جريمتي كانت تنفيذًا لأمر إلهي لإنقاذ إسرائيل من الشر    عاصفة رعدية وأهداف قاتلة .. تشلسي يعبر إلى ربع نهائي كأس العالم للأندية    الدكالي: صواريخ إيران في هجوم السمارة تكشف تبعية "البوليساريو" لطهران    البرلمان العربي يثمن جهود الملك    بعد حرب "ال12 يوما" مع إسرائيل.. هل تستطيع إيران إنتاج قنبلة نووية؟    "الأحرار": هجوم السمارة دليل يأس الجبهة    الجامعة تحدد أجل تجديد بطاقة المدرب    إجهاض تهريب كميات أقراص مهلوسة    مبادرة تستعين بتلاميذ لإقناع "متسرّبين" بالعودة إلى مقاعد الدراسة بالمغرب    المجتمع المدني يُكرم بوجيدة بالناظور    بنجلون يقود المركز السينمائي.. رهانات وتحديات نهضة الأفلام المغربية    سعر صرف الدرهم ينخفض أمام اليورو ويرتفع أمام الدولار        أحدهما متورط في جريمة قتل.. معطيات استخباراتية تقود لتوقيف بريطانيين مطلوبين للمغرب    درجة الحرارة تتجاوز الأربعين في مدن عديدة غدا الأحد و الأرصاد توصي بالحذر    توقيف بريطانيين مطلوبين دوليا بأكادير    مصرع طفل بعد سقوطه في حوض مائي نواحي اقليم الحسيمة    هجوم إعلامي قذر من الجزائر على مالي    غزة وإسرائيل .. هل يفصلنا أسبوع عن وقف الحرب؟    قناة أنفاس مغاربية تؤجل اللقاء التواصلي للجالية المغاربية المقيمة ببروكسيل    أكثر من 2000 مشارك من 3 قارات في مناظرة الذكاء الاصطناعي بالمغرب    موازين 2025 .. مسرح محمد الخامس يهتز طرباً على نغمات صابر الرباعي    تفكيك مخطط إرهابي خطير بعد توقيف طالبة موالية ل"داعش" كانت تستعد لاستهداف منشأة دينية    مسلك الإعلام بجامعة مكناس ينظم أول تدريب جامعي مع شبكة "أريج" للصحافة الاستقصائية    انطلاق بيع تذاكر كأس إفريقيا للسيدات بالمغرب    المغرب يخطو بثبات نحو استكشاف الهيدروجين الطبيعي والهيليوم بشراكة بريطانية جديدة    الهلال يقترب من حسم صفقة النصيري بعد موافقة إنزاغي    المغرب يتجه للاستعانة بسفن توليد الكهرباء التركية كحل انتقالي لتعزيز أمن الطاقة    الرباط تحتفي بالإبداع الأردني: إصدار توثيقي يوثق 25 عاماً من الشعر الفصيح    تراجع تلقيح الأطفال في العالم يهدد حياة ملايين الأشخاص وفقا لدراسة حديثة    فيديو مباشر يجر شقيقين إلى السجن.. تفاصيل ليلة فوضى وسكر داخل مقر شرطة    ماجدة الرومي تغالب دموعها في الرباط وتبعث برسالة مؤثرة إلى الملك محمد السادس: حبّنا للمغرب انتماء لا يشبه سواه    أزيد من 48 بلدا في فعاليات "مراكش عاصمة شباب العالم الإسلامي 2025"    إفران تحتضن الدورة السابعة لمهرجانها الدولي من 23 إلى 26 يوليوز    قيوح : المغرب يجعل من الربط القاري أداة استراتيجية لتحقيق السيادة الإفريقية    انعقاد الجمعية العامة العادية لغرفة الصناعة التقليدية لجهة طنجة تطوان الحسيمة    الدفاع المدني في غزة يعلن مقتل 23 فلسطينيا في غارات إسرائيلية    اجماع وبوعادي في معرض تشكيلي مشترك بمشرع بلقصيري    بودشار يمتع الرباط بكورال جماهيري    تدنيس القرآن في قمة الناتو يغضب الجاليات المسلمة بهولندا    تراجع التلقيحات يعيد شبح الأوبئة .. والمختصون يطالبون بتعبئة مغربية    قناة عبرية: مصدر سوري يكشف عن توقيع إسرائيل وسوريا اتفاقية سلام قبل نهاية العام    مجموعة العمران تطلق جولة "Al Omrane Expo – مغاربة العالم 2025" من بروكسيل    مونديال الأندية: مواجهة مرتقبة بين سان جرمان وميسي.. وبايرن يصطدم بفلامنغو    نظام إيران يشيع عسكريين وعلماء    ألونسو: دياز يتمتع بروح تنافسية عالية    تقنين جديد لإنتاج وتسويق الخل بالمغرب    أين اختفى الاتحاد الإفريقي..اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية يوقع في واشنطن    البوليساريو تلقت ردا حاسما بعد استهدافها السمارة    كرة الطائرة / اتفاقية تعاون بين CAVB و AIPS إفريقيا …    ضوء خافت يشع من العقل أثناء التفكير.. والعلماء يبحثون التفسير    ضجة الاستدلال على الاستبدال        طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَقَالَةٌ فِي فَلْسَفَةِ السَّفْسَطَة.الوَهْمُ الكَبِيرُ أَوَ هِيَ لُعْبَةُ الشَّيْطَانِ؟
نشر في هسبريس يوم 18 - 07 - 2018

رَجَعَ سِّي مُبَارَكُ إِلَى بَيْتِهِ مُبَكِّرًا عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ، اِسْتَقْبَلْتُهُ زَوْجَتُهُ وَسَأَلَتْ:
- "أَلَمْ تَجِدْ اليَوْمَ أيضاً عَمَلًا "؟ سَأَلْتْ وَهِيَ تُزَوِّدُ اِبْنَتَهَما الكُبْرَى الوَاقِعَةَ فِي الرُّتْبَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مَوَالِدِهِمَا، بِقَلِيلٍ مِنْ خُبْزٍ تَحْملُهُ مَعَهَا إِلَى المَدْرَسَةِ الَّتِي سَتَقْضِي فِيهَا بَقِيَّةَ نَهَارِهَا..
- أَجَابَهَا سِّي مُبَارَكُ: "اليَوْمَ كَالبَارِحَةِ لَا عَمَل". رَانَ صَمْتٌ عَمِيقٌ عَلَى المَشْهَدِ لِبِضْعِ دَقَائِقَ. ثُمَّ قَالَ سي مُبَارَك لِزَوْجَتِه: " لَلاَّ الضَّاوْيَا.... تَعْرِفِينَ... "قَاطَعَتْه زَوْجَتُهُ وَهِيَ تَعْرِفُ أَنَّ كَلِمَةً " لَلاَّ " لَا يَسْتَعْمِلُهَا سِّي مُبَارَكُ إِلَّا إِذَا تَعَلَّقَ الأَمْرُ بِشَيْءٍ ذِي أَهَمِّيَّةٍ كُبْرَى: "غِيرْ قُولْ أَلحْبِيبْ"..
- "كُنْتُ اِشْتَرَيْتُ لَكِ ادْبَاَلَجْ دَذْهَبْ " قَبْلَ عَامَيْنِ....
- " نْعامْ اللهْ يَعْطِيكْ الْخِيرْ"
- تَعْرِفِينَ أَنَّ العَمَلَ يَأْتِي وَيَذْهَبُ، و"لِّي جَابْ الفلُوسْ البَارَحْ يِجِبْهُمْ غَدَّا"... وَسَكَتْ. قَالَتْ زَوْجَتُه: "وَمَاذَا أَيْضًا؟ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ تَقُولَ؟"
- أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ إِنَّ جِهَازَ "الِّتِّلفِزْيونْ" أَصْبَحَ مِنْ العتاقة بِمَكَانٍ، وَأَنْ نَصِفَ أَلْوَانِهِ أَصْبَحْتْ سَوْدَاءَ وَالنِّصْفَ الآخَرَ هُوَ إِمَّا أَصْفَرٌ فَاقِعٌ أَوْ أَزْرَقٌ قَاتِمٌ. وَتَعْرِفِينَ مَا يَنْتَظِرُهُ الناسُ جَمِيعًا. "فَاللّهْ يْخَلّيكْ نْبِيعُ اذْهِيَّبْ وَنَشْرِوْ تِلِفِزْيُون جْدِيدْ". لَمْ تَتَفَوَّهْ لَلَّا الضَّاوْيَا بِكَلِمَةٍ، وَمَرَّ بِسُرْعَةٍ فِي دِمَاغِهَا مَا عَلَيْهمْ مِنْ دُيُونٍ ومن اِحْتِيَاجَاتِ بَنَاتِهِمَا المُتَعَدِّدَةِ وَالكِرَاءِ وَمَصْرُوفَاتِ المَدْرَسَةِ وَالمَاءِ وَالضَّوْءِ ووووو. تَعْرِفُ لَلَّا الضَّاوْيَا أَنَّ زَوْجَهَا إِذَا عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ. وَرَجَعَتْ إِلَى حِكْمَتِهَا، وَفَضَّلْتْ أَنْ تَتَجَنَّبَ كُلَّ أَسْبَابِ "تَهْرِيسْ الرَّاسْ" وَرَفْع "ضَغْط الدَّمِ" وَ"اِرْتِفَاع السُّكَّرِ" بِأَنْ قَالَتْ لَسِّي مُبَارَك: "إِليَّ تَتْشُوفْ".
اِزْدَانَ البَيْتُ المُتَوَاضِعُ بِجِهَازِ تِلِفِزْيُونٍ مِنْ آخَرُ مَا صَنَعَتْ "سأمسونْﮔ". وَجَاءَ اليَوْمُ المَوْعُودُ. مُنْذُ بَدْءِ المُباراة والسِّي مُبَارَكُ أَمَامَ الجِهَازِ. يَهْتَزُّ، يُدَخِّنُ، يَفْتَرِسُ "بَنَاتِ القَرْعِ" المُمَلَّحَةِ، يَسْكُبُ كَأْسَ الشَّايِ عَلَى اللِّحَافِ، يَنْهَرُ البَنَاتِ إِذَا مَا أَبْدَيْنَ رَأْيًا فِي ذَاكَ أَوْ هَذَا مِمَّنْ يَتَحَرَّكُ طُولَ وَعَرْضَ الشَّاشَةِ، وَيَصْعَقُ صَعْقَ المَجْنُون إِذَا مَا تَكَدَّسَتْ الأَجْسَامُ وَاِخْتَلَطَتْ الأَقْدَامُ، وَيُرَدِّدُ كُلَّ لَحْظَةٍ: "عَشْرِينْ عامْ ما تَفَّرْطُوها" إِيَّاكُمْ اليَوْمَ. "أَيْوَهْ، اليَمِينْ اليَمِينْ، خَلْفَكَ خَلْفَك، ضَيْعَتَهَا يَا عَدُوَّ اللهِ، وَاوْ، تَمَهَّلْ تَمَهَّلْ، حِمَارْ بِغْلْ، هَذَا الذي يَتَحَكَّمُ فِي الأَمْرِ. آَيْ.... فَعَلَهَا عَدُوُّ اللهِ وَلَمْ يَمْضِ مِنْ الوَقْتِ إِلَّا قَلِيلٌ". يَتَعَذَّبُ السي مُبَارَكُ وَعَيْنَاهُ مَشْدُودَتَانِ بِخُيُوطِ الضَّوْءِ المُنْسَكب عَلَى الزُّجَاجِ الصقيل. وَيَتَحَرَّكُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً. يُدَخِّنُ يَشْرَبُ مَرَّةً الشَّايَ وَأُخْرَى القَهْوَةَ،،، تَمُرُّ الدَّقَائِقُ سِرَاعًا وَهُوَ يُحَاوِلُ حَفْرَهَا عَلَى مِينَاء ساعَتِهِ لِكَيْ تَتَجَمَّدَ. لَا تَتَجَمَّدُ الدَّقَائِقُ... يَقْفِزُ مُشِيرَا ساعَتِهِ قَفْزَ تِلْكَ المَلْعُونَة الَّتِي عَذَّبَتْهُ. ويَتَردَّد الصَّفِيرُ فِي أُذْنَيْه ثَقِيلًا حاداً مُؤْلِمًا، يُعْلِنُ مَوْتَ رَغْبَتِهِ فِي حِضْنِ البِدَايَةِ ويُسَجَّلُ الهدفُ في شَبَكَةِ فريقه. وَمَا دَرَى السي مُبَارَكَ، كَيْفَ حَمَلَ حَجَرَةَ التَّيَمُّمِ الكَبِيرَةِ الَّتِي وَرِثَهَا عَنْ جَدِّهِ، وَقَذَفَ بِهَا بِنْتَ "سامْسُونْݣ" بِمَا أوتِيَه مِنْ قُوَّةِ المَهْزُومِ، حَيْثُ زَعَقَ المُّذيعُ زَعْقَةَ كَلْبٍ دَهَسَتْهُ سَيَّارَةٌ فِي غَفْلَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَحَيْثُ اِنْسَكَبَ لَوْنُ الشَّاشَةِ خَلْفَ الزُّجَاجِ دُونَ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ أَثَراً. "أُوَلِ فْلُوسْ ادْبَالْجْ" صَاحَتْ للا الضاويا بَعْدَ أَنْ اِنْطَفَأَ ضَوْءُ "سامْسُونْݣ".
فِي شَبِيهٍ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الحَرَكَاتِ الهِسْتِيرِيَّةِ الَّتِي عَاشَهَا السِّي مُبَارَكُ، وَفِي أَفْعَالٍ شَبِيهَةٍ بِأَفْعَالِهِ، فِي مَكَانِ "سوقِ الكُرة"، كَانَ السَّيِّدُ مَارْكْ هَدْسْن، يُعِدُّ العُدَّةَ لِلذَّهَابِ إِلَى اللِّقَاءِ الكَبِيرِ المُنْتَظَر. مُنْذُ شَهْرٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ وَكُلَّ فَرْدٍ مِنْ أُسْرَتِهِ بِأَنَّ "الجُنُونَ الحُمْر" سَيَفْعَلُونَهَا. وَأَنَّ اليَوْمَ آتٍ لَا مَحَالَةَ. تَزَيِّنَ زِينَتَهُ الَّتِي هِيَ مِنْ طُقُوسِ حُضُورِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الحَفْلِ، وَوَضَعَ بَعْضَ أَصْبَاغٍ عَلَى وَجْهِهِ هِيَ مِنْ أَلْوَانِ عَلَمِ بَلَدِهِ، وَشَرِبَ بَعْضَ شَرَابٍ. قَالَ لُزَوْجَتِه: "لاَ بُدَّ أَنْ نَنْتَصِرَ". ضَحِكَتْ الزَّوْجَةُ وَدَعَتْ لِفَرِيقِهِ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ.
دَاخِلَ الفَضَاءِ الكَبِير المَلِيء بَشَراً المَلِيء صُدَاعاً المَلِيء تَحَفُّزًا. تَتَرَبَّعُ "الجَلْدَةُ المُنْتَفِخَةُ بِالهَوَاءِ" عَلَى نُقْطَةٍ بَيْضَاءَ رُسِمَتْ عَلَى العُشْبِ..... وَامْتَدَّتْ القَدَمُ إِلَى القَدَمِ، وَتَحَرَّكَتْ الأَجْسَادُ وَتَمَدَّدَ خَطَوُهَا بِعُنْفٍ وَقُوَّةٍ عَلَى مَدى خَمْسٍ وَثَمَانِينَ دَقِيقَةً....، مِنْ يَمِينٍ إِلَى شِمَالٍ وَمِنْ شِمَالٍ إِلَى يَمِينٍ... خِلَالَ هَذِهِ الدَّقَائِقِ المُتَرَاصَّةِ، كَانَتْ الأَعْيُنُ شَاخِصَةً تَتْبَعُ "الجَلْدَةَ"، وَكَانَتْ هَذِهِ تَجُرُّ خَلْفَهَا هَذِهِ الأَعْيُنَ بِعُنْفٍ، وَتَسْتَلُّ الصَّعيقَ مِنْ الحَنَاجِرِ بِعُنْفٍ. كَانَتْ هَذِهِ "الجَلْدَةُ" تَقْبَسُ النَّارَ فِي آلَافِ الأَجْسَامِ المُتَراصَّةِ المُكَدَّسَةِ: يَسَارٌ بِأَحَمَّرَ وَأَزْرَقٍ. وَشِمَالٌ بِأَبَيَضَ وَأَخْضَرٍ. وَمِنْ حِينٍ لِحِينٍ، كَانَ لَهِيبُ النَّارِ يَزْدَادُ وَيَزْدَادُ. يَتَحَوَّلُ مَارْكْ هَدَسْنَ إِلَى قُنْبُلَةِ غَضَبٍ ويصيح: مَا عَدَلَتْ "الجَلْدَةُ"، وَيَهُزُّ يَدَهُ الغَلِيظَةَ ويَكِزُ بِهَا صَاحِبَه عَدُوَّهُ لِيَقْضِيَ عَلَيْهِ. وَتَتَحَوَّلُ القَضِيَّةُ إِلَى سَيَّارَةِ إِسْعَافٍ وَسَيَّارَةِ شُرْطَةٍ. وَيَتْبَعُ هَذَا مُلَابَسَاتٌ وَأَحْدَاثٌ. لَقَدْ اِنْقَلَبَتْ "الجَلْدَةُ" إِلَى رُمْحِ قَتَلَ بِهِ مَارْكْ هَدَسْنُ صَاحِبَهُ عَدُوَّهُ، وَسَيَقْضِي المُودِّعُ زَوْجَتَهُ على أَمَلِ اللِّقاء القَريبِ، بَقِيَّةَ عُمْرِهِ فِي سَرَادِيبِ الظَّلَامِ.
وَتَظَلُّ "الجَلْدَةُ" تَتَدَحْرَجُ عَلَى الأَرْضِ بَيْنَ قَدَمٍ وَقَدَمٍ، يَتَحَوَّلُ السِّبَابُ إِلَى عِرَاكٍ، وَالعِرَاكُ إِلَى مَعَارِكَ. يَهْتَزُّ حَائِطٌ بَشَرِيٌّ مِنْ شِمَالِهِ لِيَسْقُطَ عَلَى يَمِينِهِ.. عَلَى رَأْسِ التَّاسِعِ وَالثَّمَانِينَ دَقِيقَةً، تتكوم "الجَلْدَةُ" وَتُصْبِحُ نَاراً مُلْتَهِبَةً تَحْرِقُ الشُّباكَ. يَمْتَدُّ الحَرِيقُ إِلَى الصُّفُوفِ المُتَرَاصَّةِ المُكَدَّسَةِ، يَتَحَوَّلُ الصُّعاقُ المُشَوَّشُ الحُرُوفِ إِلَى سِبَابٍ وَاضِح المَعَالِمِ،... فِي زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا هَذَا "الهَيْكَلِ الخرافي" الَّذِي أَقَامُوهُ لِيَشْهَدَ أَعْرَاسَ كَوْمَةِ "جِلْدٍ وَهَوَاءٍ"، رَجُلٌ فِي الخَمْسِينَ مِنْ عُمْرِهِ، مُنْذُ كَانَ وَهُوَ يَرْحَلُ فِي رِكَابِ فَرِيقِهِ الَّذِي جَاءَ اليَوْمَ لِيَشْهَدَ تَحْقِيقَ "مُعْجِزَةِ" فَوْزِهِ بِالكَأْسِ. يتجَمَّدُ تسكن "الجَلْدَةُ" فسيحَ الشِّباكِ. يَشْعُرُ الخمسينيُّ بِالقَلْبِ يَنْتَفِضُ بِقُوَّةٍ بَيْنَ الضُّلُوعِ، يَصًّعَدُ الأَلَمُ فِي الصَّدْرِ، يَصْفَرُّ اللَّوْنُ، يَتَقَاطَرُ العَرَقُ، تتراخى عَضَلاتُ القَلْبِ وينطفئ الرجلُ.
وَتَظَلُّ "الجلْدَةُ" تَمْخَرُ عُبَابَ الرِّيحِ،.... لَوْنٌ أَزْرَقُ مِنْ شِمَالٍ، وَلَوْنً اِبْيَض مِنْ يَمِينٍ، أَقْدَامٌ بِلَى أَجْسَامٍ يَتَدَاخَلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ: رَفْسٌ وَقَفْزٌ وَدَفْعٌ وَقَذْفٌ وَصَعْقُ وتَماوجٌ وَشَتْمٌ وَعناقٌ ٌ: خُيُوطٌ مُخْتَلِفَةٌ بِهَا يُنْسَجُ قَمِيصُ هَذَا "السُّوقِ" الخُرَافِيِّ الَّذِي صَنَعُوهُ مِنْ أَوْهَامٍ، وَسَرَقُوا بِهِ أَمْوَالًا قد تُعِيلُ أُمَمًا، بِأَوْهَامٍ، وَبَاعُوا بِهِ أَفْرَادًا لَا هُمْ فِي العِلْمِ فِي شَيْءٍ، وَلَا هُمْ فِي الحِكْمَةِ فِي شَيْءٍ، وَلَا هُمْ فِي السِّيَاسِةِ فِي شَيْءٍ، بِأَمْوَالِ أَوْهَامٍ، وَاِسْتَنْزَفُوا أُمَمًا وَعْدًا بِإِقَامَةِ "السُّوقِ" بِين ظُهْرانَيْهم بِأَوْهَامٍ.
تَنْفَلِتُ شَرَارَةٌ مِنْ "الجَلْدَةِ"، وَمِنْ نَارِ الشِّبَاكِ لِتُحْرِقَ عَلَمَ أُمَّةٍ صَنَعْتْ كُلَّ جَيْشِهَا مِنْ أَجْلِ الحِفَاظِ عَلَيهِ، وتَنْتَقِلُ الشَّرَارَةُ لتُحْرِقَ عَلَمَ الجِهَةِ المُقَابَلَةَ أيضاً. وَتَزْحَفُ النَّارُ لِتُحَرِقَ كُلَّ مَا تَجِدُهُ فِي طَرِيقِهَا بَيْنَ دَوْلَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ. يَنْتَقِلُ السِّبَابُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ جُورْجْ وَعِيسَى، ويَصيرُ غَمْغَماتٍ بَيْنَ سَفِيرَيْنِ، ويتحول تَهْدِيدَاتٍ بَيْنَ رَئِيسَيْنِ ثم تَحَرَّشٌ بَيْنَ طَائِرَاتٍ وَدَبَّابَاتٍ. تَجْذِبُ "الجَلْدَةُ" ملاييرَ الأَعْيُنِ، وَزعَقَاتِ ملايير الحَنَاجِرِ، وَسَواعِدَ ملايير الأَجساد. وَيَخْتَلِطُ السَّوَادُ القَاتِمُ بالْأحْمَرِ الْقَانِي، وَتَعُمُّ أَحْوَالُ الكُرْهِ مُدُنًا وَدُولَا، وَتُعْلَنُ حَالَةُ الطَّوَارِئِ فِي عِمَارَةِ مَجْمَعِ الأُمَمِ، وَيَنْعَقِدُ المَجْلِسُ، وَيُرَفَعُ الﭬِيتُو، وَتَتَحَزَّبُ الأَحْزَابُ، وَتُقَاطِعُ دُولٌ دُوَلاً أُخْرَى، وَيَجْتَمِعُ مَجْلِسُ الأَمْنِ لِيَطْلُبَ مِنْ أَعْضَائِهِ أَنْ يَلْعَنُوا الشَّيْطَانَ.
فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ تَحَرَّكَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَالَ فِي نَفْسِه: يَا لِي منْ مَاكَرٍ! فَيَدِي هِيَ الَّتِي رِفْعَتْ "التيمُومة=الحجرة" لِكَسْرِ "سأمسونݣ" اِّلسِّي مُبَارَك. وَقَبْضَةُ يَدي هِيَ الَّتِي قَتَلْت صَاحِبَ السَّيِّدُ مَارْكْ هَدْسْن، وَيَدِي هِيَ الَّتِي أَسْكَتَتْ قَلَّبَ الرَّجُلُ الخمسيني، وَنَفَسِي هُوَ الَّذِي نَفَخَ فِي أَمْوَاجِ القَوْمِ الهَائِجَةِ فِي المُدَرَّجَاتِ لِيُسْقِطَ بَعْضَهَا عَلى بَعْضٍ، وَمَكْرِي هُوَ الَّذِي أَشْعَلَ الحُرُوبَ بَيْنَ أُمَمٍ وَأَمم، وَأَنَا نَخَّاسُ تِلْكَ السُّوقِ الَّتِي فِيهَا تَفَنَّنُوا فِي اِسْتِثْمَارِ الرِّبَى الكُرَوي، وَالَّتِي فِيهَا اُكْبُرُوا سُلْطَةَ الفَسَادِ، وَالَّتِي بَاعُوا فِيهَا بَشَرًا عُمْلَةً مُزَيَّفَةً ووو.عَادَ الشَّيْطَانُ إِلىِ وَعْيِهِ فَجْأَةٍ وَسَأَلَ:أَأَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ أنا كُلَّ هَذَا؟ "لاَلَ مَا نَقْدَرْ عَلَ هَذْ الشِّ". مَا أَظُنُّ أَيُّهَا الإِنْسَان الَّذِي غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ وَهْمُك، أنْ أكُونَ قادِراً علَى كُلِّ هذا، فَأَنْتَ الَّذِي بَرَعَتْ فِي صُنْعِ الأَوْهَامِ: أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا يَجْرِي مِنْ هُنَا وَأَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا يَجْرِي مِنْ هُنَاكَ، وَبَيْنَهُمَا "جَلْدَةٌ" تَتَلَكَّأُ بَيْنَ الأَقْدَامِ لِتَسْكُنَ "جِنَانَ" شَبَكَةٍ مِنْ خَيْطٍ. وَبَعْدُ!!!؟؟؟؟؟؟ وبعْدُ تَهْتَزُّ أُمَّةٌ كُلُّها فِي هِسْتِيرِيا بِالمَلَايِين تَزْعَقُ تَصِيحُ تَرْقُصُ رَقْصَ الأَهْوَجِ.... وَتَتْبَعُهَا أُمَمٌ أُخْرَى لَا هِيَ بِ"لفَرُّوجِ" وَلَا بِ"لْحَلُّوفِ", تُشَارِكُهَا سَكْرَةَ الحُمْقِ دُونَ أَنْ يُعْرَفَ لِمَاذَا وَمَاذَا يَعْنِي أَنْ تُسْكَنَ "جَلْدَةٌ" مَلِيئَةٌ هَوَاء" فَسِيحٍ شِبَاكٍ مِنْ خَيْطٍ. وَيُفْتَحُ قَصْرٌ شَامِخٌ لِاِسْتِقْبَالِ "أَبْطَالٍ" اِنْتَصَرُوا عَلَى "جَلْدَةٍ" وَأَدْخَلُوهَا عَلَى الرَغْمِ مِنْ أَنْفِهَا "شِجِنَ الخَيْطِ". كِبَارٌ مِنْ أَعْلَامٍ "يَجْرُونَ" مِنْ أَجْلِ قَهْرِ شَيَاطِينِ المَرَضِ وَتَرْوِيضِ مَارِدِ الطَّبِيعَةِ ووو، لَمْ يَدْخُلُوا قَصْرَ القَيْصَرِ المُنْتَشِي بِالاِنْتِصَارِ عَلَى "الجَلْدَةِ". أُسْكْ أيُّها الشَّيْطانُ، فلَمْ يَعُدْ التَّفْكيرُ بالرُّؤوسِ وإنَّما بالأَقْدامِ... وَيَبْقَى الجُوعُ وَالفَقْرُ وَالمَرَضُ وَالظُّلْمُ وَالاِسْتِبْدَادُ وَمَلَايِينُ المَحْرومينَ والمُهَجَّرينَ والمُهَاجِرينَ..... وَبَعْدُ !!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
*أستاذ فخري بجامعة محمد الخامس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.