مهرجان "موغا" يعود إلى مدينته الأصلية الصويرة في دورته الخامسة    إقليم بني ملال: إنهاء الشكل الاحتجاجي لشخص اعتصم فوق خزان مياه بجماعة أولاد يوسف    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    حادثة اصطدام مروعة بين دراجتين ناريتين تخلف قتيلين ومصابين بتطوان    اجتماعات بالرباط للجنة التقنية ولجنة تسيير مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي    لبؤات الأطلس في لقاء مصيري أمام منتخب السنغال للحسم في سباق التأهل    برشلونة يخطط لافتتاح "كامب نو" بحضور وتكريم النجم ليونيل ميسي    جلالة الملك يهنئ رئيس الجمهورية الديموقراطية لساو طومي وبرانسيبي بمناسبة ذكرى استقلال بلاده        غزة.. مفاوضات وقف إطلاق النار تواجه "تعثرا نتيجة إصرار إسرائيل على الإبقاء على سيطرتها على 40 في المائة من القطاع"    ليفربول الإنجليزي يعلن سحب القميص رقم 20 تكريما للاعبه الراحل ديوغو جوتا    الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"            "البام": مسيرة آيت بوكماز تؤكد الحاجة إلى مكافحة هشاشة الجماعات القروية    عائلات المختطفين مجهولي المصير تحتج بالبيضاء للمطالبة بالحقيقة كاملة في ملف ضحايا الاختفاء القسري    أخرباش تحذر من مخاطر التضليل الرقمي على الانتخابات في زمن الذكاء الاصطناعي    شركات مغربية تفوز بصفقة تهيئة طريق ملعب بنسليمان استعدادا لمونديال 2030    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    الجزائر وباريس .. من وهم الذاكرة إلى صدمة الصحراء    الصين- أمريكا .. قراءة في خيارات الحرب والسلم    تونس في عهد سعيّد .. دولة تُدار بالولاء وتُكمّم حتى أنفاس المساجين    إيران تنفذ حكم الإعدام العلني ضد "بيدوفيل قاتل"    تواصل الانتقادات لزيارة "أئمة الخيانة والعار" للكيان الصهيوني    فرنسا تدين طالبًا مغربيًا استبدل صور طلاب يهود بعلم فلسطين    أغنية "إنسى" لهند زيادي تحصد نسب مشاهدة قوية في أقل من 24 ساعة    عبد العزيز المودن .. الآسَفِي عاشِق التُّحف والتراث    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    الركراكي يترقب انتقالات لاعبي المنتخب المغربي خلال "الميركاتو" قبيل مباراتي النيجر والكونغو    اجتماع بمراكش لاستعراض سير المشاريع المبرمجة في أفق تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030    "البيجيدي" يطلب رأي المؤسسات الدستورية بشأن مشروع قانون مجلس الصحافة    57 ألفا و823 شهيدا حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء الحرب    تقرير: المغرب يحتل المرتبة 95 عالميا في جودة الحياة والمرتبة 59 في الفرص الاقتصادية    عقوبات أميركية تطال قضاة ومحامين بالمحكمة الجنائية لإسقاط مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    أولاد يوسف.. تدخل أمني ناجح لتحييد شخص اعتدى على عنصر من الوقاية المدنية وتحصن ببرج مائي    بعد تزايد حالات التسمم.. أونسا يؤكد أن "الدلاح" آمن    انتحار معتصم أولاد يوسف "شنقا" بإلقاء نفسه من فوق الشاطو    كيوسك الجمعة | عملية مرحبا.. إسبانيا تشيد ب"التنسيق المثالي" مع المغرب    حكمة جزائرية تثير الجدل في كأس أفريقيا للسيدات بعد نزع شعار "لارام"..    الدوري الماسي.. سفيان البقالي يفوز بسباق 3000م موانع في موناكو    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    البرلمانية عزيزة بوجريدة تسائل العرايشي حول معايير طلبات عروض التلفزة    انقلاب سيارة بطنجة يُسفر عن 7 إصابات    سعر صرف الدرهم يرتفع مقابل الأورو    "وول مارت" تستدعي 850 ألف عبوة مياه بسبب إصابات خطيرة في العين    المغرب يفتح باب المنافسة لمنح تراخيص الجيل الخامس "5G"        بورصة البيضاء تنهي جلسة الجمعة بارتفاع    الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى تعلن تأسيس شبكة وطنية لتعزيز التعاون بين الهيئات والجمعيات المهنية    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    نوستالجيا مغربية تعيد الروح إلى شالة في موسم جديد من الاحتفاء بالذاكرة    الحكومة تصادق على مشروع قانون لحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقول غارقة في الأجساد الخارقة
نشر في هوية بريس يوم 23 - 08 - 2022

الكثير من هذا الجيل الجديد مفتون بالخارقين وأجسادهم مفتولة العضلات. ولم يكن الجيل القديم مختلفا عن ذلك في الصغر من حيث الإعجاب بقدرات الشخصيات الخيالية. على أن المشهور منها في ذاك الوقت كان قليلا جدا مقارنة بما يُبتَعد الآن في الغرب والشرق كل يوم. لكن الفارق هنا أن الصورة النمطية للعضلات المفتولة ودلالاتها آنذاك، لم تكن على هذا القدر من التعظيم اليوم. وأن حسابات الأطفال لأهمية حجم العضلات ودورها في تضخيم الجسد، أصبح يتم في مرحلة مبكرة من العمر لدى مشاهدتهم الإعلام المرئي وصناعات الترفيه المتمثلة بشخصيات (مارفل) و(دي سي) وغيرها من أفلام الحركة والتشويق. وليست هناك دراسات عديدة ووافية على تأثير هذه التصاوير لقياسات أجساد يصعب الحصول والمحافظة عليها. لكن ما ينجم عنها كما تشير الدراسات المتاحة من اضطرابات نفسية في المستقبل على الذكور مشابه لنظرة الإناث لجسد دمية (باربي) ذات المقاييس المستحيلة وازدراء أجسادهن عند البلوغ.
في دراسة أعدّتها جامعتي سيدني وأوكلاهوما بجهود مشتركة على أطفال وزّع عليهم ألعاب تجسد شخصيات خارقين خيالية قبل 25 سنة وأخرى حديثة، فضّل 86% منهم (ذكورا وأناثا) اللعب بالنسخ الحديثة. والسبب الرئيسي لذلك هو كما أجاب الأطفال اختلاف حجم عضلات الجسد وبروزها. الدراسة وجدت أن القيمة المعطاة لصورة الجسد المثالية عند الأطفال أكبر من القيمة المعطاة لقدرة الجسد نفسه على تحقيقه. الأمر الذي يؤدي عند نموهم في جسد هزيل أو مترهل لقلة احترام الذات والثقة بالنفس. ثم ما يلبث أن يلجأ المراهق لتكبير عضلاته وبنيته عبر مختلف الأساليب. لذلك، كانت النصيحة في الدراسة للأهالي هو سؤال أطفالهم عن فكرتهم عن صورة الأجساد الحقيقية والقدرات المرتبطة بها، وتشجيعهم على الرياضات التي تنمي مهاراتهم وقدراتهم إذا ما لمسوا إعلاء لشأن (Body Image) في تصورهم. أما مصنّع الألعاب فهو يصرح بتتبعه الإعلام المصور في التغييرات الطارئة على الشخصيات الخارقة، فلا حيلة له في تغيير ما يشاهده الأطفال ويرغبون باقتنائه.
إن تصوير الإعلام لحجم العضلات باطراد مع ازدياد قدرات البشر مثل القوة الجبارة واللياقة الممتازة والأداء العالي والسرعة القصوى والتحمل القاسي بشقيه النفسي والفيزيائي لهو تصوير خاطئ مشوه. الحقيقة الصادمة لعامة الناس هي أن العضلات البارزة لا علاقة مباشرة لها بتنمية قدرات الإنسان ووظائفه الحركية. بل على العكس، النمو الزائد لبعض هذه العضلات قد يعوق تطويرها! كما أن حجم العضلات لا يتناسب بالضرورة مع قوة الجسد ككل! وليس هذا رأي شخصي، بل مفاد الأبحاث المتخصصة في هذا المجال. ومن يتابع مثلا بطولات أقوى رجل في العالم، ومصارعة الأذرع، وأكثر الرجال لياقة، ومسابقة تحديات رجال لإطفاء وغيرها مما يبرع فيها أشداء العزم، يدرك بكل سهولة أن المراهنة على أكثر المشاركين إبرازا لحجم عضلاتهم وتناسقها هو رهان خاسر على الأغلب.
مثلا أسرع عداء مئة متر وصاحب الرقم القياسي (أوسين بولت) لا يملك نصف العضلات البارزة للشخصية الخارقة (فلاش). و(توم ستولتمان) أقوى رجل في 2022 بالكاد تبرز عضلات صدره وتغيب عضلات بطنه تماما مقارنة بشخصية خارقة القوى مثل (سوبرمان). لكن في نفس الوقت، هناك الكثير ممن ينافس صور أجساد أبطال (مارفل) و(دي سي) من أبطال رياضة بناء الأجسام بتناسق العضلات المفتولة في جسده الضخم لكن لا يستطيع أن يأتي بنصف الجهد المبذول في تلك الأرقام القياسية للسرعة والقوة والتحمل. لأن التركيز في رياضة مثل كمال الأجسام يعتمد فعليا على المنافسة أولا وآخرا في شكل الجسد دون قدراته. صحيح هي رياضة تحتاج لانضباط صارم وتحكم في الشهية وغيرها من الإمكانات التي تساعد المرء في المواظبة على العمل. لكنها ليست رياضة بالمعنى الذي يجعل جسدك أكثر ملائمة لمواجهة متطلبات الحياة. بل ربما تفرض متطلبات خاصة بالجسد، كتغيير الملابس والسرير ومن الممكن السيارة نفسها. كما قد تصعّب استخدام المرافق والخدمات العامة، مثل استعمال حمام عمومي أو مشاركة الجلوس في كرسي المترو.
هناك فرق بين تمارين تقوية العضلات Strengthen وتمارين زيادة حجم خلاياها Hypertrophy. الأولى تزيد من قوة الجسد بشكل أساسي أما الثانية فهي تهدف أساسا إلى إبراز الشكل العضلي للجسد. إذا أمعنت النظر في معدات النادي الرياضي Gym والتمارين الشائعة، ستجد أن القسم الأكبر منها يعتمد على فكرة عزل العضلة المطلوبة. بمعنى أن تؤدي تمرين يعتمد على تكرار رفع أو دفع أو سحب وزن لكن في وضعية معيّنة لا تسمح لعضلات جسدك الأخرى بالمساعدة. تقوية العضلات تحتاج إلى ممارسة تحدي الأوزان العالية بتكرار بسيط، في حين إبراز العضلة يحتاج إلى تكرار عالي للتمرين بوزن معتدل نسبيا والمجموعات يتخللها فترات راحة قصيرة. ما سيحدث بعدها إحداث تمزقات بسيطة جدا داخل النسيج العضلي، الأمر الذي يستدعي الجسد لمعالجة هذه التمزقات بإرسال مغذيات بروتينية تنمّي المزيد من النسيج العضلي حول هذه التمزقات الطفيفة حتى تستطيع العضلة التمدد للقيام بهذا التمرين وما يشابهه في استهداف العضلة ذاتها. وهو ما يقصد بتحفيز نمو العضلة والاستشفاء.
لذلك البرنامج الأسبوعي لمرتادي الجيم يوزّع مجموعة من التمارين في كل يوم تستهدف عضلات رئيسية مختلفة عما قبلها وما بعدها لإتاحة الفرصة للعضلة بالتعافي. كما يعتمدون بشكل أساسي على حمية البروتين ومكملاته الغذائية والابتعاد عن الكربوهيدرات مع حساب السعرات الحرارية بهدف تنشيف الجسد من الدهون قدر الإمكان. والنتيجة من هذا كله، هو عضلات بارزة توحي بأن صاحبها يمارس رياضات قاسية، لكن العضلات فعليا لم تدرّب على التوافق والتعاضد الحركي. فإذا ما وضع هذا الشخص تحت اختبار قدرة التحمل endurance في تمارين للّياقة الحركية مثل CrossFit، ستجد أنه يفتقد للياقة والطاقة والتوازن وسرعان ما ستخور طاقته وينسحب. لأن تمارين المقاومة المتكررة لا ترفع من معدل ضربات القلب بنفس الكيفية التي تحقق جهد عالي يدفع بقدرة العقل والجسد لمزيد من التحمل Stamina مثل الألعاب الأولمبية. كما أن الإكثار من تمارين الكارديو يمكن أن يقلل من البنية العضلية، فيمارسها لاعب كمال الأجسام ضمن ضوابط.
قلة هم من يذهبون للنادي وهم يعلمون تحديدا ما هي أهدافهم في تنمية قدراتهم مثل تقوية العضلات والتي بدورها تقوي العظام وتحرق الدهون. وكثيرا ما تكون هذه الأهداف مرتبطة بمهنة تحتاج حركة وجهد بدني أو رياضة أخرى تتطلب تعزيز الجسد أو حتى تعويض خمول الجسد في وظيفة مكتبية. يمكن لهؤلاء الاستفادة من الأجهزة والمعدات الرياضية لتحقيق هذه الأهداف وغيرها. وعلى أية حال فهذه التمارين أفضل من الاسترخاء على كنبة بعد يوم طويل ومشاهدة مسلسلات وأفلام بشكل روتيني. لكن الكثير من المراهقين والشباب، يذهبون للنادي بهدف تشكيل الجسد على هيئة الأبطال. تجدهم مدفوعين بالرغبة في اكتساب ثقة أكبر بالنفس أو تميز بين الأقران أو قبول أوسع من الجنس الآخر. بل أن البعض ممن أصابهم الهوس، أصبح يطمح فقط للألقاب والجوائز والأموال من الاشتغال كعارض أزياء أو انفلونسر. وليس لديهم مشكلة في تجربة الممنوعات من حقن الهرمونات الضارة أو ما يشار له بCycled ولو أدى بهم ذلك للعجز الجنسي والعقم. أو حتى اختصار جميع الجهود واللجوء لأخذ إبر زيت في العضلات (سينثول) لنفخها دون الاكتراث بعواقبها الخطيرة.
فهذا التوجه للانشغال بشكل الجسد لا يختلف عن الانشغال بالمظاهر عموما مثل ارتداء ملابس لماركات معروفة واقتناء مستلزمات وكماليات ثمينة، وغاية الفرد من هؤلاء أن يوحي للآخرين بما هو ليس عليه من ثراء حقيقي. فتراه ينشر صوره في سيارة فارهة وهو شبه عاري الصدر والبطن وكأنه يقول للناس انظروا لمالي الكثير وقوة جسدي، ولا نعلم كيف يأمن على نفسه من الكبر وحرمة دخول الجنة. نعم إن لبدنك عليك حقاً، والإسلام يأمر بالمحافظة على الجسد وإكرامه ومعالجته في المرض وسيسأل المرء يوم القيامة عن جسده فيما أفناه. لكن الاهتمام بالشكل الخارجي والانشغال بتحقيق مقاييس جمالية يضعها البشر وتتغير مع الوقت، فذلك من هدر الطاقات بلا طائل حقيقي في الآخرة للنفس البشرية ولا منفعة للآخرين في الدنيا. ناهيك عن الافتتان في الجسد أولا دون الخصال الحميدة والأفعال الحسنة. كما أن فرص خيبات الأمل تزداد عند تطور العضلات دون تماثل أو تناسق، فيعطي صاحبها تصريحا للتدخلات الكيميائية والجراحية لتعمل في جسده وتغيره على النحو الذي يصبو إليه وهو يظن أنه يحقق ما يستحسنه. وغاب عن عقله أن الصورة التي يستحسنها قد زرعت في عقله مسبقا لما استحسنه الآخرون وجمّلوا صورته لكي تختزل جميع القدرات المرغوبة في شكل الجسد فقط. فأين الحفاظ على صحة الجسد بعد كل هذا وبذل قوته في الخير والمعروف بين الناس وتعمير الأرض؟
* موقع السبيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.