أخنوش يحل بالمنامة لتمثيل الملك محمد السادس بالقمة العربية    موريتانيا تحقق في تحطم طائرة عسكرية ومقتل طاقمها    هزيمة ثقيلة للمنتخب المغربي أمام إنجلترا    اختناق عشرات التلاميذ بالدار البيضاء    بوريطة يبحث مع رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين بدولة فلسطين تعزيز العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع على الساحة الفلسطينية    الشرطة السويسرية تفض اعتصاما طلابيا    المالكي يستقبل تلاميذ مقدسيين وينتقد تفرج الضمير العالمي على مأساة إنسانية    مزور تستعرض جديد "جيتكس إفريقيا" بالمغرب.. الصحة الرقمية والذكاء الاصطناعي    انتخاب المحامية كريمة سلامة رئيسة للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    من ضمنها المغرب.. واشنطن تحث دولا عربية على المشاركة في قوة متعددة الجنسيات في غزة    الإيقاف والغرامة.. جامعة الكرة تصدر عقوبات تأديبية    شاب يقدم على وضع حد لحياته داخل غابة بطنجة    الحسيمة: تعبئة 10 ملايين درهم لإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء    النصيري على رادار مدرب إشبيلية السابق    مبابي يغيب عن مواجهة سان جرمان أمام نيس بداعي الإصابة    خطير.. رئيس وزراء سلوفاكيا يتعرض لإطلاق نار (فيديو)    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    الدار البيضاء.. افتتاح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    العودة إلى موضوع "شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين"!    "فيفا" ينظم أول نسخة لمونديال الأندية للسيدات    إضراب كتاب الضبط يؤخر محاكمة "مومو" استئنافيا    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    وسط "تعنت" ميراوي .. شبح "سنة بيضاء" بكليات الطب يستنفر الفرق البرلمانية    فتح بحث قضائي حول تورط شرطي في ترويج الكوكايين    توسيع 6 مطارات مغربية استعدادا للمونديال    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار يتوقع نمو الاقتصاد المغربي ب3% خلال 2024    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية الباراغواي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    بما في ذلك الناظور والحسيمة.. 2060 رحلة أسبوعية منتظمة تربط المغرب ب135 مطارا دوليا    موسم الصيف.. الترخيص ل 52 شركة طيران ستؤمن 2060 رحلة أسبوعية منتظمة تربط المغرب ب 135 مطارا دوليا        تأجيل القرار النهائي بشأن الغاز الطبيعي بين نيجيريا والمغرب    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    الفيفا يحسم موقفه من قضية اعتداء الشحات على الشيبي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    زنيبر: رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمته المملكة    قصيدة: تكوين الخباثة    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    رسالتي الأخيرة    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    المنتخب المغربي يستقبل زامبيا في 7 يونيو    الأمثال العامية بتطوان... (598)    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    الأمثال العامية بتطوان... (597)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كبرياء الشيخ و زقاقية المريد(4/4)
نشر في هسبريس يوم 24 - 03 - 2012

وقالوا في الهجاء عليك إثم.....وليس الإثم إلاّ في المديح
لأنّي إن مدحت مدحت زورا...وأهجو حين أهجو بالصّحيح
إذا أضيف التدليس كاستراتيجيا (إشلامية) إلى التخريف كحالة مزمنة في هذا الصّرح الياسيني، فاقرأ على ما تبقى السّلام. لم يقنعني المريد الشّقي وأنا أقيد المريد هنا بالشقيّ، بدافع العدل والإحسان حتى لا أظلم من هو في هذه التجربة منبعث بقلب محض بصدقه لأنّني أرى الدّنيا تتلعلع في عينيه والسباق نحو الحظوات ملأ مشاشه. يبدو المريد الشّقي غير صادق في تعظيم شيخه لأنّه أشرك به شيخا آخر تنزّل عند نظائرهم بإمام العصر، حيث نطق هذه الأيّام بما يخفيه شيخ الطريقة.وحيث كانوا دنيويين يهمّهم صناعة مجد الشيخ وخدمة إسمه في الآفاق، اهتدوا إلى حيلة البروباغاندا بمعناها الأيديولوجي الفجّ، لينسقوا هذه الأيّام مع بعض من دراويش إسطانبول من أجل إقامة مؤتمر حول السيد ياسين. تقتضي المنهجية والأخلاق معا التي زايد بها المريدون علينا أنّ يكون لهم منها رصيد وفير حتى لا يقولوا ما لا يفعلون. لقد دعوا إلى مؤتمرهم هذا كلّ إسم ومسمّى حتى من لا يعلم للشيخ سميّا. ولقد أخبرنا غير واحد ممن دعوا من بلدان عربية مختلفة أنّهم لا يعرفون من يكون الشيخ ياسين. أحدهم سألني: هل تعرف رجلا إسمه عبد السلام ياسين. آخر قال لي : أنا مدعوّ لمؤتمر حول شخص لا أعرفه. فالمريدون يستكتبون هذه الأيام أناسا لا يعرفون الشيخ. لكنهم يستكثرون علينا أن نكون قد عرفنا خطاب الشيخ نحن الذين قضينا عشرات السنين نسمع هذا الخطاب. فهل الصدق والمنهجية تسمح بأن نصطنع جلبة حول الشيخ من باحثين لم يسمعوا به من قبل؟ إنها البروباغاندا التي يراد لها أن تصنع للشيخ مجدا خارج المغرب بعد أن لم يعد هذا الخطاب مقنعا هاهنا. إنها أساليب ديماغوجية لا تختلف عن سلوك أهل الدنيا المثقلين بالأوزار. عجبت كيف يكون خليفة الله في الأرض لا يعرفه الكثير من الباحثين. هل هو خليفة الله في الأرض على حين غفلة من هؤلاء، أم أنّ أولئك الذين يجهلون ياسين سيموتون ميتة جاهلية، للحديث الشهير: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.ومع ذلك ستصرف أموال طائلة، من الأموال المقتطعة من الغلبة والشغيلة العدلاويين لاستقطاب باحثين من كل الأقطار ليجاملوا شيخا لم يعرفوه ولن يعرفوه، لإشباع رغبة مريدين مصمّمين على أن يجعلوا الشيخ فوق أن يكون داعية وزعيما لحركة محلّية، بل حالة كونية. أليست الجماعة هي من عاش على سبيل المحلّية والقطرية وحاربت الأممية في العمل؟ ما الذي غيّر مزاجها؟ هل لأنّ الأممية كانت تقتضي تضحيات بالأمس وباتت اليوم سهلة أم أنّها تفكّر في الهجرة الروحية والجماعية إلى خارج وطن لم تحقق فيه أحلامها؟ إن أكبر عقبة أمام الطريقة العدلاوية هي الخرافية نفسها. خرافية مخلوطة بضرب من العقلانية الرّخوة المتاحة اليوم لكلّ من يروم التدليس وخلط القضايا؛ هنا تصبح العقلانية نفسها عامل تخريب لاعقلاني.وتمثّل الخرافة مقوم أساسي في الخطاب الياسيني.ولك أن تتأمّل ركام الرؤى والأحجية التي أنتجتها أحلام المريدين. وهي تكفي لتأسيس علم نفس الجماعة الياسينية انطلاقا من تأويل هذه الرؤى والأحلام.حضرت جلسة من جلساتهم التربوية بعد حرب تحرير الكويت. وقد قدّموا شخصا بوصفه ممسوسا بجنّي، على أنّ الجنّي سيحدّثنا بسرّ من أسرار حرب الخليج تلك. وفجأة بتنا أمام تقرير استراتيجي لجنّي ينطق من جوف مريد قيل أنّه جنّي مسلم. ماذا يقول الجنّي يا ترى؟ يقول: إنّنا نحن الجنّ نقاتل إلى جانب قوات صدّام، وأنّنا سنهزم الأمريكيين. وبشّر الحضور بأن صدّام منتصر لا محالة. كانت جلسة تشبه جلسات عفاريت سيدنا سليمان. لكن ها هو العراق في عهد صدام انهزم وحوكم صدام وتدلّى هو وأعوانه من أعواد المشانق وكانت تلك من ضروب النبوءات الفاشلة قبل فشل نبوءة 2006م سيئة الذّكر. وهذه واقعة شاهدتها ولم يحدّثني بها أحد. يريد المريد أن يقنعك بالموجود، بالإنس والجن، والواقع والأحلام؛ نهج خرافي لم يجدوا عنه حولا.
التدليس والنكران
أصبح تقليدا جديدا عند المريد الشّقي للطريقة الياسينية أن ينكر جانبا من الصور النمطية التي ألصقت بالجماعة وشيخها ومريديه. وحيث لا ننكر حجم ما نسب للجماعة ولفق ضدّها إلاّ أنّ جانبا من تلك الأحكام يصعب دفعها عن الجماعة. ومنها نكرانهم صوفية الشيخ، وبالتالي علاقة المريدية داخل الجماعة ونكرانهم قول الشيخ بجاهلية المجتمع.وهذا الأسلوب له صلة بلعبة التدليس والإلتباس كما يفعل كتاكيتهم هذه الأيام في مواجهتنا بعباراتنا في إيحاء لا ينقطع البتّة بأنّهم على حقّ بالفطرة والصليقة بينما غيرهم فاقد للأخلاق والعلم؛ يقول هذا في حقّنا حتّى جراميز الجماعة.
في نكران التصوف
حاول المريد كما بات يحاول كل من أراد أن يدفع الشبهات عن جماعة ياسين أن يرفع تهمة الصوفية عن الجماعة. ويكاد البعض أن يحصر الأمر في ماضي الشّيخ ونشأة الشيخ داخل الطريقة البودشيشية، التي دخلها طالبا الخلاص الروحي ثم سرعان ما أصبح طالبا لسلطانها الروحي عبر خدعة المزايدة بالجهاد الذي لم يمارسه الشيخ لا في عهد الاستعمار ولا بعده، لكنه أكثر من رأت الأرض حديثا عن الجهاد؛ جهاد الفرجة وطقّة حنك.وقد يكون ذلك صحيحا في جانب واحد، أي محاولة التميز الطّرقي. ولا يتطلّب الأمر هنا أدلّة إضافية لإثبات صوفية الجماعة التي تقطر تصوّفا وطرقية. بل الغريب هنا أنّ الجماعة تريد أن تتنكّر حتى لأكثر الصفات لصوقا بها. وليس العيب في صوفيتها وطرقيتها كما ذهب أكثر نقّادها، بل العيب في تصويف البديل السياسي وإخضاعه للدّروشة والطّرقية بطريقة من التّسلّط الرّوحي لا تستند إلى حجّة معتبرة. نفهم من هذا الحرص على الهروب من صفة التّصوّف الطموح السياسي للجماعة. فالشيخ ياسين عاش في كنف الطريقة ولم يخرج منها إلاّ لأسباب تتعلّق بالمشيخة.ولو أنّ الأمر صار له داخل البوتشيشية لما برحها إلى اليوم. فالتّصوف ليس جزء من ذاكرة شيخ الجماعة، بل هو منهجها مسطورا وممارسا. يتجلّى في علاقة المريدية والعناوين التي يخلعها المريد على الشيخ ، إنّها طريقة صوفية شديدة التسيّس والتسييس.وطبيعي هذا الهروب من التّصوف ، بعد أن تصدّت لهم البوتشيشية أيضا. كما من الطبيعي هذا الهروب بعد أن انكشفت أسطورة زهد الشيخ بعد أن سكن قصرا بالسويسي على مساحة1641 مترا إلى جانب من كان ينعتهم بالمترفين. كما وهو المفتّش الفقير الذي يعيش على المعاش الشهري المتواضع، يملك مجموعة فلل:
فيلا من حجم 200 متر مربع مسجلة في المحافظة العقارية بتاريخ 07 مارس 1994 رقم سجلها العقاري / R 66497.
فيلا مساحتها 320 متر مربع تاريخ تسجيلها هو 30 يونيو 1998 رقم سجلها العقاري/R 64434 .
فيلا مساحتها 200 متر مربع تاريخ تسجيلها 20 غشت 1998 رقم سجلها العقاري 64717/R
فيلا مساحتها 299 متر مربع تاريخ تسجيلها فاتح مارس 1999 رقم سجلها العقاري 66637/R
فيلا مساحتها 622 متر مربع تاريخ تسجيلها 05 فبراير 2003 سجلها العقاري 35361/R
وهو ما تحدّثنا عنه في مناسبات سابقة ولا نريد التكرار. لكن لم نكن نعلم أنّ الدعوة هي طريقة أخرى للغنى. فعهدنا أنّ الريع ماديّ وليس روحيّا. لا يحتاج الشيخ بعد هذا إلى مأذونات.يطالب الشيخ ومريديه إقرار سياسة: من أين لك هذا، غير أن لا أحد سأل الشيخ: من أين لك هذا؟
في نكران المريدية
يطلب مني المريد الشّقي نصّا ودليلا على استعمال الشيخ ياسين لهذه الصّفة. وهو بالفعل يتحدّث عن منهجها وأسلوبها التي تشدّ المنتمي بالشيخ على أساس المريدية. فهم يرون فيه المربّي والمخلّص وقائد القومة وخليفة الله في الأرض ووليّ الله. المريدية أسلوب ومنهج وليس عبارة أو مصطلح. أتساءل هنا إن كان من الممكن أن يختلف المريد مع الشيخ ويعلن عن اختلافه ثم يبقى له أثر في جماعة قائمة على معصومية الشّيخ. وقد تستبدّ الشقاوة بالمريد فيبارزني بأئمة الشيعة في نوع آخر من خلط الأوراق. ونقول إنّ ذلك موضوعا آخر لا يحلّ بكلمتين. لكن أدفعه بجملة من الأمور منها أنّ الأمر هنا يتعلّق بشيخ يعلن انتماءه لمذهب يرفض العصمة لأئمته. والعصمة ليست مجرد عنوان نظري بل هي قضية عملية تتشخّص في الرّأي والحكم والموقف. فلربما أنكرت الجماعة أن الشيخ ليس معصوما نظرّيّا لكنها غير قادرة على تخيّله في موقف الخاطئ عمليّا. فهم يتعاملون معه تعامل المعصوم. ثم إنّ الشيعة لا تنسب العصمة لفقهائها مهما بلغ اجتهادهم ومهما بلغ مقامهم وإن كانوا هاشميين. فيتحدّثون ههنا عن العدالة لا عن العصمة. وهم أساسا على مذهب المخطّئة. وقد حصروا العصمة في أئمة معدودين قامت لديهم أدّلة على ثبوتها، فيكون النقاش معهم في مستوى المعقول والمنقول وليس على مستوى الرؤى والأحلام كما هو الأمر هنا. وتقليد عوام الشيعة لعلمائهم هو تقليد فقهي وليس عقدي. فالعوام غير مأمورين باتباع رؤى وأحلام لا أنفسهم ولا غيرهم.لكن في الأحكام الشرعية يقلدون الفقيه ؛ أي على أساس رجوع الجاهل إلى العالم في معرفة الأحكام. وشتان شتان.
في إنكار تجهيل المجتمع
في نصوص الشيخ ما يؤكّد على أنه تطور في نظرته للجاهلية لأسباب تتعلّق بخطر تجهيل المجتمع بالنسبة لشيخ كان يعرف جيدا حدود اللعبة. فالمجتمع المغربي كان أكثر رفضا لأن ينعت بالجاهلية. ولتفادي هذه الخصومة بادر الشيخ للتخفيف من وطأتها فأبدلها بالفتنة. المجتمع المفتون تلطيف ولعبة ألفاظ تحتفظ بسائر التصور الجاهلي للمجتمع. ولذا في بعض الموارد اعتبره نصف مفتون ونصف جاهلي.وفي نصوص أخرى يتحدث عبد السلام ياسين عن الجاهلية بالمنظور القطبي نفسه، أعني محمد قطب في جاهلية القرن العشرين.الخطأ الذي وقع فيه الشيخ والمريد هو حينما اعتبروا في فترة لاحقة أن سيد قطب حينما يصف المجتمع المحلي بالجاهلي فهو يكفّره. ولقد ضاع سرب من الدعاة في هذا الغلط ولا أحد أمكنه إنصاف سيد قطب رحمه الله في ما ذهب إليه. فهذا الأخير كان على قناعة بأنّ معيار إسلامية الاجتماع هو تطبيق الحاكمية من خلال تطبيق الشريعة. وعلى هذا الأساس يمكن أن يكون أفراد المجتمع مسلمين لكن جماع الاجتماع جاهلي. فحيثما طبقت الشريعة كان المجتمع اسلاميا حتى ولو كان أغلبه غير مسلمين، وحيثما لم تطبق كان جاهليا وإن كان معظمه مسلمين.وقد اعتبرنا الشيخ ياسين مقلّدا لمحمد قطب في حديثه عن الجاهلية المعاصرة. لم نكن في وارد تقييم أصل الفكرة بل حديثنا عن التقليد ليس إلاّ. فهو يختزل روح الجاهلية في اليهودية.يتحدّث عن "صيحة على الجاهلية" التي نعت حال المجتمعات فيها ب" ضحايا الإهانة المنظمة على يد الجاهلية العالمية ورأس حَرْبَتها اليهود والصليبيون الجدد" ويقول:"أقول هنا: إن البلاغ الإسلامي ينبغي ألا يحاكي الخطاب الثقافي الجاهلي في تثَنِّيه وتحذلقه الفلسفي. يجب ألاَّ ننهزم أمام العقلانية الكافرة التي تكشط من كلام من يحاور المغربين على أرضهم كل نداءات القلب الحارة. لا إله إلا الله ليست فلسفة. اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ليست استدلالا منطقيا". وعن روح الجاهلية وجسمها يحدّثنا الشيخ ياسين الذي لم يعد يتحدّث هذه الأيام بتلك اللغة خوفا من الشهادة:"ولما كان اليهود هم روح جاهلية عصرنا خوطبت روح الجاهلية في القرآن" وفي مقطع آخر يقول:"اليهود روح الجاهلية، والجسم والكتلة والنفير والنصير والقوة النصرانية المهودة. فبقدر فهمنا لمدى تقمص روح جاهلية عصرنا جسم جاهلية عصرنا نكون أقرب إلى فقه الخطاب القرآني بوعد الآخرة ". وانظر إليه يقول:"مع الجاهلية التفوق العددي والتكنولوجي والمالي والعسكري، معها الخبرة والصناعة والتنظيم، معها السبق الزمني في كل الميادين، تطرق الآن وتلج عصر ما بعد الصناعة، عصر المعلوماتية والفضاء والإنتاج الأوتوماتكي والتحكم في الخلايا الوراثية للنبات والحيوان.ووراء الركب الجاهلي تتعثر خطانا، مسبوقين متخلفين، ممزقة أوصالنا". وعلى طريقة قطب يقول:"تبرج الجاهلية" اليهود اخترعوه، وتلمودهم خزانة لا تنفد، ولا تزال تُمد أساطيرها بفنون العُهر والحيوانية وقلة الحياء والتهتك والسخرية بالأخلاق. وفيلسوف العصر في "علم" النفس يهودي اسمه فرويد. صوَّر النفس البشرية صندوقاً للقمامة، ومحطة إرسال واستقبال للرذيلة. ودخلت أفكاره المعيفة القذرة إلى معاقل "الثقافة" و"الفن"، ووجهت، وتحكمت. وفرضت المعايير التي بها يقاس الفرد السوي غير "المكبوت" والفرد المريض الذي لا تجد غرائزه مسالك لتعبر عن نفسها بحرية". وعلى نهجه في تجهيل حتى ديمقراطيتها يقول قبل أنت يكتشف فكرة الدولة المدنية بتدليس كبير على الرأي العام:"إنها مواجهة كونية هائلة بين حق الوحي و"ظن الجاهلية"، بين أخلاق الإسلام و"تبرج الجاهلية"، بين أخوة الناس جميعا والتسامح والرحمة وبين"حمية الجاهلية"، بين عدل الإسلام وشورى الإسلام وبين "حكم الجاهلية"..إنّ الحكومة في نظر ياسين بمعيارها القطبي لا علاقة لها بالديمقراطية. فهي خدعة يهودية جاهلية، أو بتعبيره:"أما "حكم الجاهلية" فلليهود من تأسيس نظريته وتقنين إجراءاته وتطبيق بنوده النصيب الوافر. قرأنا في فقرات سابقة تبجح اليهود بأنهم آباء الديمقراطية وسدنتها. والديمقراطية أخرجت اليهود من "الجيتو" المعزول الذي أسكنتهم فيه كراهيتهم للعالمين واعتزازهم بعرقهم وابتزازهم للأموال واحتقارهم للأميين. من "الجيتو" أخرجتهم الديمقراطية إلى فضاء المجتمع الفسيح حيث يجدون "الحرية" الكاملة لتذويب سمهم المركز المخَزَّن المُعَتَّق آلاف السنين داخل مساكنهم المغلقة في مياه ثقافة الأمم وعاداتهاوسياسته"(http://www.yassine.net/article.aspx?article=rouh_jahiliya).نعم، فحينما اكتشف خطورة هذه الدعوى إلى تجهيل المجتمع وخاف على نفسه ردّة فعل المجتمع وغلبة السلطة، خفّف منها بعض الشيء ليلتفّ عليها بين الفينة والأخرى دون أن يحسم في أمرها. ففي " العدل: الإسلاميون والحكم" حاول أن يبحث للجاهلية في ديار الإسلام عن بديل هو الفتنة. والفتنة هي تعايش الإسلام مع الجاهلية ، أي إن صحّ التعبير: إسلام جاهلي. فهو لم يجهّل المجتمع بل جهّل إسلام المجتمع. يقول:"الأمة متوعكة مريضة، الأمة ينخَر فيها داء الأمم وتأكل الغثائية أحشاءها، لكنْ أن نُسَمِّيَ مجتمعاتنا جاهلية!أن ندْخل في الزقاق الضيق المُظلم وعلى عيننا منظار اليأس! أن نساهِم بتغميض الحقيقة على أنفسنا وتنفير المسلمين منا!في مجتمعاتنا الغثائية تشتبك الجاهلية بالإسلام، وتختلط، وترتبك. على قسماتِ وجه المجتمع الغثائي، وفي دخائله النفسية وزواياهُ الذهنية وعاداته التقليدية وعلاقاته الاجتماعية واقتصاده وسياسة حكمه ومكان المرأة".بينما في الإسلام والقومية العلمانية يقول:"لا أدري ما نوع العلاقة العاطفية التي تربط عشاق الجاهلية من المثقفين العرب، الناطقين عن الهوية والأصالة، بهذا التراث الشيطاني. العقلانية التي يتقدمون بها لا تقبل بالطبع المقولات الغيبية كالجن والشيطان والملائكة. لكن ما وراء ذلك ؟ أية وثنية تقبع وراء العقلانية الإلحادية وتنتظر فرصة للظهور ؟". والتجهيل يبلغ حتى الديمقراطية نفسها إلاّ قشورها التنظيمية حينما يقول في "حوار مع الفضلاء الديمقراطيين":"أنتم يا معشر دعاة الديمقراطية تسكتون لا تقولون للمسلمين الذين تُحسّنون لهم البضاعة أن شرط الديمقراطية أن ننسلخ أولا وقبل كل شيء عن إسلامنا ونطرحه جانبا حين نجلس لمعالجة شؤوننا المشتركة, ولا نتكلم بلغة القرآن، ولا نحكم بشرع الإسلام، ولا نذكر الإسلام في برلماننا وسائر مؤسساتنا إلا كما تُتمتم تعويذات في بدء المناقشة وختامها تعمية وعادة ونفاقا. والجد هو ما يقال ويقرر بقطع النظر عن الإسلام". وبالمختصر المفيد كان ياسين قد ناقض كل تلطيفاته الكلامية حول الديمقراطية لمّا قال في كتابه (العدل):"قضيتنا نحن مصيرية. نحن نطلب الإسلام لا الديمقراطية. ليكن هذا واضحا". إن تردّد ياسين واضح ، فهو يتأثر بكلّ دعوى وكلّ خطاب جديد ولا يكاد يستقرّ على خطاب. فمن يقرأ حديثه عن الجاهلية المعاصرة يجد نفسه في أجواء الخطاب القطبي الذي جعل روح الجاهلية يهودية من خلال فكر اليهود الثلاث: فرويد ماركس دوركهايم.من أدرك كتابات محمد قطب واطلع على هذا النص الياسيني سيدرك جيدا ماذا أعني. لكن المريد الجاهل يعاند ويشاكس بإنكار تأثر ياسين بالنزعة القطبية. وقد ظنّ المريد الشّقي أن حديثي عن التّأثير القطبي في النّص الياسيني هو من باب النقد والتجريح في سيد قطب. وهذا تحريف وجهل بمضمون الكلام. فلقد كان هدفي أن أظهر أنّ بضاعة ياسين ليست أصيلة بل هي مستعارة كلّها من هذا الإرث المودودي والقطبي. ولكنها تنزل في خطاب ياسين منزلة الخلط والمفارقة. ولكي يحاجج المريد الشّقي بالباطل أقحم مثال قائد الثورة الإيرانية السيد علي الخامنئي بوصفه تأثّر بالخطاب القطبي كما سائر قيادات الثورة الإيرانية. ولا زلت أجهل سبب إقحام المريد الشّقي أعلام الثورة الإيرانية في نقاشي لخطاب شيخ الطريقة العدلاوية، سوى أنه يروم الجدل. وهذا نموذج لجهالات المريد الشّقي بتلك التجربة كما هو ديدنه في كلّ استشهاداته السّاذجة التي توهم غير المختصين بأنه على فهم بما يجري في هذا التراث وتلك التجربة.وسأجعل من هذا مثالا على جهل المريد بالكيفية المنطقية لاستعمال الأدلة. فيكفي أن يتحدث عن مثال ما ببساطة ليعتبره حجة قاطعة. فدعني أخبر المريد بما لا علم له إلاّ قمشا وبترا.أوّلا إنّ حديثي عن سيد قطب هنا يتعلّق بتأثّر ياسين بخطاب لم ينتج فيه شيئا.في مثال إيران، لم يتعلّق الأمر بتأثر سائر العلماء بل كانت تلك لحظة من لحظات ما قبل الثّورة حينما كان السيد الخامنئي ينشط ثقافيا في مشهد وقد ترجم الكثير من النصوص العربية وأعجب يومها بسيد قطب وقدمه للإيرانيين من باب الانفتاح على التجارب العربية. إن إيران كانت تغلي بمئات العلماء والمفكرين الذين أغنوها عن هذا اللون من التقليد. بل وكانوا يميّزون بين موارد الصواب وموارد الخطأ ويتسامحون فيما هو مورد اختلاف.لم يكن هؤلاء متأثرين بسيد قطب ولا بأخيه محمد قطب ولا غيرهما، بل كانوا مجتهدين وفقهاء يعرفون أين يقفون. ترجمة الخامنئي قبل عشرات السنين لهذا العمل لا يعني ذوبانا فيه أو تمثلا. ففي إيران ومن قادة الثورة من لا يعرف عن هذه الكتب سميّا إلى يومنا هذا.وفيها أمور تخالف منقولهم ومعقولهم ومع ذلك ترجموها لإنعاش حركة التعارف. سيد قطب نفسه أخذ فكرة الحاكمية عن المودودي. لم يتّهم الشيعة مجتمعاتهم بالجاهلية، ولكنهم دعوا إلى إصلاحها. السيد الخامنئي ترجم لسيد قطب يوم كان ناشطا ثقافيا في مشهد وكانت لديهم مطبعة للنّشر. ولم يكن ذلك أوّل ولا آخر كتاب يترجم إلى الفارسية. فهذا الخلط الكبير والقياس مع الفارق لا يفيد المريد في شيء.فالقول إن علماء الثورة الإيرانية تأثروا بسيد قطب يعكس مبلغ علم المريد الذي يفهم التعارف بالتّأثر والتقليد.
تهمة المخزنة ودعوى شجاعة الشيخ والمريد
ثمة أسطوانة مشروخة عند مريدي الطريقة الياسينية ، تحوّلت إلى ورد يومي، أن من تجرّأ وانتقد الشيخ فهو لا محالة مخزني. والأغرب حينما يسعى أشقاهم لاتهامنا بذلك كما لو أنه أحرز سبقا وقال صوابا. مع أنّ كاتب السطور ضرب عليه حصار إعلامي إلاّ ما يأتي مدبّرا للإساءة وقلب الحقائق. أما الشيخ والمريدون فقد كانوا الأوفر حظّا في الاستفادة من المخزن. لولا المخزن لما كان للجماعة صيتا. فهو الذي منحها الكثير من الإيحاء. وفي سنوات الرّصاص كان ياسين مدلّلا. ولا يحدّثني المريد الشّقي عن بلاء الشيخ في حقبة لم يكن أحد يجرأ على الكلام. فلو جرأ غير ياسين على ما جرأ هذا الأخير لكان له مصير غير مصير الشّيخ. والمخزن هو الذي يسمح للجماعة بإقامة مجالس النصيحة بانتظام بينما لو فعلها غيرهم لزجّ بهم في السجون. ويحدث أن تقوم لعبة الكاش كاش بين المسؤولين والجماعة بين الفينة والأخرى لكن مجالس النصيحة لا تتوقّف. فالجماعة تخرج إلى الشّارع وأعضاؤها موظّفون في الدّولة معروفون لا غبار عليهم وأموال الغلبة والمريدين دولة بين الحاشية. واستجمامات الشّيخ خير دليل على سعادة القيادة ورفهها وطمانينتها. والمخزن هو الذي وفر لمريدي الشيخ أن يتعلموا ويدرسوا من داخل السجون.المخزن هو الذي يحرس الشيخ في منطقة المترفين بالسويسي. حيث فضّل الشيخ أن يسكن في منطقة لا يسكنها إلاّ المخزن تاركا الكومبارس العدلاوي وراء ظهره يهيم في زقاقية الحال. والشبيحة التي تحدثنا عنها لن تمنع عنه الأذى إن أريد شرّ به. فإن قلت أن رسالة الإسلام والطوفان قد أوردته مستشفى الأمراض العقلية والسجون، ففي سنوات الرصاص اندثر أثر من قالوا أقل من ذلك بكثير. ووحده ياسين يستطيع أن يخرج في موكب ملوكي في المغرب بخلاف سائر الزعماء والقيادات.والمخزن هو الذي سمح لياسين أن يخلف مطيع في تدبير قسم من شبيبته لتؤدّي دور التوازن الأيديولوجي.لا يكفّ المريد أن يبارزني بالشجاعة واتهامي بالمخزنة. فالمخزنة تهمة عند مريدي الشيخ ياسين لمن عاداهم. ولكن من صاحبهم عدّ من الأصحاب وأهل الرّشد حتى لو كان مخزنيا. ولذا جاء في بيانهم عند إطلاق صراح محكوميهم بأن هذا انتصارا لأهل الرّشد في الحكومة. هكذا حاول أصحاب العدل والإحسان أن يقتربوا من نحت مصطلحا جديد: المخزن الرشيد والمخزن غير الرّشيد.وأمّا الشجاعة التي أمطرنا بها المريدون وهم يحسبون أن التّعرّض لبضعة أسئلة روتينية من الأجهزة تعني الشجاعة والتحدي أو مسابقة النساء هروبا في ميادين الاحتجاج قمّة الجهاد، نقول لهم: شوفوا غيرها. إنّ لنا في المغارب معيارا للشجاعة لا نعرف سواه. فالشخص إن عاصر زمان المقاومة الوطنية ولم يحمل بندقية ولم يشارك في العمل الوطني ليس فقط لن يدخل في سلك الشجعان بل يعد خائنا. ويشهد السيد ياسين على نفسه بأنّه يومها كان بعيدا عن كل اهتمام روحي أو سياسي ، بل وحسب تعبيره كان" خبزيا" مهتمّا بذاته ومشاريعه الشّخصية. وهو لم يهتم بالشّأن العام للمسلمين إلاّ بعد تقاعده. أما فيما يخص الشيخ، فإنّي لا أعتقد أن من لاذ بغير ذات الشوكة في عهد الاستعمار يملك أن يصبح شجاعا في عهد الاستقلال. ومن خانته الفروسية في ريعان الشباب لا يمكن أن يظفر بها في أرذل العمر. فلقد عاش شيخ الطريقة العدلاوية في كنف مؤسسات الاستعمار لم يمسسه سوء. ولك أن تتأمّل أن يتم اختيار ياسين يومها مفتّشا عامّا في المؤسسة التعليمية الخاضعة للاستعمار. فالتعليم عند الفرنسيين يفوق في خطورته أي قطاع آخر. وبسبب هذا الولع الفرنكوفوني درّس ابنته المصونة في ليسي ليوطي ، ولم يقبل لها الدراسة مع أبناء الشّعب ولا اختار لها التمدرس العربي أو الشرعي. ولكنه يسمح لهم بأن يتحكّموا في الجماعة دينيا وشرعيا وحتى فتوائيا.وقد عدّ شيخ الجماعة عند بعض الوطنيين يومئذ خائنا وعميلا. وقد اجتمع بعض الوطنيين يومئذ نتيجة لهذا الاستفزاز، وقرروا في حقه حكما صارما و كانوا على وشك تدبير محاكمة و تصفية جسدية لعبد السلام ياسين في عهد الاستعمار بعد أن اعتبروه خائنا. حدّثني بذلك أحد الفدائيين المغاربة وهو الشخص نفسه الذي تدخّل لإقناع الفدائيين بعدم تنفيذ قرارهم ذاك في حق ياسين. وقد اعترف له ياسين بذلك وشكره. لقد أصبحت المخزنة وردا وليست تهمة فحسب. يبارزني المريد بصفة لا تركب عليّ ، وبعناد بليد تكرّرت لحجب جوهر المشكلة في الخطاب الياسيني. وهنا سوف أشرح سبب الحديث الياسيني عن المخزنة وما هي البواعث التي جعلته يطيل الحديث في أمر يحتاج إلى توضيح.
ياسين وعقدة المخزن
لا تصلح المخزنة لخصوم ياسين تهمة حقيقية. فياسين عاش وضعا مريحا في سنوات الرّصاص كما قلنا. وما حصل لم ينقص من رصيد ياسين بل ما حدث هو ما جعل ياسين ينتقل إلى وضعية الزعيم بعد أن كان شخصا مغمورا لا يعرفه أحد. كان المناضلون اليسار هم من تحدّث عن سنوات الرصاص طويلا. لكنهم أدكوا بعد سنوات أنّ الأمور تغيّرت كثيرا عن السّابق. وما أصاب ياسين لا يقارن مع ضحايا سنوات الرصاص. علينا أن نقارن وضعية ياسين في الإقامة الجبرية المشروطة التي منها اصطنع كل هذه الجلبة، وبين تازمامارت ومكونة وغيرهما. فالمخزنة تهمة استعملها المناضلون اليسار وليس الياسينيين الذين استولوا على تراث "أوطيم" واسترجعوا ما فيه عن ظهر قلب. كانت مصطلحات اليسار جاهلية يومها حتى قبيل الإنزال الذي تم التنسيق فيه والتوافق المخزني والياسيني، لكنها اليوم بعد أن قبضوا على مقاليدها أصبحت على منهاج النّبوة. قلنا أنّ الشيخ المربي والقدوة عاش في كنف مؤسسة الاستعمار ونال داخلها حظوة وتدرّج في أسلاك مؤسستها ما لم يكن متاحا لأي مواطن مغربي يومئذ. وقد ذكرنا شطرا من ذلك، لكن لك أن تقيس وضع شيخ الطريقة بوضع الوطنيين الذين عاصرهم مثل عبد الرحيم بوعبيد . فبينما كان الشيخ في رغد من العيش والمطمئنين في دولة الحماية كان هؤلاء الوطنيون مطاردين ومحكومين غيابيا. وورث ياسين وضعيته بعد الاستقلال شأن المحميين الذين ورثوا مواقعهم في ظل المخزن الذي يكفر به الشيخ والمريد. صحيح أن عبد السلام ليس صنيعة مخزنية في المبدء، لكنه صنيعة حمائية. فتطاوله على المخزن نابع من تطاوله الحمائي لا من قومتجيته الفرنجية. فهو لذلك بعدما كان يدرك أنه استعلى على المخزن في عهد الاستعمار بالحماية فهو بعد طول يتم في دار المخزن بعد الاستقلال فضّل أن يضغط ويستعلي على المخزن بالسفارات والتدخل الخارجي. إنها عقلية المحميين الذين كتب حولها الوطنيون الكثير. فالعدل والإحسان ورثوا ثقافة المحميين وهم لا يستقوون على المخزن إلاّ بطرق سفارات الفرنجة صباح مساء كما فضحتهم الويكيليكس وكما اعترفوا بذلك على تبرير غير مقنع. وفي منطق الأحرار لا استقواء على الداخل بالخارج، ولو بالإيحاء والإشارة. وهذا هو موقفي. فأنا أستطيع أن أقول: طزّ في الإمبريالية وأسمّي الأمور بمسمّياتها، لكن هل يملك الشيخ القومتجي أن يقول اليوم في بيان يشبه الإسلام أو الطوفان أو لمن يهمّه الأمر جسارة وتحدّيا ضدّ أمريكا، وهل يستطيع أن يخرج مسيرة اليوم ضد إسرائيل بدل ركوب موجة المزايدة على المخزن في الولاء الياسيني لأمريكا ليفتل عضلاته في خرجات عدلاوية ضد سوريا التي يتحدّث عنها المريد الشّقي بلغة النصوص والتحشيد وكأنّها قضية نظرية وليست معطيات حتى أنّه بات يعطي دروسا لمن هم في قلب المعركة بوقاحة. ولا نكاد نحصي لهم خرجات لدعم الفلسطينيين إلا على سبيل ركوب الموجة بعد أن يقوم المواطنون جميعا لهذا الغرض. وإذن هل يجسر الشيخ أن يكون عدلا وإحسانا ليخرج مسيرة لمناصرة شعب البحرين أو اليمن؟ وكثير من الدّول؟ لا يستطيع. يريد ياسين أن يقول لواشنطن نحن معك ونستطيع أن نؤيدك بمسيرات حقيقية ونحن أولى لك من المخزن: يا سلام على القومة والمنهاج النبوي؟؟. وكنت أتنمى لو يأمر ياسين مريديه أن يذهبوا إلى سوريا ليصنعوا قومتهم بدل الخرجات الاستعراضية وممارسة الجهاد بالمراسلة. فماذا في مكنتك أيها الدوريش المسكين أن تصنع في مجال قال فيه مظفّر: النّار هنا لا تمزح يا قردة. إن خروج ياسين زادني يقينا بعدم سقوط النظام السوري، فهم عودونا على خيبات الأمل وعدم تحقق نبوءاتهم، وبأن التاريخ لا يزال يخون توقعاتهم. وكانت الجماعة قد قدمت للمخزن خدمات جلّى. وهل يتذكر هؤلاء أنّهم هم من قام بالإنزال الشهير في جامعة فاس، وفتكوا بمناضليها ورموا ببعضهم من حرم الجامعة إلى الشارع ليلقي عليهم المخزن القبض. هل ينسوا قصّة المسكين جرير، وهل أمكن المخزن أن يفتح باب جامعة فاس إلاّ بفضل المريدين بقرار ياسيني شهير. وفي قضية الجهاد الأفغاني هناك من الأفغان العرب المغاربة من كانوا مع ياسين وحين رجوعهم تنكرت لهم الجماعة،لأنهم لم يستأذنوه. وهل في الجهاد استئذان يا داعية القومة؟ لكن ياسين يدعو الفتاة أن لا تستأذن أبيها ووليها لتقصد مجالس النصيحة بل ونصحها بأن تكذب على ذويها إن كان سيمنعها من ذلك. وقد اتضح ما قد يحدث في هذه التجمعات من انحرافات خطيرة كما شهدها المغاربة ووقفوا عندها. هنا تمتزج الرّغبات الجنسانية مع الروحانية في طقس مهيب. وكل شيء يتم تحت عنوان: يا أخي، ويا أختي، ووفق المنهاج اللاّنبوي.ولا عليك من حال المظلومية الذي توحي به الجماعة.فهي لا يمكن أن تقنع حرافيش الأمة وفقرائها بأن يدافعوا عن مظلومية الشيخ الأمير.ولعله من المفارقات أن نطلب من سكّان الكاريانات أن يدافعون عن شيخ يسكن قصور السويسي. إنّ التركيز على المظلومية والحديث عن القومة والتّميز بخطاب معلّق بين السماء والأرض له غاية أخرى كان لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار. لأنّني أعتقد أن الشيخ ياسين هو طالب طريقة لا طالب حركة. فلو أدرك المخزن أن صاحبنا يريد طريقة وليس تنظيما لوفّر على الشيخ كلّ هذه المعاناة. ولكنهم رفضوا أن يمكّنوه من طريقة حدث ما حدث. لم يكن الشيخ ياسين وارثا لطريقة أبا عن جد. حاول أن يغير من سنن التوريث المشيخي بمعناه البيولوجي ليجعله روحيا على طريقة الإسماعيلية، داخل الطريقة البوتشيشية.لذا بينما طمع أن يتركها له، حورت عنه.فهل سينتظر ياسين أن تؤول إليه كما يطالب اليوم مريديه بأن ينتظروا قومته؟ لقد اتخذ الشيخ قراره ليخرج عن الطريقة ويؤسس له طريقة تحتاج إلى مبرر. فلقد انتهى عهد تأسيس الزوايا والطّرق. فلو كان هدفه تأسيس حركة لكان انظم إلى الشبيبة حيث حاول معها ولكنه لم يكن مستعدا أن يكون مجرد رجل من رجالاتها. فطموحه ليكون شيخ طريقة يحتاج أن يبرر خروجه من البوتشيشية فاخترع عنوان الجهاد.ولذا فالشعور بالمظلومية هو ما يغدي ويمنح شرعية ياسين، لأن مطلبه هو الطريقة وليس القومة.فرجال القومة لهم سمت خاص ولهم مواقف مختلفة. فالشيخ ياسين مستمتع بهذا الوضع الانتظاري وحوله مريدون يشعرهم بالعزلة الشعورية كما لو كانوا أصحاب الأخدود.ولكنه هو لا ينتظر، لسبب بسيط أنه يعيش كل معاني الرفعة والزعامة والمال والاستجمام. فهو يعيش حالة الملك العاضّ بينما يعيش أبناءه حياة أميرية.لقد حقق طموحه كاملا، فماذا يريد بعد هذا الذي هو فيه. فلسانه لمريديه والمستضعفين:انتظروا في الكاريانات إنّا معكم منتظرون في حيّ السويسي!
بالشّيخ مسّ
لقد صبّ المريدون على كاتب السطور من سافل العبارة ما كانت تهمة الحمق والجنون والجنوح أهونه. ووالله ما دفعنا للبراء من هذه الطريقة سوى جنونها. وصدق زين العابدين: لا تصاحب الأحمق، يريد أن ينفعك فيضرّك. ولست أنا من دخل مشفى الأمراض العقلية ومن به جنّة. وهكذا بات ضرر الجماعة على الإسلام كبير بعد أن أوردته موارد أسفل مستويات التأويل. ولا ينفعها في هذا التبشيع عدميتها السياسية ووردها اليوم: المخزن، المخزن، المخزن.وأدرك مسبقا أن المريد قد يستكثر عليّ إن حدّثته عن شيطان يعتري شيخه، لأن الشيخ يفوق في معتقدهم سائر الأوصياء.وأرى أنّ الجنون ضارب الأطناب في رؤوس الجماعة لا يكاد يستثني الشيخ و المريد الشقي. ولا مخرج للنّجاة من هذه التّهمة إلاّ باستبصار الحقيقة خارج طوق الطريقة الياسينية في الإسلام الكبير، الذي هو أكبر من المدارس والمذاهب والطوائف والطرق. ولقد سردنا من منسوب أضغاث أحلام المريدين ما يكشف عن شطط يفوق المعقول والمشروع من التباشر بها. أما محتواها فهو يتمحور حول القطب والغوث. من هنا أنصح المريد الشّقي أن ينقش قدميه من أشواك طريق الجهل والبدائية وأن لا يفرض أسلوب" التقزقيز" والتحشيد كمنهج للعلم. فالعلم وجدان والتفكير ملكة. كما أنّ النّظر أعمق من التّيه الأعمى في لعبة العناوين والبيبليوغرافيات التي وقفنا عليه في الأزمنة الصعبة قبل أن تصل إلى صبية الجماعة وعوامها بكبسة زرّ فيسبوكية. كما أنصح بأن يغيّروا من أسلوبهم التربوي لأنه لا ينتج سوى مساميم وماكرين وألعبانيين مع وجود الاستثناء دائما لا بسبب تربية الشيخ بل بسبب فطرة في المريد أو لخصال حميدة بسبب تربية الآباء. للمخلصين من أبناء الجماعة أن يفرّوا من ياسين إلى الله، وأن يخرجوا من ضيق المشيخة إلى سعة الإسلام ورحابته. ومن عمودية المعرفة المؤطّرة في علاقة الشيخ والمريد إلى أفقية المعرفة المؤطّرة باسم الله، ومن عبودية الشيخ إلى عبودية ربّ العالمين. ولا نطلب منهم إلاّ أن يعبدوا الله مخلصين له الدّين ويعرفوا الرجال بالحق لا الحق بالرجال. ما الذي عرفوه عن الله وهم من خطأ رؤيوي فاشل إلى آخر، بينما العارف ينظر بعين الله لا يخطئ الرؤية. فاعرف ربّك تعرف نفسك وتعرف شيخك وإيّاك والشطح في التخريف والاستناد إلى أضغاث أحلام. فالتربية تجعل العقل يشرق في القلب ويظهر جماله بقدر جلاله في السلوك والمعرفة. لم أر خصلة من خصال المنهاج النبوي في هذا السلوك. خذ أيّها المريد إن بقي فيك من آثار الفطرة ما قبل دوخة الياسينية بنصيحتي وشقّ لك طريقا إلى الله حرّا، ولا تخشى في الله لومة لائم: وكن حرّا في دنياك كما خلقك الله حرّا. فعبادة الأحرار تختلف عن عبادة التّجار كما تختلف عن عبادة العبيد؛ وإنّي أرى عبادة المريد لا تشدّ عن عبادة التجار طورا أو عبادة العبيد طورا آخر؛ فهل لك أن تجرّب عبادة الأحرار؟ولا يغرّنّك الوهم والتواهم والانحباس الروحي والجماعي لتخدع نفسك ، حيث لا حيلة مع الله.لا أقول لك غيّر موقفك ولا أتدخّل فيما اخترته ولكن لا تجعل طريقك إلى الله ملتبسة.هذا قول اعتراضي موجّه لأهله من أصحاب الذّوق وأهل السّرّ والخلّص من الطريقة العدلاوية لمن يريد الحقّ وبه يزن الرجال. فإذا كان ولا بدّ أن نتحدّث لغة الطريقة والأسرار، فإنّني لم أباشر نقدي لياسين إلاّ بعد أن استطلعت عن أحواله بالتحليل العقلاني والشرعي لخطابه ومواقفه وإيحاءاته، وشخّصت أمره وضربت له خطّا زناتيّا، ظهر من خلاله وقد تلبّس به قرين سوء من الجنّ. ولك أن تتحقّق من كلامي مشرقا ومغربا. ولك أن تطوف مغرب الأولياء شمالا وجنوبا، وتسأل عتاة الخط والكشف، وأتحدّى أن يخالفني الرأي أحدهم. وللمريد المستغرق في الأذكار أن يلتمس من الذّكر ما كان خاصّا بإراءته أمر هذا القرين. وليتّصل بي أي مريد فسأعطيه وردا مخصوصا إن هو أكمله بإتقان، ظهرت له حقيقة الشيخ وقرينه.فها أنذا أعلّمك كيف تصطاد وتميّز بين غثّ القول وسمينه، والحكم بيننا الله. وأوقفك على حقيقة العارف لا على لبس أهل الجدل. فخذها في خلواتك واسلك عليها وسوف ترى عجبا.إنّ شيخك أيّها المريد هداك الله لحاق المعرفة وليس لسقط المتاع، قد تلبّس به (دافيد) قرينا، حدث هذا منذ مكثه بمدرسة بن يوسف بمراكش، ولا يزال يكبر معه قرينه عاضا على ملكه.وإن ازداد المريد شقوة و عنادا فسأجعلن القرين في هياج لن يملك معه الشيخ ميزانا ولا يبغي بعدها صوابا.فأحرى أن تنتظر قيامة شيخك ولا تنتظر قومته. فها قد أشرت إليك، فافهم. ألا هل بلّغت: اللهم فاشهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.