سعر الدرهم يرتفع أمام الدولار الأمريكي    ترامب يعلن لقاء بوتين في ولاية ألاسكا    المقاتل المغربي الرشيدي يرفع التحدي في بطولة PFL إفريقيا            أربع أولويات كبرى ضمن مشروع قانون المالية 2026    مراكش.. توقيف ضابط أمن عن العمل بعد اتهامه بتلقي رشوة من سائق سيارة ارتكب مخالفة    رئيس جنوب إفريقيا الأسبق يدافع عن زيارته للمغرب    الشان يؤخر صافرة بداية البطولة الوطنية في قسميها الأول والثاني        حرائق كاليفورنيا .. 2000 هكتار في ساعات وأوامر إخلاء عاجلة للسكان    فتح تحقيق مع ضابط أمن للاشتباه في تورطه في طلب رشوة من سائق سيارة    تيزنيت : شبهات تواطؤ بين مسؤولين ولوبي العقار في قضية الواد المدفون    الولايات المتحدة.. ترامب يعين مستشاره الاقتصادي عضوا في مجلس البنك المركزي    مشروع قانون مالية 2026.. 60% من الاستثمارات للمناطق القروية والجبلية وبرامج اجتماعية لتعزيز العدالة المجالية    أوغندا تكتسح غينيا بثلاثية في "الشان"    قانون مالية 2026.. مواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية والحفاظ على التوازنات المالية    فرنسا تندد ب"شدة" بخطة الحكومة الإسرائيلية لاحتلال غزة بالكامل    أسود البطولة يرفعون التحدي قبل مواجهة كينيا    شيخ الطريقة القادرية البودشيشية في ذمة الله    الحضري: بونو يستحق الأفضل في العالم    موجة حر مع درجات حرارة تصل الى 48 بعدد من مناطق المغرب    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأخضر    واشنطن توضح سياسة "رسوم الذهب"    وقفات مغربية تواصل مناصرة غزة    "أولمبياد تيفيناغ" .. احتفاء بالهوية عبر منافسات تربوية في الحرف واللغة    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    المغرب يحتفي بأبنائه في المهجر ببرامج صيفية تعزز الانتماء للوطن وتواكب ورش الرقمنة (صور)    المعرض الوطني للطوابع والمسكوكات يتوج نسخته الثانية في مدينة خنيفرة بندوة علمية حول تاريخ النقود والبريد    عيطة الحال ... صرخة فنية من قلب البرنوصي ضد الاستبداد والعبث    الرباط تحتضن النسخة الأولى من «سهرة الجالية» بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر    قادة دول ورجال أعمال يلتمسون ود ترامب بالذهب والهدايا والمديح    الجمارك المغربية تجدد إجراءات الرقابة على المعدات العسكرية والأمنية    المغرب في قائمة الوجهات الأكثر تفضيلا لدى الإسبان في 2025    بطولة إسبانيا.. مهاجم برشلونة ليفاندوفسكي يتعرض للإصابة    مدافع برشلونة إينيغو مارتينيز في طريقه إلى النصر السعودي    الشرطة توقف طبيبا متلبسا بتلقي رشوة 3000 درهم مقابل تسريع خبرة طبية    بطولة أمم إفريقيا للمحليين.. بوابة اللاعبين المحليين صوب العالمية    مقاييس الأمطار المسجَّلة بطنجة ومناطق أخرى خلال ال24 ساعة الماضية    وفاة الفنان المصري سيد صادق    المغرب يصدّر أول شحنة من القنب الهندي الطبي نحو أستراليا    لطيفة رأفت تعلق على "إلغاء حفلين"    النجم الحساني سعيد الشرادي يغرد بمغربية الصحراء في مهرجان "راب افريكا"        العربيّ المسّاري فى ذكرىَ رحيله العاشرة    واشنطن تعلن عن جائزة 50 مليون دولار مقابل معلومات للقبض على الرئيس الفنزويلي    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    مسؤول أممي يرفض "احتلال غزة"    استخدام الذكاء الاصطناعي للتحقق من الصور يؤدي إلى توليد أجوبة خاطئة    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حنان درقاوي .. حفريات الكتابة في الجسد
نشر في هسبريس يوم 25 - 04 - 2018


شعرية العنف في قصة "الاسنان الاكثر بياضا"
عتبة :
" نص مر وقاس من مجموعتي القصصية القادمة يكاد يكون سيرذاتي"،انطلقت من هذه التدوينة لأقرأ هذه القصة ،وفي ذهني تحفظ واستفسار :هل هذا مجرد إشهار للنص ومحاولة إغراء بقراءته ؟
وأنا اقرأ النص كنت أتخلى عن شكي تدريجيا ....وبعد الانتهاء من القراء ة الأولى صرخت :كم هو قاس هذا النص....قاسية هي هذه النهاية...وتولد لدي سؤال :ما مبررات هذه القسوة؟وكيف تكون اللغة الحكائية قاسية وهي تشكل لحمة النص القصصي؟
*قسوة الكاتب(ة) ...قسوة الكتابة :
*حنان درقاوي في سطور(1971/...).
حنان درقاوي، قاصة وروائية ومترجمة مغربية تقيم في فرنسا.تنشر نصوصا ومقالات في الجرائد و المجلات والمواقع الالكترونية.– صدر لها:
1997 : “طيور بيضاء” مجموعة قصصية عن منشورات دار البوكيلي للنشر والتوزيع بالمغرب.
2003: “تيار هواء” مجموعة قصصية عن منشورات دار الصدى بدبي.
– كما صدرت لها نصوص مترجمة إلى الفرنسية والألمانية.
– صدر لها مع بداية سنة 2014:
– “الخصر والوطن”، رواية عن منشورات دار إفريقيا الشرق بالمغرب.
– “جسر الجميلات” رواية عن منشورات النايا للدراسات والنشر بسوريا.
– الجوائز المحصل عليها:
1993: جائزة الطلبة الباحثين في الآداب، كلية الآداب بالرباط المغرب عن نص “رحيل، طريق أخر”؛
2001 : جائزة مجلة عائشة بالمغرب عن نص “حبات رمل” ؛
2003 : جائزة الإبداع العربي من دبي – المركز الأول، عن المجموعة القصصية “تيار هواء”.
– الشواهد المحصل عليها:
– دبلوم الدراسات العليا المعمقة في تاريخ الفلسفة؛
– دبلوم كلية علوم التربية للأهلية لتدريس الفلسفة؛
– ليسانس فلسفة، تخصص فلسفة عامة.
من خلال تتبع مسار الكاتبة نتعرف على رؤيتها للوجود وتفاعلها مع الواقع ، بحيث انتقلت من مرحلة القفازات البيضاء ذات النزوع الرومنسي (كما تقول)،الى مرحلة تعرية الواقع ونقده بعنف كما ظهر في اعمالها التي كتبتها في المنفى "الختياري"بفرنسا حيث تعيش الان.وهي كاتبة منخرطة في الحياة الحقوقية والسياسية بشكلها العام .لذا نجدها تقول :
"أعتبر أن المثقف صوت من لا صوت له ،وعليه أن يلعب دورا سياسيا وأن يقف بجانب القضايا العادلة إذا توفرت له أدوات التحليل والرغبة في الانخراط في دينامية مجتمعه.".
وهي منشغلة بالكتابة لحد الإدمان حيث تقول :
*"أنا حاليا أكتب عشر ساعات في اليوم ، أحس بالتعب و يكون ألذ تعب على الإطلاق.".
لعل القسوة في الكتابة اتية من الذاتي والموضوعي في تشابكهما ،ومن صدق التجربة الانسانية...
*حكاية أسماء وأسنانها الصفراء و المنظور السردي :
تقوم قصة "الأسنان الأكثر بياضا" على حكاية محورية هي :رغبة أسماء في تبييض أسنانها الصفراء ،والمشاركة في "سباق المدن" لتصبح ممثلة كبيرة.
أسماء المراهقة ذات الأربعة عشر ربيعا تعيش حياة خريفية ،ويتولد عن الرغبة الاولى (تبييض الأسنان) مجموعة من الأحداث الفعلية منها :التنسيق مع صويحباتها ،العمل على جمع المال للتبييض،اللقاء بعدة أطراف طلبا للمساعدة (التلميذ الفيلسوف/أستاذة الفرنسية...)،الفشل في الحصول على المال واقتراح صديقتها فاطمة سرقة ذهب أمها ورفض أسماء لذلك ،معارضة أمها لرغبتها واقترافها لسرقة ذهب أمها ودخولها السجن في النهاية.هذا المسار الأول الواقعي المحفوف بالفقر والمعاناة ،يقابله مسار أحداث أخرى متعالية على الواقع ،أحداث هي أحلام أسماء بان تصبح ممثلة ونجمة عظيمة ،تسكن بمدينة الفنانين (الرباط)،تمتلك سيارة فخمة وتساعد آمها وصديقاتها....جميلة بأسنان بيضاء وملابس غالية و أكل فاخر....
تقدم هذه الأحداث عبر رؤية سردية مزدوجة :بواسطة صوت أسماء باعتبارها ساردة وشخصية أي الرؤية المصاحبة ،فالشخصية تحكي الأحداث التي تشارك فيها عبر ضمير المتكلم.
وأما الصوت الثاني الذي يسرد لنا أحداث هذه الحكاية فهو صوت مجهول غير مشخص ولا يشارك في الأحداث مستعملا ضمير الغائب،لديه سلطة اكبر من الساردة الأولى : أسماء،لأنه يعرف كثيرا عنها وعن غيرها من الشخصيات.
ولعل اختيار الكاتبة للنوعين معا يساعدها على توفير أقصى المعلومات الممكنة التي تساعدنا على لملمة الأحداث وتتبع تبنينها ونموها المتشعب،فنوع الرؤية المصاحبة يحقق اقصى درجات "دمقرطة"الحكي ،بحيث نتمكن من سماع صوت أسماء الذاتي المعبر عن انشغالاتها النفسية كالإحساس بالدمامة وكرهها لفقر أسرتها وقلقها من توتر علاقتها بأمها الموروث عن كراهية أمها لأبيها (الذي لا تسميه باسمه وإنما بتسمية قدحية "بوزبال").هذه الرؤية تجعلنا قريبين من روح الشخصية البطلة.أما الرؤية من خلف فإنها تمكننا من التفاصيل المهمة للتعرف على الشخصيات حين يكون الحكي خارج سلطة الساردة البطلة،رؤية تساعدنا على الغوص في أعماق الشخصيات واكتشاف وعيها الخفي .ولعل هذا التقاطع بين الرؤيتين :المصاحبة ومن خلف يمكن من اغناء النص واستجلاء بنية أحداثه الغنية ، فنحن أمام وفرة المعلومات من منظورين داخلي ذاتي : منظورالساردة/البطلة التي تلعب دورين متداخلين ،أولهما الحكي باعتبارها ساردة تحكي لنا معاناتها وأحلامها الذاتية ،وثانيهما الفعل باعتبارها شخصية أساسية وفاعلة في حركية الأحداث وقائمة بأهمها.ودور السارد العارف بكل شيء الذي يكتفي بوظيفة الحكي ،لكن من منظور مخالف للأول ومتكامل معه. والأكيد آن التنويع في الرؤية (مصاحبة/من خلف )بالتناوب يساهم في إبعاد أي رتابة محتملة عند المتلقي.
*عنف الشخصيات ...عنف العلاقات :
+الأب : ورد في القصة :" أما أبوها فهو لا يعود إلا بعد منتصف الليل بعد أن يبدد مصروف البيت في الحشيش"،كما عرفنا من خلال أحداث القصة انه يشتغل كعامل نظافة ضمن برنامج الإنعاش الوطني لجمع قمامة مدينة أيفران ،وعرفنا أن أم أسماء(وكلاهما الأب والأم، بلا اسم فما دلالة التغييب والغياب؟)لا تسميه باسمه أو بصفة الأبوة(الا في حالة واحدة حين تهدد ابنتها بعقابه) وإنما بلقب تحتقره به "بوزبال".
هذا الأب هو رمز للعنف الرمزي، فهو غير مسؤول وغائب عن انشغالات طفلته،ومدمن حشيش ،ويعتدي على مصروف البيت (هل تسمي حساء العدس كل يوم أكلا؟).وهو سبب مباشر لكراهية أمها لها :( ذنب أسماء أنها تشبه أباها في شكله وأمها تحقد على أبيها وتعتبره سبب فقرها واندحارها.).وهذا يولد لدى الطفلة سخطا عنيفا تبلوره في سؤال استنكاري عنيف :(ما الذي يدفع الفقراء إلى الإنجاب غير غريزة حيوانية تتجاوز قدرتهم على التحكم في أعضائهم التناسلية؟).
يبقى الأب متهما في عيني أسماء بأنه عامل معيق لتحقيق حلمها :رغبتها في أن تصبح نجمة تمثيل بأسنان بيضاء.
+الآخرون : نحددهم هنا في:
- صديقتها التي تقدم لها بيضا في الفطور فيحرك ذلك فيها دونيتها :( لم تستطع أن ترفض دعوة أم مريم للإفطار فقد هيأت بيضا مقليا وزيتونا" في بيتها البيض المقلي يشكل وجبة غذاء كاملة ومريم تفطر به. يا لحظها".).
- دكتور عيادة الأسنان :تقع عيادته في بيت أنيق وهي :(تشعر بالحرج دائما أمام البنايات الأنيقة).وتحس أن الأماكن الأنيقة تشعرها بضحالتها ورخصها في هذا العالم الذي لا يؤمن إلا بالمال...هي التي تربت في براكة قصدير تحس انه ليس من حقها أن تلج الأماكن الأنيقة...وهذا يتأكد من خلال معاملة سكرتيرة الدكتور لها :"قالت بصوت بارد/بنفس البرود :هنا عيادة وليس محل بقالة).
- الزايدي استاذة الفرنسية وزوجة الكومسير :رغم أنها تحبها كتلميذة نجيبة في مادتها ،إلا أنها تخلت عنها ،ولم تقدم لها دعما ماديا هي الغنية مالكة بيت أنيق بحديقة جميلة وأثاث عصري نظيف ومرتب بعناية...حيث تطابق موقف الأستاذة مع موقف الأم :
(-لا يمكنني أن أساعدك للأسف باعتبار أن أمك غير موافقة. يجب أن تسمعي لأمك يا أسماء.
- إنها تحرمني من حلمي وتعوق بيني والحياة .
- لكنها أمك ولا أحد يعرف مصلحتك أكثر منها. لا يمكنني أن أفعل شيئا .).
فأصبحت الأستاذة عاملا معاكسا لرغبة أسماء مما ولد في نفسها أسئلة قلقة :
(ألا تشيد كل يوم بإتقانها للفرنسية وتتنبأ لها بمستقبل ناجح؟ هل كذبت عليها طيلة السنة الدراسية؟ لماذا خذلتها بهذا الشكل؟ لماذا تدعها وحيدة تتخبط في مشكلة لا حل لها؟ أما كان يمكن أن تمدها بالألف درهم بدل المحاضرة عن دور الأم وضرورة طاعتها؟ ألهذا الحد هي رجعية أم أنها لا تريد لتلميذتها الفقيرة أن تحلم بالمجد والشهرة والمال؟).
*التلميذ الفيلسوف : علي مثل أيضا عنصرا معاكسا لرغبة أسماء من منظور ثقافي وفلسفي وسياسي ،ولكنها لم تكن قادرة على استيعاب رأيه :( لا أعرف لماذا تشغلين نفسك بتفصيل كهذا. يجب أن تكون لك إرادة اقتدار حقيقية كما يقول نيتشه, عليك أن تتقبلي نفسك كما أنت وأن تعيشي حياتك بقوة وأن تقاومي أفكارك الغريبة عن الجمال. لك جمالك الخاص ولو بأسنانك الصفراء.).
ولم تقتنع بمرافعته السياسية " لكني غير موافق على طريقة تفكيرك وعلى مشاركتك في برنامج للتلفزيون المخزني الذي هو أداة النظام في إلهاء الشعب عن مهامه الثورية.)،بل كانت تبحث عن الف درهم كمهمتها الثورية الوحيدة:" - أرحنا من الفلسفة. هل لديك ألف درهم؟) كما جاء على لسان صديقتها فاطمة.كانت تفكر في المبلغ المطلوب لتبييض أسنانها(ثمن الزيارة ستين درهم والتبييض بألف ومائتي درهم, هل تريدين موعدا؟ _).كما قالت لها السكرتيرة بصرامة.
*الطالب عزيز :مارس عنفا من نوع خاص حيث قايض مساعدته المادية بالنوم مع فاطمة(ندمت أسماء لأنها سألته لكنها لم تتوقع أن يكون بتلك الفجاجة.).
*الأم : رمز كبير للعنف بجميع أنواعه...إنها نموذج "المضطهد المضطهد/بفتح الهاء الاولى وكسر الثانية" ،فلأنها تعتبر نفسها ضحية زوجها الذي لا تسميه إلا بوزبال،ولأنها تعمل خادمة طيلة اليوم والأسبوع بمطعم مقابل ما يناهز عشرين درهما في اليوم،فهي تقسو بشكل مضاعف على ابنتها أسماء.ومظاهر هذا العنف اتخذت عدة صور :
+عنف السخرة :( خلال العطل الدراسية أبدأ يومي بكنس العشة وأحضر الطعام لأمي التي تشتغل خادمة بمطعم الوردة في المركز. بعد الظهر أكنس أمام البراكة وأرش الماء.... في بعض الأحيان أشتغل بطرز اليوغوسلافي. عمري أربعة عشر عاما ولا أفق لبنت في مثل عمري لا تملك مالا بمدينة إيفران، لا أفق سوى قضاء العطل بالبيت. حين سأكبر أكثر سألتحق خلال العطل بأمي في مطعم الوردة.).فهي تقوم بأشغال البيت منذ صغرها وحين كبرت (14سنة)أصبحت تساعد أمها في المطعم البعيد عن البيت.
+عنف العلاقة : تعتبر أسماء أمها اكبر حاجز مانع أمام تحقيق أحلامها،وكثيرا ما عبرت عن غرابة قساوة أمها وبحثت لها عن تفسير بدون أن يقنعها ذلك بشرعية ذلك العنف اللفظي والنفسي والاجتماعي (وضع شكاية لدى الشرطة ) ومنعها من التمثيل وتبيض الأسنان:" تبييض أسنان؟ هل وجدنا الخبز لتهتمي ببياض الأسنان الآن؟"ثم تعنفها :" أهدم جسدي في الخدمة وابنة بوزبال تحلم بالتمثيل والخلاعة. يعني ماشي ممكن أن تكوني معلمة، ممرضة، سكرتيرة وتساعدينا على حمل هاته القربة المثقوبة؟".وتتجاوز ذلك الى التفكير في منعها من كل ما تحب :" ستفضحينني وستنتهين في السكر والسجائر. أقفلي باب هذا الموضوع وإلا أخبرت أباك وسيتكفل بجلدك. هذه آخرة الذهاب إلى المكتبة. لا مكتبة بعد اليوم وصديقاتك لا أريدهن أن تعتبن البيت بعد اليوم. لاشك أنهن هن اللواتي أشرن عليك هاته الشورى الخليعة. أين تعلمت التمثيل؟ إذا تطلب الأمر سأسحبك من المدرسة وتلتحقين بالعمل في المطعم. إنهم بحاجة إلى خادمة، ابنة الخادمة تصير خادمة وهذا سير الحياة.".
هذه العدوانية القاسية من الام تجعلنا نطل على العوالم النفسية للبطلة وهي تتساءل عن دواعي تلك القسوة :" لا تستطيع أن تفهم موقف أمها من حلمها بالتمثيل واحتقارها لرغبتها في تبييض الأسنان. مرات كثيرة تفكر أن أمها لاتريد لها الخير وأنها تحلم بها خادمة مثلها. ما الذي يجعل أما عدوة لابنتها بذلك الشكل؟ في الطبيعة هناك قطط تأكل أولادها، هل تكون أمها مثل تلك القطط القاتلات؟".
عدوانية تولد عدوانية في محيط معادي للحلم حتى وان كان صغيرا جدا.....
إن أسماء كبطلة تبحث عن حلم جميل في واقع متدهور لا يعترف بالأحلام ،يدفعها حبها للتمثيل الى رغبة التفكير في تبييض أسنانها للمشاركة في سباق المدن،لكنها رغبة تعارضها عدة عوامل ابتداء من المال ووصولا إلى الأم ،مرورا بعجز الآخرين عن مساعدتها(الأب/الصديقات /التلميذ/الطالب/الاستاذة...)،مما يرجح الانفصال عن الموضوع اكثر من الاتصال به.
إن شبكة العلاقات التي تبنيها الكاتبة حول البطلة أسماء ترسم مجموعة من العلاقات المعادية ،مما يِؤزم مسار الأحداث ويبني نهاية مأساوية :الدخول للسجن والتوقف عن الدراسة والالتحاق بأمها كخادمة بالمطعم ،وان كانت فازت بأمر واحد هو :تبييض الأسنان...هذا الحلم الذي كان مفتاحا سحريا للمستقبل(النجومية والتمثيل) لم يعد سوى علامة على ذكرى الاعتقال وتوقف الأحلام.
*عدوانية الاماكن :
تدور أحداث قصة حنان الدرقاوي في أماكن متعددة ،أهمها مدينة ايفران كحيز مكاني عام ،مع الإشارة الى فاس والرباط.
+ايفران :يقدم هذا المكان بمظهرين متناقضين ،فهي تلقب بسوسرا المغرب لجمالها ونظافتها.وتحظى بلقب المدينة الأنيقة مدينة الحسن الثاني.وهي في الوقت نفسه وجه مخفي خلف جبل تيمديقين حيث تقبع البراريك والبؤس والفقر.وأسماء تنتمي الى عالم تيمديقين عالم البيوت الواطئة والبراريك القصديرية.تحس أسماء أنها غير موجودة أو مرئية حين تسير في ايفران الأنيقة :" الفقراء مثلها محجوبون عن الأنظار في المدينة ولا أحد يراهم حتى أنها تحس في بعض الأحيان أنها بنت خفية".ايفران الحسن الثاني مدينة البنايات الأنيقة التي تشعر أسماء دائما بالحرج:( تحس أنه ليس من حقها أن تلجها وهي التي تربت وكبرت في براكة قصدير).لا تحس أسماء بالانتماء لهذا الجزء من المدينة.في حين تجد نفسها متورطة في الانتماء الى ايفران الفقيرة المخفية عن الحسن الثاني والسياح.واهم مكان يجسدها هو بيت أسرة أسماء .
+بيت بوزبال :يقدم هذا المكان بأوصاف متنوعة تحدد هويته الاجتماعية /الطبقية :فهو بيت من قصدير ،عبارة عن براكة في حديقة بيت كبير،وهو مجرد عشة و مخروبة.
هذا المعجم القاسي يصور لنا المكان الذي تعيش داخله أسماء،وعلى عكس ما نظر له يوري لوتمان فان هذا البيت لا يدل على الحميمية والأمان في مقابل الغابة الدالة على المعاداة والخطر،بل يصبح مكانا مغلقا معاديا وخطيرا،لانه مخترق بالفقر القابع في غابة ايفران الفقيرة.شكل هذا البناء الذي تسكنه مع أسرتها هو ابعد عن البيت الذي تحلم به :"كانت تتخيل حياتها في بيت حقيقي ،بيت بجدران حقيقية بدل القصدير الهش ،الذي يشعرها انها تبيت في العراء".هذا المكان ليس بيتا لانه امتداد للخارج /الغابة (العراء خطر)،ليس بيتا لأنه بلا دولاب ،ويسكنه الجوع والبرد والفقر (تشقق اليدين/وجبة واحدة أحيانا في اليوم/شربة العدس المزمنة/ملابس رخيصة من الجوطية).
إن مدينة ايفران غابة كبيرة بالنسبة لأسماء داخلها تحدث وقائع خطيرة تهدد أحلامها ، ولا احد يساعدها على تحقيق حلمها(باستثناء صويحباتها) ،وحتى البيت العائلي الذي من المفروض ان يوفر لها قليلا من الأمان يتم اكتساحه من طرف الغابة لان الحد الفاصل بينهما حطمته التفاوتات الاجتماعية الصارخة والفقر العنيف.
*الزمن وتقنية الاستباق : قدر الحلم بطعم العنف...
أحداث النص كما اشرنا الى ذلك سالفا تقوم على حكايتين متداخلتين جذرهما الموحد هو التجربة الحياتية لأسماء :حكاية الأحداث اليومية لأسماء الطفلة/التلميذة ومعاناتها مع الفقر واصفرار أسنانها وعملها على توفير ثمن التبييض .وزمن هذه الحكاية يتأرجح بين :
+الراهن من خلال استعمال أفعال المضارعة لترهين مشاهد من الحياة(والكاتبة تصرح في احد حواراتها بأنها تهتم باللقطة/المشهد في كتابتها) :" أخاف من الخشبة ومن حلمي لأنني فقيرة ولست فتاة جميلة، أنا أقرب للدمامة، نحيفة وأسناني صفراء وليس لي شكل مميز. البعض يقولون أن عيوني جميلة وأن شعري المنسدل هو سر جمالي. أود أن أصدقهم لولا هاته الصفرة في أسناني".
+الاسترجاع : من خلال استعمال أفعال الماضي الدال على انتهاء الاحداث :( قبل شهور سمعت بمسابقة "سباق المدن"/ لبسن ملابسهن بسرعة وانصرفن في اتجاه المركز. كانت أسماء تداعب حلم الأسنان/ دلفت مع صديقاتها إلى داخل المنزل وتبعن الإشارة " طبيب أسنان" إلى درج كبير. صعدن، وفي الطابق الأول تراءى لها باب الطبيب...)...والأمثلة كثيرة في النص.
والحكاية الثانية هي حكاية أسماء النجمة الممثلة ذات الأسنان البيضاء ،الغنية والتي تسكن بالرباط وتمتلك الفيلا والسيارة الفاخرة وتغزو شاشات التلفزة .وتقدم أحداث هذه الحكاية الثانية بواسطة تقنية الاستباق التي يسميها "تودوروف"ب(حبكة القدر/عقدة القدر المكتوب) ، إنها تقنية توظفها القاصة لبناء أحلام البطلة أسماء.أحداثها في حكم المفترض المجهول والمتوقع حدوثه ،زمنها المستقبل الذي لم يحل بعد ،زمن يتقابل مع زمن الحاضر/الماضي المرفوضان في وعي البطلة.الاسترجاع وسيلة لبناء قدر تختاره أسماء ،لكنه قدر غير مكتوب سوى في عقل تلك الفتاة الحالمة...قدر غير مقدس لان زمن الحاضر يسعى الى محوه يساعده في ذلك زمن الماضي بدعم لوجستيكي لا مشروط من طرف الفقر وكل القوى المعاكسة لرغبة أسماء.
إن توظيف الاستباق فعال في رسم شبكة الأحداث ،خاصة انه لا يوظف إلا في اشتباك بارع مع الترهين والاسترجاع ،مما يشوش على أفق انتظار المتلقي وجعله يجدد توقعاته منتظرا حلا أو انفراجا لصالح الفتاة الفقيرة الحالمة ،والتي تنال الكثير من التعاطف مع تطور الأحداث ....لتأتي النهاية قاسية وصادمة :ارتكاب أسماء للسرقة (التي نهت عنها سابفا صديقتها)...دخولها السجن....توقفها عن الدراسة و عملها خادمة مع امها في مطعم الوردة....(واية وردة؟؟؟).
*خروج من حياة أسماء :
- أسماء : "اسم علم مؤنث عربي، هو جمع كلمة "اسم" وهمزته همزة قطع، في حين أن همزة مفرده همزة وصل. والاسم، هو اللفظ الموضوع على الشيء مادياً كان أو معنوياً، ويُعرف به، وقد سمى العرب بناتهم منذ الجاهلية بأسماء جمعاً، ولم يسموا بمفرده. وربما قصدوا به معنى السموّ. والعامة تسقط الهمزة المتطرفة فيقولون: أسما."
- هل ستستسلم أسماء لحياة الخادمة وتتوقف عن الحلم ؟؟؟؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.