورة الأنبياء .
والحمد لله رب العالمين .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.