تحمّل تقرير أنجزه الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان مسؤولية الاحتجاجات التي تشهدها مدينة جرادة وما لحقها من مواجهات بين قوات الأمن والمواطنين واعتقال عشرات المحتجّين إلى السلطات العمومية. التقرير، الذي أشرفت على إنجازه ثلاث لجان للتقصّي أوفدها إلى جرادة كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة المغربية لحقوق الإنسان، عزا سبب الاحتقان والاحتجاجات في جرادة إلى فقدان مواطني المدينة مصدر العيش، بعد تصفية شركة مفاحم جرادة، و"إحساسهم بالظلم". وقال التقرير، الذي قُدّم صباح اليوم في ندوة صحافية بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إنَّ إغلاق شركة مفاحم جرادة كان له أثر سلبي بليغ على سكان المدينة، ضاعفتْه الوعود التي قدمها لهم المسؤولون بخلق بديل اقتصادي، والتي لم يتمّ تنفيذها، حسب ما جاء في التقرير. وأبرز التقرير أنَّ ما أجّج غضب سكان مدينة جرادة ودفَعهم إلى الاحتجاج هو أنه في الوقت الذي قيلَ لهم إنّ الفحم الذي كان مصدرَ عيشهم الوحيد لم يعُد مُجديا، بعد إغلاق شركة مفاحم جرادة، كانوا يتابعون كيف يغتني "بارونات" استغلال آبار الفحم "الساندريات" بشكل غير مشروع ويراكمون الثروات على ظهر العمّال البسطاء. وحسب المعطيات التي قدمها مُعدّو التقرير، فإنّ نصف ساكنة مدينة جرادة اضطرّت إلى الهجرة نحو مدن أخرى، بعد إغلاق شركة مفاحم جرادة، ولم يتبقَّ في المدينة سوى الأسَر الفقيرة التي لم تسعفها إمكاناتها في الهجرة، والتي ظلَّت تتخذ من آبار الفحم مصدر عيشها الوحيد؛ لكنها لا تربح سوى القليل من المال من بيع الفحم للبارونات. وقال الطيب مضماض، أحد أعضاء لجان التقصي التي أعدّت التقرير، إنَّ عمّال آبار الفحم بجرادة، المقدّر عددها بثلاثة آلاف بئر، يشتغلون في ظروف لا إنسانية، حيث ينزلون إلى عُمقٍ يصل في أحيان إلى تسعين أو مائة متر تحت الأرض، قبل أن يشرعوا في البحث عن الفحم داخل أنفاق لا يتعدّى علوها نصف متر، حيث يزحفون على جنُوبهم. وكانت مدينة جرادة قد شهدتْ، منتصف شهر مارس المنصرم، اندلاع مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمحتجّين، إثر اعتقال أربعة شبان من متزعمي الحَراك، بعد حادثة سير، وإصدار باشا المدينة بلاغا يمنع سكان المدينة من خوض أيّ شكل احتجاجي وسط المدينة. وحمّل التقرير مسؤولية المواجهات الدامية إلى السلطات العمومية. وقال عبد الإله بنعبد السلام إن "قوات الأمن تدخّلت بعنف لتفريق المحتجين، والشباب دافعوا عن أنفسهم". وحسب المعطيات التي أفاد بها مُعدّو التقرير، فإنَّ عملية اعتقال الشبان الأربعة التي أشعلت نار المواجهات في مدينة جرادة غير قانونية، لكون الحادث لم يُسفر عن أيّ ضحايا، إذ ارتطمت السيارة التي كانوا على متنها بشجرة، معتبرين أنَّ الهدف من الاعتقال هو الانتقام من الشبان الأربعة؛ لأنهم من متزعمي الاحتجاجات. وخلّفت المواجهات بين قوات الأمن والمحتجين في جرادة اعتقال عشرات الأشخاص، قدّم الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان في تقريره لائحة بأسمائهم. وتضّم اللائحة 55 معتقلا؛ لكنّ الائتلاف يقول إنّ عدد المعتقلين أكبر، وأنّ لجان التقصي التي أشرفت على إعداد التقرير لم تتمكّن من إحصاء جميع المعتقلين. معطيات تقرير الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان حول جرادة تمّ تجميعها بناء على الاستماع إلى السكان، في حين أنَّ الجهات الرسمية رفضت فتح أبوابها لأعضاء لجان تقصي الحقائق الثلاث، بالرغم من مراسلتها عبر الفاكس والبريد المباشر والمضمون، حسب إفادة الطيب مضماض، موضحا أنَّ الجهة الرسمية الوحيدة التي فتحت بابها لأعضاء اللجان هي إدارة المستشفى الجامعي بوجدة؛ "لكنّها عبّرت عن أسفها لعدم قدرتها على تزويدنا بأي معلومات". وللخروج من وضع الاحتقان الذي تعيش على إيقاعه مدينة جرادة منذ شهور، قدّم ضمّن الائتلاف المغربي لهيئات الحقوق الإنسان تقريره 29 توصية؛ منها توصيات استعجالية، وتوصيات على المدى المتوسط، صدّرها بالتأكيد على أنّ المدخل الرئيس لوضع حدّ لحالة الاحتقان بجرادة هو إطلاق سراح جميع معتقلي الحَراك، قصد إعادة مدّ جسور الثقة والحوار بين مختلف أطراف التوتر بالمنطقة. كما أوصى الائتلاف بإسقاط المتابعات والأحكام في حق المتابعين، وإلغاء كل المتابعات في حقهم، والعمل على فتح حوار مسؤول مع ساكنة المدينة، والقطع مع المقاربة الأمنية، واعتماد المقاربة التشاركية بدَلها، وجبْر الأضرار المادية والمعنوية التي أصابت ساكنة جرادة "جراء الإهمال وكذا التدخل الأمني"، و"رفع العسكرة وجوّ الرعب عن المدينة والساكنة".