خلال نهائيات كأس إفريقيا للأمم القادمة، والتي ستحتضنها ملاعب جنوب إفريقيا، سيواجه المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، في إطار إقصائيات الدور الأول، منتخب "الرأس الأخضر"، هذا الأخير تأهل إلى العرس الكروي الإفريقيّ لأول مرة منذ نشأته، لكن الدولة التي يمثلها، وعلى الرغم من أنها صغيرة جدا واقتصادها ضعيف جدا مقارنة مع بلدنا، إلا أنها تعدّ أكثر ديمقراطية وتحضّرا من المغرب!.. دولة ديمقراطية وشعب متحضّر تحكي سعيدة، وهي مهاجرة مغربية مقيمة في دولة الرأس الأخضر، بأنّ هذه الدولة الصغيرة التي تقع في القارة الإفريقية، على بعد 500 كيلومتر من السنغال، وتتشكل من جزر صغيرة، تعتبر دولة ديمقراطية بكل ما للكلمة من معنى، رغم أن اقتصادها ضعيف للغاية، يعتمد على الفلاحة البورية والصيد البحري والسياحة، وتعيش على المساعدات الدولية، ومنها المساعدات التي يقدمها المغرب. ما يثير إعجاب سعيدة في هذه الدولة الصغيرة، ليس فقط ديمقراطيتها، وإنما تحضّر شعبها أيضا. "الناس هنا يحترمون بعضهم البعض إلى حدّ كبير، واخّا تسبّهم وتدير فيهم اللي بغيتي يحافظون على هدوء أعصابهم"، تقول سعيدة بإعجاب كبير. رئيس يسكن في عمارة عكس ما هو موجود في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث يملك الحكام قصورا لا تعدّ ولا تحصى، فإن رئيس جزر الرأس الأخضر لا يملك قصرا ولا فيلّا، بل يقطن كالعامّة في عمارة متواضعة، والقصر الرئاسي حيث يوجد مكتبه الذي يشتغل فيه ويستقبل فيه الضيوف الأجانب، حسب سعيدة، يشبه مقرات البلديات عندنا . "الرئيس هنا، يعتبر مثله مثل باقي المواطنين"، تقول سعيدة، وتحكي أنها كانت تتناول وجبة الفطور ذات صباح في مطعم عادي، إذ دخل الرئيس رفقة حارسين شخصيين وجلس إلى طاولة، في انتظار أن يصل دوره، وعلى الرغم من وجود الرئيس، إلا أنّ النادل تركه ينتظر، وقام بخدمة المواطنين الذين سبقوه أولا، والذين يعتبرون رئيسهم مواطنا عاديا، لا يلقون له بالا، وحتى من ينتبه إلى وجوده يكتفي فقط بإلقاء التحية عليه دون حتى مصافحته، فيردّ رئيس الدولة التحية وينتهي الأمر. وعندما انتهى الرئيس من أخذ وجبة الفطور، قام ودفع الحساب ثم انصرف، كما يفعل الجميع"، تقول سعيدة بانبهار شديدة مضيفة "تمْنّيت غير يكون عندنا شوية من هاد الديمقراطية هنا فالمغرب". وزيرة "كَاتْسْيّْقْ الدْرُوجْ" مفاجآت سعيدة، وانبهارها بالنظام الديمقراطي لدولة الرأس الأخضر التي هاجرت إليها لم يتوقف عند حدّ رؤية رئيس الدولة وهو يتناول وجبة الطعام في مطعم عادي.. بل عاشت مفاجأة أخرى من بينها حين رأت وزيرة في الحكومة، تقيم معها في نفس العمارة، وهي تقوم مثل جميع قاطني المبنى بتنظيف الدرج المشترك. سعيدة تقول في لقاء لها مع هسبريس إنها تفاجأت جدا بهذا المشهد الذي لم تكن تتصوّر أنها سترى مثيلا له في حياتها، مضيفة أنّ ما يجعل مسؤولي تلك الدولة الصغيرة يتصرّفون بمنتهى التواضع هو أنّ همّهم الأول والأخير هو خدمة بلدهم، وليس خدمة مصالحهم الشخصية، كما يحصل عندنا في المغرب.. وضربت مثالا على ذلك زيارة سبق لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن قامت بها إلى الرأس الأخضر، حيث عمد رئيس الجمهورية الحالي إلى اصطحاب الرئيسين السابقين له لاستقبال كلينتون في المطار، رغم أن السائد في مختلف بلدان العالم هو أن السياسيين الذين يتصارعون على المناصب يكنّون نوعا من "العداوة" لبعضهم البعض. هذا المشهد جعل وزيرة الخارجية الأمريكية تنبهر بهذا السلوك الرائع، ووصفت المشهد، حسب ما روتْه سعيدة، بكونه قمة في "النبل السياسي". انتظار الدور في المستشفيات السلوك الديمقراطي في دولة الرأس الأخضر، وما يحمله من ممارسات بارزة في الحرية والعدالة والمساواة، لا تقتصر فقط على سلوكيات وتصرفات الرئيس ووزراء الحكومة والمسؤولين، بل تمتدّ إلى المرافق العمومية، مثل الإدارات والمستشفيات وغيرها. واقعة أخرى تستحضرها سعيدة وهي تحكي ما عاشته وسط إحدى المستشفيات العمومية، لقد حملها أحد الديبلوماسيين في السفارة الليبية، حيث كانت تشتغل، إلى المستعجلات وهي في حالة حرجة، ورغم أن الأطباء يعرفون صفة الديبلوماسي الليبي، إلا أنهم طلبوا منه أن ينتظر مثل الجميع، "وعندما ألحّ على أن حالتي حرجة، تقول سعيدة، ردّوا عليه بأنّ هناك حالات أخرى حرجة تنتظر دورها". كل هذه الأشياء التي حكتها سعيدة في لقائها مع "هسبريس"، جعلتها تنبهر بديمقراطية وتقدم وتحضّر جمهورية الرأس الأخضر، غير أنها تتمنّى أن تعود يوما للعيش في المغرب، وتشرح موقفها قائلة: "بلادنا مزيانة، الناس ديالها اللي ما مزيانينش".