أخنوش يتباحث بنيويورك مع الأمينة العامة لمنظمة التعاون الرقمي    هاري كين يصل إلى 100 هدف مع بايرن ميونخ ويحقق رقما قياسيا        "ستاندرد آند بورز" ترفع التصنيف السيادي للمغرب    تقرير يكشف هشاشة سوق الشغل بالمغرب    أخنوش يتباحث بنيويورك مع الأمينة العامة لمنظمة التعاون الرقمي    الوافدون الجدد يستهلون مشوارهم في القسم الثاني بصدامات نارية    الفرق المغربية تسعى إلى العبور للدور الثاني بالمسابقات الإفريقية        قراءة في مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي    إيران تحتج على "الترويكا الأوروبية"    الولايات المتحدة تعلن إلغاء تأشيرة رئيس كولومبيا    12 دولة تشكل تحالفا لدعم السلطة الفلسطينية ماليا    بوريطة: المغرب فاعل مؤثر في صياغة الحلول الدولية الكبرى    كيوسك السبت | إنتاج قياسي للحبوب والقطيع يتجاوز 32.8 مليون رأس    مصرع شخص وإصابة آخرين في حادثة سير بأزرو    ابتدائية مراكش تحبس مدانين بالتخابر    مرة أخرى.. إصابة مزراوي وغيابه إلى ما بعد التوقف الدولي    تفاصيل خطة ترامب لإنهاء حرب غزة المكونة من 21 نقطة    بطولة العالم لبارا ألعاب القوى 2025 : ستة أبطال مغاربة يطمحون للتألق في نيودلهي    طقس حار في توقعات اليوم السبت بالمغرب            "يونايتد إيرلاينز" توسع رحلاتها المباشرة بين مراكش ونيويورك لفصل الشتاء    المستشار الخاص للرئيس الأمريكي: شركات أمريكية تبدي اهتماما بالاستثمار في الصحراء المغربية    "موسم أصيلة الثقافي" يكرّم مؤسسه الراحل بنعيسى بكلمات من القارات الثلاث    وكالة "ستاندرد آند بورز": التصنيف الائتماني السيادي للمغرب يرتقي إلى BBB-/A-3    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" لكرة القدم.. الفتح الرياضي يتعادل مع اتحاد تواركة (1-1)        محادثات عطاف وبولس تتفادى الصحراء    أخنوش: التكنولوجيا تستوجب إرساء الثقة        تتويج أمهر الصناع التقليديين بأكادير    السلطة تقرر منع احتجاج في خريبكة    عجز السيولة البنكية يتراجع بنسبة 3,37 في المائة من 18 إلى 24 شتنبر (مركز أبحاث)    هل فقدت المحاكمة الجنائية مقوماتها!؟    تونس.. توقيف أجنبي متهم بالاعتداء على سفينة ب"أسطول الصمود"    منظمة العفو الدولية: تجريم الإجهاض في المغرب يعرض حياة النساء للخطر    رئيس الفيفا: كل شيء جاهز تقريبا.. يمكننا تنظيم كأس العالم من الآن    مسرح رياض السلطان يفتتح موسمه الثقافي الجديد ببرنامج حافل لشهر اكتوبر    "نوستالجيا".. عرض مضيء لطائرات "الدرون" بموقع شالة الأثري        شركات كبرى مثل Airbnb وBooking ضمن 158 شركة متورطة بأنشطة في المستوطنات الإسرائيلية    منشور الخارجية الأمريكية واضح ومباشر: لا استفتاء، لا انفصال، الصحراء مغربية إلى الأبد    مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط يحتفي بنبيل عيوش وآيدا فولش وإياد نصار    الحكم على الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بالسجن لخمس سنوات    مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو    عبد الوهاب البياتي رُوبِين دَارِييُّو الشِّعر العرَبيّ الحديث فى ذكراه    أدب الخيول يتوج فؤاد العروي بجائزة بيغاس        نبيل يلاقي الجمهور الألماني والعربي    الاتحاد الأوروبي يوافق بشروط على علاج جديد للزهايمر    الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متاهات الصّمت والصّخب عند كافكا
نشر في هسبريس يوم 15 - 09 - 2013

كتاب طريف عن فرانز كافكا تحت عنوان: " من كافكا إلى كافكا " للكاتب والناقد الفرنسي "موريس بلا نشو" (الذي نقل إلى لغة سيرفانطيس وسواها من اللغات الحيّة ) لا يمكن للقارئ أن يتخلّص، أو يتملّص، أو يتنصّل منه بسهولة ويسر، يلقي فيه مؤلّفه الضّوء على حياة هذا الكاتب التشيكي المعنّى الذي ما فتئت أعماله الإبداعية تثير ردود فعل متباينة في مختلف الأوساط الأدبية في العديد من البلدان الأوربيّة، وفى العالم الناطق باللغة الإسبانية . إنّ الكتابة عند " فرانزكافكا " هي تأكيد وجوده إزاء إستحالة تحقيق الحبّ ، وهو بمعاناته ، وعذاباته الداخلية ، وبعزائه، ومواساته لنفسه إنّما يحاول تفجير ما يعتمل بداخله من صراعات ، ومناوشات وتحويلها الى صور وأخيلة خارج ذاته عن طريق الكتابة . فصراحته المفرطة تحيل أعماله إلى شبه إعتراف يلامس بشكل خطير حدود اللاّمعقول. وبالتالي الحمق، والجنون ،والعبث، واللاّمبالاة ، وهنا تكمن فكرة فشله أو إحباطه التي تعتبر بالنسبة له فرارا، أو ملاذا، أو إنعتاقا، أو تحرّرا من قيود الزّمن وجبروته، وثقله ، وعتوّه .
رحلة الشكّ والقلق
وقارئ كافكا يشعر بهذا ، فهو يبدأ معه رحلة في عالم من متاهات الصّمت ، والصّخب، واللّجب، والدّأب في مختلف أعماله ، وهذا يمثّل عنده ضربا من التحدّي ينطوي على خطر محدّق . ويقاسم القارئ الجادّ هذا الشّعور مع كافكا، ويجسّم نفس المخاطر والأهوال التي عاشها أو تخيّلها هذا الكاتب المنكود . ولا ينكر هذا القارئ أنّ نوعا من الإنقباض والتشنّج يعتريان ضميره وهو يبدأ رحلة الشكّ والحيرة والقلق ،والغموض مع كافكا . فيشاركه مشاغله، ويشاطره مشاكله، ويقاسمه معاناته، وقلقه في كتابانه على إمتداد حياته القصيرة بإعتباره كاتبا يسجّل كلّ ما يتراءى له وما يعتمل في داخله من خيفة ، وتوجّس، وتردّد، ووحدة، وعزلة، وهوس الإنقاذ الذي يعتبره في حدّ ذاته إدانة صارخة مسبّقة للوجود. وهي فكرة قديمة تستمدّ أصولها، وتستقي ينابيعها من بعض التعاليم والأقانيم والترانيم اليهودية القديمة عند اليهود التي عفا عنها الدّهر .
الكاتب والناقد الفرنسي" موريس بلانشو" في هذا الكتاب ينطلق من مغامرة لمحاولة كشف وإماطة القناع عن جوانب غامضة ومبهمة في حياة كافكا وأدبه ، و ويعيد النظر في مهمّة الكتابة وفي مغزاها إنطلاقا من الجوانب التي قد تبدو سهلة أو عسيرة ، أو مظلمة أو منيرة عند البعض لتصل في الأخير إلى فهم الهوّة السحيقة التي يتردّى فيها الكاتب ، ويحاول أن يجرّ معه فيها أو إليها قراءه. وهكذا يحاول هذا الناقد تحليل مهمّة الكاتب إنطلاقا من كلماته، ومكنوناته، ومعاناته، ومشاغله.
كتابات كافكا: إدانة للوجود
لقد واجه كافكا الموت ليس كموقف درامي، بل إنّه حاول إستيعاب أو فهم هذا الشعور المأساوي والحدث الدرامي ، وهو لم يجد في الأدب وسيلة فقط لتحقيق غايته أو مأربه، بل إنّه ألفى في الكتابة نوعا من الفرار أو الخلاص ، أو منفذا ، أو ملاذا ، أو إنقاذا لفداحة الموقف الذي يتردّى فيه . وأمام هذا النغوص أو الغموض كان على كافكا أن يجد الإجابة بواسطة هذا الغموض ذاته فالحديد لا يضرب أو لا يفلّ إلاّ بالحديد . وهكذا فالأدب عنده نوع من الغموض نفسه مثلما هو الشأن لدى الألماني "ريلكه " ، أو الفرنسي " مالارميه" اللذين كانا يريان أنّ الأدب الغامض، أو الأدب الجيّد لا يمكن فهمه أو إدراكه أو الوصول إليه إلاّ بقدر باهظ وكبير من الذكاء، والفطنة والتفكير، والمعاناة ، والمكابدة . فكثير من الأعمال الأدبية العظيمة هي أعمال غير مريحة ،أوغير سهلة أو مستساغة الفهم بسهولة ويسر، و" التفكّك " الذي قد تحدثه بعضها لدى قارئيها قد يكون في آخر المطاف " تركيبا " أو بناء يغدو فى آخر المطاف عنصرا من عناصر الأمل أو فسحة منه.
فكتابات كافكا تحمل في طيّاتها بذرة الموت ،والموت عنده هو الجانب السّلبي والسّحري والقّسري للحياة. وهولا يسلب المرء حياته وحسب، بل حرّيته كذلك، وهكذا تصبح الحياة فارغة وتافهة وعبثية وغير ذات مدلول . يقوم" بلانشو" بمراجعة متأنيّة لبعض كتابات كافكا مثل " اليوميّات " ومراسلاته، وكتاباته الذاتية في محاولة منه لإستدراك عمقه وإستكناه سرّه ، وهوسه في معانقة العزلة والآلام ، والدّور الهام الذي لعبه " ماكس برود " في حياة هذا الكاتب المعنّى وإخراج أعماله إلى النّور، ومن ثمّ النساء اللواتي تصادفن معه في حياته أمثال " ميلينا فيليس باور، " و"دورا ريمان"، و"جولي ووزيزيك" ، يضاف إلى ذلك عائلته، والمرض الفتّاك الذي حاق به وصار ينهشه ، ثمّ أخيرا الذنب الذي كان ينتابه ويستشعره .
صخرة سيزيف
ويرى" موريس بلانشو " أنّ ثقة كافكا في" الكلمات " هي عنده ثقة إستثنائية ، وهو يعتبر أنه منذ اللحظة الأولى التي يبدأ يزاول فيها عملية الكتابة يدين الوجود، فالتطلّع نحو الآمال يغدو في بعض الأحيان ضربا من تحقيق هذه الآمال . وعليه فإنّ الأدب عنده هو نقطة تلاقي المتناقضات، وتلاقح المضادّات ، فيحدث أحيانا أنّ الكاتب الأكثر بعدا عن الحياة هو الأقرب منها . وكافكا كان واثقا من رسالة الكتابة ، والخلق، والإبداع . وإختياراته في هذا المجال كانت واعزا ثابتا، وحافزا قويّا للمضيّ في هذا السبيل، ولو على حساب سعادته، أو تعاسته، أو حياته، أو حبّه، أومرضه، ثم موته في آخر المطاف . وهو في هذه المراحل جميعها يشعر بثقل الذنب، وبصخرة سيزيف التي تنوء بكاهله ،وتثقل ظهره ، وهو لا يذعن أبدا لأعراف الحياة، والمجتمع ، فالزّواج عنده ، والتديّن، أو الإيمان أو الإدمان كلّ ذلك بالنسبة له يكمن في الكتابة التي يرى فيها إلتزاما ذاتيا بعيدا عن الدّلالة الثورية للكلمة، بل هو إلتزام مع قدره، ومصيره . فالمسألة أو القضيّة تمسّ عنده أبعد من المحيط ، أوالوسط ،أوالبيئة، أو المجتمع الذي يعيش فى كنفه ، بل إنّها تشمل الوجود ذاته ،هذا الوجود الذي وضعه في قفص الإتّهام دون ذنب إرتكبه ، غير ذنب الوجود نفسه . (إشارة إلى روايته المحاكمة)، ومعه عالم القيم، والمبادئ، والتقاليد، وليس معه أو له من سلاح سوى سلاح الكتابة التى تغدوعنده صمتا صارخا، وصيّاحا مكتوما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.