أخنوش: نشتغل على 4 ملفات كبرى ونعمل على تحسين دخل المواطنين بالقطاعين العام والخاص    أخنوش يربط الزيادة في ثمن "البوطا" ب"نجاح نظام الدعم المباشر"    الخريطة على القميص تثير سعار الجزائر من جديد    بطولة انجلترا لكرة القدم.. مانشستر سيتي يفوز على مضيفه برايتون برباعية    المغرب يستنكر بشدة اقتحام متطرفين المسجد الأقصى    رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي    بسبب إضراب غير مسبوق.. إلغاء آلاف الرحلات في فرنسا    3 سنوات سجنا لشقيق مسؤول بتنغير في قضية استغلال النفوذ للحصول على صفقات    ''اتصالات المغرب''.. النتيجة الصافية المعدلة لحصة المجموعة وصلات 1,52 مليار درهم فالفصل اللول من 2024    نمو حركة النقل الجوي بمطار طنجة الدولي خلال بداية سنة 2024    الدفاع المدني في غزة يكشف تفاصيل "مرعبة" عن المقابر الجماعية    الاتحاد الجزائري يرفض اللعب في المغرب في حالة ارتداء نهضة بركان لقميصه الأصلي    بطولة مدريد لكرة المضرب.. الاسباني نادال يبلغ الدور الثاني بفوزه على الأمريكي بلانش    رئاسة مؤتمر حزب الاستقلال تقترب من قيوح .. واللجنة التنفيذية تشعل المنافسة    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    بشكل رسمي.. تشافي يواصل قيادة برشلونة    البطولة الوطنية (الدورة ال27)..الجيش الملكي من أجل توسيع الفارق في الصدارة ونقاط ثمينة في صراع البقاء    مهنيو الإنتاج السمعي البصري يتهيؤون "بالكاد" لاستخدام الذكاء الاصطناعي    السلطات تمنح 2905 ترخيصا لزراعة القنب الهندي منذ مطلع هذا العام    بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    زنا المحارم... "طفلة" حامل بعد اغتصاب من طرف أبيها وخالها ضواحي الفنيدق    بعد فضائح فساد.. الحكومة الإسبانية تضع اتحاد الكرة "تحت الوصاية"    الأمثال العامية بتطوان... (582)    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الخميس على وقع الأخضر    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القائمون على إدارة الشأن الديني المغربي يبلعون ألسنتهم

دفاعا عن حرية الصحافة الأوروبية وزير الداخلية الألماني يسيء للنبي محمد والقائمون على إدارة الشأن الديني المغربي يبلعون ألسنتهم
مما لا شك فيه أن إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لشخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الصحف الدانماركية عمل مدان بكل المقاييس والأعراف الدينية والأخلاقية والإنسانية لما يشتمل عليه من إساءات. ومما لا شك فيه أيضا أن إعادة نشر تلك الرسوم شكل مدعاة لاستفزاز مشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين، و سببا لردات فعل يخشى معها من تصاعد التطرف والعنف الذي ينبذه الدين الإسلامي الحنيف ويحاربه، وإذ تبرر الصحف الدانمركية فعلتها تضامنا مع ما أعلنته السلطات الدانماركية عن وجود مخطط لقتل الرسام كورت ويسترجارد (73 عاما) الذي رسم رسومات مسيئة للنبي صلى الله عليه واله وسلم نشرتها صحيفة دانماركية قبل أكثر من عامين، فان هذا التبرير لا يعدو عن كونه عذرا أقبح من ذنب، فما ذنب المسلمين ونبيهم، ليكون عرضة للإساءة، بناء على افتراض يحتمل الخطأ والصواب، وهنا يحق لنا أن نسأل هل من الجائز أساسا التعرض لشخص الرسول الأعظم من الناحية القانونية والإنسانية وفق الأعراف والقوانين الدولية، ولماذا لم تتحرك منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة والمحكمة الدولية لمحاكمة ذاك الرسام المنحرف وإدانته ليكون عبرة لغيره،ولماذا مر الحدث بالمغرب وكأن الأمر لا يعنينا من قريب أو بعيد. ""
ومما زاد الأمور تعقيدا دعوة وزير الداخلية الألماني "فولفغانغ شويبل "في السابع والعشرين من فبراير كل الصحف الأوروبية إلى نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام على غرار الصحافة الدانماركية, وذلك دفاعا عن حرية الصحافة. وصرح الوزير الألماني لمجلة "دي تسايت" انه في الواقع، على كل الصحف الأوروبية أن تنشر تلك الرسوم الكاريكاتورية مع هذا التوضيح: نعتبر بأنها حرية صحافة وتعبير، لكن اللجوء إلى العنف ردا على ممارسة حرية الصحافة ليس مبررا. ونشرت سبع عشرة صحيفة دانماركية في منتصف فبراير رسما كاريكاتوريا للرسول عليه الصلاة والسلام تحت شعار حرية التعبير. وتم هذا الأمر تضامنا مع صاحب الرسم الذي استهدفه اعتداء تم إحباطه، وفق الشرطة. وأعرب الوزير الألماني عن "احترامه" لقرار الصحافة الدانماركية، الذي يظهر أن الصحف رفضت "الانجرار إلى الانقسام". وسبق أن نشر الرسم الكاريكاتوري في سنة 2006، مما أثار استياء كبيرا في صفوف المسلمين في كل أنحاء العالم،بما في ذلك المغرب وهو الشيء الذي لم يحدث هذه المرة،بعد أن بلعت كل الإطراف الوطنية الرسمية وغير الرسمية الراعية للشأن الديني ألسنتها. فقد ألفنا أن يحشد آلاف المتظاهرين للتضامن مع العراق وفلسطين و... و... لدرجة أن بعض زعمائنا المفترضين يصرحون هنا وهناك أن الرباط كانت معقلا لخروج مليون متظاهر في يوم واحد،فما الذي حدث حتى سكت الجميع عن الكلام المباح؟.
بداية القضية كانت بإعادة نشر كبرى الصحف الدانماركية لأحد الرسوم منتصف فبراير الجاري والتي يظهر النبي محمد فيها وهو يعتمر عمامة بشكل قنبلة مشتعلة الفتيل،وتم نشره سابقا في سنة 2005 إلى جانب إحدى عشر رسما آخر، مما أثار حفيظة المسلمين وأثار أعمال عنف حول العالم سنة 2006وجاءت هذه الخطوة كرد فعل على إحباط السلطات الدانماركية لمحاولة اغتيال رسام شارك في رسم إحدى الرسومات الاثنى عشر " المسيئة" التي سبق نشرها قبل أكثر من عامين والتي أثارت احتجاجات واسعة النطاق في العالم الإسلامي اتسم بعضها بالعنف الشديد. وأثارت إعادة نشر هذه الرسوم أعمال عنف في الدانمارك التي شهدت موجة من الحرائق وقف وراءها مهاجرون من أصول مسلمة. كما نظمت تظاهرات في مختلف الدول الإسلامية، تلتها تطبيق دول شرق أوسطية لمقاطعة اقتصادية ألزمت وزير الخارجية الدانماركي بقبول دعوة سفراء الدول الإسلامية للجلوس إلى طاولة المفاوضات بعد رفضه في بداية الأزمة متعللا بقوله إن نشر تلك الرسوم يدخل في نطاق حرية التعبير. من جهتها حظرت مصر بيع صحيفة "فيلت" الألمانية لأنها أعادت نشر أحد الرسوم كما حظرت أيضا بيع صحيفة "فرانكفورترألجماينة تسايتونج" التي نشرت في صفحتها الأولى في اليوم التالي صورة للصفحات الأولى لصحف دانماركية كانت تحوي الرسوم نفسها. كما قرر السودان مقاطعة البضائع الدانماركية، بعد أن نظم مئات الآلاف من السودانيين مظاهرة جابت شوارع الخرطوم للتنديد بنشر الصحف الدانماركية الرسوم المسيئة للرسول الكريم، وخطب الرئيس عمر البشير في المتظاهرين معلنا حظر استيراد السلع الدانماركية، واحتجت وسائل الإعلام الأردنية، وتظاهر آلاف البحرينيين، كما نظمت تظاهرات في مصر وباكستان إذ أدان المجلس الأعلى للبرلمان الباكستاني بالإجماع محاولات تشويه صورة الإسلام بعد إعادة نشر الرسوم الدانماركية المسيئة، قائلاً:" إن الهدف من ذلك جرح مشاعر المسلمين في أنحاء العالم". كما خرجت مظاهرات في كل من اندونيسيا وغزة. وفي ظل كل هذا الزخم من التحرك والاحتجاج كان المغرب البلد العربي والمسلم الوحيد الذي مر عليه الحدث بردا وسلاما بعد أن اختار كل أولئك الذين يتقمصون دور حماة الدين الانزواء في ركن قصي، ربما لأسباب لخصها البعض بمصادفة حدث نشر الصور المسيئة للنبي الكريم لحدث آخر وهو تفكيك خلية "بلعيرج" المزعومة، وبالتالي فخوفهم وصمتهم له ما يبرره حتى تمر عاصفة صكوك الاتهامات بردا وسلاما عليهم، خاصة وان الجميع يرى أن المقصود من هذه الحملات الأمنية هي الأحزاب والجماعات والحركات الإسلامية الكبرى بالبلد، وليس تلك التي اعتقل زعماؤها.
وفي رد لعضو سابق ب"حركة التوحيد والإصلاح"،والذي اتصلت به "المشعل " بعد أن اعتذر رئيس الحركة عن الإجابة عن أسئلتنا في آخر لحظة معللا ذلك بالتزامه بظرف عائلي خاص/أكد انه يقف مع حرية الصحافة، ويدافع عنها ويرفض ممارسة العنف ضد الرأي الآخر، "لكن ما فعله شويبله يصب الزيت على النار ويلهب النقاش من جديد حول هذه الرسوم، كما أنه يسيء إلى العلاقات بين الجماعات الدينية المختلفة التي تتعايش داخل ألمانيا وخارجها". مضيفا انه علينا كمسلمين أن نبحث في ظاهرة "وجود خوف شديد وغير منطقي ونوبات فزع من الإسلام والمسلمين تظهر بين الفينة والأخرى في عدد من الدول الغربية عموما والأوروبية خصوصا لا يبعد وجود دوائر استخباراتية وراءها، ولا بد من مواجهتها بخطوات سلمية مدروسة وممنهجة بعيدة عن الانفعالات وردات الفعل في الشارع يكون للمنظمات الحقوقية الأوروبية فيها دور الصدارة،وهذا يحتم على الباحثين والمفكرين وعلماء الدين أن يقوموا بواجبهم في إظهار الإسلام على حقيقته كدين للإنسانية جمعاء أراده الله رحمة للعالمين، وعليهم واجب دحض الافتراضات التي يتعرض لها الإسلام والانفتاح على الآخرين وترسيخ الثقة بهم بما يجعل الإسلام مصدر اطمئنان للشعوب الغربية وليس مصدر قلق وخوف لهم.
من جهتها حاولت "المشعل" الاتصال بأحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية لعلماء المغرب، لمعرفة رأيه في القضية إلا أن هاتفه لا يرد بعد أن أخدنا وعدا منه بالإجابة عن أسئلة المشعل.
رضوان بن شقرون/ رئيس المجلس العلمي للدار البيضاء
الوقفات الاحتجاجية السلمية غير كافية للدفاع عن النبي (ص(
يرى ابن شقرون انه لا يمكن أن تكون الوقفات الاحتجاجية السلمية دائما هي الجواب عن استفزاز يهز المشاعر أو يظهر أنه ينال من المقدسات،لأنه لو اجتمع العالم للنيل من شخص الرسول صلى الله عليه وسلم ما نال من مكانته شيئا، سواء بالرسوم الكاريكاتورية أو الكلمات القاذفة، موضحا أن خطباء المساجد تناولوا موضوع الرسوم الساخرة وعالجوه، منهم من أصاب الحكمة في التحليل والمعالجة والانتصار للنبي الكريم ومنهم من تاه في مجال الشتم والقدح والتحريض على الأعمال غير الحضارية.
دعا وزير الداخلية الألماني إلى نشر الصور المسيئة للرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام،وهو ما أدى إلى تنظيم وقفات احتجاجية سلمية بالعديد من البلدان العربية والإسلامية إلا المغرب،بماذا تفسرون هذا الأمر؟ هل الأمر يتعلق بتراجع الغيرة الدينية للمغاربة أم ماذا؟
هناك قاعدة معروفة تقول إن التطرف يولد التطرف المضاد، وهذا ما يفسر المواقف المتناقضة التي يقفها هذا الطرف أو ذاك من أطراف اللعبة السياسية الراهنة، فبالأمس نشرت في إحدى البلاد السكاندينافية رسوم تستهدف نبيا يحترمه آلاف الملايين من سكان الأرض، واهتز لذلك بعض الغيورين اهتزازا رزينا بينما قابل الأمر بعض الذين لا يحسنون التحليل والمواجهة، أو لنقل الذين لا يحسنون الدفاع التي يعيشها العالم اليوم ولا يدرك أبعادها وما يرجى من ورائها للعالم الإسلامي من جر إلى حافة العنف وبلادة الرد المتهور الذي يمكن أن يكون في بعض الأحيان هو الرد المناسب لمقابلة المكر بالمكر ولكن لا يمكن أن يكون دائما هو الرد الحكيم. كما لا يمكن أن تكون الوقفات الاحتجاجية السلمية دائما هي الجواب عن استفزاز يهز المشاعر أو يظهر أنه ينال من المقدسات.
أنا أقول إن العالم لو اجتمع على أن ينال من شخص رسول هو أكرم عند الله من أي مخلوق آخر ما نال ذلك من مكانته صلى الله عليه وسلم شيئا، لذا فلا الرسوم الكاريكاتورية ولا الكلمات القاذفة ولا المقالات الباطلة التي ينشرها هذا الصحفي الماكر أو ذلك الكاتب المتقول بنائلة من كرامته صلى الله عليه وسلم شيئا، فالكرامة محفوظة والمكانة النبوية مرفوعة؛ ولا الوقفات الاحتجاجية ولا المسيرات السلمية ولا إحراق السفارات براد للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم شيئا مما يحاول المغرضون النيل منه في شخصه الكريم، وليس سكوت هذا الشعب أو ذاك بدليل على انعدام الغيرة فيه أو تراجعها؛ وكم من منتسب إلى الإسلام يطعن بالكلمات المسمومة ولو كانت مغلفة أو متوارية في مقدسات الأمة، لكن القافلة دائما تسير... ما دام أهل القافلة يتحرون الحكمة والهدوء ومقارعة الحجة بالحجة.
بين الفينة والأخرى تصدر مبادرات استفزازية لشعور المسلمين من قبل زعماء سياسيين غربيين، تكون في الغالب وراء ردود فعل إسلامية كمحاولة مغاربة مهاجرين قتل الرسام الذي أساء للنبي صلى الله عليه وسلم، من نتائجها أيضا وصف المسلمين بالإرهابيين، ألا ترون أن شعارات التسامح وحوار الحضارات مجرد مشجب تعلق عليه اختلافاتنا مع الآخر إلى وقت مؤجل؟
ما يسمى بالمبادرات الاستفزازية أمر قديم منذ ممارسة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الدعوة في حياته، ولقد امتد هذا الاستفزازعلى مر العصور سواء داخل البلاد الإسلامية ومن قبل أبناء الأمة أنفسهم، أو من خارج البلاد الإسلامية على ألسنة من يدّعوا البحث العلمي والموضوعية العلمية من المستشرقين الحاقدين الماكرين الذين لم يقصّروا في الكيد بالتصريح حينا وبالتلميح أحيانا، لكن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بقيت محفوظة على مر الزمن، وعظمة الإسلام بقيت موفورة راسخة على امتداد الحقب، ومشاعر المسلمين الحقيقيين ظلت متعلقة بمقدساتها هادئة في تعاملها أو تحاورها مع العقلاء، وإهمالها لهراء السفهاء؛ فهكذا أرى التعامل مع مثل هذه المواقف السخيفة، ولا أرى من اللازم أن نظل قابعين متربصين ننتظر نعيق ناعق أو مواء قط لنهب ثائرين ثورة لا يعبأ بها الآخر وإنما تكون مثار مزيد من السخرية بنا.
ومنذ بضعة أيام فقط قابلت شخصيتين نورويجيتين من كبار أهل القانون والقضاء في بلادهما وتناقشنا بهدوء في مواضع ذات أهمية واقعية وتاريخية واستراتيجية، وكان من بين القضايا التي أثارها بعض من كان حاضرا معي في المقابلة قضية الرسوم الساخرة، غير أننا تناولنا الموضوع بكل صراحة وموضوعية وبعقلية منطقية وكانت النتيجة أن كنا متفقين اتفاقا تاما على أن الأمر بالنسبة للرسامين لعب في فضاء غير صالح للعبة، وبالنسبة للمستهدفين رد فعل حتمي كان من الممكن أن يكون أكثر حكمة وحضارة، مع التسليم طبعا بأن المنطلق خاطئ من أساسه، وأن وصمة (الإرهاب) أمست تطلق بدون مقاييس ضابطة ولا موازين صادقة. ومثل ذلك يقال عن مصطلحات (التسامح) و(حوار الحضارات) أو (تقارب الديانات) أو غير ذلك مما يفوح بروائح الكراهية الخفية أو المكر الخادع أو التغطرس المغشى.
يعتبر البعض دعوة الوزير الألماني استخفافا بمشاعر المسلمين والدول التي تربطها علاقات دبلوماسية مع بلده، إذ لو أنكر احد المسلمين المحرقة اليهودية مثلا لاتّهم بمعاداة السامية إلى غير ذلك،بماذا تفسر هذا التناقض في سلوك الغربيين؟
من الواضح أن واجب المسلمين اليوم ليس لزوم الصمت إلى أن تثار مسألة أو تشعل قضية أو ينشر طعن في القرآن أو في السنة أو في الذات العلية أو في أحد الأنبياء أو الملائكة عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، فإذا حصل شيء من ذلك انشغل المسلون في رد فعل وراء رد فعل.. دون أن يتحركوا في الاتجاه الإيجابي أو يأخذوا المبادرة لإقامة علم أو ترسيخ فكر أو بناء اقتصاد أو تطوير صناعة.. وأرى أن المسلمين إذا انشغلوا بمثل تلك العظائم عن الانسياق وراء أحداث مرت وماتت أو اللهاث خلف شعارات جوفاء مضللة أو قوميات خرقاء مفرقة.. فإنهم يستطيعون أن يكونوا في نظر الآخرين شيئا يحسب له الحساب أو يعبأ بمقاله أو يحتاط من مناوشته.
أما الأخر- وهو الغرب في اصطلاح التداول- فلا يستغرب منه تناقض في النظرة إلينا ولا في تعامله معنا بالقياس إلى تعامله مع بعضه أو حتى مع غيرنا، فتعامل الغرب مع ملف كوريا النووي هو غير تعامله مع ملف إيران النووي!! وكل واحد حر في تفكيره ونظرته وتحليله، لكن كيف تطلب من غيرك أن يحترمك إذا رآك لا تحترم نفسك ولا تحترم كلمتك ولا تقدر بعضك؟
عدم نصرة النبي صلى الله عليه وسلم،ألا يعد تخاذلا من قبل علمائنا؟
يجب البدء بتحديد معاني (النصرة)، و(التخاذل)، و(العالم)؛ فمن القصور الشائع في مجال البحث والتحاور أن ينخرط شخص أو شعب في معركة لا تتحدد فيها المصطلحات ولا تتفق فيها الأطراف على المفاهيم.
والمصطلحات لا تتحدد دلالاتها إلا في سياقها واستخداماتها، فأما نصرة النبي صلى الله عليه وسلم فليست تعني أبدا مجرد الثورة لكلام قيل فيه، أو رسوم سخرت منه؛ إن النصرة في هذا السياق معناها العمل بما جاء به، ومحبته، والإخلاص لسنته بعد التشبث بها، والعمل على نشر رسالته بالحكمة التي كانت سبيله في الدعوة إلى الله؛ فتلك هي النصرة الحقيقية، حينئذ إذا غضبنا لسبه صلى الله عليه وسلم أو شتمه أو السخرية منه نكون جديرين بالرد الحكيم والمواجهة الصائبة.
وأما التخاذل فهو الضعف والهوان والتقصير في أداء الواجب الممكن مع القدرة والجدارة؛ ولا عبرة بشعب يستهين بنفسه وتهون عليه كرامته ويقبل أن تداس مقدساته ولا يهب للانتصار لكرامته بالحكمة والحجة والبيان.
وأما العلماء فهم مصابيح الأمة يوقدون الأنوار في طريقها ولكن الناس هم السائرون، ينشرون الوعي والرشد والخير في الناس لكن الناس هم الذين يعون ويرشدون ويرتقون مراقي الخير، وليس في مقدور العلماء أن يلووا أعناق الناس أو يغيروا مجرى التاريخ بوقع كلمة أو جرة قلم أو رنين خطبة.. وما ذا يملك العالم أكثر من الكلمة؟ نعم إن الكلمة ليست أمرا هينا ولها أثرها، لكن ألم يقل علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأصحابه يوما: "لا رأي لمن لا يطاع" ؟ فإذا لم تكن طاعة ولم تكن استجابة أي لم يكن إيمان واستعداد، فكيف يمكن أن تؤثر الكلمة ؟
وما أكثر ما تناول خطباء الجمعة في مساجدنا موضوع الرسوم الساخرة وعالجوه، لكن منهم من أصاب الحكمة في التحليل والمعالجة والانتصار للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم والتذكير بعظمته ومظاهر احترامه، ومنهم من جانب الصواب وتاه في مجال الشتم والقدح والتحريض على الأعمال غير الحضارية.
لو تعلقت هذه الصور بزعيم عربي لتحركت كل الأجهزة للدفاع عنه في مقابل أن هناك شبه تجاهل لما يتعرض له النبي الكريم، بماذا تفسر هذا الوضع؟
إن واقع الأمة يفسر حالها وظواهرها الغريبة المتناقضة، ولا يحتاج الأمر إلى تحليل أو تدليل. مع أن السؤال في حد ذاته يشوش عليه حال الأمة نفسه: فبالأمس القريب أعدم زعيم قاد شعبه في مراقي التقدم والرقي الفكري والأبي والاقتصادي حتى ارتقت بلاده فأخافت العدو منه، وهذا ما أدى بالصهيونية إلى الترصد له واستغلال الظروف السيئة وضرب منشآته النووية نهارا جهارا دون أن يستطيع الرد ولا أن يستنكر أحد!! نعم كان يحكم بإيديولوجية معينة، وبأخطاء سياسية قاتلة، لكنه يبقى الزعيم الذي مثل حجر الغصة في حلق الاستكبار العالمي والطغيان الصهيوني، ومن هنالك أتته الضربة لا من شعبه ولا من أيديولوجيته كما يدعي غزاته الذين لم يكتفوا بإسقاط نظامه وتنصيب الدمى المتحركة في اتجاه رغباتهم، بل اختاروا لإهانة الشعب والأمة وإعدام جسده يوما مقدسا في شهر حرام.. ولم تتحرك للأمة كلها ساكنة. ومع أنه لا مقارنة بين ما نحن فيه وما مثلنا به، لكن سياق السؤال اقتضى التنبيه، وحال الأمة أغنى عن الإيضاح والتبيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.