في جو يسوده الارتباك والتوتر بعد مضي شهور طويلة من الترقب والانتظار وتقديم عدد من الطلبات في اتجاه تفعيل استراتيجية الوزارة لرسم معالم الطريق لتخصص الترجمة وتسوية وضعية الموظفين التراجمة بما يصون حقوقهم المكتسبة وحماية مسارهم المهني من أي انحراف قد يؤدي إلى إجهاض هذا التخصص، وبعد أربع سنوات من انطلاق تخصص الترجمة، حان الوقت لتقييم حصيلة هذه التجربة الرائدة، سواء تعلق الأمر بخلية الترجمة بمصالح الإدارة المركزية لوزارة العدل أو على صعيد المحاكم، للتعريف بالمنجزات واستشراف الآفاق. في الواقع، ورغم ما تم تحقيقه من منجزات لا بأس بها غير أنها لم تكن في مستوى التطلعات، مما تسبب في نوع من الاحتقان والغضب في صفوف هذه الفئة من الموظفين التراجمة بسبب الغموض والارتباك اللذين عرفتهما استراتيجية الوزارة في تدبير مسارهم المهني في ظل واقع من مخلفات الأمس تعرفه المحاكم يستنزف الطاقات ينضاف إلى الظروف الصعبة وغياب آليات العمل للقيام بالمهام المنوطة بهم في تخصص الترجمة. بالإضافة إلى استبعاد هذه الفئة وعدم إشراكها في جلسات الحوار لتدبير أمثل للمسار المهني، مما نتج عنه ضبابية في الرؤية، ولا أحد أصبح يتنبأ بالوجهة التي ستحدد الآفاق المستقبلية. فهناك من يرى أن مستقبل هذه الفئة من الموظفين التراجمة، وعددهم 20، يكمن في إدماجهم بهيئة كتابة الضبط في إطار المنتدبين القضائيين مع احتفاظهم بمهامهم، وهذا من ناحية سيمكنهم من زيادة في الراتب الشهري واستفادتهم من الامتيازات التي يخولها الإطار الجديد، لكن من ناحية أخرى، فإن ذلك قد يؤدي إلى انصهارهم في إجراءات كتابة الضبط ومهامها، ما سيؤدي حتما إلى فقدان هويتهم كمترجمين وسيضيع على قطاع العدل فرصة الإضافة النوعية للإدارة القضائية في تخصص الترجمة التي هي السبب الرئيسي في ولوجهم لوزارة العدل. في المقابل، هناك من يرى أن مستقبل هذه الفئة من الموظفين التراجمة يكمن في التدبير الأمثل لمسارهم المهني، وذلك بالتشبث باستراتيجية وزارة العدل والخطوط العريضة التي رسمتها في هذا المجال من خلال ملخص بطاقة الوظيفة النوعية الخاصة بالمترجم القضائي في انتظار التنزيل السليم للقوانين الصادرة ما بعد الدستور، ولا سيما المادة 14 من مشروع قانون التنظيم القضائي 38.15 الذي ما زال موضوع نقاش، بحيث أصبح الطرح في تسوية وضعية الموظفين التراجمة التابعين لوزارة العدل "المتصرفين" عبر إيجاد صيغة تمكن من إدماجهم في هيئة التراجمة المحلفين بمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم يفرض نفسه بقوة. هيئة واحدة تجمع شمل المترجمين القضائيين التابعين لوزارة العدل والتراجمة المقبولين لدى المحاكم؛ هذا الطرح أصبح يفرضه الواقع بقوة، وهو الطرح الذي سيساهم في إنجاح رهان الترجمة بوزارة العدل وسيكمن من استمرارية تخصص الترجمة ومواكبة التطور الذي يعرفه العالم في هذا الاتجاه، كما سيساهم في التدبير الأمثل للمسار المهني لهذه الفئة واستمراريته، أسوة بباقي المهنيين خريجي المدارس العليا العاملين بوزارة العدل، كالمهندسين والأطباء... في ظل هذا الاختلاف الواضح في وجهات النظر وفي غياب أي تمثيلية أو جمعية متشبعة بهويتهم المهنية كمترجمين تمثلهم لدى المسؤولين وأصحاب القرار لتحديد مصير مسارهم المهني على ضوء مقاربة تشاركية لحماية حقوقهم المشروعة ومكتسباتهم، سواء تعلق الأمر بحقوقهم المهنية أو المادية أو الاعتبارية، (في غياب ذلك) أصبح الغضب بين أعضاء هذه الفئة في تزايد وبدأت تتجه نحو التشرذم والانقسام بسبب غياب الحماية القانونية بالنظر إلى المهام الجسيمة وطبيعة التخصص، كما أصبحوا عرضة لكل أنواع الضغط والتضييق والتبخيس والتعسف وصور قصير لكل من سولت له نفسه النيل منهم من مسؤولين إداريين أو قضائيين على حد سواء. وأخيرا، عبر هذا المنبر أوجه نداء إلى وزارة العدل للالتفات إلى هذه الفئة وإعطائها فرصة الإشراك في تحديد مصير مسارها المهني من خلال مقاربة تشاركية حقيقية. *مترجم قضائي