أسعار النفط تتراجع    ترامب يرد على إعلان ماسك تأسيس حزب جديد    رداً على ادعاءات مغلوطة.. إدارة سجن رأس الماء بفاس توضح حقيقة تعرض سجناء للابتزاز    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    استثمار صيني جديد يعزز الزراعة الذكية في المغرب لمواجهة تحديات الماء والمناخ    رئيس جزر القمر يشيد بالشراكة الاستراتيجية مع المغرب    منع الباحث أحمد ويحمان من دخول افتتاح المنتدى العالمي للسوسيولوجيا    رئاسة النيابة العامة تطلق دورة تكوينة للأطباء الشرعيين حول بروتوكول إسطنبول    النواصر ضواحي الدار البيضاء: مصرع فتى غرقا إثر سقوطه في حوض مائي غير محروس    القوات المسلحة الملكية ستحول "برج دار البارود بطنجة" إلى فضاء ثقافي مفتوح أمام العموم    بنسعيد يوقع على مذكرة تفاهم مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية لحماية التراث الثقافي المغربي    الرباط: انطلاق أشغال المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا بمشاركة باحثين من أزيد من 100 بلد    الانتخابات الجزئية… رسائل صناديق الاقتراع    بنكيران بين "أحواش" و"موازين": رقصة على حبل التناقضات        الإصابة تبعد موسيالا لاعب بايرن ميونيخ عن الملاعب لمدة طويلة        إدانة لترهيب المبلغين عن الفساد ومطالب بالتحقيق والمحاسبة في ملفات الفساد بمراكش    هيئات أمازيغية ترفع دعوى ضد الحكومة بسبب تأخير تعميم تدريس اللغة الأمازيغية إلى 2030    اتفاقية لإدماج 110 من الأطفال والشباب في وضعية هشة بالدار البيضاء                    أعمو: جهة سوس ماسة تشكو ارتفاع المديونية وضعف المداخيل وتعثر مشاريع مهيكلة    توسيع صادرات الأفوكادو يثير الجدل بالمغرب في ظل أزمة الجفاف    سلسلة بشرية في الدار البيضاء ترفع أعلام فلسطين وتندد ب"الإبادة" في غزة    أبرزهم أوناحي.. أولمبيك مارسيليا يُنزل 6 لاعبين إلى الفريق الرديف    طوفان الأقصى: عودة إلى نقطة الصفر    محمد بهضوض... الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم    التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    بالأرقام.. المغرب في طليعة الذكاء الاصطناعي: نحو ريادة عالمية برؤية شاملة وأخلاقيات راسخة    الأساتذة المبرزون يصعّدون احتجاجهم ضد وزارة التربية الوطنية ويدعون لاعتصام وطني بالرباط    تراجع الذهب نتيجة التقدم في تمديد مهلة الرسوم الجمركية    افتتاح متحف للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو في هونغ كونغ    فيضانات تكساس.. ارتفاع حصيلة القتلى إلى 82    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    نتنياهو في واشنطن لبحث هدنة غزة    رئيس وزراء ماليزيا: "البريكس" أمل الجنوب العالمي لنظام دولي أكثر عدلاً    فيروس غامض ضواحي الناظور.. والمصابون يشكون آلاما حادة في المعدة والأمعاء    منتج غذائي يتناوله المغاربة كثيرا.. الأطباء: تجنبوه فورًا    المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان يرفض مشروع قانون تنظيم المجلس الوطني للصحافة ويعتبره «نكسة دستورية»    لفتيت يكشف أرقاماً صادمة عن الجريمة بالمغرب    "لبؤات الأطلس" يتدربن في المعمورة    النيجيريات يهزمن التونسيات بالبيضاء    جمال موسيالا يغيب لفترة طويلة بسبب كسر في الشظية    اللاعب المغربي محمد أوناجم ينضم إلى نادي كهرباء الإسماعيلية    "الطعريجة".. رمز متجذر في احتفالات المغاربة بعاشوراء    القهوة تكشف سرا جديدا.. "إكسير الشباب" يعزز صحة الأمعاء ببكتيريا نافعة    بومداسة يوقع "إثنوغرافيا الدرازة الوزانية"    الوعي الزائف:رسالة إلى امرأة تسكنها الأوهام!    غويركات يرثي محمد بهضوض.. "الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم"    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نكبة الغوطة.. وسؤال العدالة في العقيدة الإسلامية؟
نشر في هوية بريس يوم 27 - 02 - 2018

يتابع العالم هذه الأيام بالصوت والصورة مشاهد نكبة غوطة دمشق؛ التي يمارس فيها الإرهابيون الروس وعملاؤهم وحلفاؤهم مجازر مروعة لا ترقب في مسلم إلا ولا ذمة، ولا تراعي حرمة شيخ مسن ولا طفل بريء ولا امرأة ولا جريح..
إرهاب تجاوز كل الحدود؛ يجاهر به الروس وكلبهم بشار العالم كله، وتقره وتدعمه السياسة الإيرانية المجرمة، كما يدعمه النظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا وحلفائها الأوروبيين...
ولو كان هذا الدم الذي يسفك؛ دم أقلية نصرانية أو يهودية لتدخلت دول ومنظمات هذا النظام بشكل صارم؛ لكنه دم الأطفال المسلمين.. فلا داعي لهذه الصرامة.
إن أخطر ما يتحمله الإنسان في هذه الحياة من مسؤولية التكليف: واجب الحفاظ على العدالة وصيانة حرمة الروح الإنسانية، ومنع أنواع الظلم؛ وفي مقدمتها الظلم الذي يؤدي إلى سفك الدماء وانتهاك تلك الحرمة..
ولقد كان سلوك سفك الدماء؛ هو أول إشكال استشكل حول الوجود الإنساني على هذه الأرض:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30].
وقد روي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من علماء التفسير؛ أن الله تعالى إنما سمى الإنسان خليفة لأنه مكلف بأن يخلف الله في إقامة الحق والحكم بالعدل بين المكلفين عند وقوع التظالم بينهم؛ كما في قوله تعالى عن نبيه داود: {إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق}.
ونتعلم من جواب الله عز وجل لاستشكال الملائكة؛ أن الإرادة الإلهية شاءت أن يؤدي الإنسان واجب المحافظة على العدل واجتناب أنواع الظلم؛ وأن يوجد بين الناس المستخلفين في الأرض من يقاوم الظلم: {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}؛
أي: أعلم أنه سيكون منهم صالحون مصلحون؛ يكرهون الفساد وسفك الدماء كما تكرهونه أنتم؛ ويقاومون ذلك استجابة لتكليفنا وعملا بشرعنا ..
فمقاومة الإفساد والظلم هو من أهم التكليفات الإلهية للإنسان؛ وقد بيّن الله عز وجل في وحيه إلى الإنسان؛ أنه سيحاسبه على كل ما يرتكبه من ظلم؛ {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان:19].
وكان من مشاهد يوم القيامة التي أخبرت عنها العقيدة الإسلامية أنه سيقتص للحيوان من نظيره في ذلك اليوم؛ إشارة إلى حتمية القصاص وكماله، وأن العدالة الإلهية ستستأنف على العدالة الإنسانية، وأنه لن يضيع حق فرطت فيه هذه الأخيرة...
كما بينت العقيدة الإسلامية بأن أول المظالم التي سوف يتم البث فيها هي تلك المتعلقة بالدماء:
عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء». متفق عليه.
لا يملك الإنسان العاجز الكاره لما ارتكبه ويرتكبه الإرهابيون الظالمون من مجازر؛ إلا أن يعزي نفسه بقطعيات العقيدة الإسلامية التي تبين المآل المستحق للظالمين الذين يفسدون في الأرض بسفك الدماء؛ وأن العدالة الإلهية ستقابل ظلمهم بالعقوبة المناسبة لحجم تلك الجرائم، وأن كل من أسهم أو أقر فسوف يأخذ حظه من تلك العقوبة؛ حسب حجم إسهامه:
قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم: 43-52].
إن هذا النص القرآني ليروي ظمأ الإنسان المتعطش لانتصار العدالة، الحائر في الجواب عن سؤالها الذي يؤرق كل ضمير حي ..
فالله تعالى غير غافل عما يرتكبه الظالمون من مجازر فظيعة؛ وإنما اقتضت حكمة التكليف والابتلاء بخلق الموت والحياة أن يؤخرهم ليوم سيظهرون فيه أمام العالم بمظهر فظيع: {تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}.
{مُهْطِعِينَ} أي: مسرعين إلى محكمة العدالة الإلهية؛ غير قادرين على الإفلات منها، {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} أي: رافعيها قد غُلَّتْ أيديهم إلى الأذقان، فارتفعت لذلك رءوسهم، {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} أي: أفئدتهم فارغة من قلوبهم؛ قد صعدت إلى الحناجر من شدة الخوف والارتجاف من العقوبة.
إن الظالم لن ينجو بظلمه، وإنه سيحاسب عليه أمام الملأ كما ارتكبه أمام الملأ؛ والمؤمنون الذين يتألمون اليوم بسبب ظلم الكفرة الذين لم تبق في قلوبهم ذرة من الإيمان بالعدالة الإلهية ويوم الحساب؛ أولئك المؤمنون سوف ينتشون غدا بما يحل بظالميهم من أنواع العقاب والقصاص: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}.
والثواب هنا هو ما يثوب؛ أي يرجع إلى فاعله؛ جزاء ما عمله من خير أو شر.
والثواب هنا: عقاب شديد يكافأ حجم الظلم الذي وصفه الله تعالى بالمكر الذي تكاد تزول من هوله وفظاعته الجبال ..
فكيف يتحمله الإنسان الذي يرتكبه؟؟
وكيف يتحمله الإنسان الذي يقره أو يدعمه؟؟
{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ} أي: يوم القيامة {مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ} أي: يسلسلون بسلاسل من نار ويقادون إلى العذاب في أذل صورة وأشنعها وأبشعها:
{سَرَابِيلُهُمْ} أي: ثيابهم {مِنْ قَطِرَانٍ} وذلك لشدة اشتعال النار فيهم وحرارتها ونتن ريحها، {وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} أي: تحيط بها وتصلاها من كل جانب، وغير الوجوه من باب أولى وأحرى؛
كل ذلك {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} من خير وشر بالعدل والقسط الذي لا جور فيه بوجه من الوجوه، ولا يسمح بضياع حق المظلومين المضطهدين الذين فرطت في حقهم العدالة الإنسانية.
إن هذا المصير الحتمي الذي وضحته العقيدة الإسلامية يدفع كل إنسان يريد السلامة من عقوبة إقرار الظلم؛ أن يضاعف مجهوده ويستنفذه للحيلولة دون استمرار الظلم وتمادي الظالم، ويتفاوت حجم المسؤولية في ذلك من إنسان إلى آخر حسب موقعه وقدرته؛ وأول من ينبغي أن يتحمل مسؤوليته فيما حل بحلب وغوطة دمشق..؛ هم قادة وصانعو سياسات الدول الإسلامية الذين فرطوا في القضية السورية وباعوا الدم السوري، بل منهم من تاجر بالقضية وتعمد خيانة الدم السوري..؛ فالويل له من عذاب يوم أليم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.