كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الترجمة وأعمال الترجمة بقطاع العدل، ففي إطار التوظيف النوعي كانت قد أعلنت وزارة العدل عن مباراة في تخصص الترجمة. وبالمناسبة هي الأولى من نوعها في هذا التخصص، توجت بعد مخاض عسير في جو من الشفافية التامة عن تخرج أول فوج من الموظفين التراجمة التابعين لوزارة العدل حيث كانت الانطلاقة. ففي عصر التكنولوجيا الحديثة والهواتف الذكية أضحى العالم قرية صغيرة بألوان الطيف تتلاقح فيها الثقافات والحضارات المختلفة وتتواصل في حوار جدي في جميع المجالات. وقطاع العدل بدوره في تحد لتجويد ومقارنة القوانين والاجتهادات وإيصال صوت العدالة ومد جسور وقنوات التواصل مع مختلف البلدان في العالم جسور التي لا يمكن أن ترتكز ويتحقق لها النجاح إلا عن طريق الترجمة وأعمال الترجمة. اليوم، وجدتني أحمل القلم لكتابة هذه السطور لأتحدث عن الترجمة، عن تجربتي ووجهة نظري بحكم انتمائي للفوج الأول لهذه الفئة من الموظفين، فأن تترجم من أجل المساعدة في تحقيق العدل والعدالة ليست بالمهمة السهلة. غير أننا رسمنا الخطوات الأولى فمشوار الموظفين التراجمة انطلق من وزارة العدل ولا زال في بدايته وتنتظره رهانات جديدة لمواكبة ما يعرفه قطاع العدل من تطورات وتقدم منذ صدور الدستور، وتأسيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، والإدارة القضائية الحديثة بمفهومها الجديد. يمكنني القول أن المراحل الصعبة التي كانت تبدو شبه مستحيلة من مشوار تخصص الترجمة مرت بنجاح فمعالم الطريق لهذا التخصص الجديد بالإدارة القضائية الحديثة أصبحت واضحة والآن بصدد خوض تحديات ورهانات جديدة فقط يبقى إنجاز أمور تتعلق بالإطار القانوني الملائم لهذه الفئة من الموظفين، وبالمناسبة من هذا المنبر نناشد وزارة العدل توفير الدعم اللوجستيكي وآليات العمل لهذا المولود الجديد بالإدارة القضائية الحديثة ودعم هذه التجربة حتى يتسنى لها النجاح. من جهة أخرى، كما يقال لكل وافد جديد دهشة، ولكل مولود جديد صرخة، فإذا كانت الغالبية ترحب بهذه التجربة الرائدة وترى أنها إضافة نوعية للإدارة القضائية الحديثة ستفيد في القيام بأعمال الترجمة وتسهيل التواصل، فهناك بعض الأصوات تتساءل عن جدوى هذا التخصص وتسعى لعرقلة جميع المبادرات الطموحة لإفشال هذه التجربة. مرت أشواط في ظروف جد صعبة وتعجيزية نذكر من بينها افتقار آليات العمل الضرورية وطبيعة التخصص وغيرها من الإكراهات الموضوعية، غير أن تخصص الترجمة يسارع الأحداث وفق استراتيجية معقلنة وأهداف محددة ويرسم مساره خطوة خطوة بوعي تام بتحديات المرحلة الراهنة وبعيون متفائلة نحو المستقبل. وأخيرا، وحتى تحظى الترجمة بالمكانة التي تليق بها في إطار التوظيف النوعي أسوة بالمكانة التي تعرفها في القطاع الخاص. وفي جو من الانتظار والترقب للخطوات الموالية وتكاثف الجهود من أجل إنجاح هذه التجربة الرائدة، لتحقيق النجاعة والفعالية خدمة للصالح العام وتفعيلا لما جاء في منظومة إصلاح العدالة.