"مجلس حقوق الإنسان" يطالب بحرية التعبير الرقمي وحماية المواطنين من دعاوى التشهير الحكومية    غميمط: المدرسة العمومية تُفترس ومدارس الريادة تقتل الإبداع    عقدة الحكومة من اليسار    النقابات الفرنسية في إضراب ضد التقشف للضغط على ماكرون    "رويترز": الإمارات قد تخفض العلاقات مع إسرائيل إذا ضمت الضفة الغربية        استعدادا لأمم إفريقيا.. المنتخب المغربي يخوض ودية ضد البحرين في 9 أكتوبر بالرباط    أمطار رعدية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة اليوم الخميس بعدد من مناطق المغرب    الكشف عن لوحة جديدة لبيكاسو في باريس            رئيس شبكة الدفاع عن الحق في الصحة: معدلات وفيات الأطفال والمواليد الجدد في المغرب ما تزال مرتفعة    350 شخصية من عالم الدبلوماسية والفكر والثقافة والإعلام يشاركون في موسم أصيلة الثقافي الدولي    العباس يطمئن رؤساء أندية الشمال: التصويت سري لاختيار رئيس شاب جديد أو التجديد لمعمِّر قديم    البوسرغيني‮:‬ ‬نعي ‬بصورة، ‬نعي ‬بحرف‮!‬ -1-    قرارات تأديبية في حق حكام مباريات الجولتين الأولى والثانية من البطولة الاحترافية    ابتكارات وتقنيات جديدة تتصدر فعاليات مؤتمر الأمن العام في الصين.        اجتماع ‬اللجنة ‬الوزارية ‬لقيادة ‬إصلاح ‬منظومة ‬الحماية ‬الاجتماعية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    الجديدة تحتضن ندوة حول الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني    أبواب الملحقة الجامعية بمنطقة تاوريرت موصدة إلى إشعار آخر..    دي ‬ميستورا ‬بالجزائر ‬قبل ‬التوجه ‬الى ‬باريس ‬بحثا ‬عن ‬مواقف ‬متقاطعة ‬    لماذا ‬رحبت ‬قمة ‬الدوحة ‬بقرار :‬    زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب شمال جزيرة "سولاويزي" الإندونيسية    النفط يتراجع وسط مخاوف بشأن الاقتصاد الأمريكي وتخمة المعروض    العزيز: إقصاء فيدرالية اليسار من مشاورات الانتخابات يهدد نزاهة الاستحقاقات    تقرير: الفقر المطلق يتضاعف في المدن رغم احتفاظ القرى بثلث فقراء المغرب        حجز أزيد من 76 ألف قرص مهلوس بميناء الناظور وتوقيف خمسيني متورط    طقس الخميس: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    كيوسك الخميس | عدد المستفيدين من التأمين الإجباري عن المرض تجاوز 24 مليونا    الولايات المتحدة.. ترامب يعلن تصنيف حركة "أنتيفا" اليسارية المتطرفة منظمة إرهابية    بوسليم يقود مواجهة الوداد واتحاد يعقوب المنصور    ارتفاع نفقات سيارات الدولة يثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق العمومي    مصادر: ميسي يمدد العقد مع ميامي    أكثر من 200 مليون دراجة هوائية في الصين            تخصيص أراضٍ جنوب المملكة لمشاريع الهيدروجين الأخضر بقيمة 319 مليار درهم    مراكش تعزز أسطولها ب158 حافلة صينية استعداداً ل"كان 2025"    عمدة بينالمدينا الإسبانية يكرم شخصية مغربية تقديراً لنجاح مبادرات ثقافية    بورصة الدار البيضاء تغلق تداولات الأربعاء بانخفاض المؤشرات        الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    آلام الرقبة قد ترجع إلى اختلال وظيفي في المضغ    مهرجان الظاهرة الغيوانية في دورته الثالثة بالدار البيضاء    الموسيقى المغربية تتألق في حفل "أصوات من الديار" بواشنطن    "حين سقط القمر" رواية جديدة للكاتب والأديب المغربي محمد بوفتاس        قهيوة مسائية بطنجة رفقة الفنان فؤاد الزبادي    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    التغذية المدرسية.. بين إكراهات الإعداد المنزلي وتكاليف المطعمة    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شقير: "معطف الملك وعمامة السلطان" يدثران وجه السلطة بالمغرب
نشر في هسبريس يوم 22 - 09 - 2018

حرص الملوك المغاربة الأولون في ترسيخ حكمهم على تميزهم بمجموعة من الشارات التي تحدد تفردهم وترسم معالم المسافة التي تفصل بينهم وبين حاشيتهم من جهة وبينهم وبين رعاياهم بصفة عامة. ومن بين أهم هذه الشارات السياسية التي تميز بها هؤلاء الملوك هو المعطف الملكي والعمامة السلطانية.
المعطف الملكي
حرص الملوك المغاربة الأولون، وبالأخص الملك جوبا الثاني، على ارتداء لباس أرجواني يتميز به عن مختلف المحيطين به من الحاشية متشبها في ذلك بالأباطرة الرومان وأعضاء مجلس الشيوخ الذين كانوا يتفردون بهذا اللباس والذي كان يضفي عليهم هالة من القوة والهيبة.
ولعل مما ساعد هذا الملك المغربي الذي كان له ميل كبير نحو مظاهر العظمة والتفخيم هو استخدامه للموارد الأرجوانية التي كان يستخرجها من محار شواطئ الصويرة، حيث أقام هناك مصانع لصناعة هذه المادة لاستعماله الخاص وكذا لما كانت تدره عليه من موارد مالية خارجية مكنته من تطبيق سياسته في البذخ والعظمة.
وقد أشار المؤرخ بلين إلى ذلك كما يلي: "لقد اكتشف الملك جوبا الثاني أو أعاد اكتشاف جزر الأرجوان وأقام عليها مصابغ للأرجوان والتي كان يعتبرها في ملكه الشخصي. وقد ساهمت الأرباح التي كانت تجنى من بيع هذه للأرجوان والتي كان يعتبرها في ملكه الشخصي. وقد ساهمت الأرباح التي كانت تجنى من بيع هذه المادة إلى الخارج في الرفع من موارد الخزينة بشكل كبير".
وقد حافظ الملك بطليموس على هذا التقليد، حيث دأب على ارتداء اللباس الملوكي الأرجواني؛ الشيء الذي جر عليه نقمة الإمبراطور كاليكولا الذي سعى إلى اغتياله، فقد اعتبر كاليكولا أن ارتداء ملك مغربي لهذا اللباس في مجلسه ولفت الانتباه إليه يشكل تحديا سافرا لعظمة إمبراطور روما "العظيمة"، ونوعا من الإساءة والتنقيص من مركز هذا الإمبراطور الذي من حقه وحده أن يحتكر بريق هذه الرمزية.
ولعل هذه الحادثة، التي اتخذت شكل مأساة شخصية بالنسبة لبطليموس الذي تم اغتياله ومأساة وطنية بالنسبة للمغرب الذي فقد استقلاله السياسي بضمه إلى الإمبراطورية الرومانية، تؤكد إلى حد بعيد أن المعطف الأرجواني كان من بين الشارات السياسية الأساسية للملوك المغاربة؛ فقد كانوا بارتدائهم لهذا المعطف يؤكدون على تميزهم وعظمتهم، كما كانوا يرسمون به مسافة بينهم وبين رعاياهم الشيء الذي كان يزيد من هيبتهم ويرسخ طاعتهم بين سكان القبائل في مختلف أنحاء البلاد.
بالإضافة إلى ذلك حرص هؤلاء الملوك على التميز ببعض الشارات السياسية كوضع التاج والصولجان كرمزين للملك والسلطة. فتحت تأثير النفوذ الروماني كان هؤلاء الملوك (خاصة الملك بوكوس الثاني وبطليموس) يتوشحون بهذه الرموز السياسية. وقد أظهرت عدة نقود عثر عليها في هذه الحقبة، صور هؤلاء الملوك وهم يتسلمون شارات الملك من ممثلي روما. وفي هذا الإطار، عثر على بعض القطع النقدية سكت في سنتي 39-38 ق م، حيث "تظهر هذه القطع صورة للملك بطليموس وهو جالس على عرشه وفوق رأسه تاج وبين يديه صولجان من العاج".
ولعل هذه الرموز يمكن أن تكون قد منحت لهذا الملك المغربي من طرف روما بعد قضائه على الثائر تاكفرينا.
ولم يقتصر الملوك المغاربة القدامى على حمل هذه الشارات السياسية فقط، بل حرصوا أيضا على حمل شارات أخرى تظهر قوة حكمهم وترمز إلى عظمة سلطانهم، من خلال رسم صور بعض الحيوانات التي ترمز إلى القوة والبطش. وفي هذا السياق، عثر على بعض القطع النقدية التي تظهر الملك جوبا الثاني وهو يتلفع بجلد أسد. كما وجدت نقود أخرى تعكس صورا لنسور تحمل بين مخالبها رعدا.
العمامة السلطانية
بالرغم من أن السلاطين في المغرب حاولوا جهد الإمكان أن يبتعدوا عن لباس الحرير والذهب لما في ذلك من مباهاة تتنافى والروح الإسلامية الأصيلة والفطرة النبوية؛ فقد حرصوا أن يتميزوا عن سائر الطبقة السياسية من حاشية ورجال المخزن بلباس خاص يميزهم ويعكس مكانتهم السامية في صدارة الدولة. وهكذا، درج الأمراء المرابطون على وضع لثام يميزهم عن باقي أعضاء الطبقة السياسية المرابطية ويحدد مكانتهم داخل هرمية السلطة. كما نهج الأمراء الموحدون هذا النهج وتشددوا فيه، فقد اختص الخليفة بمفرده بلباس خاص يميزه ومنع على باقي أعضاء الطبقة الحاكمة ارتداءه، وهكذا "اتخذ الخليفة منذ عهد المنصور لباسا خاصا من الغفائر الزبيبية والبرانس المسكية، وقد أنكر على بعض القرابة لبس هذا اللباس المختص بالخليفة".
وقد تطور اللباس السلطاني مع المرينيين والسعديين والعلويين لكي يصبح أكثر مراسيمية، إذ أصبح السلطان يرتدي لباسه الرسمي حسب نوعية المناسبة أو حسب طبيعة النشاط الذي سيمارسه. وفي هذا السياق، أشار ابن زيدان إلى أن السلطان كان إذا خرج إلى الصلاة أو جلس للاستقبال داخل قصره كان يضع "عمامة بيضاء ملتوية على قلنسوة حمراء ليا محكما بكيفية منظمة وهيأة مستحسنة، ويرتدي بكساء ذات أعلام حريرية من أعلى طراز وطني"؛ لكن إذا كان الاستقبال أو الصلاة سيتمان خارج القصر، فإنه كان يزيد "فوق الكساء نجادا حاملا دلائل الخيرات أو مصحفا وتقلد بسيف ظريف ولبس برنسا مناسبا للفصل الذي هو فيه وغطى رأسه به وامتطى صهوة الجواد وحفت به الحاشية ونشرت على رأسه المظلة".
أما عندما ينتهي من مهامه الرسمية أو نشاطه اليومي، ودخل القصر "لبس قلنسوة بدون عمامة مع سروال وقميص وقفطان من الملف وفرجية وجلابة وربما لبس خاتما فصه من الزمرد أو الياقوت الأحمر أو حجر الألماس".
من هنا، يظهر حرص الملوك والسلاطين على وضع عمامة فوق رؤوسهم أثناء الاستقبالات والمناسبات الرسمية علامة على الرفعة والسمو، خاصة أن المجتمع المغربي وعلى غرار باقي المجتمعات الإسلامية الأخرى لم يألف رؤية الملوك والخلفاء وعلى رؤوسهم التيجان بخلاف المجتمعات الأوربية التي ألفت ذلك. كما أن العمامة كانت تختزن رمزية الاقتداء بالنبي والخلفاء الراشدين الذين كانوا يحرصون على وضع عمامة فوق رؤوسهم.
لذا، فقد حرص الملوك والسلاطين المغاربة على أن يتفردوا بوضع العمامة دون سائر أعضاء الطبقة السياسية بما في ذلك الأمراء. وبهذا الصدد، كتب ابن زيدان أنه "كان للعمامة شأن كبير عند الملوك، ولا يلبسها رجال الحاشية إلا بإذن خاص. والمولى الحسن نفسه مع ما سلف له من الترؤس على بعوث وأجناد لم يلبسها حتى أذن له أبوه بها".
ونظرا للأهمية التي تكتسيها صلاة الجمعة في تأكيد وتكريس مشروعية السلطان؛ فقد حرص السلاطين العلويون على الظهور وحضور مراسم كل صلاة بلباس جديد، إذ "كانت عادة السلطان أن يلبس كل جمعة كسوة وبلغة جديدة، وكانت عادة سيدي محمد بن عبد الله أن يلبس كسوة جديدة ويعطي الكسوة التي خلعها لأحد أبنائه".
وقد كان إهداء السلطان لكسوته القديمة إلى أحد الأمراء أو إلى بعض الحاشية نوعا من التشريف والحظوة، حيث بقيت هذه العادة مستمرة حتى في حياة الملك الراحل الحسن الثاني. أما فيما يخص الاعتناء بلباس السلطان وترتيبه؛ فقد كانت تكلف بذلك عريفة من عريفات القصر التي تقوم بوضعه في "خزين خاص يسمونه قبة الصناديق... وكل نوع من الملابس له صندوقه الخاص حتى لا يختلط نوع بغيره أبدا"؛ في حين أنه أثناء سفر السلطان، فإن الملابس السلطانية تكون تحت صيانة الحاجب السلطاني".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.