ارتفاع مخزون سد عبد الكريم الخطابي بإقليم الحسيمة بعد التساقطات المطرية الأخيرة    المعارضة بمجلس المستشارين تنسحب من الجلسة العامة وتطلب من رئيسه إحالة مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة على المحكمة الدستورية    مسؤولية الجزائر لا غبار عليها في قضية طرد 45 ألف أسرة مغربية    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت بعدد من مناطق المملكة    أمطار وثلوج تنعش منطقة الريف وتبعث آمال موسم فلاحي واعد بعد سنوات من الجفاف    السلطة القضائية تنضم إلى PNDAI    "كان المغرب".. المنتخب الجزائري يتغلب على السودان (3-0) في أولى مبارياته في دور المجموعات    وهبي: الحكومة امتثلت لملاحظات القضاء الدستوري في "المسطرة المدنية"    مخطط التخفيف من آثار موجة البرد يستهدف حوالي 833 ألف نسمة    كأس إفريقيا للأمم 2025.. الملاعب المغربية تتغلب على تقلبات أحوال الطقس    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقيف شخص بحوزته أقراص مهلوسة وكوكايين بنقطة المراقبة المرورية بطنجة    "ريدوان": أحمل المغرب في قلبي أينما حللت وارتحلت    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. منتخب بوركينا فاسو يحقق فوزا مثيرا على غينيا الاستوائية    قضية البرلماني بولعيش بين الحكم القضائي وتسريب المعطيات الشخصية .. أسئلة مشروعة حول الخلفيات وحدود النشر    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    توفيق الحماني: بين الفن والفلسفة... تحقيق في تجربة مؤثرة    المخرج عبد الكريم الدرقاوي يفجر قنبلة بمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي ويكشف عن «مفارقة مؤلمة في السينما المغربية»        وفاة رئيس أركان وعدد من قادة الجيش الليبي في حادث سقوط طائرة في تركيا    شخص يزهق روح زوجته خنقا بطنجة‬    نص: عصافير محتجزة    وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة    الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة من الدعم    بنسعيد: الحكومة لا تخدم أي أجندة بطرح الصيغة الحالية لقانون مجلس الصحافة    روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر خلال عقد    المغرب في المرتبة الثامنة إفريقيا ضمن فئة "الازدهار المنخفض"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    الاقتصاد المغربي في 2025 عنوان مرونة هيكلية وطموحات نحو نمو مستدام    الحكومة تصادق على مرسوم إعانة الأطفال اليتامى والمهملين    الأمطار لم توقّف الكرة .. مدرب تونس يُثني على ملاعب المغرب    بول بوت: العناصر الأوغندية افتقدت للروح القتالية    انفجار دموي يهز العاصمة الروسية    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب تايوان    كأس إفريقيا بالمغرب .. مباريات الأربعاء    فرنسا تندد بحظر واشنطن منح تأشيرة دخول لمفوض أوروبي سابق على خلفية قانون الخدمات الرقمية    عجز ميزانية المغرب يقترب من 72 مليار درهم نهاية نونبر 2025    فدرالية الجمعيات الأمازيغية تهاجم "الدستور المركزي" وتطالب بفصل السلط والمساواة اللغوية    مواجهات قوية للمجموعتين الخامسة والسادسة في كأس إفريقيا    انتصارات افتتاحية تعزز طموحات نيجيريا والسنغال وتونس في كأس إفريقيا    الأمطار تغرق حي سعيد حجي بسلا وتربك الساكنة    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    طقس ممطر في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    بكين وموسكو تتهمان واشنطن بممارسة سلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها        الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب الدولة الوحيدة القادرة على إخراج موريتانيا من الأزمة
نشر في هسبريس يوم 24 - 10 - 2008

سوف نلقي نظرة على الأسباب التاريخية و الإنسانية و الدينية التي تضع المغرب في موقع يسمح له بلعب دور الوسيط المحايد في الخلاف الداخلي الموريتاني، إن طلب منه ذلك من طرف الفرقاء المتخاصمين في بلاد المليون شاعر. و لنفهم مكانة المغرب و العاهل المغربي في قلوب الموريتانيين مولاة و معارضة كأمير للمؤمنين ، لابد من الرجوع إلى تاريخ العلاقات العضوية بين البلدين التي تدحرجت بين مرحلة التوتر و النفور و الشك إلى مرحلة الانفراج و التحالف و التعاون. و في هذا السياق سوف لن أتعرض في هذا التحليل إلى الأحداث الجارية في هذا البلد الشقيق منذ 6 غشت 2008، فموقفي منقسم بين ما اعتبره آخر العلاج و هو الكي، و اقصد بذلك الحركة التصحيحية التي يمثلها المجلس العسكري الأعلى بقيادة الجنرال ولد عبد العزيز، والشرعية الدستورية التي كان يقودها السيد محمد ولد الشيخ عبد الله، الرئيس المخلوع، فلي صداقات في كلتا الأطراف المتصارعة : مولاة و معارضة، الشيء الذي يدفعني إلى الحياد أو اقتراح النصيحة في هذا الموضوع المعقد الذي يتم تدويله رويدا رويدا وبتواطئ مع بعض الأشقاء، فكل جانب له مواقفه ودوافعه و تبريراته التي تبدو منطقية وقانونية و سياسية. ""
أعود إلى موضوعي حول الأسس التاريخية للعلاقات بين المغرب و موريتانيا، لأقول أن هذه العلاقات القديمة جدا عرفت عدة محطات في تطورها شملت عدة عناصر ذات أبعاد إما تصارعية أو سلمية بين البلدين الجارين. فطبيعة العلاقات بينهما كانت دائما هي المحرك الأساسي إما للحرب أو للسلام أو للتوتر أو للانفراج في منطقة المغرب العربي.
إن الحراك السياسي الموريتاني المغربي كانت تمليه معطيات سياسية، دبلوماسية، إيديولوجية، جغرافية، اقتصادية، ثقافية و دينية إقليمية او دولية بين الجارين. فالعلاقات التاريخية بين المغرب و جنوبه الصحراوي، و الأمر هنا يتعلق بالصحراء الكبرى عامة، و ولاية شنقيط (موريتانيا الحالية) خاصة، أمر ثابت تاريخيا و لا يحتاج للكثير من المراجع أو العديد من الشرح و التفسير.
قبل دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا، المخطوطات القديمة كانت تطلق اسم موريتانيا على منطقة "المور" و"الأمازيغ" (البربر)، أي المنطقة الممتدة من طنجة (تانجيس) في الشمال إلى السنغال و مالي في الجنوب، ومحدودة في الشرق بمملكة نوميديا (لمساغا) وفي الغرب بالمحيط الأطلسي.
و خلافا لما جاء في مقال للدكتور عثمان السعدي "أن الجزائر كانت موجودة منذ 5 آلاف سنة"، فإنني أؤكد أن العهد الروماني عرف عدة تقسيمات لمنطقة موريتانيا الكبرى: موريتانيا القيصرية، موريتانيا تنجتان، موريتانيا الصطيفية، و موريتانيا الصحراوية، و قد و صفها الملك جوبا الثاني الذي رسم حدود مملكته الواسعة التي كانت تضم المغرب الأقصى و موريتانيا و الصحراء الشرقية الجزائرية حاليا، وسماها بمماليك امازيغين، الذين حكموا المنطقة طيلة عدة قرون خلت. أما الجمهورية الإسلامية الموريتانية الحالية، فكانت تسمى ببلاد شنقيط قبل استعمارها من طرف فرنسا سنة 1899. فعند استقلالها سنة 1960، أصبحت هذه الدولة العربية الإفريقية ممتدة على مساحة مليون و ثمانين ألف كلم2، بلاد صحراوية قاحلة في معظمها، و لكن غنية بالنفط و الحديد و الذهب و الأسماك، إضافة إلى موقعها الجيوستراتيجي الهام. فنعمتها التي اكتشفت مؤخرا، تحولت في الوقت الحاضر إلى نقمة، بسبب الأطماع المختلفة القادمة من الجيران، و من طرف الشركات العابرة للقارات، وهذا عامل مهم في فهم عدم استقرار البلد الشقيق في الوقت الحاضر.
فموريتانيا قبل 1899 كانت تحت نفوذ و سيطرة جميع الإمبراطوريات التي حكمت المغرب الأقصى على مدى التاريخ. و كانت تسمى "بعمالة شنقيط" التي ينبغي تمييزها عن مدينة شنقيطي الموجودة في شمال أطار. فكزافي كوبولاني (Xavier Coppoloni)، الحاكم الفعلي الأول الفرنسي لموريتانيا، كثيرا ما كان يستعمل الصحراء الفرنسية في مراسلاته و مذكراته، لتمييزها عن الصحراء الإسبانية، اللتان كانتا تعتبران الامتداد الجغرافي و الطبيعي و التاريخي و الإنساني للمملكة المغربية. فموريتانيا استعمرت انطلاقا من السنغال لأسباب تجارية، منها على وجه الخصوص احتكار تجارة مادة العلك (la gomme)، ففرنسا كانت تحاول إخراج الهولنديين و الانجليز الذين كانوا يتاجرون مع سكان شنقيط في هذه المادة الحيوية للأروبيين. فقامت حروب كثيرة بين الدول الأوربية الاستعمارية على من يمتلك بلاد شنقيط، إلى أن جاءت معاهدة فرساي التي قسمت الكعكة بين الدول الأوربية، فقبائل ترارزة و لبراكنة و شنقيط و أدرار لم يستسلموا إلى فرنسا إلا بعد معارك طاحنة و مشاورات مكثفة مع المخزن المغربي، الوصي الفعلي على هذه القبائل التي كانت تعترف لسلاطين المغرب إما بسلطتهم الدينية أو الدنيوية (قبائل المخزن أو السيبة). فمقاومة الشيخ فاضل الجلامي والد الشيخ ماء العينين، زعيم قبيلة الترارزة لفرنسا تمت بقوات وأسلحة و قيادة مغربية وبأوامر من سلطان المغرب آنذاك، الذي أعلن الجهاد على الصليبين في الصحراء الكبرى، و هذه الانتفاضة الصحراوية للقبائل المغربية كانت تواجه في ذات الوقت أطماع ومصالح إمبراطوريات أوروبية أخرى كانجلترا و هولندا، اللتان كانتا تبيعان السلاح إلى المغرب قصد طرد الفرنسيين من شنقيط. أما الزاوية التيجانية التي كان مقرها الديني و السياسي بفاس، فقد لعبت هي الأخرى دورا مفصليا في معارضة الوجود الاستعماري في الصحراء الكبرى نظرا لنفوذها الواسع في المنطقة، خاصة بعد استسلام الأمير عبد القادر الجزائري، المنتمي إلى هذه الزاوية المغربية، فتاريخ المنطقة يؤكد طلب قبيلة ترارزة من السلطان المولى إسماعيل العلوي بإرسال 9000 جندي مسلح لمساندة قبائل شنقيط لصد الاستعمار الفرنسي، فالتداخل الاجتماعي و السياسي بين القبائل في موريتانيا و المغرب الأقصى أكدته الهجرات المتعددة من الشمال إلى الجنوب و العكس صحيح، حركة عرفتها المنطقة قبل التصحر واستمرت إلى الآن (موريتانيا كانت تعني اصطلاحا باللغة الفينيقية موري MAURI).
فبعد نجاح الاستعمار الفرنسي و حليفه الاسباني في الاستيطان في الصحراء الغربية الاسبانية و الصحراء الجنوبية الفرنسية، هاجرت الكثير من القبائل الموريتانية قسرا إلى المغرب، وهكذا أخمدت بالحديد و النار كل المقاومات الموريتانية و ضربت كل الزوايا و فكت كل طرق التواصل التجارية و الدينية في هذه المنطقة التي كانت ولايات مغربية حسب كل المراجع التاريخية و خاصة الفرنسية و الاسبانية و العثمانية.
فالهجرة إلى الشمال لم تتوقف حتى بعد استقلال موريتانيا الإسلامية سنة 1960، حيث هاجرت عدة عائلات شنقيطية التي كانت تساند مغربية موريتانيا و ضرورة عودتها إلى المغرب، و من بينها بعض الزعامات الوازنة و خلفاء بعض الزوايا و زعماء قبائل قوية، فالمغرب لم يعترف بهذا المولود الجديد في شمال إفريقيا ،والدي صنعته فرنسا الاستعمارية الساعية إلى فصل موريتانيا المستقلة عن فضاءها العربي والإسلامي و المغاربي وإدماجها في الفضاء الإفريقي (إفريقيا الفرانكفونية AOF). فمنذ استقلال هذا البلد العربي لم يعرف استقرارا سياسيا نظرا لعدة أسباب منها : الأطماع الإقليمية و الدولية و الجفاف و الفقر والعصبية القبلية. فالرئيس و لد داده، رحمه الله، أطيح به في انقلاب عسكري تبعته عدة انقلابات عسكرية. فالعصبية كانت دائما المحرك الأساسي في نمط التداول على السلطة. فللعلم، فموريتانيا كانت مقسمة سياسيا و اجتماعيا إلى أربعة مجموعات قبلية أساسية على رأس كل واحدة منها أميرا أو خليفة ينوب عن سلطان المغرب. هذه الإمارات ظهرت منذ عهد إمبراطورية السعديين إلى غاية 1900. مجاميع قبلية لم يحدث فيها أي تغيير جوهري إلى الآن، فهناك إمارة الترارزة، و إمارة لبراكنة، وإمارة شنقيط، و إمارة أدرار. وتفرعت عن هذه القبائل عدة كيانات صغيرة تابعة إلى القبائل الكبرى المذكورة سلفا، فإمارة شنقيط كانت جزءا لا يتجزأ من المغرب إلى حدود سنة 1920، سبع سنوات قبل ضم فرنسا لتندوف و بشار إلى مقاطعة الجزائر الفرنسية. فأصبحت كل الإمارات تابعة إلى عاصمة السنغال الاقتصادية سان لوي(Saint Louis)، فنواكشوط لم تصبح عاصمة لجمهورية موريتانيا الإسلامية إلا في سنة 1960.
علاقات الدم و التاريخ لازالت قائمة إلى الآن بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية و المملكة المغربية، بدليل أن احتفالات المغرب مؤخرا بقدوم الأميرة للا خديجة، بنت الملك محمد السادس قد احتفل بها كذلك في شنقيطي التي أعطت للمولودة الجديدة لقب مواطنة شرفية للمدينة الصحراوية الموريتانية. و هذا الإجراء الشعبي والديني الذي قد لا يفهم من طرف المؤرخين والمتتبعين الغربيين و السفسطائيين العرب، هو تعبير واضح و أخوي للعلاقات العائلية العميقة التي تجمع الدولة العلوية الشريفة و قبائل شنقيط، علاقات دفعت ببعض الموريتانيين سنة 1960 إلى المطالبة بضم المغرب الأقصى إلى الجمهورية الإسلامية الموريتانية (طلب المرحوم حمدي ولد مكناس وزير الخارجية الموريتاني و مندوبه بابا مسكي إلى الأمم المتحدة، هذا الأخير الذي تقلد فيما بعد مهام وزير خارجية الجمهورية الصحراوية الوهمية) ! لقد نوقش الموضوع في المنتظم الدولي بتشجيع جزائري و فرنسي، تحت ذريعة أن المرابطين هم موريتانيون (الملثمون)، و قد حكموا المغرب الأقصى و الأندلس لمدة قرون، إلا أن الطلب الموريتاني آنذاك انقلب إلى نكتة أو مسرحية دبلوماسية، لان إمبراطورية المرابطين كانت عاصمتها مراكش، وهذا خير دليل على التداخل بين الشعبين الموريتاني و المغربي، فالخلاف الموريتاني المغربي القصير في عمره كانت له أسباب موضوعية ترجع إلى التدخل الاستعماري و الإقليمي السلبي في الارتباطات التاريخية والإنسانية و الدينية و الثقافية بين البلدين الجارين، فلقد كان يصور المغرب بمثابة الغول الذي سوف يبتلع موريتانيا، فاعتراف المغرب باستقلال هذا البلد الشقيق أعاد اللحمة إلى العلاقات الأخوية القديمة بين الشعبين وقطع الطريق أمام كل التدخلات الأجنبية التي كانت تدفع في اتجاه القطيعة التامة بين المغرب وموريتانيا .
في هذه الظروف، انتهزت الجزائر فرصة الفراغ الدبلوماسي بين موريتانيا و المغرب رغم استمرار التواصل الثقافي و الديني و الاقتصادي بينهما للتسرب إلى كل مفاصل الدولة الموريتانية (اقتصاد،جيش،تعليم،استخبارات...الخ) إلى درجة اعتبرت من طرف المرحوم هواري بومدين "ولاية من الولايات الجزائرية" و أن "المرحوم ولد داده ما هو إلا حاكم تحت الوصاية الجزائرية" (un vice-président)، حسب تصريح المرحوم الرئيس الموريتاني ولد داده لجريدة لومند الفرنسية سنة 1978، حالة دفعت بالعسكر إلى سلسلة من الانقلابات المتكررة، فانحياز موريتانيا إلى الجزائر في الفترة الممتدة بين 1960 إلى 1969 كانت و لازالت نتائجه و تأثيراته الجيوستراتيجية قائمة إلى الآن، تحالف بني على أساس مكره أخوك لا بطل .!
إن حرق المسجد الأقصى ودعوة المغرب إلى انعقاد قمة إسلامية للبحث في الموضوع، سهل عودة موريتانيا إلى أصولها الطبيعية والإنسانية أي موريتانيا الكبرى، فالاعتراف المغربي بدولة موريتانيا الإسلامية غير من التحالفات في المنطقة رأسا على عقب، فالدولتين قامتا بتحرير الصحراء الاسبانية معا واقتسمتا الإقليم بناء على الرأي السياسي لمحكمة العدل الدولية، وطبقا لاتفاقية مدريد التي بموجبها سلمت اسبانيا للمغرب وموريتانيا الوصاية على الصحراء باعتبارها امتدادا جغرافيا وإنسانيا وتاريخيا للبلدين. فالمغرب لا يرى في موريتانيا حاجزا أو عائقا سياسيا أو دينيا أو أمنيا يقطعه عن جذوره الإفريقية، كما أن الموريتانيين بدورهم لا يرون في المغرب تهديدا مباشرا لهم .وبناء على هذا التحالف العضوي بين البلدين، نشأ محور باريس ،مدريد ،الرباط ،نواكشوط ودكار. أمام هذا الوضع الجيوستراتيجي الجديد في شمال إفريقيا و بعد التهديد و الوعيد، قام المرحوم الرئيس بومدين بعدة محاولات عسكرية للإطاحة بالرئيس ولد داده مستعملا كتائب البوليساريو المؤطرة و المسلحة من طرف الجزائر، و بعد فشلها، قامت الجزائر بتحريك بعض الضباط الموالين لها، دافعة بهم في عمليات انقلابية متتالية للإطاحة بالشرعية الدستورية وهذا ما تم بالفعل. أما مصالح الجزائر و أهدافها في موريتانيا خلال تحالفها الغير الطبيعي من سنة 1960 إلى 1975، فيمكن تلخيصها في ثلاثة نقط أساسية هي : أولا الوصول إلى المحيط الأطلسي و محاصرة المغرب عدوها الإيديولوجي من الجنوب، وثانيا تصدير حديد مناجم غار الجبيلات عبر ميناء نواديبو، و ثالثا تكوين نخبة موريتانية تعمل لصالحها و لفائدتها في المنطقة.
فجمهورية موريتانيا الإسلامية هي بلد فقير و هش من الناحية السوسيواقتصادية، و سكانها البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة لم تقوى على الصمود أمام الحصار و الضربات الجزائرية، من 1976 إلى تاريخ استرداد وادي الذهب، الجزء الآخر من إقليم الصحراء الاسبانية الذي استرجعه المغرب تحت المطالبة الملحة لسكانه وقبائله، فمطالب موريتانيا في الصحراء الاسبانية كانت ضعيفة و لا تقوم على أية أرضية لا تاريخية و لا سياسية، ولم تكن هناك رغبة شعبية أو مصلحة مادية في الموقف الموريتاني، الذي لا يمكن تفسيره إلا بالتشجيعات الفرنسية والجزائرية السرية و العلنية بغية محاصرة المغرب.
إن موريتانيا الآن واقفة أمام مفترق طرق خطير، و إن البلد الوحيد القادر على مساعدتها للخروج من مخلفات الحركة التصحيحية التي أطاحت بالرئيس ولد الشيخ عبد الله هو المغرب، لأن هذا الأخير، له حلفاء أقوياء في المعسكرين المتخاصمين، فعلى الدبلوماسية المغربية بذل كل ما في وسعها دون مماطلة أو إملاءات أو انحياز لطرف على حساب الآخر وجر جميع الفرقاء إلى طاولة المصالحة الموريتانية الموريتانية، فأهل هذا البلد قادرين على تجاوز المحنة إذا سلمت النيات وكف الفاعل الخارجي من التدخل في الشؤون الداخلية لموريتانيا لتأجيج الأزمة.
لهذه الأسباب التاريخية و الإنسانية و الدينية و الجغرافية، يمكن القول أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، هو الرجل الوحيد في المنطقة القادر على فك ألغاز الأزمة الموريتانية وإعادة اللحمة إليها، نظرا لتوفره على رصيد محترم عند الأطراف المتصارعة، شريطة أن يطلب منه التدخل للوساطة و شريطة أن تكف الأيادي الإقليمية و الدولية عن خلط الأوراق داخل هذا البلد العربي الشقيق الذي يحتاج إلى تعاون الجميع في المنطقة.، و هنا أساند موقف الرئيس السنغالي و أحد حكماء إفريقيا السيد عبد الله واد القائل بأن فرض عقوبات على الحركة التصحيحية و الإستقواء بالخارج لن يحلا الصراع داخل هذا البلد، لان الشرعية الدستورية لم تجهض بأكملها، فلازالت كل المؤسسات تشتغل و لازال الدستور يحفظ و يحمي حقوق الأغلبية و الأقلية. فلا مصلحة لأحد في صوملة الشعب الموريتاني أو بلقنة موريتانيا.أما أنا فاعتقد أن سبيل الخروج من الأزمة، و هذا على سبيل النصيحة، فيكمن في إطلاق سراح الرئيس المخلوع محمد ولد الشيخ عبد الله، وتكوين مجلس رئاسي مؤقت مكون من ثلاثة أشخاص: واحد يمثل العسكر والثاني يمثل المعارضة تحت إشراف رئيس المحكمة الدستورية، وتكون مهمة هذا المجلس المؤقت تنظيم انتخابات رئاسية جديدة في أجل لا يتعدى العام. و في إطار هذه الصيغة السياسية المدنية، يمكن للجميع بما فيهم زعيم الحركة التصحيحية والرئيس المخلوع تقديم ترشيحاتهم إلى الرئاسيات القادمة مع المرشحين الآخرين،ويبقى الشعب الموريتاني الفيصل بين الجميع وذلك تحت إشراف دولي. إن هذا الكلام ليس كما يعتقد البعض سفسطة أو هذيانا أو إثارة لجدل عميق، بل هو عين العقل و رسالة محبة و أخوة للشعب الموريتاني بأكمله.
ذ.عبد الرحمن مكاوي
أستاذ العلاقات الدولية/جامعة الحسن الثاني
خبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.